المجموع : 31
هَبَطَ الأَرضَ كالشعاعِ السنيِّ
هَبَطَ الأَرضَ كالشعاعِ السنيِّ / بعصا ساحرٍ وقلبِ نبيِّ
لمحةٌ من أشعَّةِ الرُّوح حلَّتْ / في تجاليدِ هيكلٍ بشريِّ
ألهمتْ أصغريْهِ من عالِم الحك / مةِ والنُّورِ كلَّ معنىً سريِّ
وحَبتْهُ البيانَ رِيّاً من السح / ر به للعقول أعذبُ رِيِّ
حينما شارَفتْ به أفقَ الأر / ضِ زَها الكونُ بالوليد الصبيِّ
وسبَى الكائناتِ نور محيَّا / ضاحكِ البشرِ عن فؤادٍ رضيِّ
صُوَرُ الحسن حُوَّمٌ حول مهدٍ / حُفَّ بالوردِ والعَمَارِ الزكيِّ
وعلى ثغرِهِ يُضيءُ ابتسامٌ / رَفَّ نوراً بأرجوانٍ نديِّ
وعلى راحتيهِ ريحانةٌ تنْدَ / ىَ وقيثارةٌ بلحنٍ شجيِّ
فَحَنَتْ فوق مهده تتملَّى / فجرَ ميلادِ ذلك العبقريِّ
وتساءلنَ حيرةً مَلَكٌ جا / ءَ إلينا في صورة الإنسيِّ
من تُرَى ذلك الوليدُ الذي هش / شَ له الكونُ من جمادٍ وحيِّ
من تراه فرنَّ صوت هتوف / من وراءِ الحياة شاجي الدويِّ
إنَّ ما تشهدونَ ميلادُ شاعرْ /
كان وجهُ الثرى كوجهِ الماءِ
كان وجهُ الثرى كوجهِ الماءِ / رائقَ الحسنِ مستفيضَ الضياءِ
حينَ ولى الدّجى وأقبلَ فجرٌ / واضحُ النورِ مشرقُ اللألاءِ
بَهَجٌ في السماءِ والأرض يُهدى / من غريب الخيالِ والإيحاءِ
صفَّقتْ عنده الخمائلُ نشوى / وشدا الطيرُ بين عودٍ وناءِ
مَظْهَرٌ يبهرُ العيونَ وسحرٌ / هَزَّ قلبَ الطبيعةِ العذراءِ
وجلا من بدائع الفنِّ روضاً / نمَّقَتْهُ أناملُ الإغراءِ
ما الربيعُ الصَّناعُ أوفى بناناً / مِنْهُ في دِقةٍ وحسنِ أداءِ
نَسَقَ الأرضَ زينةً وجلاها / قَسَماتٍ من وجههِ الوضَّاءِ
ربوةٌ عند جدولٍ عند روضٍ / عند غيضٍ وصخرةٌ عند ماءِ
فَزَها الفجرَ ما بدا وتجلَّى / وازدهى بالوجودِ أيَّ ازدهاءِ
قال لم تُبْدِ لي الطبيعةُ يوماً / حين أقبلتُ مثلَ هذا الرُّواءِ
لا ولم يَسْرِ مِلءَ عيني وأذني / مثل هذا السَّنى وهذا الغناءِ
أيُّ بشرى لها تجمَّلت الأر / ضُ وزافتْ في فاتناتِ المرائي
علَّها نُبِّئَتْ من الغيب أمراً / حَمَلَتْهُ لها نجوم المساءِ
قال ماذا أرى فردَّدَ صوت / كصدى الوحي في ضمير السماءِ
إنَّ هذا يا فجرُ ميلادُ شاعِرْ /
كان فجرٌ وكانَ ثمّ صباحُ
كان فجرٌ وكانَ ثمّ صباحُ / فيهِ للحسن غُدوة ورِواحُ
بكَرَتْ للرياض فيه عذارى / تزدهيهنَّ صبوةٌ ومراحُ
حين لاحَتْ لهنَّ هتافٌ / وعَلَتْ بالدعاءِ منهنَّ راحُ
قلنَ ما أجملَ الصباحَ فما حل / لَ على الأرضِ مثلُ هذا صباحُ
فتعالوا بنا نغنِّي ونلهو / فهنا اللهوُ والغناءُ يُتاحُ
وهنا جَدولٌ على صفحتيهِ / يرقصُ الظِّلُّ والسَّنى الوضَّاحُ
وعلى حافتيه قام يغني / نا من الطير هاتف صدَّاحُ
وفَرَاشٌ لَهُ من الزَّهرِ ألوا / نٌ ومن ريِّق الشعاعِ جناحُ
دَفَّ في نشوةٍ يناديه نُوّا / رٌ وعِطرٌ من الثرى فوَّاحُ
وهنا رَبوَة تلألأ فيها / خضرةُ العشبِ والنَّدى اللماحُ
ونسيمٌ كأنه النَفَسُ الحا / ئرُ تُصغي لهمسِهِ الأدواحُ
مثلَ هذا الصباحِ لم يَلِد الشر / قُ ولم تنجِب الشموسُ الوِضاحُ
لكأنَّا بالكونِ أعلامُ ميلا / دٍ وعرسٌ قامت له الأفراحُ
أيَّ حُسنٍ نرى فردَّدَ صوتٌ / شبهَ نجوى تُسرها أرواحُ
إنَّ هذا الصباحَ ميلادُ شاعرْ /
وتجلَّى المساءُ في ضوءِ بدر
وتجلَّى المساءُ في ضوءِ بدر / وشُفوفٍ غُرِّ الغلائلِ حُمرِ
وسماءٍ تطفو وترسب فيها ال / سحبُ كالرغوِ فوق أمواج بحرِ
صور جَمّةُ المفاتنِ شتَّى / كرؤى الحلمِ أو سوانحِ فكرِ
لا ترى النفسُ أو تحسُّ لديها / غير شجوٍ يفيضُ من نبعِ سحرِ
أُفُقُ الأرضِ لم يزَلْ في حواشي / هِ صدىً حائرٌ بألحانِ طيرِ
وبأحنائِهِ يَرفُّ ذماءٌ / من سنى الشمس خافقٌ لم يقرِّ
وعلى شاطئ الغدير ورودٌ / أغمضتْ عينها لمطلعِ فجرِ
وسرى الماءُ هادئاً في حوا / فيه يُغنِّي ما بين شوكٍ وصخرِ
وكأنَّ النجومَ تسبَحُ فيه / قبلاتٌ هَفَتْ بحالمِ ثغرِ
وكأنَّ الوجودَ بحرٌ من النُّو / ر على أفقهِ الملائكُ تسري
هتفتْ نجمة أرى الكونَ تبدو / في أساريرهِ مخايلُ بشرِ
وأرى ذلك المساءَ يثير السح / رَ والشجوَ ملءَ عيني وصدري
أتُرانا بليلةِ الوحيِ والتن / زيلِ أم ليلةِ الهوى والشعرِ
ما لهذا المساء يشغفنا حُب / بَاً ويُوري بنا الفتونَ ويغري
أيُّ سرٍّ تُرى فرنَّ هتافٌ / بنجيٍّ من الصدى مُستسرِّ
إنَّ هذا المساء ميلادُ شاعِرْ /
قمرٌ مشرقٌ يزيد جمالا
قمرٌ مشرقٌ يزيد جمالا / كلما جدَّ في السماءِ انتقالا
وسكونٌ يرقى الفضاءَ جناحا / هُ على الأرضِ يضفوانِ جلالا
هذه ليلةٌ يشفُّ بها الحس / نُ ويهفو بها الضياءُ اختيالا
جَوُّها عاطرُ النسيم يثير الش / شَجوَ والشعرَ والهوى والخيالا
وإذا النهرُ شاطئاً ونميراً / يتبارى أشعةً وظلالا
وسَرى فيه زورقٌ لحبيبي / نِ شجيينِ يَنشدانِ وصالا
يبعثانِ الحنينَ في صدرِ ليلٍ / ليس يدري الهمومَ والأوجالا
شَهِدَ الحبَّ منذ كان رِوايا / تٍ على مسرحِ الحياةِ تَوالى
وجرَتْ ملءَ مِسمعيهِ أحادي / ثُ عفا ذِكرُها لديهِ ودالا
ذلك الباعثُ الأسى والمثيرُ الن / نارَ في مهجةِ المحب اشتعالا
لم يجِبْ قلبُه لميلادِ نجمٍ / لا ولم يبكِ للبدور زوالا
بيد أنَّ القضاءَ أوحى إليهِ / ليذوقَ الآلام والآمالا
فأحسَّ الفؤادَ يخفق منهُ / ورأى النور جائلاً حيث جالا
واستخفَّتْهُ من شفاه الحبي / بين شؤون الهوى فرقَّ ومالا
وتجلَّتْ له الحياةُ وما في / ها فراعتْهُ فِتنةً وجمَالا
فجثا ضارعاً أرى الكونَ ربي / غير ما كانَ صورةً ومثالا
لم يكن يعرفِ الصبابةَ قلبي / أو تعي الأذنُ للغرامِ مقالا
أتراها تغيَّرتْ هذه الأر / ضُ أم الكونُ في خياليَ حالا
ربِّ ماذا أرى فرنَّ هتاف / مُسْتَسرُّ الصَّدى يجيبُ السؤالا
إنَّ هذا يا ليلُ ميلادُ شاعِرْ /
وتجلِّي الصَّدى الحبيبُ الساحرْ
وتجلِّي الصَّدى الحبيبُ الساحرْ / في محيطٍ من الأشعَّةِ غامرْ
وسكونٍ يبثُّ في الكون روعاً / وقفتْ عِندَهُ الليالي الدوائرْ
واستكانَ الوجودُ والتفتَ الده / رُ وأصغتْ إلى صداه المقادرْ
لم يَبِنْ صورةً ولكن رأتهُ / بعيونِ الخيالِ مِنَّا البصائرْ
قال يا شاعري الوليدَ سلاماً / هزت الأرضَ يوم جئْتَ البشائرْ
فإليك الحياةَ شتَّى المعاني / وإليكَ الوجودَ جَمّ المظاهِرْ
لا تَقُلْ كم أخٍ لك اليومَ في الأر / ضِ شقيِّ الوجدانِ أسوانَ حائرْ
إن تكنْ ساورَته في الأرض آلا / مٌ وحَفَّتْ به الحدودُ العواثرْ
فلكيْ يَسْتَشِفَّ من خَلل الغي / بِ جمالاً يُذكي شبابَ الخواطرْ
ولكيْ ينهلَ السعادةَ من نب / عٍ شهيِّ الورود عذبِ المصادرْ
فلكم جاءَ بالخيالِ نبيٌّ / ولكم جُنَّ بالحقيقةِ شاعرْ
إنما يسعدُ الوجودُ وتشقو / نَ وإني لكم مثيبٌ وشاكرْ
ولكم جنتي اصطفيتكم اليو / مَ لتُحيُّوا بها جميلَ المآثرْ
فانسقوها جداولاً ورياضاً / واجعلوها سَرْحَ النهي والنواظرْ
اجعلوا النهرَ كيف شئتمْ ومُدّوا / شاطِئيهِ بين المروجِ النواضرْ
ماؤه ذوبُ خمرةٍ وسنا شم / سٍ وريّا وردٍ وألحانُ طائرْ
وضَعوا هضبةً تُطلُّ عليه / ذاتَ صخرٍ منَوّرِ العشب عاطِرْ
واغرسوا النخلة الجنيَّةَ فوق النب / ع في الموقفِ البديعِ الساحرْ
واجعلوا جنتي قصيدةَ شاعِرْ /
أدخلوا الآن أيها المحسنونا
أدخلوا الآن أيها المحسنونا /
جَنةً كنتم بها توعدونا /
اجعلوها من البدائع زونا /
واملأوها من الجمال فنونا /
املأوها فنّاً وليس فتونا /
وانشروا الصفو فوقها والسكونا /
غير لحنٍ يرفّ فيها حنونا /
تتغنى به الطيورُ وُكونا /
وسناً مُشرِقٍ يضيءُ الدجونا /
سرمديِّ الشعاعِ يمحو المنونا /
رائقِ النورِ ليس يُعشي العيونا /
وتغنوْا بها كما تشتهونا /
وصفوها جداولاً وعيونا /
ووروداً نديَّةً وغصونا /
لا تثيروا بها الهوى والمجونا /
واحذروا أن تذكّروا المجنونا /
فلقد ثابَ من هواهُ شجونا /
وخلا مهجةً وجفَّ شؤونا /
وهو في جنتيه أسعدُ شاعِرْ /
أيها الشاعرُ اعتمدْ قيثارَكْ
أيها الشاعرُ اعتمدْ قيثارَكْ / واعزفِ الآنَ مُنْشِداً أشعارَكْ
واجعلِ الحُبَّ والجمالَ شعارَكْ / وادْعُ ربّاً دعَا الوجودَ وبارَكْ
فزها وازدهى بميلاد شاعِرْ /
أيها الشاعرُ الكئيبُ مضى اللي
أيها الشاعرُ الكئيبُ مضى اللي / لُ وما زلتَ غارقاً في شجونِكْ
مُسْلِماً رأسكَ الحزينَ إلى الفك / رِ وللسهدِ ذابلاتِ جفونِكْ
ويَدٌ تُمسكُ اليراعَ وأخرى / في ارتعاشٍ تمرُّ فوقَ جبينكْ
وفمٌ ناضبٌ به حَرُّ أنفا / سكَ يطغى على ضعيفِ أنينِكْ
لست تصغي لقاصف الرعد في اللي / لِ ولا يزدهيكَ في الأبراقِ
قد تمشَّى خلالَ غرفتِكَ الصم / تُ ودبَّ السكونُ في الأعماقِ
غيرَ هذا السراجِ في ضوئه الشَّا / حب يهفو عليكَ من إشفاقِ
وبقايا النيرانِ في الموقدِ الدَّا / بل تبكي الحياةَ في الأرماقِ
أنتَ أذبلتَ بالأسى قلبك الغضَّ / وحطَّمَت من رقيقِ كيانكْ
آه يا شاعري لقد نصَل اللي / لُ وما زلتَ سادراً في مكانِكْ
ليس يحنو الدجى عليك ولا يأ / س لتلك الدموعِ في أجفانِكْ
ما وراءَ السّهادِ في ليلك الدَّا / جي وهلَّا فرغتَ من أحزانِكْ
فَقمِ الآن من مكانِكَ واغنمْ / في الكرى غَطّة الخليِّ الطروبِ
والتمس في الفراشِ دِفئاً يُنسِّ / يكَ نهارَ الأسى وليلَ الخطوبِ
لستَ تُجزى من الحياةِ بما حُمّ / لتَ فيها من الضنى والشجوبِ
إنها للمجونِ والختلِ والزي / فِ وليست للشاعر الموهوبِ
شاعَ في جوّهِ الخيالُ ورفَّ ال
شاعَ في جوّهِ الخيالُ ورفَّ ال / حسنُ والسِّحرُ والهوى والمراحُ
ونسيمٌ معطَّرٌ خفقتْ في / هِ قلوبٌ ورفرفت أرواحُ
ومنىً كلهنّ أجنحةٌ ته / فو ودنيا بها يَدِفُّ جناحُ
ومن الزهرِ حولها حلقاتٌ / طابَ منها الشذا ورقَّ النفاحُ
حَمَلَتْ كلُّ باقةٍ دمعَ مف / تونٍ كما تحمل الندى الأدواحُ
وهي في ميعةِ الصَّبا يزدهيها / ضَحكٌ لا تملّه ومزاحُ
وغناءٌ كأنَّ قمريةً سك / رى بألحانها تشيع الرّاحُ
أخلصتْ ودَّها المرايا فراحتْ / تتملّى فتشرقُ الأوضاحُ
كشفتْ عن جمالها كلَّ خافٍ / وأباحتْ لهنّ ما لا يُباحُ
مَعبدٌ للجمال والسحر والفت / نةِ يُغدى لقدسِه ويُراحُ
نام في بابه العزيزُ كيوبي / دُ ولكنْ في كفهِ المفتاحُ
إنْ يَنمْ فالحياةُ شدوٌ ولهوٌ / أو يُنبّهْ فأدمعٌ وجراحُ
دَخَلَتْ بي إليه ذاتَ مساءٍ / حيثُ لا ضجةٌ ولا أشباحُ
لم نكن قبلُ بالرفيقين لكن / هي دنيا تُتيحُ ما لا يُتاحُ
وجلسنا يهفو السكونُ علينا / ويرينا وجوهَنا المصباحُ
هتفت بي تراكَ من أنتَ يا صا / حِ فقلتُ المعذَّب الملتاحُ
شاعرُ الحبِّ والجمالِ فقالت / ما عليهِ إذا أحبَّ جُنَاحُ
واحتوى رأسيَ الحزينَ ذراعا / ها ومرتْ على جبينيَ راحُ
ورأت صُفرةَ الأسى في شفاهٍ / أحرقتها الأنفاسُ والأقداحُ
فمضت في عتابها كيف لم ند / رِ بما برَّحتْ بك الأتراحُ
إن أسأنا إليك فاليوم يجزي / كَ بما ذُقتَه رِضىً وسماحُ
ولك الليلةُ التي جمعتنا / فاغتنمها حتى يلوحَ الصباحُ
قلتُ حسبي من الربيع شذاهُ / ولعينيَّ زهرهُ اللمَّاحُ
نحنُ طيرُ الخيالِ والحسنُ روضٌ / كلُّنا فيه بلبلٌ صدّاحُ
فنِيَتْ في هواهُ منا قلوبٌ / وأصابتْ خلودَها الأرواحُ
لِمَ أقبلتِ في الظلامِ إليَّ
لِمَ أقبلتِ في الظلامِ إليَّ / ولماذا طرقتِ بابيَ ليلا
لاتَ حين المزار أيتها الأش / باحُ فامضي فما عرفتكِ قبلا
أتركيني في وحشتي ودعيني / في مكاني بوحدتي مستقلا
لستُ من تقصدينَ في ذلك الوا / دي فعذراً إن لم أقُلْ لكِ أهلا
لا تُطيلي الوقوفَ تحتَ سياجي / لنْ تَرَي فيه للثَّواءِ محلا
ضلَّ مسراك في الظلام فعودي / واحذري فيهِ ثانياً أن يضلا
ذاك مأوايَ في تخوم الفيافي / طللٌ واجمٌ عليكِ أطلا
قد تخلّيتُ عن زمانيَ فيهِ / وهوَ بي عن زمانِهِ قد تخلّى
لن تَرَى من خلالِه غيرَ خفَّا / قِ شعاعٍ يكادُ في الليل يبلى
وخيالٍ مستغرقٍ في ذهولٍ / بات يرعى ذُباله المضمحلا
إبرحي بهوَه الكئيبَ فما في / هِ لعينيكِ بهجةٌ تتجلّى
قد نَزلتِ العشيَّ فيهِ على قف / رٍ جفَتهُ الحياةُ ماءً وظلا
كان هذا المكانُ روضاً نضيراً / جرَّ فيهِ الربيعُ بالأمس ذيلا
كان فيهِ زهرٌ فعاد هشيماً / كان فيه طيرٌ ولكنْ تولّى
فاسلمي من شقائه ودعيهِ / وحدَهُ يصحبُ السكونَ المملا
واطرقي غيرَ بابهِ إنَّ رَوحي / أحكمتْ دونه رُتاجاً وقُفلا
أوقوفاً إلى الصباح ببابي / شدَّ ما جِئتِهِ غباءً وجهلا
إبعدي من وراء نافذتي الآ / نَ ورفقاً إذا انثنيتِ ومهلا
إنَّ من تحتها هَزاراً صريعاً / سامهُ البردُ في العشية قتلا
وأزاهيرَ حوله ذابلاتٍ / مزَّقتها الرِّياحُ في الليلِ شملا
كان لي في حياتها خيرُ سلوى / فدعيني بموتها أتسلَّى
فهي بُقيا صبابةٍ ودموعٍ / جثيا عندها شعاعاً وطَلا
إن عيني بها أحقُّ من المو / تِ وقلبي بها من القبرِ أولى
جُنَّ قلبي فاستضحكتهُ المنايا / حيثُ أبكتني الحقيقةُ عقلا
لا تُطيلي الوقوفَ أيتها الأشبا / حُ فامضي فما رأيتكِ قبلا
أوَ لم تسمعي جهلتكِ من أنتِ / فعودي فما كذبتكِ قولا
صخرةٌ لا تَجلُّ في الكائناتِ
صخرةٌ لا تَجلُّ في الكائناتِ / غَشِيَتها جلالةُ الآبداتِ
جاورتها الصحراء تستشرف ال / يمَّ وقرَّ المحيطُ جنب الفلاةِ
أبديَّانِ قد أفاءا إليها / لم تُجمِّعهما يدُ الحادثاتِ
وجدا الملتقى عليها فقرَّا / بعد آباد فرقةٍ وشتاتِ
ليلةً غوَّرتْ بها الأنجمُ الز / زهرُ وأضفت سوادفَ الظلماتِ
لو تلفتَّ في دجاها لراعت / كَ خوالي الأبراجِ والهالاتِ
وكأنّ الزمانَ خالجه الرو / عُ ولجَّ الوجودُ في الشُبهاتِ
وكأنَّ الوجودَ لم يحوِ إلَّا / ذلكَ الصخرَ رائعَ الجنباتِ
عقدةُ الاتصال بين جلالي / ن أجدَّا به وثيقَ الصلاتِ
برزخ تعبرُ الليالي عليه / بين عبرينِ من بِلىً وحياةِ
ركزتها الآبادُ بينهما رمزاً / على صولةِ الدهورِ العواتي
فأقامت تُسرُّ للقفر واليمِّ / أحاديثَ أعصرٍ خالياتِ
واحتوت سرَّ كائنين كأنْ لم / يُبْعَثا سيرةً مع الكائناتِ
كشفت لي الصحراءُ من دوِّها الوا / سع ما لاتحدُّهُ نظراتي
وبساطاً من الرمال تراءى / ككتابٍ مموَّهِ الصفحاتِ
هو مهد السحرِ الخفيِّ ومثوى / ما تُجِنُّ الصحراءُ من معجزاتِ
ربَّ ليل مكوكبٍ خطرتْ في / هِ الدراري وضيئة القسماتِ
ورمى البدرُ بالأشعةِ تبدو / فوق وجه الرمالِ منعكساتِ
وسَرَتْ نسمةٌ من الليل حيرى / وغناءُ الصوادحِ الطائراتِ
فإذا الليلُ روعةٌ وجلالٌ / وإذا القفر غارقٌ في سُباتِ
غيرَ ذاك الغريبِ في تيههِ النَّا / ئي كئيبِ الفؤادِ والنظراتِ
أرَّقتهُ صبابةٌ حملتها / نفسهُ من ربوعهِ النائياتِ
قد شجاهُ هوى اقتحامِ الصحارى / والصحارى مثارةُ الصَّبواتِ
ربَّ ناءٍ مدَّت إليهِ هواها / فهوى في شراكها القاتلاتِ
يقطع الدوَّ بارداتِ الليالي / ويجوبُ الحزونَ ملتهباتِ
قتلته سمومُها وبراهُ / ظمأٌ من عيونها المجدباتِ
حَرَمَتْهُ الصحراءُ ظلاً وريفاً / في حواشي واحاتها النضراتِ
فسَلِ القفرَ هل له فيهِ قبرٌ / ضَمَّ من جسمهِ نحيلَ رُفاتِ
أترى غير أعظُمٍ نخراتٍ / في ثنايا الرمال منتشراتِ
صحراءُ الحياة كم هِمتُ فيها / شاردَ الفكر تائهَ الخطواتِ
سرتُ فيها وحدي وقد حطمَ / المقدارُ في جنح ليلها مشكاتي
ولكم أرمدَ الهجيرُ جفوني / ورمتني الحرورُ باللفحاتِ
لم أجدْ لي في واحة العيش ظِلاً / أو غديراً يَبُلُّ حَرَّ لهاتي
أسفاً للحياةِ أصلى لظاها / وأراها وريفةَ العذَباتِ
بَعُدَتْ عنِّي الحقيقةُ فيها / وأضلَّت مسعايَ للغاياتِ
كلما هاجتِ الرياحُ صراخي / هدَّجت في هزيمها صرخاتي
غيرُ ذاك الصخر العتيد الذي / ضجَّ عليه العبابُ من أنّاتي
ظللتني ذراهُ منفردَ النفسِ / أبثُّ المحيطَ حرَّ شكاتي
أنا فوق المحيطِ كالطائر التا / ئهِ يعلو موائجَ اللجَّاتِ
ناشراً فوق عُرضِهِ من جنا / حيَّ ظِلالَ الهمومِ والحسراتِ
مُمعِناً في سمائهِ أتغنَّى / بنشيدِ الخلودِ في صَدَحاتي
للإلهِ العظيم من لُجِّه السا / كنِ أتلو الجميلَ من صلواتي
وأناجيه طائراً رَفَّ في الليل / يُغنِّي خَمائلَ الجنَّاتِ
صخرةَ الملتقى أتيتكِ بعد ال / أيْنِ أشكو من الحياة أذاتي
أنا ذاك الشادي الذي نسلتْ / ريشَ جناحيه هبَّهُ العاصفاتِ
أنا ذاك الشريد في صحراء ال / عيش ضلَّ السبيلَ في الفلواتِ
في ثراها الغبيِّ وسَّدتُ أحلا / مي وماضي الهنيِّ من أوقاتي
أنا قيثارةٌ جَفَتْها الليالي / في زوايا النسيانِ والغفلاتِ
وأرثت أوتارَها فهي تبكي / من شجاها حبيسةَ النغماتِ
أنا طيفُ الماضي على صخرة الآ / بادِ أستشرفُ الزمان الآتي
وورائي الصحراء وادي المنايا / وأمامي المحيط لُجُّ الحياةِ
بين عبريهما ثوتْ غُرُّ أيا / مي وحال الوضيءُ من ليلاتي
لا أسمِّيك صخرةَ الملتقى لكن / أُسميكِ صخرةَ المأساةِ
هو ليلٌ من الغياهبِ ضافي
هو ليلٌ من الغياهبِ ضافي / وأديمٌ في لُجَّةِ الثلج طافي
وبحارٌ إن رُدْتُها لم تجدْ غَ / يرَ جليدٍ من لجَّةٍ وضفافِ
وجبالٌ من الثلوج تدجى / رائعاتِ السفوح والأعرافِ
وصحارى لا ينتهي الركبُ فيها / عند صخرٍ أو واحةٍ مئنافِ
وطن الزمهريرِ والثلج لا ال / قيظ ولا كدرة الرمال السوافي
وهي مغدَى السفينِ والدُّبِّ لا مغ / دى نياقِ الفلا وذئبِ الفيافي
عالمٌ كلُّهُ سكونٌ وصمتٌ / مترامي الحدودِ والأطرافِ
لا ترى للنهارِ والليل في وا / ديهِ يوماً من دورةٍ واختلافِ
أو تُحسُّ الأرواحُ قصفَ الرياح ال / هوج فيه أو هدرةَ الرجَّافِ
لا اصطفاقَ الغصونِ لا هَذرَ الطي / رِ ولا أنَّةَ النميرِ الصافي
عرِيتْ أرضُه من العُشبِ الأخ / ضرِ والدوحِ سابغ الأليافِ
قِفْ بهذا الوادي الرهيب وحدِّقْ / فيه والليلُ مؤذنٌ بانتصافِ
وانظرِ الشمسَ في الغياهب صفرا / ءَ تهادى في رائعِ الأفوافِ
يغمرُ الكائناتِ منها شعاعٌ / مرسلٌ من غلالة الرَّوع ضافي
يحسبُ الناظرون في الأفق منه / حُمرة الورس أو مزيجَ السُّلافِ
وهو غيبٌ مُتحَبٌ دون مرآ / هُ اقتحام الردى ورنقُ الذعافِ
حدثيني يا شمسَ منتصف اللي / لِ فليس الحديثُ عنكِ بخافِ
أيُّ أفقٍ من عالم الأرض هذا / شاحبُ اللون باهتُ الأكنافِ
فيه من صُفرة الفناءِ وفيه / من سوادِ النحوس لونُ الغدافِ
أهو القطبُ فتنةُ الأبد الخا / لي ومغدى الظنون والأرجافِ
أم هو العالمُ الذي جهلوه / وشأى أوجهُ على الكشَّافِ
أيُّ سرٍّ للجاذبيةِ فيه / يأخذُ الأرضَ نَحوَه بانحرافِ
أيُّ نجمٍ في أفقه رصدوه / لمسارٍ حول الثرى ومطافِ
لكأني به مغاورَ جنٍ / مستسرِّي الأرواحِ والأطيافِ
لا يقيمونَ في ذُراهنَّ واللي / لُ على الكون مطبقُ الأسدافِ
فإذا أقبلَ النهارُ تولوا / وتواروا خلال تلك الشعافِ
وأراه مجنَّ كلِّ خفيٍّ / من تهاويل ساحرٍ عرَّافِ
يستمدُّ الأنباءَ منه ويُدلي / بالأحاديثِ وهي جِدُّ زيافِ
وبها من خفاءِ مهبطه الخا / في خفيُّ الأخبارِ والأوصافِ
وهو الشاطئ الذي في حفا / فيه تَقرُّ الأنغامُ بعد طوافِ
كلُّ لحنٍ من الملاحن مهما / أبدعته أناملُ العزّافِ
فإليه يصوبُ في سُدُفِ اللي / ل ويثوي صداهُ بين الحفافِ
ليت شعري أيستحيلُ صدىً في / لجِّه أم يقرُّ في الأصدافِ
إنَّ هذي يا شمسُ ألحانُ قلبي / مرسلاتٍ عن مدمعي الذرَّافِ
فاشهديها تقرُّ في جوفه النا / ئي فكم فيه من حطام أثافي
أيها القطبُ حَدّثِ الكونَ هلا / تُسعدِ الشعرَ ليلةً باعترافِ
طال بالشمسِ في دجاك اصفرارٌ / لا الدُّجى حائلٌ ولا الضوءُ صافي
لم تَجُزْ عن ثراك قيدَ ذراعٍ / أو تُنَبِّه جفنَ الصباحِ الغافي
قيل حاموا على ذُراكَ وألقوا / فوق واديكَ نظرةَ استشرافِ
وأراهم في زعمهم قد أسفّوا / بكَ يا قطبُ أيَّما إسفافِ
تشهدُ الكائِناتُ أنك أمسي / تَ وتُمسي سِرَّ الوجود الخافي
ضَاربٌ في الخيالِ مُلْقٍ عِنانَه
ضَاربٌ في الخيالِ مُلْقٍ عِنانَه / مَلَكَ الوحيُ قلبَه ولسانَه
مستفيضُ الجمالِ أزهرُ كالور / دِ إذا كلَّلَ النَّدى أفنانَه
عاشَ بين الأنامِ نِضْوَ غرامٍ / لم يُنفِّض من الصِّبا طيلسانَه
ملأ الكونَ من أياديه سحراً / وبنى ملكه وشدَّ كِيانَه
وحباهُ الخلودَ في العالم الفا / ني وأبقى على البلى سلطانَه
هو فجرُ النبوغِ يصدحُ فيه / كلُّ من أطلقَ الهوى وجدانَه
وسماء للشَّاعر الفذّ منها / يستقي الشعرُ وحيَه وبيانَه
تجتلي ريشة المصوّرِ منه / كلَّ عذراءَ لا ترُدُّ بنانَه
وهو قيثارةُ الخلود عليها / يعزفُ الطيرُ في الرُّبى ألحانَه
وأنا الشَّاعر الذي افتنَّ بالحس / نِ وأذكتْ يدُ الحياةِ افتنانه
معهدي هذه المروجُ وأستَا / ذي ربيعُ الطبيعةِ الفينانَه
وأزاهيرُ حانياتٌ على النهر / يُقَبلنَ في الضحى شُطآنه
ناشراتٍ وشَى الربيع عليها / ساكباتٍ في لجّهِ ألوانَه
يتسمّعنَ للخرير المناجي / ويرتّلنَ للرُّبى تحنانَه
معبدٌ للطيور راهبهُ اللي / لُ وناقوسه الصّبَا الرنّانَه
ومحاريبُ للعذارى إذا ما / سَكَب الغربُ في الدجى أُرجوانَه
قام ربُّ الفنّ الجميلِ عليها / مستحِثَّاً تحت الظلام قيانَه
يتغنى لحنَ الخلود ويدعو / من وراءِ الغيبِ الرهيبِ زمانَه
أيُّها الدهرُ حسبك الله ماذا / برجالِ الفُنون هذي المهانَه
هل تبينتَ في رفاتِ أواليَّ / دفيناً محا البلى عنوانَه
قف على الفنّ بين شرقٍ وغربٍ / وصفِ العالمَ المخلِّد شانَه
عرشُ غرناطة إلهُ أثينا / تاجُ روما سماءُ مجدِ الكنانَه
يشرق السحر من تماثيل فيها / ومقاصيرَ كالبروجِ المزانَه
وتراءى العذراءُ تُلهِمُ رافا / ئيلَ روحَ الخلودِ وحيَ الديانَه
وابنُ حمديسَ في الملا ولمرتي / نَ يفيضانِ صَبوةً ومجانَه
ناجيا الروضَ والبحيرةَ حتَّى / لمسَ الفنُّ فيهما عُنفوانَه
إنما المجدُ في الورى لِمُغَنٍّ / هزَّ قلب الورى وقادَ عِنانَه
ولمن ساسَ في الممالك عدلا / وارتضى الحقَّ في العلا بنيانَه
موجةَ السحرِ من خفيِّ البحورِ
موجةَ السحرِ من خفيِّ البحورِ / أغمري القلبَ بالخيالِ الغميرِ
أقبلي الآن من شواطىء أحلا / مي ورُدِّي عليّ نفحَ العبيرِ
واصخبي في شعابِ قلبي وضجِّي / فوق آلامه الجسام وثوري
أيقظي فيه من فتونٍ وسحرٍ / ذكرياتٍ من الشبابِ الغريرِ
إنها ذكرياتُ أمسيةٍ مر / رَتْ وأيام غبطةٍ وسرورِ
وبريءُ ابتسامةٍ في فم الأيا / م كانت عزاء قلبٍ كسيرِ
قد طواها النسيانُ إلَّا شعاعاً / غمر الرُّوحَ في بقيةِ نورِ
رَمقٌ ذاك من أشعةِ شمسٍ / عَلِقت في غروبها بالصخورِ
أخذ القلبَ لمحُها من وراء / الموجِ يجتاز لجةَ الديجورِ
فتبيَّنتُ في الشواطىء حولي / أثراً من غرامنا المأثورِ
صخرةً كانت الملاذَ لقلبين / حبيبين في الشباب النضيرِ
جمعتنا بها الحوادثُ في ظلِّ / هوىً طاهرٍ وعيشٍ قريرِ
كم وقفنا العشيَّ نرقب منها / مغربَ الشمس وانبثاق البدورِ
وجلسنا في ظلها نتملَّى / صفحةَ الماءِ في الضحى والبكورِ
فإذا ما تهللتْ ليلةٌ قمرا / ءُ هزَّتْ بنا خفيَّ الشعورِ
وسرينا في ضوئها نتناجى / بهوىً فاض عن حنايا الصدورِ
وانتحينا من جانب البحر مجرىً / مطمئنَّ الأمواه شاجي الخريرِ
نزلتْ فيه تستحمُّ النجومُ / الزُّهر في جلوةِ الماءِ المنيرِ
راقصاتٍ به على هزَجِ المو / جِ عرايا مهدَّلاتِ الشعورِ
وعلى صدره الخفوق طوينا ال / ليلَ في زورقٍ رخيّ المسيرِ
ورياح الخليج دافئةً تثني / حواشي شراعه المنشورِ
خافقاً فوقنا يدفُّ شعاعُ ال / بدر في ظله دفيفَ الطيورِ
ومن الساحل الطروب أغانٍ / أخذتنا بكل لحنٍ مثيرِ
رجَّعتها بحارةٌ آذنتهم / ليلةُ المنتأى وَبُعْدُ العشيرِ
وسكتنا فليس إلَّا عيونٌ / أفصحتْ عن جوانح وثغورِ
تتلاقى على نوازع قلبٍ / وصدى هاجسٍ وسِرِّ ضميرِ
وكأنَّ الوجود بحرٌ من النور / سبحنا في لجه المسجورِ
كلُّ ما حولنا يشفُّ عن الحبّ / ويفضي بسرِّهِ المستورِ
وكأنَّا نطوف في ليلِ أحلام / ونسري في عالمٍ مسحورِ
يا صخورَ الوادي يضجُّ عليها / البحرُ في جهشةِ المحب الغيورِ
يا رمالَ الكثبانِ تنقشُ فيها الر / ريحُ أسطورَةَ الحياة الغرورِ
يا خِفاف الأمواجِ تحلم بالإِينا / سِ من كوكبِ المساء الصغيرِ
يا نسيمَ الشمالِ يعبثُ بالرغْ / وِ وَيهفو على الرشاش النثيرِ
أنتِ يا من شهدتِ فجرَ غرامي / ووعيْتِ الغداةَ سِرَّ الدهورِ
أين أخفيتِ أمسياتي اللواتي / نزعتها منِّي يدُ المقدورِ
أمحاها الزمانُ أم حجبتها / من عواديه ماحياتُ البدورِ
بدلتني الأقدارُ منها بليلٍ / مدلهم الآفاقِ جهمِ الستورِ
غشيَ العينَ ظلُّهُ وتمشت / في دمي منه رعشةُ المقرورِ
لكِ يا شاهداتِ حبي أتيتُ الآ / ن أقضي حقَّ الوداعِ الأخيرِ
فانظري ما ترين غيرَ شقيٍّ / طاف يبكي بالشاطئ المهجورِ
راعهُ عاصفٌ يرجُّ السماوا / تِ وموجٌ يضجُّ ملءَ البحورِ
فكأنّ الحياة في مسمعيه / ضجةُ الحشرِ أو هزيمُ السعيرِ
وكأنّ الوجودَ في ناظريه / وهدةُ اليأس أو ظلامُ القبورِ
في هزيمِ الرياح في قاصفِ الر / رعدِ يُدَوّي للبارقِ المستطير
في الفيافي كآبةً ووجوماً / والمحيطاتِ صاخباتِ الهديرِ
في الدياجي عوابساً ونجوم / الليلِ بين الخفوقِ والتغويرِ
إنها الكائنات تبكي لمبكا / هُ وتبدي ضراعةَ المستجيرِ
وهي مأساةُ حبِّهِ صورتها / ريشةُ الليلِ مبدع التصويرِ
مَثلتْها لعينهِ الآنَ شطآ / نٌ وموجٌ يئن تحتَ الصخورِ
إملأي الأرضَ من حدادٍ وغيهبْ
إملأي الأرضَ من حدادٍ وغيهبْ / مالَ نجمُ البيان عنكِ وغرَّبْ
وخبا من مصابحِ الفكر نورٌ / كان أمضى من الشهاب وأثقبْ
وطوى الموتُ هالةً كان يُنْمَى / كلُّ أفقٍ إلى سناها ويُنْسَبْ
يا سماءَ الخيالِ ما كلّ يومٍ / من بني الشعر تظفرينَ بكوكبْ
ذهبَ الشاعرُ الذي ردَّدَ الشر / قُ صدى شعره الجميلِ المحبّبْ
ومضى الناثرُ الذي صوَّرَ النفسَ / وجلّى سرّ الضميرِ المحجّبْ
الأديبُ العريقُ في لغة الضّا / د وقاموسُها الصحيحُ المرتَّبْ
لم يكن شاعرَ القديم ولا كا / ن لآداب عصرِهِ يتعصّبْ
كان يُعْنَى بكل فذٍ من القو / لِ ويُزْهى بِكلِّ حسنٍ ويعجبْ
شاعرُ الحبِّ والجمالِ وربُّ ال / منطقِ الحقِّ واليراعِ المؤدّبْ
شعرُه من ينابع السحر ينسا / بُ وفي عالم الحقيقة ينصبْ
عاطفيُّ القصيدِ يعبثُ بالأل / بابِ أسلوبهُ الرشيقُ ويلعبْ
وخيالٌ يسمو إلى ما وراءِ ال / كون من عالم اليقين ويذهبْ
يُنْفِذُ الفكر في مجاهل دنيا / هُ فيبدو له الخفيُّ المغيّبْ
ومعانٍ أرقُّ من نسمة الفجرِ / ولفظٌ من سلسل الخمرِ أعذبْ
وبيانٌ يسيلُ في كل نفسٍ / فعلهُ من غرائبِ السحر أغربْ
وقوافٍ كأنها نغماتٌ / هاجها الشجوُ في يراعٍ مثقّبْ
وكأنَّ الأوزانَ شتَّى مثانٍ / ترقص النفسُ وفقهن فتطربْ
بؤساءَ الحياةِ من لكمو اليو / مَ على الحادثات والعيشُ أخطبْ
ضاقت الأرضُ بالحنانِ وفاضتْ / بالأذى أبحراً تضجُّ وتصخبْ
فابحثوا في شعابها عن مقيلٍ / وانشدوا من منافِذ النَّجم مهربْ
قد فقدتم نصيرَكم وسُلبتم / عَضُداً شَدّ أن يُغال ويُسلبْ
عَقَلَ الموتُ مِقولاً منه عضباً / وطوى مهجةً وأطبق هيدبْ
وخلا اليومَ مِنْ شجاكم فؤادٌ / ذابَ من رحمةٍ لكم وتصبَّبْ
وغَفَتْ أعينٌ بكتكم بدمعٍ / لم تدَعْ منه ما يُراق ويُسكبْ
الرفيقُ الحاني على كلّ قلبٍ / أنشبَ البؤسُ فيه ناباً ومخلبْ
والخفيفُ الخطى إلى كل نفسٍ / مال عنها نصرُها وتنكَّبْ
فاذكروه على الليالي إذا ما / زحمَ الدهرُ ركنَكم وتألَّبْ
منْ لصرعى الهمومِ بعدَك يا حا / فظُ من للحزينِ من للمعذّبْ
كنتَ براً بهم وأحنى عليهم / من فؤاد الأب الشفيقِ وأحدبْ
عَجَبٌ صبرُهم على خطبك الدَّا / وي وصبرُ البأساءِ من ذاك أعجبْ
قُمْ وشاهد مآتمَ الشرقِ وانظرْ / كيف يُبكى البيانُ فيك ويُندبْ
قَسَماً لو يُرَدُّ هيجو إلى العي / شِ لألقى لكَ الزمامَ وقرَّبْ
ومشى في يمينه غارُ باري / سَ إلى رأسكَ الكريمِ وعصّبْ
وتمنّى الذي كتبتَ عن البؤ / س وردّ الأصيلَ دون المعرّبْ
فُجِعَتْ نهضةُ البلاد ببانٍ / شدّ من ركنها وشادَ وطنَّبْ
وحباها من شعرهِ وحجاهُ / ما أفادَ الجهادَ فخراً وأكسبْ
هزّ أشبالها الكماةَ وأحيا / أملاً في صدورهم يتوثبْ
لو شهِدتم غداةَ ثورتها الكب / رى لجَاجَ النفوسِ وهي تلهّبْ
لرأيتم في ثورةِ النفسِ منه / مُحنقاً من قساورِ الغيل مُغْضَبْ
لم يَزَل منه في المسامع صوتٌ / تتوقّى الظُّبى صداهُ وترهبْ
نافذٌ في الصميم من باطلِ القو / م كما ينفذُ السِّنانُ المذرّبْ
حافظَ الودِّ والذمامِ سلاماً / لم يَعُدْ بعدُ من يُوَدُّ ويُصحَبْ
كنت نعم الصديقِ في كل آنٍ / حين يُرجى الصديقُ أو حينُ يُطلبْ
لم تغَيِّرْكَ من زمانِكَ دنيا / وحياةٌ بأهلها تتقلّبْ
خُلُقٌ رضته على شرعةِ الصد / قِ وإن خانكَ الرجاءُ وكذّبْ
وإباءٌ حميتَهُ من صغارٍ / وبريق من المواعد خُلّبْ
وفؤادٌ لغير عاطفة الوج / دان لا يدَّني ولا يتقرّبْ
وضميرٌ لا يبلغُ المالُ منه / وبلوغُ النجومِ من ذاك أقربْ
ولسانٌ حفظته من سؤالٍ / لا يَمينُ الكلامَ أو يتذبذبْ
يلفظُ الروحَ صادياً وإذا لم / يَصف للماء موردٌ ليس يشرب
صفحاتٌ نقيةٌ بمدادِ السحق / في مجتلى العظائم تُكتبْ
خانني فيك منطقي وعصاني / قلَمٌ طالما أفاضَ وأسهبْ
آب بالشعر من مصابكَ يبكي / رزءَه فيك والرجاءَ المخيَّبْ
أنتَ من أمةٍ بهم بعثَ الله / هداهُ إلى الشعوبِ فثوّبْ
لم يزَلْ منكمو على الأرض ظِلٌ / وشعاعٌ هادٍ وغيثٌ مُصوّبْ
ويجوبُ الحياة في كل آنٍ / هاتفٌ منكمو وطيفٌ تأوَّبْ
حُضَّر في القلوب أنتم وإن كن / تُم على ملتقى النواظر غيَّبْ
هَجَرَ الأرضَ حين مَلَّ مقامه
هَجَرَ الأرضَ حين مَلَّ مقامه / وطوى العمرَ حيرةً وسآمَه
هيكلٌ من حقيقةٍ وخيالٍ / مَلَكَ الحبُّ والجمالُ زمامَه
ألهمَ الشعرُ أصغريهِ فرفَّا / في فَمِ الدهرِ كوثراً ومُدامَه
سلسبيلٌ من حكمةٍ وبيانٍ / فَجّرَ اللّهُ منهما إلهامَه
تأخذُ القلبَ هَزةٌ من تسا / قيه وينسى بسحرهِ آلامَه
غَمرَ الأرضَ رحمةً وسلاماً / وجلا الكونَ فتنةً ووسامَه
مالئاً مِسْمع الوجودِ نشيداً / عَلَّمَ الطيرَ لحنَه وانسجامَه
ما لَهُ والزمانُ مصغٍ إليهِ / رَدَّ أوتارَه وحطَّمَ جامَه
رُوِّعَ الطيرُ يوم غاب عن الأي / كِ وسالت جراحها الملتامَه
ما الذي شاقه إلى عالم الرو / حِ أجل تلك روحه المستهامَه
راعها النور وهي في ظلمة ال / كون فخفَّت إليه تطوي ظلامَه
هي بنتُ السماءِ وهو من الأرض / سليلٌ نما الترابُ عظامَه
فاهتفوا باسمه فما مات لكنْ / آثر اليومَ في السماءِ مُقامَه
حدثتني الرياضُ عنه صباحاً / ما لصدّاحها جفا أنغامَه
وشكا لي النسيمُ أولَ يومٍ / لم يُحمِّلْهُ للحبيبِ سلامَه
وتسمعتُ للغدير ينادي / ما الذي عاق طيره وحيامَه
أتُراهُ ترشَّفَ الفجرَ نوراً / أم شفى من ندى الصباح أُوامَه
ورأيتُ الجمالَ في شُعَبِ الوادي / ينادي بطاحه وإكامَه
صارخاً يستجيرُ شاعرَه الشا / دي ويدعو لفنه رسّامَه
فتلفتُّ باكياً وبعيني / شَبح تخطرُ المنون أمامَه
هتف القلبُ بالمنادينَ حولي / لَقِيَ الصادحُ الطروبُ حمامَه
فاذكروا شدوهُ بكل صباحٍ / وارقبوا من خياله إلمامَه
واملأوا الأرضَ والسماءَ هُتافاً / عَلَّهُ لم يَرَ الصباحَ فنامَه
لم يرعني من جانبِ النيل إلَّا / كرمةٌ فوقها ترفُّ غمامَه
تحت ساجي ظلالها زهرةٌ تب / كي وفي فرعها تنوح حمامَه
عرفتها عيني وما أنكرتها / من ظلامٍ ووحشةٍ وجهامَه
قلتُ يا كرمةَ ابن هاني سلاماً / ليس للمرءِ في الحياة سلامَه
نحن لو تعلمينَ أشباحُ ليلٍ / عابرٍ ينسخ الضياءُ ظلامَه
والذي تلمحين من لَهبِ الشم / سِ غداً يطفئ الزمان ضرامَه
والذي تبصرينه من نجومٍ / فَلكٌ يرصدُ القضاءُ نظامَه
والمرادُ المُدلُّ بالورد زهواً / كالذي أذبلَ الردى أكمامَه
عبثاً ننشدُ الحياةَ خلوداً / ونرجِّي الصِّبا ونبغي دوامَه
إنما الأرضُ قبرُنا الواسعُ الرح / بُ وفي جوفه تطيبُ الإقامَه
أودع القلبُ فيه آلامه الكُب / رى وألقى ببابه أحلامَه
نَسِيَ الناعمون فيه صباهم / وسلا المغرمُ المشوق غرامَه
فامسحي الدمعَ وابسمي للمنايا / إنَّ دنياكِ دمعةٌ وابتسامَه
أيها المسرحُ الحزينُ عزاءً / قد فقدت الغداةَ أقوى دِعامَه
ذهب الشاعرُ الذي كنتَ تستو / حي وتستلهمُ الخلودَ كلامَه
واهبُ الفن قلبَه وقواه / والمصافيه وُدَّه وهيامَه
ربَّ ليلٍ بجانبيك شهدنا / قصة الدهرِ روعةً وفخامَه
أسفر الشعرُ عن روائعه فيها / وألقى عن الخفاء لثامَه
فأعِدْ عهدَه وأحي ليالي / هِ وجدّدْ على المدى أيامَه
ولكَ اليومَ همةٌ في شبابٍ / ملأوا العصر قوةً وهُمامَه
نزلوا ساحه يشيدون للمج / دِ وشقُّوا إلى الحياة زحامَه
فاذكروا نهضةَ البيان بأرضٍ / أطلعتْ في سمائها أعلامَه
إنها أمةٌ تغارُ على الفن / وترعى عهوده وذمامَه
لم تَزَلْ مصرُ كعبةَ الشعر في الشر / قِ وفي كفِّها لواءُ الزعامَه
إن يوماً يفوتها السبقُ فيه / لهوَ يومُ المعادِ يومُ القيامَه
قفْ من الليل مصغياً والعبابِ
قفْ من الليل مصغياً والعبابِ / وتأملْ في المزبداتِ الغضابِ
صاعداتٍ تلوك في شدقها الصخر / وترمي به صدورَ الشعابِ
هابطاتٍ تئنُّ في قبضةِ الري / حِ وتُرغي على الصخورِ الصلابِ
ذلك البحرُ هل تشاهدُ فيه / غيرَ ليلٍ من وحشةٍ واكتئابِ
ظلماتٌ من فوقها ظلماتٌ / تترامى بالمائجِ الصخَّابِ
لا ترى تحتهنَّ غير وجود / من عبابٍ وعالم من ضبابِ
أيها البحر كيف تنجو من الليْ / لِ وأين المنجي بتلك الرحابِ
هو بحرٌ أطمُّ لجّاً وأطغى / منك موجاً في جيئةٍ وذهابِ
أوَ ما تبصرُ الكواكبَ غرقى / في دياجيه كاسفاتٍ خوابي
وترى الأرضَ في نواحيه حيرى / تسألُ السحبَ عن وميض شهابِ
ويك يا بحرُ ما أنينك في ال / لَيل أنينَ المرَّوع الهيّابِ
إمضِ حتى ترى المدائنَ غرقى / وترى الكونَ زخرةً من عُبابِ
إمض عبر السماءِ واطغ على الأف / لاكِ واغمرْ في الجوِّ مسرى العقابِ
ذاك أو يهتكَ الظلامُ دياجيه / وينضو ذاك السوادَ الكابي
وترى الشمس في مياهكَ تُلقي / خالصَ التبر واللجين المذابِ
أقبلَ الفجرُ في شفوفٍ رقاقٍ / يتهادى في منظرٍ خلابِ
حُللٌ من وشائعِ النور زُهْرٌ / يتماوجن في حواشي السحابِ
وإذا الشَّاطىءُ الضحوك تغنى / حوله الطير بالأغاني العذابِ
ونسيمُ الصباح يعبث بالغا / بِ ويثني ذوائبَ الأعشابِ
ومن الشمس جمرة في ثنايا ال / موجِ يذكو ضرامُها غيرَ خابي
ومن البحر جانب مطمئنٌ / قُزَحيُّ الأديمِ غضُّ الإهابِ
نزلت فيه تستحمُّ عذارى / الضوءِ من كل بضةٍ وكعابِ
عارياتٍ يسبحن في اليم لكنْ / لفَّها الرغو في رقيقِ الثيابِ
خفراتٌ من الأشعة خودٌ / نسَّقتها أنامل الأربابِ
فإذا البحر يرقصُ الموج فيه / وإذا الطير صُدَّحٌ في الروابي
راقصاتِ الأمواج علِّمْنَ قلبي / رقصاتِ المغرِّدِ المطرابِ
وأفيضي عليه من سلسل الوح / يِ نميراً كالجدول المنسابِ
واستثيري عواطفي ودعيني / أسمعُ البحرَ أغنيات الشبابِ
لي وراءَ الأمواج يا بحرُ قلبٌ / نازحُ الدار ما له من مآبِ
نزعته مِنّي الليالي فأمسى / وهو مُلقىً في وحشة واغترابِ
ذكرياتٌ تُدني القصيَّ ولكنْ / أين مني منازل الأحبابِ
أنا وحدي هيمانُ في لجك الطا / مي غريقٌ في حيرتي وارتيابي
أرمق الشاطىء البعيدَ بعينٍ / عكفت في الدجى على التسكابِ
فسواءٌ في مسمعي من ذَراهُ / صدحةُ الطير أو نعيقُ الغرابِ
وسواءٌ في العين شارقةُ ال / فجرِ أو الليل أسودُ الجلبابِ
بيد أني أحسُّ فيكَ شفاءً / من سقامي ورحمةً من عذابي
أنت مهد الميلادِ والموتِ يا بحر / ومثوى الهموم والأوصابِ
فأنا فيك أطرحُ الآن آلا / مي وعبءَ الحياة والأحقابِ
وقفةٌ بالشواطئِ المحزونه
وقفةٌ بالشواطئِ المحزونه / يذكر النيلُ دمعَه وشجونه
ودَّ لوْ حولوا إلى السِّين مجرا / هُ وبَثُّوا على الطريق عيونه
ومشى بالشهيدِ للوطنِ الثا / كلِ بحراً من الدُّموع الهتونه
دنَتِ الدَّارُ يا سفينة إلَّا / شاطىءٌ حالتْ المنيةُ دونه
فاهدئي في ضفاف مصرَ وقرِّي / آن لليث أن يحلَّ عرينه
قرِّبي من أديمها هيكلَ الحقِّ / تضُمُّ الصدرَ الذي تحملينه
لحظةً يشتكي المتيمُ فيها / لوعةَ البينِ أو يبثُّ حنينه
ولكِ اللّهُ يا شواطئُ فيمن / كنتِ في كل موكبٍ ترقبينه
ذهَبَتْ بسمةُ الثغورِ وحالتْ / لمحاتُ الطوالعِ الميمونه
ما عرَفتِ السفينَ من عهد نافا / رينَ غيرَ المجللاتِ الحزينه
خرجتْ منكِ ليلةَ البحر غرَّا / ءَ عليها من المنى ألفُ زينه
ثم آبتْ إليكِ منكوسةَ الصو / رِ يئنُّ الجريحُ فيها أنينه
فسلي البحرَ هل غدا لكِ أو را / حَ بطيفٍ من الفتوحِ المبينه
ما شهدتِ الأيامَ غيرَ سوادٍ / يشفقُ النجمُ أن يشقَّ دجونه
كلَّ يومٍ تستقبلينَ شهيداً / ذاقَ في وحشةِ الغريب منونه
أو طريداً وراءَ بحرٍ تحامى / أن يرى مصرَ في الحديد سجينه
فاذكري الآن يا شواطئُ عيناً / شيَّعَتْ بالبكاءِ كلَّ سفينه
واحملي الوافدَ الكريمَ حناناً / والثمي ثغرهُ وحيِّ جبينه
وإذا ضقتِ بالأسى فاستمدي ال / نَوحَ من كل قريةٍ ومدينه
سائلي الريحَ أن تضجَّ عويلاً / وسلي البحرَ أن يُجَنَّ جنونه
ذاك وادي البكا وما بعجيبٍ / أن يُرى الناسَ في البكاءِ فنونه
يا شهيدَ الأحرار لا كان يومٌ / كم تمنَّى في الغيب ألَّا يكونه
فزع النيلُ بالظنون إليه / فتحدَّى رجاءَه وظنونه
كلَّ جرح أسالَ جرحُك حتى / رَسَفَتْ مصرُ في الجراح الثخينه
لو تلفَّتَّ خلفَ نعشِك يا عد / لي لراعتكَ أمة مسكينه
كنتَ أهلاً لبرِّها وهواها / وهي كانتْ بمن تُحبُّ ضنينه
كيف لا تستقلُّ في حقك الدم / عَ ولا تُرخص الدموع الثمينه
ما بكاءٌ على الذي تخذ الأو / طانَ دنياهُ في الحياةِ ودينه
ما بكاءٌ على الذي حبس القل / بَ عليها وجيبَه وسكونه
ما بكاءٌ عليه لو كان يُفدى / كنتِ يا مصرُ برةً تفتدينه
يا رسولَ السلامِ في كل حين / فقدتْ مصرُ وحيَه وأمينه
ذكر الناسُ فيكَ أيامَ سعد / فبكوا رحمةً لمَا يذكرونه
وتناجوا بذكر ثروت حتى / رجعوا الأمسَ واستعادوا شؤونه
عرضوا الذكرياتِ فاهتجن فيهم / كامنَ الحزن والهموم الدفينه
دِنْتَ بالنُّبْلِ والوداعةِ قلباً / عجز البطش والأذى أن يُلينه
عقدتْ كفُّه بكفك عهداً / يتمنَّى العدوُّ ألَّا تصونه
وتعانقتما وما كنتَ إلَّا / عونَ سعدٍ وإلفَهُ وخدينه
يا نصيرَ الحقوقِ آثرتَ حقاً / كلّ نفسٍ بما قضاهُ رهينه
فنمِ الآنَ في ثرى مصرَ وانزلْ / منزلَ الحبِّ والهدى والسكينه
لم يَمُتْ مَنْ حديثُه يملأ الوا / دي ويطوي سهولَه وحزونه
تأخذُ الظالمينَ صيحتهُ الكبْ / رى وتستعذبُ السماءُ رنينه
ليتَ شعري أهكذا نحنُ نمضي
ليتَ شعري أهكذا نحنُ نمضي / في عُبابٍ إلى شواطئَ غُمْضِ
ونخوضُ الزمانَ في جُنْحِ ليلٍ / أبديٍّ يُضني النفوسَ ويُنضي
وضفافُ الحياةِ ترمقها العي / نُ فبعضٌ يمرُّ في إثر بعضِ
دون أنْ نملك الرجوعَ إلى ما / فات منها ولا الرسوَّ بأرضِ
حدثي القلبَ يا بحيرةُ ما لي / لا أرى أولفيرَ فوق ضفافكْ
أوشك العامُ أن يمرّ وهذا / موعدٌ للقاء في مصطافكْ
صخرةَ العهد ويكِ هأنذا عد / تُ فماذا لديكِ عن أضيافكْ
عدتُ وحدي أرعَى الضفاف بعينٍ / سفكتْ دمعَها الليالي السوافكْ
كنتِ بالأمسِ تهدرين كما أنْ / تِ هديراً يهزُّ قلبَ السكونِ
وضفافٍ أمواجها يتداعين / على هذه الصخور الجونِ
والنسيمُ العليل يدفع وهْناً / زَبَدَ الموج للرُّبى والحزونِ
ملقياً رغوَها على قدميها / ليّنَ المسِّ مستحبَّ الأنينِ
أتُرى تذكرينَ ليلةَ كنا / منكِ فوق الأمواج بين الضفافِ
وسرى زورقٌ بنا يتهادى / تحت جنح الدجى وسترِ العفافِ
في سكونٍ فليس نسمعُ فوق الْ / مَوج إلا أغانيَ المجدافِ
تتلاقى على الرُّبى والحوافي / بأناشيدِ موجكِ العزَّافِ
وعلى حين غرةٍ رنَّ صوتٌ / لم يُعَوَّدْ سماعَه إنسيُّ
هبط الشاطئَ الطروبَ فما / يُسمعُ فيه للهاتفات دويُّ
وإذا الليلُ ساهمٌ سكنَ النو / ء إليه وأنصتَ اللجيُّ
يتلقى عن نبأةِ الصوت نجوى / كلماتٍ ألقى بهنَّ نجيُّ
يا زماناً يمرُّ كالطير مهلاً / طائر أنتَ ويك قِفْ طيرانكْ
أهناءَ الساعات تجري وتعدو / نا عطاشاً فقفْ بنا جريانكْ
ويكَ دَعْنا نمرحْ بأجملِ أيا / مٍ ونلقى من بعد خوفٍ أمانكْ
وإذا نحن لَذَّةَ العيش ذقنا / ها ومرَّت بنا فَدُرْ دورانكْ
بيد أنَّ الشقاءَ قد غمر الأر / ضَ وفاضَ الوجودُ بالتاعسينا
كلهم ضارعٌ إليك يرجِّيك / فأسرع أسرعْ إلى الضارعينا
وافترس مُشقيات أيامهم وامْ / ضِ رحىً تطحن الشقاء طحونا
رحمةً فاذكر النفوسَ الحزانى / وانسَ يا دهرُ أنفس الناعمينا
عبثاً أنشدُ البقاءَ لعهدٍ / يَفْلِتُ اليومَ من يدي ويفرُّ
وسويعاتِ غبطةٍ ما أراها / ووشيكاً ما تنقضي وتمرُّ
وأنادي يا ليلة الوصل قرّى / إن بعد السُّرى يطيب المقرُّ
أسفاً للصِّبا وغرِّ ليالٍ / ليس يُبقي على صباهنَّ فجرُ
فلنحبَّ الغداة ولنحي حُبَّا / ولنكنْ في الحياةِ بعضاً لبعضِ
ولنسارعْ فنقتفي إثرَ ساعا / تٍ فقد تؤذنُ النوى بالتقضِّي
إننا في الحياةِ في عُرْضِ بحرٍ / ليس نُلقي المرساةَ فيه بأرضِ
ما به مرفأ يَبينُ ولكنْ / نحن نمضي في لجِّه وهو يمضي
أكذا أنتَ أيها الزمن الحا / قدُ تغتال نشوة اللحظاتِ
حيث يُزجي لنا السعادَةَ أموا / جاً من الحبِّ زاخرُ اللجاتِ
أكذا أنت ذاهبٌ بليالي الص / صَفوِ عنا سريعةَ الخطواتِ
أكذا تنقضي حلاوةُ نعما / ها كما ينقضي شقاءُ الحياةِ
كيف حدِّثْ أغالها منك صرفٌ / في أبيدِ الزَّمانِ حيث طواها
ويك قل لي أليسَ نملك يوماً / أن نراها أما تبينُ خطاها
أتراها ولَّتْ جميعاً ولما / تبقَ حتى آثارُها أتراها
أو ذاك الدهر الذي افتنَّ في صو / غِ صباها هو الذي قد محاها
أيْ أبيدَ الزمانَ والعدمَ العا / تي غريقين في سكونٍ وصمتِ
أيْ عميقَ اللجات ماذا بأيا / م صبانا ماذا بهن صنعتِ
حدثيني أما تعيدين ما من / سكراتِ الغرامِ منا اختطفتِ
أو ما تُطلقينها من دياجي / كِ أما تبعثينها بعد موتِ
أنتِ يا هذه البحيرةُ ماذا / يكتمُ الموجُ فيك والشطآنُ
أيها الغابةُ الظليلةُ رُدِّي / أنت يا من أبقى عليها الزمانُ
وهو يستطيعُ أن يُجدَّكِ حسنا / إحفظي لا أصابك النسيانُ
قلَّ حفظاً أن تذكري ليلةً / مرَّتْ وأنتِ الطبيعةُ الحسَّانُ
ليكُنْ منك يا بحيرةُ ما لجَّ / بك الصمتُ أو جنون اصطخابكْ
في مغانيكِ حالياتٍ تراءى / ضاحكاتٍ على سفوح هضابكْ
في مروج الصنوبر الحوِّ تهفو / سابغاتِ الألياف حول شعابكْ
في نتوءِ الصخور مشرفة الأعنا / قِ بيضاً تطلُّ فوق عبابكْ
وليكن في العباب يهدر أموا / جاً على شاطئيك مثل الرعودِ
في انتحابِ الرياح تعول في ال / وِديان إعوال قلبيَ المفؤودِ
في صدى الجدولِ الموقّع أنّا / تِ حشاهُ بالجندلِ الجلمودِ
في شذاكِ السريِّ ينشقُ منه ال / قلب ريَّا فردوسه المفقودِ
وليكنْ في النسيم ما هبَّ سار / يهِ يجوبُ الشطآن نحوكِ جوبا
في جبين النجمِ اللجينيِّ يُلقي / فِضَّةَ الضوءِ في مياهك ذوبا
وليكنْ في شتيتِ ما تسمع الأذ / نُ وفيما نراهُ عيناً وقلبا
ليكنْ هاتفٌ من الصوتِ يتلو / قد أحبَّا وأخلصا ما أحبا