القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : بَدَوِيّ الجَبَل الكل
المجموع : 14
أتركيني بوحدتي و عنائي
أتركيني بوحدتي و عنائي / و اهربي من تأوّهي و بكائي
أنت عذراء و النعيم و صفو الحبّ / حقّ المليحة العذراء
ما بقلبي غير الجراح و هل يرضيك / مأوى مدنّس بالدّماء
إن هذا الورى بيوت قصيد / أنا فيها يا ميّ بيت الرثاء
لست أهواك فازدريني و الخائن / أهل للهجر و الازدراء
كذبة تسعدين فيها و أشقى / أنا في كذبتي من الشهداء
قد يخطّ القضاء سطرا و في / تضحية المرء محو خط القضاء
يا دوائي من الأسى أنا أجللتك / عن قرحة الأذى يا دوائي
باسم و الهموم تحفر دمعي / أنا في الابتسام عين المرائي
و الكآبات ألف نوع و ما / يقتل إلا الكآبة الخرساء
رمل سيناء قبرنا المحفور
رمل سيناء قبرنا المحفور / و على القبر منكر و نكير
كبرياء الصحراء مرّغها الذلّ / فغاب الضحى و غار الزّئير
لا شهيد يرضي الصحارى و جلّى / هارب في رمالها و أسير
أيّها المستعير ألف عتاد / لأعاديك كلّ ما تستعير
هدّك الذعر لا الحديد و لا النار / و عبء على الوغى المذعور
أغرور على الفرار ؟! لقد ذاب / حياء من الغرور الغرور !
ألقلاع المحصّنات – إذا الجبن / حماها – خورنق و سدير !
لم يعان الوغى ((لواء)) و لا عانى / ((فريق)) أهوالها و ((مشير))
رتب صنعة الدواوين .. ما شارك / فيها قرّ الوغى و الهجير
و تطير النسور من زحمة النّجم / و في عشّه البغاث يطير
جبن القادة الكبار و فرّوا / و بكى للفرار جيش جسور
تركوه فوضى إلى الدور فيحاء / لقد ضمّت المساء الخدور !
هزم الحاكمون – والشعب في / الأصفاد فالحكم وحده المكسور
هزم الحاكمون لم يحزن الشعب / عليهم و لا انتخى الجمهور
يستجيرون و الكريم لدى الغمرة / يلقى الردى و لا يستجير !
لا تسل عن نميرها غوطة الشام / ألحّ الصدى و غاض النمير
و انس عطر الشام حيث يقيم / الظلم تنأى .. و لا تقيم العطور
أطبقوا .. لا ترى الضياء جفوني / فجفوني عن الضياء ستور
بعض حرّيتي السّماوات و الأنجم / و الشمس و الضحى و البدور
بعض حرّيتي الملائك و الجنّة / و الراح و الشذا و الحبور
بعض حرّيتي الجمال الإلهيّ / و منه المكشوف و المستور
بعض حرّيتي و يكتحل العقل / بنور الإلهام و التفكير
بعض حرّيتي . و نحن القرابين / لمحرابها و نحن النذور
بعض حرّيتي من الصّبح أطياب / و من رقّة النسيم حرير
نحن أسرى و لو شمسنا على القيد / لما نالنا العدوّ المغير
لاقتحمنا على الغزاة لهيبا / و عبرنا و ما استحال العبور
سألوني عن الغزاة فجاوبت / : رمال تسفى و نحن الصّخور
سألوني عن الغزاة فجاوبت / : ليال تمضي و نحن الدّهور !
هل درت عدن أن مسجدها الأقصى / مكان من أهله مهجور
أين مسرى البراق و القدس و المهد / و بيت مقدّس معمور ؟
لم يرتّل قرآن أحمد فيه / و يزار المبكى و يتلى الزّبور
طوي المصحف الكريم و راحت / تتشاكى آياته و السطور
تستبى المدن و القرى هاتفات / أين .. أين الرّشيد و المنصور !
يالذلّ الإسلام . إرث أبي / حفص بديد مضيّع مغمور
يا لذلّ الإسلام : لا الجمعة الزه / راء نعمى . و لا الأذان جهير
كلّ دنيا المسلمين مناحات / و ويل لأهلها و ثبور
لبست مكّة السّواد و أبكت / مشهد المرتضى و دكّ الطور
هل درى جعفر ؟ فرفّ جناحاه / إلى المسجد الحزين يطير !
ناجت المسجد الطّهور و حنّت / سدرة المنتهى و ظلّ طهور
أين قبر الحسين ؟ قبر غريب / ! من يضمّ الغريب أو من يزور
أين آي القرآن تتلى على الجمع / و أين التهليل و التكبير ؟
أين آي الإنجيل ؟ فاح من الإنجيل / عطر و ضوّأ الكون نور
أين روما ؟ و جلّ حبر بروما / مهد عيسى يشكو و يشكو البخور
ألنصارى و المسلمون أسارى / و حبيب إلى الأسير الأسير
صلب الرّوح مرّتين الطّواغيت / ! جراح كما يضوع العبير
يا لذلّ الإسلام و القدس نهب / هتكت أرضه فأين الغيور
قد تطول الأعمار لا مجد فيها / و يضمّ الأمجاد يوم قصير
من عذولي على الدّموع ؟ و في المروة / و الرّكن و الصفا لي عذير
و حرام عليّ أن ينزل البشر / بقلبي و أن يلمّ الحبور
كحلت بالثّرى الخصيب جفون / و هفت للثرى الحبيب ثغور
لا تشقّ الجيوب في محنة القدس / و لكنّها تشقّ الصدور
حبست أدمع الأباة من الخوف / و يبكي الشذا و تبكي الطيور
أنا حزن شخص يروح و يغدو / و مسائي مع الأسى و البكور
أنا حزن يمرّ في كلّ باب / سائل مثقل الخطى منهور
طردتني الأكواخ و البؤس قربى / و تعالت على شقائي القصور
يحتويني الهجير حينا و لا يرحم / أسمال فقري الزمهرير
و على الجوع و الضنى و الرّزايا / في دروبي أسير ثمّ أسير
نقلتني الصحراء حينا .. و حينا / نقلتني إلى الشعوب البحور
حاملا محنتي أجرّر أقدامي و يومي / سمح الغمام مطير
حاملا محنتي أوزّعها في / كلّ دنيا و شرّها مستطير
محنتي الغيث إن أرادوا و إلاّ / فهدير البركان و التدمير
حاملا محنة الخيام فتزورّ / وجوه عنّي و تغلق دور !
ألخيام الممزّقات و أمّ / في الزّوايا و كسرة و حصير
و فتاة أذلّها العرى و الجوع / و يلهو بالرمل طفل صغير
كلما أنّ في الخيام شريد / خجل القصر و الفراش الوثير
خجل الحاكمون شرقا و غربا / و رئيس مسيطر و وزير
هيئة للشّعوب تمعن في الذنب / و لا توبة و لا تكفير
من قوانينها المداراة للظلم / و منها التغريب و التهجير
و يقام الدستور أضحوكة الساخر / منّا و يوأد الدستور
كلّ علم يغزو النجوم و يغزو / بالمنايا الشعوب علم حقير
و الحضارات بعضهنّ بشير / يتهادى و بعضهنّ نذير
نعمات الشعوب شتّى فنعمى / حمدت ربّها و نعمى كفور
لن يعيش الغازي و في الأنفس / الحقد عليه و في النّفوس السّعير
يحرق المدن و العذارى سبايا / و صغير لذبحه و كبير
دينه الحرق و الإبادة و الحقد / و شتم الأعراض و التشهير
صوّرته التوراة بالفتك و التدمير / حتى ليفزع التصوير
من طباع الحروب كرّ و فرّ / و المجلّي هو الشجاع الصبور
ليس يبنى على الفجاءات فتح / علمي في غد هو المنشور
تنتخي للوغى سيوف معدّ / و يقوم الموتى و تمشي القبور
عربيّ فلا حماي مباح / عند حقدي و لا دمي مهدور
نحن أسرى و حين ضيم حمانا / كاد يقضي من حزنه المأسور
كلّ فرد من الرّعية عبد / و من الحكم كلّ فرد أمير
و مع الأسر نحن نستشرف الأفلاك / و الدائرات كيف تدور
نحن موتى ! و شرّ ما ابتدع الطغيان / موتى على الدّروب تسير
نحن موتى ! و إن غدونا و رحنا / و البيوت المزوّقات قبور
نحن موتى . يسرّ جار لجار / مستريبا : متى يكون النشور
بقيت سبّة الزمان على الطاغي / و يبقى لنا العلى و الضمير
سألوا عن ضناي محض تشفّ / هل يصحّ المعذّب الموتور
أمن العدل أيّها الشاتم التاريخ / أن تلعن العصور العصور ؟
أمن النبل أيّها الشاتم الآباء / أن يشتم الكبير الصغير
و إذا رفّت الغصون اخضرارا / فالذي أبدع الغصون الجذور
إشتراكيّة ؟! و كنز من الدرّ / و زهو و منبر و سرير
إشتراكيّة تعاليمها : الإثراء / و الظّلم و الخنا و الفجور
إشتراكيّة ! فإنّ مرّ طاغ / صفّ جند له و دوّى نفير
كلّ وغد مصعّر الخدّ لا سابور / في زهوه و لا أردشير
يغضب القاهر المسلّح بالنّار / إذا أنّ أو شكا المقهور
ينكر الطّبع فلسفات عقول / شأنهنّ التعقيد و التعسير
كلّ شيء متمّم لسواه / ليس فينا مستأجر و أجير
بارك الله في الحنيفيّة السمحاء / فيها التسهيل و التيسير
و رقيب على الخيال .. فهل يسلم / منه المسموع و المنظور ؟
عازف عن حقائق الأمر لوّما / و كفى أن يلفّق التقرير
فيجافي أخ أخاه و يشقى / بالجواسيس زائر و مزور
لصغار النّفوس كانت صغيرات / الأماني و للخطير الخطير
يندر المجد و الدروب إلى المجد / صعاب و يكثر التزوير
علموا أنّه عسير فهابوه / و لا بدع فالنفيس عسير
محنة الحاكمين جهل و دعوى / جبن فاضح و مجد عثور
نهبوا الشعب و استباح حمى المال / جنون النعيم و التبذير
كيف يغشى الوغى و يظفر فيها / حاكم مترف و شعب فقير
مزّقوه و لن يمزّق فالشعب / عليم بما أرادوا خبير
حكموه بالنّار فالسيف مصقول / على الشعب حدّه مشهور
محنة العرب أمّة لم تهادن / فاتحيها و حاكم مأجور
هنكوا حرمة المساجد لا جنكيز / باراهم و لا تيمور
قحموها على المصلّين بالنّار / فشلو يعلو و شلو يغور
أمعنوا في مصاحف الله تمزيقا / و يبدو على الوجوه السّرور
فقئت أعين المصلّين تعذيبا / و ديست مناكب و صدور
ثم سيقوا إلى السّجون و لا تسأل / فسجّانها عنيف مرير
يشبع السوط من لحوم الضحايا / و تأبّى دموعهم و الزفير
مؤمن بين آلتين من الفولاذ / دام ممزّق معصور
هتفوا باسم أحمد فعلى الأصوات / عطر و في الأسارير نور
هتفوا باسم أحمد فالسّياط الحمر / نعمى و جنّة و حرير
طرف اتباع أحمد في السّماوات / و طرف الطاغي كليل حسير
عبرة للطغاة مصرع طاغ / و انتقام من عادل لا يجور
ألمصلّون في حمى الله يرديهم / مدلّ بجنده مخمور
جامع شاده في حمى الله يرديهم / أمويّ معرّق منصور
لم ترع فيه قبل حكم الطّواغيت / - طيور و لا استبيحت و كور
مطلق النّار فيه في الجمعة الزهراء / شلو دام و عظم كسير
و الذي عذّب الأباة رأي التعذيب / حتّى استجار من لا يجير
قدماه لم تحملاه إلى الموت / فزحف على الثرى لا مسير
و خزته الحراب و هو مسوق / لرداه محطّم مجرور
و يجيل العينين في إخوة الحكم / و أين الحاني و أين النّصير ؟
كلّ فرد منهم لقتل أخيه / يصدر الرأي منه و التدبير
و إذا يذبح الرّفيق رفيق / منهم و العشير فيهم عشير
يأكل الذئب حين يردى أخوه / و يعضّ العقور كلب عقور
إرجعوا للشّعوب يا حاكميها / لن يفيد التهويل و التّغرير
صارحوها فقد تبدّلت الدّنيا / وجدّت بعد الأمور أمور
لا يقود الشعوب ظلم و فقر / و سباب مكرّر مسعور
و الإذاعات ! هل تخلّعت العاهر / ؟ أم هل تقيّأ السكيّر ؟!
صارحوها .. و لا يغطّ على الصدق / ضجيج مزوّر و هدير
و اتّقوا ساعة الحساب إذا دقّت / فيوم الحساب يوم عسير
يقف المتّهمان وجها لوجه / حاكم ظالم و شعب صبور
كلّ حكم له – و إن طالت / الأيّام – يومان : أوّل و أخير
كلّ طاغ – مهما استبدّ – ضعيف / كلّ شعب – مهما استكان – قدير
و هب الله بعض أسمائه / للشعب فهو القدير و هو الغفور
يبغض الظّلم ناصحيه و إنّي / لملوم في نصحكم معذور !
يشهد الله ما بقلبي حقد / شفّ قلبي كما يشفّ الغدير
و جراحي ينطفن شهدا و عطرا / أدمعي رحمة و شعري شعور
يرشف النّور من بياني فإنّ / غنّيت فهو المدلّه المخمور
و طباعي على ازدحام الرزايا / - لم ينلها التبديل و التغيير
مسلم .. كلّما سجدت لربّي / فاح من سجدتي الهدى و العبير
و مع الشيب و الكهولة قلبي / - كعهود الصّبا – بريء غرير
بي حرّيتي و إيماني السمح / فحلمي هان و جفني قرير !
لم أهادن ظلما و تدري اللّيالي / في غد أيّنا هو المدحور !
زهوة الفتح و الشباب النّجيد
زهوة الفتح و الشباب النّجيد / من سقى الفجر من دماء الشهيد !
خضبت غرّة الصّباح فقد / نمّ عليها بالعطر و التوريد
قدر أنزل الكميّ عن السرج / و ألوى بالفارس المعدود
مصرع الشمس في الضحى هل ينال / الشمس في أفقها عثار الجدود
دم غازي ياحمرة الفجر فاسقي / و أرشفي من ضيائه و استزيدي
عرس في الجنان فالحور يطفرن / على ميعة الضياء البديد
سدرة المنتهى نعيم و أفياء / و أغرودة على أملود
و حنت فاطم تضمّ فتاها / لهفة الأمّ فوجئت بالوحيد
من رأى روعة الحنان أطلّت / من عيون و لألأت في خدود
و هفا بالنعيم غازي لبغداد / و للجند و القنا و البنود
إيه دنيا الرّشيد تفنى الحضارات / و تبقى كالدهر دنيا الرّشيد
صور للعلى القديم وضّاء / زوّقتها رؤى الخيال الشرود
صور للقديم تعرضها الدّنيا / ضياء و روعة في الجديد
هذه دجلة و هذي البساتين / و شدو القمريّة الغرّيد
و الأماسيّ و النخيل و ملاّح / طروب الحداء حلو النّشيد
و الليالي القمراء في النّهر / و الأنغام أصداء زورة و صدود
و القيان الملاح يخطرن في / الشطّ سكارى مرنّحات القدود
آهة بعد آهة من عريب / تخلق الظلّ للضحى المكدود
كلّما هلهلت صبا أو حجازا / ضاع حلم المتوّج المحسود
و جوار يمرحن في الزورق الساجي / و يضحكن عن نديّ برود
رفّ مجدافه على الماء و انساب / بأحلى معاصم و زنود
فانتشى من طيوفهنّ و جنّت / قطرات علقن بين النّهود
و القصور البيضاء و الحلم / اللذّ جلاه دخان ندّ و عود
حملته هفهافة العطر نشوان / إلى جنّة الخيال البعيد
همدت ثورة الشهيد و قرّت / يا دويّا مجلجلا في الهمود
إيه دنيا الرّشيد تفنى الحضارات / و تبقين من لدات الخلود
قصر هارون ما عهدت من الألاء / و العزّ و ازدحام الوفود
حمل التّاج مفرق الملك الطفل / و ما ناء بالجليل الشديد
تاج بغداد و الشام و لبنان / و بحر للروم طاغ عنيد
أيّها البحر ! بعض تيهك و اذكر / نسبا بيننا قديم العهود
لست للروم أنت للملك الطفل / نضار في تاجه المعقود
أيّها البحر ! أنت مهما افترقنا / ملك آبائنا و ملك الجدود
و انحنى الكون يلثم الملك الطف / ل و يفديه بالطّريف التليد
صاحب التّاج ! دمعة من دموع / الشام ذوّبت عطرها في قصيدي
و أنا الشاعر المدلّ على الدنيا / بغيب في حبّكم و شهود
هاشمي الهوى أحبّ فما دارى / و عادى على هواكم و عودي
حليت في نعيم جدّك أشعاري / و نمنمت في ذراه عقودي
حاطني بالحنان صقر قريش / و سقى دوحتي و نضّر عودي
لكم نعمة عليّ و ما كنت / لنعماء بيتكم بالجحود
فيّئ الشام باللواء و نضّر / شاطئيها بظلّك الممدود
ليس بين العراق و الشام حدّ / هدم الله ما بنوا من حدود
بايعت جدّك الشام فسلها / تتحدّث عن يومه المشهود
بيعه في رقابنا لأبي غازي / و للإبن بعده و الحفيد
قل كما قال للغمامة هارون / و في الجوّ زمزمات الرّعود
قل لها : أيّها الغمامة جودي / شاطئ الرّافدين أو لا تجودي
حوّمي ما أردت شرقا و غربا / في تجوم الكون الفسيح المديد
سترفّين مخصبا من سفوحي / أو تروّين ظامئا من نجودي
أمطري حيث شئت فالكون ملكي / و بنوه قبائلي و جنودي
لا تسلني عن الشام فقد حزّ / بجيد الشام عضّ الحديد
لوّحوا بالقيود فابتدر الموت / أباة تنمّروا للقيود
روّعوا الأمّهات في حلّك الليل / و راعوا صغراها في المهود
فتنمّر و اغضب لقومك و ارجم / بالشّهاب اللّمّاح كلّ مريد
و اغز بالجيش قبّة الفلك الدائر / و اقحم به عرين الأسود
جيشك الجيش لو تنكّر للنوم / لضاقت به جفون الرّقود
فإذا هجته ترنّحت الأعلام / و ازّيّنت لفتح جديد
و إذا هجته تلفّتت الدنيا / و همّت أفلاكها بالسجود
شقيت باليهود أرض فلسطين / و ضاقت رحابها باليهود
بنفايا الدنيا على كلّ وجه / منهم سبّة اللعين الطريد
أدب القوم بالسّياط و نزّه / سيف هارون عن دماء العبيد
بنت مروان لا تراعي و خلّي / عنك تهويل عدّة و عديد
أنت في ذمّة الوصيّ على التاج / و في ذمة المليك الوليد
أنت في ذمّة العراق و في / ذمّة أنجاده الأباة الصيد
قيل من للشآم قالت : أعزّ / العرب جارا و أومأت (للسعيد)
أدموعا تريدها أم رحيقا
أدموعا تريدها أم رحيقا / لا ونعماك ما عرفت العقوقا
تتجلّى عند المغيب لعيني / ضياء عذب الحنان رفيقا
و جلاك الشروق حتّى تبيّنت / محيّاك فاحتضنت الشروقا
و تزور البروق تخبرني عنك / و لولاك ما استزرت البروقا
كلّ حسن أرى محيّاك فيه / فأطيل الإمعان و التحديقا
طرق الطيف بعد أن غاب وهنا / أنت أحلى من النعيم طروقا
مرّ في وحشتي نعيما و أنسا / و محا أدمعي رحيما شفيقا
كلّما غبت عنه و غاب عنّي / لاح في خاطري وسيما أنيقا
إن رعى صحبتي و أوردها الصفو / فقد كان بالمعالي خليقا
نم بقلبي و لو قدرت منعت ال / قلب حتّى تقرّ فيه الخفوقا
نم بقلبي و حرمة لك لن / تسمع منّي تأوّها و شهيقا
نم بعيني فقد فرشت لك الأحلام / مخضلّة الورود طريقا
نم بعيني إذا اصطفيت رؤاها / همّ عيني أن تصطفى و تروقا
زيّن الجفن دمعه لك فانهل / سلافا عذبا و مسكا فتيقا
إنّ قلبي خميلة تنبت الأحزان / وردا و نرجسا و شقيقا
لو على الصّخر نهلة من جراحي / راح مخضوضل الظلال و ريقا
همّي الهمّ لو تكشّف للنّاس / لأغرى حسنا و راع بريقا
أترع الكأس للرّبيع فغنّى / و انتشى بانه فماس رشيقا
نجمتي و الطريق تيه و ليل / و رفيقي إذا فقدت الرفيقا
إنّ بعض الأحزان يخطب بالمجد / و بعض يشرى رقيقا
من جراح الضّحى سنى أريحيّ / نضّر الكائنات حين هريقا
أنا و الهمّ كلّما أقبل الهمّ / مشوق يلقى أخاه المشوقا
أيّها الناعمان في الغفوة النشوى / أفيقا على الصّباح أفيقا
سكر الشعر من سلافي و عبّت / من دناني فجنّت الموسيقا
وحدتي عالم من السّحر و الفتنة / حلو القطاف خمرا و ريقا
و أديم يغفو ثراه على العطر / و يغريه عنبرا مسحوقا
طف بقلبي تجد به ألف دنيا / لا يلاقي الشقيق فيها الشقيقا
سكنته الشموس من كلّ أفق / و تحدّى أشتاتها أن يضيقا
حفي الفكر في عوالمها الفيح / و لم يبلغ المكان السّحيقا
كلّ أفق تضيق فيه أسيرا / سعة الأفق أن تكون طليقا
لا تلمنا إذا تركنا الميادين / سمّوا بحقّنا و وثوقا
فالأصيل العتيق يأنف شوطا / لم يشاهد فيه أصيلا عتيقا
ذلّ شوط يكون بين البراذين / فلا سابقا و لا مسبوقا
لم تحمحم تختال بالحسن و القوّة / بل حمحمت تريد العليقا
ما نزلنا عن السروج عياء / لو ركبنا لما أطاقوا اللحوقا
و لنا السبق فامسحوا غرر / الخيل بأيمانكم تشمّوا الخلوقا
أيّها الزاعمون أنّا فرقنا / صائد الليث لا يكون فروقا
كيف يرمى بالخوف من زحم / الأسد و أعيا أنيابها و الحلوقا
أنكرونا يشهد حطيم قيود / و سمت منكم رقابا و سوقا
سدّة الحكم بعد آساد خفّان / تضمّ الأحلاف شاء و نوقا
أبطر الحاقدين حلم أبي حسّان / و الحلم أن تقيل الصديقا
جحدوا فضله و لا لوم عندي / إنّ فضل الرئيس ضلّ الطريقا
إنّ نعمى الكريم دين على / الحرّ و تجزى من اللئيم عقوقا
نامت الشام فاستغلّوا كراها / موعد الهول بيننا أن تفيقا
لا أغالي بلومها فهي حسناء / تحبّ الدّلال و التلميقا
إنّ عنف العتاب يؤذي أحبّا ي / و أحلاه ما يكون رقيقا
جمرة الحقد في السرائر لولا / ذلّ أصحابها لشبّت حريقا
قد أرقدنا دمائنا فسلوه / أيّ دمع من مقلتيه أريقا
حمّلوه ما لا يطيق و كانت / بدعة تخجل العلى أن تطيقا
دعك من زحمة العواصف و اترك / للعقاب السماء و التحليقا
خلق الله للعظائم و المجد / فريقا و للصّغار فريقا
يا زعيمي عند الدّعاء ولو شئت / لناديت في الزّعيم الصّديقا
كيف تغفو ألم تر الشام في / النزع و تشهد لواءها المخنوقا
مزّق القبر فالشآم تناديك / وتبكي مكانك المرموقا
مزّق القب فالجلاء يتيم / بدّدوا إرثه و غالوا الحقوقا
ألسّري العريق هان على / الدّهر كأنّ لم يكن سريّا عريقا
من راى في السّقام سعدا رأى / الفجر وديع السّنا وسيما طليقا
يتنزّى و لا يطيق وثوبا / حسرة الشّمس لا تطيق الشروقا
سألوا يوم سبقه كيف جلّى / من سجاياه أن يكون سبوقا
راودتك الدّنيا على الحسن / و الجاه فكنت المبرّأ الصدّيقا
سألتني عنك الخمائل في الغوطة / تشتاق عطرك المرموقا
و دروب خضر عليها خطى / الشاء تعيد التغريب و التشريقا
و ظلال سكرى و فوضى من الزّهر / تحدّى جمالها التنسيقا
ما تبرّجن للعيون فغالي / الحسن يأبى الإغراء و التشويقا
ودّت الورق لو خلعن من الحزن / عليك البياض و التطويقا
تيّمت قلبك الطبيعة / بالحسن بريئا معطّرا موثوقا
كرّم الله دنهّا و الندامى / و صبوحا على الهوى و غبوقا
للنّبي ّ الإشراق من حسنها / السمح و أرضى منه الخفيّ الدقيقا
حملت قوسها فهيّأت قلبي / و ترّقبت سهمها المرشوقا
مر أرنّح عطفيك بالشّعر / من عيني و قلبي منمنما منسوقا
حضريّ الخيال إن ذكر المنبت / سمّى نجدا و سمّى العقيقا
عندي الكنز لا يضير غناه / أن يكون المنهوب و المسروقا
و كؤوس من السماء تشهّت / حور رضوان عطرها و الرّحيقا
عاب كأسي و لم يذق عطر كأسي / لا تعبها بالله حتّى تذوقا
يا صحيح الإخاء قد كشف النّاس / إخاء مموّها ممذوقا
أتمنّى اللّحاق فيك و أشكو / للقضاء التأخير و التعويقا
لا تسلها فلن تجيب الطلول
لا تسلها فلن تجيب الطلول / ألمغاوير مثخن أو قتيل
موحشات يطوف في صمتها / الدّهر فللدّهر وحشة و ذهول
غاب عند الثرى أحبّاء قلبي / فلثرى وحده الحبيب الخليل
و سقوني على الفراق دموعي / كيف يروي من الجحيم الغليل
خيّمت وحشو الفراغ على / الأحياء فالقبر وحده المأهول
في الثرى من أحبّتي ولداتي / ظفر أبلج و فتح جليل
نزلت بالقبور أسمى اللّبانات / و طاف الرجاء و التأميل
و تهبّ القبول تحمل أشواقي / فهل رشّت الطيوب القبول
الدي نال جبهة اللّيث في / غمر الضّحى ناله جبان ذليل
يا أخا الفتكة الصراح كأنّ / الشمس من فوق فرعها إكليل
لم تفاجئ بها عدوّا فقد / أنذر منها زماجر و صهيل
و زحوف على العدو كما تخبط / بالعاصف المرنّ السيول
ألف هيجاء خضتها لم تجدّلك / أحقا أنت الصريع الجديل
سيفك السيف لا يخاتل في / الروع وزكّاه أنّه المختول
و إذا النّصر كان عارا فأرضى / للمروءات أنّك المخذول
لقطاف الوغى شمائل كالنّاس / فنصر وغد و نصر نبيل
هتف الهاتفون : أين رياض / فانتخى في الثرى حسام صقيل
و بكت أمّة و أجهش تاريخ / و ناح القرآن و الإنجيل
يا لستّين في الكفاح طوال / حاليات و كلّ جلّى تطول
من راه يخرّ في فجأة الغدر / رأى الرّاسيات كيف تميل
إنّ موت العظيم محنة التاريخ / و دنيا تفنى و كون يزول
إنّ سيفا أرداك غدرا و حقدا / لهو بين الظبى دعيّ دخيل
لم يذد في الوغى عدوّا و لم / يهززه في الرّوع ساعد مفتول
مغمد في معارك الحقّ ناب / و على الحقّ مصلت مصقول
شاهت العرب تحت كلّ سماء / حين أغضت و شلوك المأكول
يا لذلّ العلى فهل هجع الثأر / و طاح الدم الزكيّ الطليل
عقر الله بعد فارسها الخيل / و لا عطّر الفتوح االصهيل
ينكر الشوط نفسه حين تجري / عاريات من الكمأة الخيول
ما لأمجادنا و ما لعبيد / الأساطير مجدهم و الطلول
بئس قوميّة يؤرّخها / الظنّ و يبني أحسابها التأويل
كيف تسمو بين الشعوب / ثمالات شعوب و عابرون فلول
أبغضونا على العروبة و الفت / ح و يلقى عند الهجين الأصيل
و سبايا الفتوح لا بدع إن / هرّ على الفتح حقدها و الذحول
نحن كون لا كائنان ضعيفان / ألحّ الهوى و تم ّالوصول
سالف الشرق ملك قحطان / و اليوم لقحطان و الغد المأمول
و له هذه الجبال المنيفات / و تلك الرّبى و هذي السهول
و السماوات و الكواكب في الشرق / لقحطان موطن و قبيل
و النبوّات و الفنون و ملك / في شباب الدّنيا عريض طويل
أريحيّ تكاد نورق بالنعمى / لأعدائه القنا و النصول
قد ورثنا البحار من عبد شمس / و عليها الغزاة و الأسطول
أرز لبنان أيكة في ذرانا / و الفراتان ماؤنا و النيل
و رياحيننا على تونس الخضراء / خضراء أين منها الذبول
ما شكت جرحها على البعد إلاّ / رفّ قلبي على الجراح يسيل
و لثمت الجراح فهي ثغور / يشتهى عطورها التقبيل
هادرات بخطبة المجد بتراء / و يؤذي البلاغة التطويل
حلف القيد أنّه من نضار / كلّ قيد على الرّقاب ثقيل
يا صديد الجراح بوركت طيبا / يتملّى ريّاه جيل فجيل
كلّ روض في الشرق من / دم آبائي مندّى معطّر مطلول
و لبناتهم على كلّ صحراء / غدير صاف و ظلّ ظليل
حيث يحنو الصفصاف نعمى / على الواني و يبكي على الشهيد النخيل
كلّ تكبيرة على الرّمل نفح / و عبير سكب و أيك بليل
ذكر الله فالهجير شفاه / قانيات و الليل طرف كحيل
لفّني و الدّجى على هذه الصح / راء سحر منمنم مجهول
لفّني و الدّجى فأفنت كلينا / سعة من جلاله و شمول
أيّ سرّ نريد في الكون / و الكون معنّى بسرّنا مشغول
تلك واحاتها الظليلة / و الظلّ غريب على الرّمال نزيل
زهرات السّماء حيّا بها / قومي من الحور في السماء رسول
فعلى كلّ نهلة من شذاها / شفّة عندم و خدّ أسيل
و حنين إلى السماء كما حنّ / إلى نعمة الشفاء العليل
ربّ روحي طليقة في سماواتك / و الجسم موثّق مغلول
بعد الفرق بين روحي و جسمي / جسدي آثم و روحي بتول
أنت يل ربّ غاية و إلى / الغاية أنت الهدى و أنت السبيل
لك حبّي و منك حبّي فهل / يعطي من السائل الكريم المنيل
لك حبّي فهل لفقري إذا / أهدى إلى كنزك الغنيّ قبول
عبراتي عبادة و ابتهال / و شهيقي التكبير و التهليل
و صلاتي تأمّل و مناجاتي / خشوع و زقزقتي ترتيل
و بلائي أنّ النعيم الذي / أرجو نعيم مسوّف ممطول
لم يضع في الظلام نورك عن / قلبي فقلبي إلى سناك الدليل
معدن الخير و الجمال المصفّى / وجهك الخيّر الكريم الجميل
و أنا السائل الملحّ و يجلو / وحشة الذلّ أنّك المسؤول
و بيمناي ألف كنز عطاياك / و ما في يديّ إلاّ القليل
ربّ ! نعماك أن تنضّر قلبي / بمحيّاك فهو صاد محيل
ربّ ! قلبي زيّنته لحميّاك / فمر تنسكب بقلبي الشمول
هيّئت في سريرتي لك ربّي / سدرة المنتهى و طاب النّزول
جوهر القلب و هو إبداع كفّيك / على ما به كريم أصيل
و بقلبي رضوان يهفو لمرآك / و ندّى سريرتي جبريل
يا لدات الشباب لو ينفع الدم / ع جزتكم مدامعي و العويل
و كهولا أبلت شبابهم الجلّى / فهم في الصبا الوسيم كهول
روّعت سربنا المنايا و أمّ / المجد في الغوطتين أمّ ثكول
راع قلبي الرّحيل حتّى تولّيتم / فأشهى المنى إليّ الرّحيل
لوعتي – و الثرى يهال عليكم / - كوفائي مقيمة لا تحول
لوعة الحرّ حين أفرده الدّهر / فمن يتّقيه حين يصول
و أناجي قبوركم أعذب النج / وى و أشكو معاتبا و أطيل
و كأنّ القبور تسمع شكواي / .. و تدري حصباؤها ما أقول
عيّروا بالفلول بيض ظبانا / من قراع الزمان هذي الفلول
و إذا السيف كلّ من هبره الهام / فقد شرّف السيوف الكليل
الدجى عذر منكرينا ز تخفى / غرر الخيل في الدّجى و الحجول
ذلّ مجد لم ينتسب لكفاح / فهو مجد رثّ المعالي هزيل
غوطة الشام هل شجاك بيان / من قريضي كأنّه التنزيل
و عتاب كالجمر صنتك عنه / جزعا أن ينال منك عذول
كلّ مجد يفنى و يبقى لشعري / شرف باذخ و مجد أثيل
غوطة الشام منك صدّ و حرم / ان و منّا العطاء و التنويل
ألذي شرّدته عنك المعالي / آب و هو المكفّن المحمول
غربة في العلى و ينأى عن / الغمد فيبلى المهنّد المسلول
مثخن بالجراح يهفو إلى / الأمّ فأين الترحيب و التأهيل
ربّ فنح ترويه للدّهر / أشلاء قناة و صارم مفلول
ضنّت الشام بالوفاء علينا / طلعة سمحة و ودّ بخيل
أيسر الجهد أن تضجّي و تشكي / قد يرجّ الطغيان قال و قيل
و اعذري الهامسين خوفا فما يهدر / عند الصّيال إلاّ الفحول
لامنا الأّئمون في حبّ حسناء / ملول و كلّ نعمى ملول
لا تحاسب أخا هوى في هواه / كلّ ثغر على الهوى معسول
أيّ بدع في ثورة من محبّ / قد يثور المقيّد المكبول
لك منّي الهوى كما رنّح الفجر / نسيم في غوطتيك عليل
يا رفاقي بكيت فيكم شبابي / كلّ عيش بعد الشباب فضول
من تملّى بقلبه الضاحك الهاني / فقلبي الممزّق المتبول
أين سعد و عادل و رياض / ما لركب الرّدى المجدّ قفول
و نجيب و أين منّي نجيب / غال قومي من المنيّة غول
كيف أغفى أبو رياض و حقّي / في الشام المضيّع المخذول
و تلاقيتم على البعد في قلبي / فلا روّع اللدات رحيل
حال بيني و بين دنياي أنّي / بكم في سريرتي مشغول
و أراكم حتّى لأسأل نفسي / أيقين رؤاي أم تخييل
بوركت نعمة الخيال و يرضيني / خداع الخيال و التعليل
أجهدتنا الضحى على زحمة الرّوع / فهل يسعد الطلاح الأصيل
أين أين الرّعيل من أهل بدر / طوي الفتح و استبيح الرعيل
يا نديمي إلى متى الإغفاء
يا نديمي إلى متى الإغفاء / بسم الكون حين حيّت ذكاء
لا تمل بي إلى الرجاء فقد / أودى بنفسي طموحها و الرجاء
و دع اليأس ينتحيني ففي ال / يأس لداء النفس الطموح دواء
فقد رضيت الأكواخ و هي نعيم / و هجرت القصور و هي شقاء
و من الهون أن يقيم كريم / في مكان هانت به الكرماء
أترع الكأس و اسقني بمكان / ضلّ عنه الوشاة و الرقباء
حبّذا كوخي النديّ و إن لم / يكتنفه الإعجاب و الخيلاء
لم يشنه في ناظري أن عداه / زخرف في بنائه و رواء
أنا حرّ به و ما بعد هذا / عند باغي سرّ الحياة هباء
يا نديمي لا تأس بالله و اشرب / لذّة العيش هذه الصهباء
و تمتّع بالنور إذ ربّ قوم / منع الكأس عنهم و الضياء
و استمع هذه البلابل غنّت / فأثار الشجون ذاك الغناء
لا تخاف الصيّاد إذ عصمتها / من دواهيه هذه الصحراء
ذكّرتك الديار جرّ عليها / ذيله بعد قاطنيها العفاء
و حماة الدّيار و هي عبيد / و غواني الديار و هي إماء
يا نديمي تعزّ واسل فقبلا / قد عفت بعد أهلها الحمراء
و عفت من ظباء صقر قريش / و أغاني قيانه الزهراء
و تناست قساور العرب في / المرية الخمائل الخضراء
و تعزّت عن ابن عبّاد روض / و قصور في باحة قوراء
بعد أن كان في رباها / من العنبر و الزعفران طين و ماء
يا نديمي إليّ نبكي فقد يسعد / قلب النائي الحزين البكاء
أنت أوفى منّي و أوثق عهدا / يا نديمي و أين أين الوفاء
فوق شعري بلاغة و بيانا / منك هذي المدامع الحمراء
ترجمت عن أساك فهي قصيد / لم يفته البيان و الانتقاء
إنّما الحزن مرسل الشعر شعرا / و الحزانى هُمُ هُمُ الشعراءُ
أترعي الكأس أدمعا و رحيقا
أترعي الكأس أدمعا و رحيقا / حقّ بعض الهموم أن لا نفيقا
سلم الجمر لي و عاش بقلبي / أريحيّ اللّهيب عذبا أنيقا
يا شآمي يا قبلة الله للدنيا / و يا راحها المصفّى العتيقا
أترع الكأس من هواك لتروى / كبدي من هواك لا لتذوقا
مزّقيها تغمرك طيبا و نورا / لا تملّي الطيوب و التمزيقا
لملم الفجر ذكرياتي دما سكبا / و مجدا غمرا و عهدا و ثيقا
لملم الفجر ذكرياتي فما لملم / إلاّ أقاحيا و شقيقا
كبريائي فوق النجوم و لولاها / لما كنت بالنجوم خليقا
جلّ شعري – أقيه الرّوح من كلّ / هوان – و الشعر كالعرض يوقى
ما شكوت العدو كبرا و لكنّي / شكوت المبرّأ الموثوقا
و أخا لي سقيته الودّ صرفا / فسقاني من ودّه الممذوقا
طبعي الحبّ و الحنان فما أعرف / للمجد غير حبّي طريقا
و كنوزي – و ليس تحرسها الجنّ / تنادي المحروم و المرزوقا
لم يضق بالعدوّ حلمي و غفراني / و أفدي بمقلتي الصديقا
لا أريد الإنسان إلاّ رحيما / باختلاف الهوى و إلاّ شفيقا
لي قبور كنزت فيها شبابي / و صبوحي على المنى و الغبوقا
يا قبور اللدات : كل شقيق / حاضن في الثرى أخاه الشقيقا
وسعت هذه القبور فؤادي / كيف تشكو – و هي في السماوات – ضيقا
كيف لا تنبت الرّياحين و الشوق / و قلبي على ثراها أريقا
مقلتي يستحمّ في دمعها الطيف / و تحنو فلا يموت غريقا
ينزل الجرح من فؤادي على الحبّ / و يلقى التدليل و التشويقا
شامة الفتح نام ( فارسك) النجد / و حقّ الوفاء أن يستفيقا
سبقته أحبابه للمنايا / فرحمت المجلّى المسبوقا
و نعم عدت ( للعقيق ) و لكن / فارق الأهل و اللدات (العقيقا )
أنا كالطّير ألف صحراء لفّته / مهيض الجناح شلوا مزيقا
مات أيكي و مات وردي فلا تعجيل / أعنى به و لا تعويقا
غربتي قد سئمت غربة روحي / و مللت التّغريب و التّشريقا
غربتي غربتي على النّأي و القرب / أراني إلى دجاها مسوقا
حدت عنها غربا و شرقا و طوّفت / فما اجتزت سهمها المرشقا
(فارس) المجد لم تزغرد / عذارى المجد إلاّ انتخى و كان و السّبوقا
و له الطّرفة المليحة تغني / عن نقاش و تسكت المنطيقا
و بيان تخاله الوشي و الأطيا / ب شتّى و اللؤلؤ النسوقا
فيه عمق البحار تزخر بالدرّ / و فيه متارف الموسيقا
و ضمير يكاد يسرف في الحسّ / فيجزي حتّى الخفيّ الدّقيقا
عالم يسكب العذوبة في العلم / فتستاف عنبرا مسحوقا
يا لنسر تقحّم الشمس حتّى / ملّ عزّ الشموس و النحليقا
حقّ عبئين من سنين و مجد / أن يكفّا من شأوه و يعوقا
يهرم النسر فالطريق عثار / ذكريات الصبا زحمن الطريقا
عبّ منها النسر الحبيس فردّته / لدنيا الشموس حرّا طليقا
غمرت قلبه حنينا و أشواقا / و يمناه لؤلؤا و عقيقا
عالم الذكريات نمنمه الخالق / حتّى يدلّل المخلوقا
هو من أريحيّة الله ماشئنا / رحيقا صفوا و مسكا فتيتا
حال بيني و بين لقياك دهر / سامني عبئه فكنت المطيقا
أنزلتني على فروق رزاياه / فحيّا عطر السماء (فروقا)
ضاق لبنان بي و كان رحيبا / و تنزّى حقدا و كان رفيقا
ما للبنان رحت أسقيه حبّي / و سقاني مرارة و عقوقا
أنا أغليته بلؤلؤ أشعاري / و طوّقت جيده تطويقا
و زرعت النّجوم في ليل لبنان / فرفّ الدّجى نديّا و ريقا
دلهتني (سمراء لبنان ) أطيابا / و قدّا مهفهفا ممشوقا
و جمالا غالى بزينته الله / و ثنّى و ثلّث التدقيقا
و عفافا ذاد الشفاه و خلىّ / للعيون السّلاف و التّحديقا
جنّ قلب الدّجى بأهدابها الوطف / فأغنى جفنا و كحلّ موقا
قد أرادوا لبنان سفحا ذليلا / و أردناه شامخا مرموقا
و حمدت الجلىّ بلبنان لمّا / كشفت لي اليقين و التلفيقا
إن عتبنا على الكنانة إدلالا / فقد يعتب الصّديق الصّديقا
و هبتنا فرعونها و وهبناها / على العسر يوسف الصدّيقا
كيف يشري العبيد كافور / بالمال و كافور كان عبدا رقيقا
أرز لبنان لن يكون لكافور / متاعا و للأرقّاء سوقا
يا قبور في الشام ربّ قبور / أنزلتها النوى مكانا سحيقا
موحشات : إلاّ عزيفا من الج / نّ يرجّ الدّجى و إلاّ نعيقا
هائمات كالنور طارت صبابا / تي إليها فما استطعن اللحوقا
غرّبتنا العلى قبورا و أحياء / و عاثت بشملنا تفريقا
و اغتراب القبور من حيل الم / وت ليخفى كنوزه و العلوقا
تسمع الرّيح حين تصغي حنينا / من فؤادي على الثرى و شهيقا
ما لقومي غال الحمام فريقا / منهم و العقوق غال فريقا
ظلم الكنز أهله فتمنّى / أن يكون المبدّد المسروقا
فارقوني معطّرين من الفتح / و خلّوا لي الأسى و الشهيقا
أظمأتني وجوههم حين غابت / فأردت الذكرى سلافا و ريقا
عهدها بالخلوق عهد قديم / ألفت غرّة المجلّى الخلوقا
يا لدات الفتوح نسقي منايانا / و يسقينا الهوى ترنيقا
بيننا صحبة الاّباء و عزّ / أمويّ يطاول العيّوقا
و كفاح كعصف ضجّ في الدّنيا / رعودا هدّارة و بروقا
و المروءات كالغرائر في الرّيف / ملاح لا تعرف التزويقا
و عقود من السنين نظمناها / سجونا و كبرياء و ضيقا
نحن كنّا الزلزال نعصف بالشرق / نرجّ الشعوب حتّى تفيقا
فابتدعنا من ألرؤى واقع الحقّ / و من غمرة الظلام البريقا
نقحم الغامض الأشمّ من المجد / و نأبى الممهّد المطروقا
نحن عطر السجون عطر المنايا / نحمل الجرح مطمئنا عميقا
نحن كالشمس جرحها وهّج الدّنيا / غروبا منوّرا و شروقا
نحن و الشام و الفتوحات و الأحزان / دنيا تزيّنت لتروقا
ما درى الشرق قبلنا سكرة الحقّ / و لا خمرها و لا الراووقا
نحن عشق للغوطتين براه الله / حتّى يؤلّه المعشوقا
نحن في الكأس نغمة نحن في الن / غمة صهباء : صفّقت تصفيقا
خمرة النّور خمرة الثأر و الإيمان / طابت بردا و طابت حريقا
يعرف الحقّ قيمة الجوهر / الفرد و يغلى جديده و العتيقا
يعذر الحرّ حين لا يخطئ العزم / و إن كان اخطأ التوفيقا
يا رئيسي من أربعين زحمناها / إباء مرّا و بأسا حنيقا
أنت نشّأتني على الصبر و العزّ / كما تلاهف الحسام الذليقا
مننتدى الشام و الوزارة ضماّنا عريقا / يفي هواه عريقا
و هموم كأنّهن الأمانيّ جم / الا و نشوة و سموقا
مترفات ترعرعت في فؤادينا / و طابت شمائلا و عروقا
يرد الخطب منك قلبا سريّا / و بيانا عفّا و وجها طليقا
من يعلّ النديّ بعدك بالشه / د المصفّى و من يسدّ الفتوقا
هدرت بالنديّ خطبتك الشمّاء / و الريق لا يبلّ الحلوقا
أنكرتك الحياة بالشيب و السق / م فهيّء للفارك التطليقا
حمل الموت من لداتك شوقا / يستحثّ الخطى و عتبا رقيقا
و كتابا من الهوى نمّوقه / فأجادوا البيان و التنميقا
و طيوفا تبرّجت لكرى جفنيك / حتّى يرضى و حتّى تليقا
غيّب القبر منك شمّاء مجد / وعرة تزحم النجوم سحوقا
يتلقّاك (هاشم) في ربى عدن / و يستقبل المشوق المشوقا
حيّ عنّي سعدا و قبّل محيّا / كالضحى باهر السنى مرموقا
و أبا أسعد سقته دموعي / و سليمان ( و النّديم ) الصّدوقا
و اسق (قدري) و (عادلا) و (جميلا) / من حنيني طيب الهوى و الرّحيقا
و اشك حزني (لمظهر) و (نجيب) / راع دهر أخاكما فأفيقا
لي حقوق على القبور الغوالي / و يوفّى قبر الكريم الحقوقا
حدّثيني عن الهوى حدّثيني
حدّثيني عن الهوى حدّثيني / و أثيري كوامن الأشجان
عن ليالي نعمان جادت دموعي / ما جفاه الرباب من نعمان
عن كؤوس الصبا تدار علينا / و الندامى نواعس الأجفان
يا سليمى : و في الأحاديث سلوى / حدّثيني عمّا مضى حدّثيني
ذبلت هذه الخميلة حزنا / و سقاها من الردى ساقيها
كيف تذوي غصونها ظامئات / و أنا من مدامعي أرويها
هي في حاجة لعطف فتاة / فاذرفي دمعة الأسى تحييها
لا تضنّي بالدمع يوما عليها / من شروط الوفاء أن تبكيها
واذرفيه شعرا و طيبا و خمرا / إنّ فيه الدمع راحة للحزين
قد جفاها النسيم منذ ليال / آه ممّا جنى عليها النسيم
ضنّ في لحنه الرقيق عليها / بعد جود و قد يضنّ الكريم
فاحملي الناي و اتبعيني إليها / فمن البرّ أن يواسي الكليم
أسمعيها صوت الملائك يرجع / زهوها صوتك النديّ الرخيم
و اعيدي لحن الربيع ففيه / ماتمنّته من هوى و حنين
ذرفت دمعها سليمى فأحيت / ذابلات الغصون و الأوراق
و تغنّت ألحانها فأثارت / كامنات الشجون و الأشواق
زيّنت عاطل الخميلة جودا / بلال تجري من الآماق
و أعادت عهد الرّبيع إليها / مذ سقتها بالمدمع الرقراق
و حبتها من عطرها نفحات / تسكر الطير و عي فوق الغصون
عاطفات الحنان في صدر سلمى / كرّم الله هذه العاطفات
أيّ شعر لم يستكن للقوافي / مرقص في ألحانها المسكرات
ما أشدّ الظلام لولا شعاع / يرسل النور في عيون الفتاة
يا شعاع العيون وطفاء نجلا / أنت في ظلمة الأسى تهديني
يا شعاع العيون فيك قرأنا / سرّ هذي الحياة وهو دقيق
نعمة الله أنت في الكون لولاك / لعمّ الوجود حزن و ضيق
في ليالي الهموم ترسل نورا / بدعة العطر و الهوى فنفيق
خالق الكون قد براك عزاء / ليداوي آلامه المخلوق
ما عشقنا الحياة وهي شقاء / الناس لولاك يا شعاع العيون
دمعة من عيون هيفاء خود / تخلق العطف في قلوب القساة
بسمة في الحياة من شفتيها / تبعث النور في ظلام الحياة
لمسة من بنانها وهو رخص / برد تلك الجوانح الظامئات
نفحة من نهودها سرّ ما / ننشق بين الربى من النفحات
هي سرّ الحياة انشودة الله / شفاء الداء العصيّ الكمين
أنا أهوى بلا رجاء وما / حال محبّ يهوى بغير رجاء
بائس يا ابنة الصباح شقيّ / كفكفي من مدامع البؤساء
و ارحميني ففي غد يهب الله / ضياء لأوجه الرحماء
وهبيني خميلة جدت ما / جدت عليها بالنور و الأنداء
أنا أشقى منها و أظمأ روحا / أسعديني فالعدل أن تسعديني
ذا اعترافي أمام كاهنة الحبّ / فهل يغفر الخطايا اعترافي
لإله الهوى صلاتي و نسكي / و حوالي بيت الغرام طوافي
هيكل الحبّ طاف فيه جدودي / و جثت حول ركنه أسلافي
أنا راض بنظرة أو بوعد / منك للعلة الكمينة شافي
فعديني و لا تبرّي فحسبي / من نعيم الحياة أن تعديني
عاصف باده الرّبى و دخان
عاصف باده الرّبى و دخان / أين منك الشّقيق و الأقحوان
أين منك الرّبيع ينفح بالعطر / و أين السّلاف و الندمان
بورك الفرد حين يدمي فؤاد / عبقريّ أو حين تدمي بنان
محيت أشهر الرّبيع فلا أيّار / من دهرنا و لا نيسان
لا شقيق النّعمان في غوطة الشام / و لا عطره و لا النعمان
يعرف الفجر أنّ دمعي أصفى / من نداه و يعرف الريحان
هبّ ندى الفجر كالدموع صفاء / أين منه البلوى و أين الحنان
يعرف الطّيب أنّ دمعي أذكى / منه عطرا و تعرف الأردان..
تعرف الراح أنّ دمعي سلاف / و جفوني كؤوسها و الدّنان
أنا أبكي للّيل أوحشه البدر / و للقلب هدّه الحرمان
أنا أبكي للهمّ يأوي إلى القلب / فيقسو على الغريب المكان
أنا أبكي لكلّ طاغ فما يستر / إلاّ الضراعة الطغيان
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن / و للحسن فاته الإحسان
أنا أرثي للمترفين فما يبدع / إلاّ الشّقاء و الأحزان
و أنا المترف الأنيق و لكن / ترفي صاغ فنّه الرحمن
أنا أبكي لكلّ قيد فأبكي / لقريضي تغلّه الأوزان
أدمعي في السّماء أنجمها / الزّهر و في البحر درّه و الجمان
أيّها الكافرون هذي دموعي / من رسالات وحيها الإيمان
أيّها المذنبون هذا فؤادي / من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في / دنيا أساه و يهنأ الوجدان
من همومي ما لا يفيق على / البعث و منها المدلّه السهران
من همومي ما يغمر الكون بالعطر / و منها مزاهر و قيان
و همومي معطّرات عليها / من شبابي الطّموح و الريعان
كالغواني لكلّ عذراء لون / من جمال و نفحة و افتتان
لم أضق بالهموم فلبا و هل / ضاق بشتّى عطوره البستان
و الهموم الحسان تفعل في الأنفس / ما تفعل الغواني الحسان
و أنا الوالد الرّحيم و أبنائي / هموم الحياة و الأشجان
إنّ حلمي حلم النّجوم و ما / زوّق في الحلم نورها الوسنان
و أعير الحزين سحر بياني / فيعزّيه لو يعار البيان
عقّني الأقربون من غمرة الخطب / و عقّ اللّدات و الإخوان
سوف يملي التاريخ عنّي ما يملي / فتخزى بظلمي الأوطان
ينصف العبقريّ دهر فسيّان / و في أصفياؤه أم خانوا
نعمة الشعر نعمة الشمس لا يعذر / فيها الجحود و النكران
و أسرّ الشكوى حياء و كبرا / ربّ شكوى إسرارها إعلان
كيف أغضي على الهوان لجبّار / و عندي الشباب و العنفوان
ما لسلطانهم على الحرّ حكم / كلّ نفس إباؤها سلطان
فلكي ثابت و لا خير في الأفلاك / يملي نظامها الدوران
لا مني اللاّئمون في الصّمت و / الصّمت على القبر لوعة لا هوان
كيف تشدو بلابل الدّوح / للفجر و في الدّوح عاصف مرنان
أخرستني الشّام تحفر للقبر عليها / الطيوب و الأكفان
يا لها ميتة و من صور الموت / همود الإباء و الإذعان
إنّه الموت لا اختلاف عليه / فعزاء بالشام يا مروان
لم يميّز محبّبا من بغيض / في الدّجى لا تميّز الألوان
بدعة الذلّ حين لا يذكر الان / سان في الشام أنّه إنسان
بدعة الذلّ أن يصاغ من ال / فرد إله مهيمن ديّان
أيّها الحاكمون ما ضاعت الحجّة / منكم و لا انطوى البرهان
حقّ هذي النفوس أن ترفع / الأصنام فيها و تعبد الأوثان
يالها دولة تعاقب فيها / كالجناة العقول و الأذهان
أين حرّيتي فلم يبق حرّا / من جهير النّداء إلاّ الأذان
سبّة الدّهر أن يحاسب فكر / في هواه و أن يغلّ لسان
ألضحى و الشجاع حلفا كفاح / ما احتمى بالظّلام إلاّ جبان
حرنوا و الشعوب في موكب السّبق / و من شيمة الهجين الحران
يعثر الدّهر و الشعوب و تشقى / بالمناكير أمّة و زمان
قبروا في المهود ما سلّ سيف / في رداهم و لا تعرّى سنان
لم تنلهم يد المنيّة ظلما / و لدوا قبل أن يحين الأوان
سائلوا زحمة العواصف لمّا / رجّت الأرض أين كنّا و كانوا
و سلوا ظلمة السّجون فلن / ينبئ عنهم سجن و لا سجّان
كتب المجد ما اشتهت غرز المجد / و نحن الكتاب و العنوان
نحن تاريخ هذه الأمّة الفخم / و نحن المكان و السكّان
شرف الشوط بالمجلّي من الخيل / و يخزي بغيره الميدان
من غوالي دموعنا الخمر و العطر / و نعمى دمائنا الأرجوان
قد سقينا من قلبنا الموت حتى / نبت الضرب في الرّبى و الطّعان
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت / و يشقى سرج و يشكو عنان
يتلوى على الحبال فنونا / أوزير في الدّست أم بهلوان ؟
أنسوا منه بالنّعومة و اللّين / و لا بدع إنّه أفعوان
ليس خلف البرود إلاّ هباء / فاحكم النّاس أيّها الطيلسان
ما على الحكم و هو مرعى و ماء / أن تعود الخماص و هي بطان
يظلم القلب لا مروءة فيه / فهو كالقبر موحش حرّان
كيف تسمو القلوب لولا االمروءات / و تغفو على المنى الأجفان
حسبوا ضحكة الشعوب ارتياحا / و اللّظى حين يضحك البركان
لا يهين الشعوب إلاّ رضاها / رضى النّاس بالهوان فهانوا
ما لشمّ الذرى تغضّ من الذلّ / فأين النسور و العقبان
يا وزيرا يطلّ بعد وزير / و العلى في ركابه و الزّمان
ربّ نعمى تضيع منّا إذا / زرت و لا ضجّة و لا ديدبان
و إذا فتّ أعين النّاس دلاّ / فلمن صاغ حسنك الرّحمن
أيّ بدع في المهرجانات يصنعن / فحقّ المتوّج المهرجان ....
و لمن تحشد الجموع فهل زار / ولايات ملكه الخاقان
لكم لا لقيصر أو لكسرى / رصّع التّاج و ازدهى الإيوان
و كفى هذه الرّعيّة عزّا / أنّها في رحابكم ضيفان
قلبي الواحة الطروب بصحراء / جفتها الظلال و الغدران
تتراءى الأفياء يومئن لل / ركب و تحنو على الونى الأفنان
و يعلّ الهجير ما شاء من قلبي / فقلبي المعطّر الريّان
جنّتي نعمة السكينة و الدّنيا / جحيم و الحرب حرب عوان
جنّتي الزهو و النّعيم ففي الن / فس وثوق بالله و اطمئنان
الغوالي أديمها و اللآلي / و حصاها الياقوت و المرجان
و لاحيق تكاد تشتفّه العين / و يروي بلمحه الظمآن
و تمنّ كما تشاء الخيالات / و طوع الأمنيّة الإمكان
هذه جنّتي فلا تخدع الركب / فراديس زوّرت و جنان
إنّ للشرّ جنّة يغمز الإغراء / فيها و يضحك الشّيطان
جنّة الشرّ لا تخادعك ريّاها / ففي كلّ أيكة ثعبان
لا يغرّنك سحرها و رؤاها / جنّتي وحدها الرضى و الأمان
يا أبا طارق تحيّة شعب / زلزلته الخطوب و الحدثان
زحف البحر بالجبال من الموج / دراكا و جرجر الطوفان
لطف الله بالسّفينة لم يسلم / شراع و لا نجا سكّان
تخبط اللّيل و العواصف و الرّكب / حيارى دليلهم حيران
حولها اليمّ كالجبال و أطيا / ف الرّدى و البروق و اللّمعان
و ظلام غمر رهيب فما / تبصر إلاّ الظنون و الآذان....
و عزيف للجنّ تنقله الريح / و أدّى الأمانة الترجمان
و انطوى تحتها الجحيم فللأمواج / من حرّ ناره فوران
سخرت بالسّفينة اللّجة / الخضراء و اختار قبره الربّان
و اطمأنت إلى القنوط فما تلمح / حتّى بالخاطر الشطآن
لا تلمه إذا أحبّ الشآما
لا تلمه إذا أحبّ الشآما / طابت الشام مربعا و مقاما
ما رأينا الشآم إلاّ رأينا / منزلا طيّبا وأهلا كراما
بردى و الورود في ضفّتيه / مصغيات لشعره و الخزامى
هات حدّث عن الشام و حدّث / وأطل في الحديث عنها الكلاما
عن رباها عن غيدها سارحات / يتهادين في الحمى آراما
ما عرفت الغرام لولا رباها / من ربى جلّق عرفت الغراما
من أغاني طيورها ساجعات / قد تعلّمت هذه الأنغاما
أعطني في ربوع جلّق يوما / يا خليلي و خذ من العمر عاما
و أعد ذكرها رحيقا مصفّى / وأدره عليّ جاما فجاما
يا بني أمّ والحياة زحام / ذلّ و الله من يخاف الزحاما
يابني أمّ هبّة بعد نوم / كشف الصبح بالضياء الظلاما
نظرة للشعوب و هي تحيّي / بالأهازيج فجرها البسّاما
أمم تكسر القيود و أخرى / يرهف القين سيفها الصمصاما
طالبت بالحياة طعنا و ضربا / بعد أن طالبت بها استرحاما
لا تظنّوا السلام في الأرض حيّا / بعد أن طالبت بها إسترحاما
طمع لو أطاق – فاخشوا أذاه / حبس النور عنكم و الغماما
ليش شعري و للسياسة دين / يرسل النار حجّة و الحساما
أيعدّون قتل شعب حلالا / و يعدّون قتل فردا حراما
عبثوا بالنظام بغيا و قالوا / قد اتيناكم لنحمي النظاما
حطّموا المرهفات و هي رقاق / ثمّ شاؤوا فحطّموا الأقلاما
يالشكوى تغصّ دجلة بالدمع / حنانا و تحزن الأهراما
لو تلاها بأرض يثرب حاد / أبكت الركن و الصفا و المقاما
أيّها الأقوياء لينا و عطفا / أشعوبها ترعونها أم سواما
في رماد الضعيف نار فمهلا / أن ظلم القويّ يذكي الضراما
أنا أخشى من الضعيف عليكم / بعد حين تمرّدا و انتقاما
أنا أخشى من الضعيف عليكم / ثورة تبعث الخطوب الجساما
ثورة تهدم القصور و تبني / فوقها الكوخ عاليا و الخياما
ثورة تترك المتوّج عبدا / و أخا الرّق سيدا قمقاما
شدّة البغي و الأذى علّمته / كيف يغشى يوم الصدام الصداما
أرهقونا ما شئتم و اظلمونا / و امنعونا حتى الكرى و الطعاما
و اسلبوا ما ترونه من حطام / لكم وحدكم جمعنا الحطاما
و املأوا هذه السجون إلى أن / تشتكي من ضيوفها الازدحاما
ثمّ سوموا السجود كبرا و تيها / إذ تمرّون : شيخنا و الغلاما
و احكموا بالعسف حتّى كأنّا / قد مثلنا أمامكم أنعاما
لا إخال الأرواح تكسر قيد الأسر / إن لم تعذّبوا الأجساما
يفتك الظلم بالضعيف و يردى / بعد حين بشؤمه الظلاّما
أيّها الضاحك الطّروب ألا تأسى
أيّها الضاحك الطّروب ألا تأسى / لهذي الدموع في عينيّا
أنا أبكي و كرّم الله و الحسن / عن الدّمع خدّك الورديّا
شوّه العاذلون عندك حبّي / لا عليهم فعار حبّي عليّا
قسموه بين البراءة و الإثم / و وحّدته أثيما بريّا
يا حبيبي دعني أقبّل خدّيك / و أشتفّ ثغرك اللؤلؤيّا
و تبذّل للحبّ سكرا و عريا / جسدا فاتنا و روحا غويّا
ألهوى جنّة بقلبي و الشهوة / نار حمراء في شفتيّا
مهرجان لمتعة الجسم حال / يرحم الله حبّنا العذريا
طاف بي طائف من المعبد المسحور / يدعو فقالت النفس هيّا
يا حبيبي و سحر عينيك يغنيني / أشاهدت سحره البابليّا
معبد للهوى الأثيم بنينا / الفجر فيه و المشرق الذهبيّا
و أقمنا على الكهانة فيه / و العبادات شاعرا عبقريّا
يتغنّى سكران بين عوار / رضيت عريها كسا و حليّا
و إذا يشتهي الأغانيّ يسمع / معبدا و الغريض و الموصليّا
و إذا حنّ للكرى فذراعان / و نهدان و ابتسام و ريّا
حالم فالزمان يرقب أمري / و المنى الحاليات طوع يديّا
و الرؤى عالم خفيّ أراه / عالما ضاحك السنا مرئيا
صوّرت قدرة الخيال من العسجد / و النّور كأسي الخزفيّا
ربّ حلم تناقلته اللّيالي / و الخيالات فاستحال نبيّا
سأل الصبح عن أخيه المفدّى
سأل الصبح عن أخيه المفدّى / أيّها الصبح لن تشاهد سعدا
غيّب الدّهر من سيوف معدٍّ / مشرفيّا حمى وزان معدّا
كلّما عارضوا الصّوارم فيه / كان أمضى شبا وأصفى فرندا
حاسنوا غرّة الصباح بسعد / فعلمنا أيّ الصباحين أهدى
طلعة تفرح العيون و تسبيها / و تغزو القلوب كبرا و مجدا
و حديث كأنّه قطع الروض / تنوّعن أقحوانا ووردا
بدعة الظرف و الأناقة يرضيك / دعابا عفا و يرضيك جدّا
تنهل العين من بشاشة سعد / ريّها و العيون تروى و تصدى
الحضارات في شمائل سعد / إذا سمته الهوان تبدّى
مترف في رجولة و اعتداد / راع زيّا و راع وجها و قدّا
زعم الخصم أنّه مستبد / حبّذا الحكم عادلا مستبدّا
إنّ شرّ الأمور ظلم الجماهير / و أهون بالظلم إن كان فردا
من كسعد و للشباب هواه / قدرة تتعب الخيال و زهدا
يا صفيّ الأحزان تسقي البرايا / كأسها مرّة و تسقيك شهدا
رضيت نفسك الهموم رفيقا / اريحيّا على الشدائد جلدا
بورك الهمّ عبقريّا جوادا / لا كهمّ أعطى قليلا و أكدى
قل لمن يحسد العظيم ترفّق / إنّ خلف الأمجاد همّا و سهدا
من كسعد الملاحم جنّت / و تلقّى حدّ من الهول حدّا
و على راية الشام كميّ / يقحم الدرعين أشقر نهدا
هتكوا حرمة العرين فهاجوا / أسدا دامي البراثن وردا
حشدوا جندهم و أقبل سعد / يحشد البأس و العقيدة جندا
ضاحك الثغر و الضحى مكفهرّ / روّعوه قصفا و برقا و رعدا
و التقينا لا و إيمان سعد / ما تحدّوا بالموت إلاّ تحدّى
ضرب الظلم ضربة رنّحته / فتداعى مزمجرا فتردّى
زعموا أنّه جلاء و ما كان / جلاء بل كان خزيا و طردا
ما على العبد أن يسوّد عار / بدعة العار أن ترى الحرّ عبدا
من كسعد و للنديّ احتدام / جمرة الحرب عنفوانا و وقدا
حمم كالجحيم مستعرات / ردّها حلمه سلاما و بردا
ما حملت الجراح داء ملحّا / بل حملت الجراح غدرا و صدّا
حزّ في قلبك الوفيّ صديق / صار في الندوة الخصيم الألدّا
من يهزّ النديّ بعدك بالخطبة / عصماء تحشد البأس حشدا
ملهم حاضر البديهة تغريه / بأحلى ممّا اصطفى و أعدّا
مترف الفكر و البيان غنيّ / بالآلي يصوغ عقدا فعقدا
يجمع الحقّ و البيان على الخصم / فلمّا تملّك الأمر شدّا
يطعن الطّعنة العفيفة لا / تدمي و لكنّه أباد و أردى
برّأ الله قلب سعد من الحقد / وفاء للكبرياء و حمدا
و بنات الصدور يتعبها الذ / لّ خفاء عن العيون و وأدا
و القويّ النبيل يحنو على الدنيا / و يسمو بها وفاء و ودّا
حنّت الغوطة الرؤوم لسعد / و رواح له عليها و مغدى
طالما باكر الرياحين فيها / و سقاها الندى حنينا و وجدا
و شكى همّه فيا لك شكوى / نوّرت في الرّبى أقاحا و رندا
قال لي و الرّبيع غاف على الزّهر / يذيع الأحلام عطرا و ندّا
و الغروب النديّان في الغوطة المعطار / يحنو على الظلال فتندى
و قطيع من الشياه و رعيان / و أغنّية ترقّ فتردى
ما أحبّ الحياة في غوطة الشام / و أفجع الموت هجرا و فقدا
أيّ ورد للحسن تشتفّه عيني / و يبقى بقدرة الله وردا ..
هل رأت هذه الخمائل فبلي / من رآها عينا و ثغرا و خدّا
هي عندي شمائل و عطور / و قلوب تهوى و دلّ يفدّى
أعشق الحسن دوحة و غديرا / و بيانا سمحا و فجرا مندّى
ما رأى السقم قبل سعد حنانا / و حياء من السّقام و رفدا
كبقايا السيف اطمأنّت إلى الجفن / و راحت تبلى الهويني و تصدا
روعة الشمس في الغروب و لا أعشق / للشمس عنفوانا و رأدا
رنّح الشعر و الكريم طروب / ذكر سعد لا يبعد الله سعدا
و حدونا به المعاني فحنّت / حنّة العيس بالأغاريد تحدى
ما لسعد في الموت يزداد قربا / من فؤادي ما ازداد هجرا و بعدا
و إذا رفّ طيفه في خيالي / رفّ ريحانة من الله تهدى
أنت في خاطري و عيني و قلبي / و على الهجر لا أرى منك بدّا
صور لو ينال من حسنها النّور / لكانت بنور عينيّ تفدى
و أصون الطيوف بين جفوني / لو تطيق الجفون للطّيف ردّا
و أنا الصاحب الوفيّ فما خنت / حبيبا و لا تناسيت عهدا
لم يرعك الزّمان في حالتيه / و تحدّيته و عيدا و وعدل
ما وفيناك بعض حقّك فاعذر / إنّ عذر الكريم أسمى و أجدى
إنّ دين العظيم في كلّ شعب / لا يوفّى و حقّه لا يؤدّى ...
شغل الناس بالعظيم و أرضوا / نزوات النفوس هدما و نقدا
حسدوه على المزايا فكان ال / موت بين الأهواء و الحقّ حدّا
إنّ من ينكرونه و هو حيّ / ربّما ألهوه رمزا و لحدا
ما لأبنائنا تجنّوا علينا / و غفرنا ما كان سهوا و عمدا
أنكرونا على المشيب كأنّا / لم نكن قبلهم غرانيق مردا
حاسبونا على هنات المعالي / ثمّ غالوا بها حسابا و عدّا
نحن روّادكم طلعنا الثنايا / و زحمنا الصعاب غورا و نجدا
و بنينا لكم و نعلم أنّا / لن نملّى به بقاء و خلدا
أيّها النازل المقيم تعهّد / بالرضى و الحنان ركبا مجدّا
قل لشكري العظيم أشرقت في / السدّة يمنا و كبرياء و رشدا
يا أبا الدّولة الفتيّة تبنيها / و يلقى الباني عناء و جهدا
إن حضنت استقلالها و هو في / المهد فما اختار غير نعماك مهدا
لا تخف عثرة عليه و وهنا / بلغ الطفل في حماك الأشدّا
يا وريث الشموس من عبد شمس / ملكوا العالمين روما و هندا
بفتوح هنّ الملوك من العزّ / و بعض الفتوح غرثى عبدّى
أسلم القدس من يحجّ إلى القدس / و يتلو الإنجيل وردا فوردا
إن يناموا عنها نبّه الثأر / على الغوطتين أروع نجدا
مدن القدس كالعذارى سبوها / و أرادوا لكلّ عذراء وغدا
كالسّبايا لطمن خدّا و مزّقن / شفوف الحرير بردا فبردا
ضجّ سوق الرقيق في ندوة القوم / و نخّاسه طغى و استبدّا
يعرضون الشعوب عرض الجواري / عرّيت للعيون نحرا و نهدا
غيرة الله ! أين قومي و عهدي / بهم ينهدون للشرّ نهدا
نعشق القدّ للعوالي و أحببنا / لهنديّة الصوارم هندا
و دفنّا الكنوز يوم دفنّا / في ثراها الآباء جدّا فجدّا
رضي الله عن أخ لك كالسيف / المحلّى يروع نضلا و غمدا
أين سعد ؟ و لا ألوم اللّيالي / و هب الدّهر غاليا و استردّا
أيّ بدع إذا بكيت لسعد / إن بكى السيف حدّه ما تعدّى
لو رأى هذه الدّموع الغوالي / لبكى رحمة وحيّا و فدّى
غاب سعد عن العيون و ما / غاب ضياء يهدي القلوب فتهدى
ثورة في الحياة و الموت جلّت / ثورة الحقّ أن تقرّ و تهدأ
لا تعيدي ألحانه لا تعيدي
لا تعيدي ألحانه لا تعيدي / جلّ ذاك الهوى عن التقليد
نعم البلبل الأسير فقد عاد / إلى أفقه الفسيح المديد
شاعر لا يحدّه الكون ملّت / نفسه ضيق عالم محدود
و رأت جسمه على كرم العنصر / سجّان كنزها المرصود
فهي تقسو عليه تمعن في الهدم / و تأسى لركنه المهدود
فإذا هدّها الصراع اطمأنّت / و نجت في خيالها المصفود
لم يكن موته فراقا و لكن / هذه أوبة الخيال البعيد
عاد للفن ذلك النغم العذب / و آبت حنّانة التغريد
و انطوى في شذى الرّبيع و قد / ضمّ فنون العبير عطر الورد
قوّة من هوى و سحر رمتها / ربّة الشعر في يدي (كوبيد)
كلّما آذن الفناء تنادت / بوجود يطلّ خلف وجود
ملهم الشعر من هوى كلّ نفس / و لبنات كلّ قلب عميد
يتمت بعدك القوافي و ضجّت / باكيات بيومك المشهود
بعض نجواك للمشيب و إن / نزّهت نجواك عن أذى و حقود
يجمع الدّهر من غدائر بيض / حين يسطو و من غدائر سود
و لعلّ الردى أحنّ على الشعر / و أحنى على الصّريع الشهيد
رزئ الشعر فيك عبد الحميد / عبقري القديم عذب الجديد
غزل يسكر النفوس و يدني / ما نأى من خيالها المنشود
و أغان تعيد حبّا و عطرا / ما روته العصور عن داوود
فترشّف منهنّ خمر ثغور / و تنشّق فيهنّ عطر خدود
من قواف كأنّها بسمات / حاليات على شفاه اللغيد
قيّدت بالرويّ بعد انطلاق / نزوات الحنين و التّغريد
كلّما ردّد المغنّون رقّت / و هفا السامعون للترديد
و أطلّت منها فتون ثغور / و لبانات أعين و نهود
و جراحات كلّ قلب ظمئ / و ابتسامات كلّ ثغر برود
و المنى العاريات ألهبها / الشوق فجنّت و لوّحت بالبرود
و حنت تنشد الخلود ليغفو / بين أحضانها إله الخلود
عمر في القصيد من آل نعم / و سليمان قبله في النشيد
و المحبّون بسمة عند ثغر / يتملّى و معصم عند جيد
طال عهدي بالشعر إلاّ لماما / زورة الطيف بعد طول الصدود
و أنا شاعر الشباب و عندي / ما يشاؤون من منى و قصيد
لم أخن عهدهم فحبّي على ما / ألفوه و ذمّتي و عهودي
و الميامين آل جفنة و التّاج / عليهم أبوّتي و جدودي
لا تغرّنك ضحكة من حزين / ضحكات البروق سرّ الرّعود
حبّذا عهدنا على الغوطة الخضراء / و الحسن دائم التجديد
و ليال لنا على الرّبوة المئناف / سكرى نعيمها الموعود
نتهادى على عيون الأقاحي / و نعفو على شفاه الورود
أنشد الشعر و الشباب سكارى / من معيد منهم و من مستزيد
لا أبالي و قد قسوت على الظالم / عسف الدجى و عضّ الحديد
و لئن نالني الشباب بلوم / فبنعمى الشباب أورق عودي
شبَحَ الموتِ ما يخيف البرايا
شبَحَ الموتِ ما يخيف البرايا / من حتوف تعانق الأرواحا
وجد النّاس في كؤوسك سمّا / غير أنّي وجدت فيهنّ راحا
فاسقنيها قد طال صحوي و مكثي / و تمنّيت سكرة و رواحا
لا تبادر بها و قد نصل اللّيل / و ذرني حتّى أحيّي الصباحا
و تمّهّل حتّى أودّ نور الشمس / إذ همّ أن يلوح فلاحا
ثمّ خذني إليك يا موت جذلان / طروبا إلى الردى مرتاحا
ذاك مصباح صبوتي وشبابي / فتعجّل و أطفئ المصباحا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025