المجموع : 178
لَم أَكُن أَعرف الصبابة حَتّى
لَم أَكُن أَعرف الصبابة حَتّى / ظهرت لي لَيلى بغير قناع
ثُمَّ غابَت عَني فَلَم يَبقَ للشَم / سِ بأفق الرجاء غير شعاع
أرسلي يا لَيلى إذا شئت طيفاً / ليَرى من فرط النزوع نزاعي
إِنَّما الناس إن نظرت إليهم
إِنَّما الناس إن نظرت إليهم / آكلٌ في الحَياة أَو مأكولُ
هذه منذ كانَت الناس ناساً / سنة اللَه ما لَها تَبديل
ضل عَن منهج الصواب بنو الشر / قِ وَهَذا الضلال خطب جَليل
ما أَرادَ القرآن إِلّا هداهم / وَكذاكَ التَوراة والانجيل
أَتُراهم ثابوا إِلى الرشد كلا / ثم كلا ما ثاب إلا القَليل
نظرٌ لي السماء عَميق
نظرٌ لي السماء عَميق / يَتَحَرّى نهاية الأبعادِ
أَعلى الروح في الثريا أَمير / مثلما في الثرى عَلى الأجساد
إنما نحن ساكِنون بأرض / هي أدنى مراتب الإيجاد
إِنَّ في أَعماق السماء نجوماً / سابحات فيها بغير استناد
يَقرأ الفَيلَسوف فيها فصولاً / من كتاب الدهور والآباد
يطفئ الموتُ ما تضيء الحَياةُ
يطفئ الموتُ ما تضيء الحَياةُ / وَوَراء انطفائه ظلماتُ
إن للنازِلين في القبر نوماً / تنتَهي في سكونه الحَركات
رب مال يفنى ذووه وَيَبقى / وَبناء يَبقى وَتفنى البناة
كَم وقفنا عَلى ضَريح كَريم / وقفةً قَد جَرَت لها العبرات
نَتَمَنى للعَيش في هذه الدن / يا ثباتاً وَهَل لعيش ثبات
أَنسينا أنا عَلى الأرض أَبنا / ءُ أُناسٍ عاشوا قَليلاً وَماتوا
ستجدّ الأبناء سيراً لدار / نزلتها الآباء والأمهات
عاش في الأرض مثلنا الناس قدماً / وهم اليوم أعظُمٌ بالياتُ
هل لقوم ساروا نزوعٌ إلى الأه / ل ترى أو إلى الدار التفات
غرض كل من عَلى الارض يحيا / لمنايا سهامُها صائِبات
ستموت الأحياء طرّاً ولكن / هل تلاقي حياتها الأموات
نحن نبلى تحت التراب وفوق ال / أرض تجري الفصول والأوقات
ربما في القبور تشبع نوماً / آنساتٌ عيونها ناعِسات
بليت أَوصالٌ هناك وَخَوفي / أنهنَّ الأحداقُ وَالوجنات
منهل الموت واحد وإليه / طرق الواردين مختلفات
في المَنايا وَهُنَّ رزءُ البَرايا / تَتَساوى الرعاع وَالسروات
فَيَموت الدهاة مثل سواهم / وَبودّي أَن لا تموت الدهاة
رب قومٍ عاشوا بأمن زَماناً / ثم دارَت عليهم الدائرات
وَقَبيلٍ باتوا جَميعاً بليل / فإذا هم في صبحه أَشتات
تلحق المرء ما تحرك حياً / حادِثاتٌ وَراءَها حادِثات
أسعيد هذا الجمال فأشقى ال / عالمين الحيوان ثم النبات
كَم فَتى شيب عيشه بالرَزايا / وَفَتاة حَياتها وَيلات
كل كرب يا أيها الحي فاصبر / ينتهي عند ما يجيءُ الممات
إِنَّ في الموت راحةً غير أَن ال / مرء قَد لا ترضيه إلا الحَياة
سَتَذوق الحمام نَفسي فَتردى / وَسَتبقى في النفس أمنيات
وكذاك الإنسان يمضي من الدن / يا وتبقى في نفسه حاجات
إن أمت خائِباً فَكَم من كرام / بقيت في نفوسهم حسرات
لا أُبالي إِن مت جاورني في ال / قبر صحبي أَم جاورتني العداة
أَنا كالناس حينَما مت ماتَت / مَع نَفسي الهموم وَاللذات
ربما تتلى بعد مَوتي بحين / فوق قَبري لشاعر مرثاة
لهف نَفسي على رفات شبابٍ / طحنتهم طحن الرحى النائباتُ
لَو سألت الرفات ما ذا دهاه / لاشتَكى من ظلم الولاة الرفات
فوق وجه البيض الحسان سطورٌ / كتبت بالدموع فيها شكاة
وهب اللَه للرعايا حقوقاً / غصبتها من الرعايا الولاة
أرهقوكم ذلاً وأَنتم سكوتٌ / أين أين الأحرار أين الأباة
إنَّ أشقى البلاد ما كان يجري / في أراضيه دجلة والفرات
وهي في سالف الزمان بلاد / عامرات الأكناف مرتقيات
عظم الخطب في العراق فَلِلَّ / هِ قلوب هناك مرتجفات
قد سقونا كاساً ستشرب منها / عَن قَريب من الزَمان السقاة
يا زمان البخار حسبك فخراً / أنه فيك تنقضي الحاجات
وبك الناس والمغاطش تروى / وتجاب البحار والفلوات
حبس المانعون خيرك عنا / وسكتنا كأننا أموات
أخر المسلمين عن أمم الأر / ض حجابٌ تشقى به المسلمات
لا أرى بين الغرب والشرق بوناً / غير أن الأحكام مختلفات
فهي في الغرب بالعدالة تجري / وهي عنها في الشرق منحرفات
سيوافي مدى التقدم قوم / وسعت فيه منهم الخطوات
عامل الظالمين بالظلم تسلم / ربّ شرٍّ يكون فيه نجاة
يقرع الحادثات ما قرعته / كلُّ من عنده لعمري حصاة
لست تَلقى أَمراً تهذَّب حَتّى / غلبت سيئاته الحَسَنات
قلَّ نفعٌ لا ينتج الضُرُّ منه / ربّ شرّ تجره الخيرات
أيها الأغنياء لا تجهلوا ما / يحمل البائسون والبائسات
ما تفكرت في الحَقيقة الا / ساورتني الشكوك وَالشبهات
كَم يودّ الإنسان لَو طارَ في الجو / وِ خَفيفاً كَما تطير القطاة
كل ما في الوجود فهو لعمري / علل تارة وَمعلولات
ليس فضلٌ على زمان لوقت / فالليالي جميعها أخوات
يلهج الجاهِلون في كل عصر / بدعاوٍ ما إِن لها إثبات
إنمّا الجاهِل المجادِل بالبا / طل في أَعين الترقي قذاة
جوهر الكون في الوجود قَديم / غير أن الأشكال مخترعات
من تَروّى أن النجوم شموس / عظمت في عيونه الكائنات
يقرأ الفَيلَسوف من سور في / ها كتاباً آياته بينات
إنما الشمس مركز لنظامٍ
إنما الشمس مركز لنظامٍ / سابح في بحر بعيد القرارِ
وَهيَ في عالم المَجَرَّة فاِعلَم / قدر صاغر من الأقدار
نحن في أَرضنا نَعيش جَميعاً / فوقَ جرم محقَّر سيار
طافَ يَسعى عَلى ذكاء كَما طا / فت بليل فراشة حول نار
لست أَدري كخابط في ظَلامِ
لست أَدري كخابط في ظَلامِ / أَوَرائي سَعادَتي أَم أَمامي
حيرة في الحياة قد صدفتني / عَن بُلوغي من الحَياة مَرامي
وَقضت أنني أَطيل وقوفاً / في ممر الشكوك والأوهام
ضجرت نَفسي من توالي الليالي / واستملّت تعاقب الأيام
وَيك نَفسي إن السعادة خودٌ / لا تَزور العشاق غير لمام
كل جرح له التئام مع الده / ر وجرحى باق بغير التئام
إنما المرءُ في صباه سعيد / غير أن الصبا بغير دوام
ذهبت تلكم السَعادة عني / فاِذهَبي يا سَعادَتي بسلام
قل لشيخ قد أتعبته الليالي / لك أن تستريح تحت الرغام
أيها الشيخ لا تذمَّ المنايا / فالمنايا نهاية الآلام
أنا في مثل يقظة من حياتي / فهل الموت بعدها كالمنام
هو نوم نعم نعم هو نوم / هو نوم لكن بلا أحلام
بعد حين يقال عني فلان / غاله الموت غبّ داء عقام
لست أدري وإن تحقق موتي / بعد شهر أموت أم بعد عام
طيران الحمام مهما تعالى / ليس ينجيه من دنوّ الحِمام
المنايا مصيبةٌ كلّ حيّ / والبِلى غاية الوجوه الوسام
إن أمت خائباً فكم حسرات / بقيت في نفوس ناس عظامِ
نحن في غفلة نيام وعنا / نائبات الزمان غير نيامِ
نحن في دولة تداركها اللَ / هُ تبيح المحظور للحكام
وعدها بالإصلاح جم ولكن / لا يجوز الإصلاح حد الكلام
كم وكم في رجالها من جَهولٍ / صدره ساطع بأَبهى وسام
نحن قوم قضت إرادة شخص / واحد أن نعيش كالأنعام
قد لجأنا إلى الكرام بكاةً / وإذا بالكرام غير كرام
أيها الظالم اغتصبت حقوقاً / قد حباها الأنام ربُّ الأنام
وتهضمتني وآلمت قلبي / بتجرِّيك أيما إيلامِ
تبتغي بالذي فعلت صَغارى / ومقام الصغار غير مقامي
فسأشكوك ما حييت وإن م / ت تشكتك في ضريحي عظامي
رب قوم من العدالة محرو / مين فازوا بها بحد الحسام
بزغت والنفوس ترنو إليها / بعيون مملوءة من غرام
وتجلَّت لهم كما يتجلَّى / من وراء السحاب بدر التمام
جعل اللَه كل قوم تحاشوا / أَن يثوروا في آخر الأقوام
أيّ قوم نالوا نجاة من الأس / ر بغير اقتحام أمر جسام
طلبت نَفسي أن أَكون مطيعاً / لِهَواها فقلت هاك زِمامي
إنني إن عصيت نَفسي هواها / خاصمتني نَفسي أَشد الخصام
ثُمَّ لما اتَّبعتُ رغبة نَفسي / حملتني نَفسي عَلى الآثام
ورطتني وبعد ما ورطتني / أَخذت في مذمتي وَملامي
وَلَقَد كانَت الملاوم منها / كَسِهام يصبن إِثر سهام
قَد تحملتها فَلِلَّه صبري / وَبأعباء النائبات قيامي
صالحيني يا نفس فالصلح لو فك / رت في الأمر سيّد الأحكام
أفلا تنظرين أني رهين / بالعنا في حكومة الظلام
لهلاكي يبرى العدو سهاماً / يرتميني وأنني غير رام
ويريني الزمان وجهاً عبوساً / فأدارى عبوسهُ بابتسامي
إن للكائنات ربا كبيراً / منح الكائنات أرقى نظام
وحبا الإنكليز بحراً عليه / تسبح المنشآت كالأعلام
دولة بالعدالة استمسكت وال / عدل في الملك سُلَّم للتسامي
أمم الغرب عمَّموا العلم حتى / وفَّروا قوة مع الأيام
أترى المسلمين يأتون نهضا / أم ترى الذل لازم الإسلام
هل نفوس إلى الدنايا عطاش / كنفوس إلى المَعالي ظوامي
إنما العدل والعذوبة ترجى / منهل حوضه كثير الزحام
أيها المنهل احبني منك قربا / فلعلي أبلُّ منك أُوامي
إِنَّ بحث الحَياة وَالمَرء إن ما
إِنَّ بحث الحَياة وَالمَرء إن ما / ت جماد من أغمض الأبحاث
عل ما يحثى من تُراب علينا / بعض أَجدادنا بكف الحاثي
لا سَقى الغَيث بعد مَوتي قَبري / ما لِقَبري نفع من الأغياث
أَحدثتني الأيام عَن غير قصد / فَهي مدفوعة إلى إحداثي
أَحدثتني وبعد ما أَحدثتني / أَلبثتني فَلَم تطل إِلباثي
حلم هذه الحياة قَصير / وَهوَ في نوعه من الأضغاث
ليت نفس الإنسان نالَت مناها / بعد سعي وَراءَها حثحاث
أَترى أن للبطون الَّتي قَد / شبعت علما بالبطون الغراث
اسقني شربة مِن الماء تروي / ني فإني حران أَشكو لهاثي
قَد تزوجتها عَلى الحب دنيا / فَلِماذا طلقتها بالثَلاث
إِنَّما الموت خير ما خلفته / لبنيها الآباءُ من ميراث
إن أَرضاً كنا عليها نجولُ
إن أَرضاً كنا عليها نجولُ / بعد أَيام دوننا ستحولُ
لَم يفكر فيما يصير إليه / قبل أَن يدفن الخَليل الخَليل
كانَ فيها المقام أَنّى التفتنا / لعباً زالَ حين جد الرَحيل
لك لهو فوق التراب قَصير / ثم نوم تحت التراب طَويل
ليتني عارف لماذا حيينا / وَلماذا من بعد حين نزول
قيل لي لا تقل فكان جوابي / أَنا إِن لَم أَقل فمن ذا يَقول
قد خبرت الوجود في كل حال
قد خبرت الوجود في كل حال / فوجدت الزَمان في السَكَناتِ
قَد بدا لي أَن الزَمان سكون / بين ما للأجسام من حَرَكاتِ
وَوجدت اِمتداد كل مكين / حاصِلاً من مَكانه في الجهاتِ
وَوجدت الكهيربات بأَحشا / ء الخَلايا مولدات الحَياة
حبذا المَوت فهو بين بنيه
حبذا المَوت فهو بين بنيه / يقسم العدل وَالحَياة تجورُ
إن أَتتني سعادتي بعد مَوتي / فَشقاء الحَياة لَيسَ يضير
لا تعوّل عَلى الحَياة كَثيراً / إنها لَو فكرت فيها غرور
من يصن عرضه وَما في يديه / من طماع العدى فذاكَ القَدير
ما لأَجل الإنسان يشتغل الكَو / ن وَتأَتي بعد الدهور الدهور
كل شيء فانه يَتلاشى / بِتَوالي الأزمان إِلّا الأثير
قد عَلِمنا أنَّ الحَقيقة شيء
قد عَلِمنا أنَّ الحَقيقة شيء / يتوارى وَراء كل اِفتراضِ
وَعلمنا أن الجواهر في الأج / سام مبنية من الأعراض
لست أَدري وَلا الطَبيعة تَدري
لست أَدري وَلا الطَبيعة تَدري / كَيفَ أَبدَت أُمُّ الحَياةِ نتاجا
كَيفَ حازَ الإنسان حذقاً وَنُطقاً / بعد أن كانَ نطفة أَمشاجا
كنت حيناً قَد اِرتفعت بجهدي
كنت حيناً قَد اِرتفعت بجهدي / ثم إِني اِنحططت بعد اِرتفاعي
من يعش يمش وَالحياة طَريق / في وهاد كَثيرة وَتلاع
لا يَخاف الَّذي يَنام بقبرٍ / ما به من عقارب وأفاعي
لَيسَ أَرض تَمشي عليها وَئيداً / غير نجم في حضرة الشمس ساعي
لَم يَرُعني من الطَبيعة إِلّا / ما حوته من بسطة واتساع
إِن كوناً أَراه لا يَتناهى / ما تَلقّى وجودَه باِختراع
بان لي في المرآة شيخ كبير
بان لي في المرآة شيخ كبير / عاش حتى تعرف الأحوالا
كلل الشيب رأسه ببياض / زاده في عيني هناك جلالا
أَشعل الدهر رأسه وأَشابَت / عدوات السنين منه القذالا
وَحنى ظهره توالي اللَيالي / فهو إِن همَّ لا يطيق اِعتدالا
شاهد ما بوجهه من غضونٍ / أنه صارع السنين الطوالا
ثابت الوضع لَيسَ يَبدو حراكٌ / فيه حَتّى حسبته تمثالا
حدثتني أَن أَسأل الشيخ نَفسي / عَن أُمور وأُجمل التسآلا
قلتُ كم عشتَ قال تسعين عاماً / قلت ماذا فعلت فيها فقالا
أكلات دفعتُها فضلات / وشروباً أرقتها أبوالا
وثياباً لبستها فاخرات / جدداً وانتزعتها أسمالا
وَبيوتاً سكنتها عامِرات / ثم إِنّي تركتُها أَطلالا
وَسنين اطمأننت فيها وأخرى / صرتُ أَلقى في جنبها الأهوالا
وَسعوداً لبستهنَّ خفافاً / وَنحوساً حملتهنَّ ثقالا
وَنَعيماً قَد كنت أَرتَع فيه / وَهُوَ اليَوم لَيسَ إلا خَيالا
وَشباباً به تلفعت حنياً / أَتملى غيدانه ثم زالا
ثُمَّ آمالا قد حرصت عليهن / نَ وَلَمّا أَحقق الآمالا
وَنضالاً عَن الحَياة شَديداً / طالَ حَتّى سئمت ذاكَ النضالا
قد رأَيت الحَياة قبل سروراً / وَرأَيت الحَياة بعدُ وبالا
وَرأَيت النهار أَبيض وَضّا / حاً فَلما جاءَ المَساء اِستحالا
لا أَرى اليَوم في رياضيَ زهراً / وأَرى في مكانها الأدغالا
كنت جلداً عَلى الزَمان فَلا أَن / كصُ عنه إذا أَرادَ نزالا
كانَت الحَرب بينَنا قبل أَن تخ / ذلني هَكَذا قواي سجالا
ثُمَّ لَمّا رأَى بجسمي وَهناً / شدَّ مني يفكك الأوصالا
اللَيالي يَلدن كل الرَزايا / وَاللَيالي من النهار حبالى
كل شيء مَع الجديدين يفنى / ثم يَبقى جلال رَبي تَعالى
جاءَ عجزاً يزري وَجاء اِقتدارا
جاءَ عجزاً يزري وَجاء اِقتدارا / وَتردى شناعة وَفخارا
عامل الناس بالعَدالة وَالظل / مِ فَكانوا يَلقون نوراً وَنارا
جرّ عزاً إلى العراق وَذلاً / وَحياة لأَهله وبوارا
وأصار النهار لَيلاً بهيماً / وأصار اللَيل البَهيم نهارا
أفقر القوم بالعِراق وأغنى / وسَّعَ الطرقَ ضيَّقَ الأفكارا
اختفى عَن قوم وَخالط قوماً / فأرى الناس خفة ووقارا
أَخضع الناس نفذ الحكم فيهم / وَطد الأمن أرخص الأسعارا
غرب الأبرياء بث الجواسي / سَ عَلى الناس أسعف الفجارا
مقت العلم ساخراً من ذويه / بذَّر المال جرَّأ الأشرارا
قال للناس إنما الأمر شورى / بيننا ثم إنه ما اِستَشارا
أَيُّها المستبد في الأمر إيهاً / لا تُحارِب بظلمك الأحرارا
إِنَّهم قد أَبوا ومن ضيم يأبى / حكم عَبد الحَميد إذ هو جارا
كَيفَ يرضون أَن يَعيشوا مَع الدس / تور فيهم كَما تشاء أسارى
إن شمس الدستور للقوم لاحَت / فأَضاءَت بنورها الأبصارا
إن للناس في العراق إِلى الشم / سِ كما في غير العراق اِفتقارا
أَيُّها المستبد فينا رويداً / فَلَقَد جزت وَيحك الأطوارا
احذر الشعب إنه بركان / مطمئن وَقَد يجيء انفجارا
رام هتكاً لما تصون فتاة / كسبت في أَمر العفاف اِشتهارا
رام شيناً لبنت بغداد يزري / فَعَلى الشعب شعبها أَن يغارا
بنت قوم لم يدنس العرض منهم / بِقَبيح هم من سراة النَصارى
اسمها سارة وَتلك فتاة / رزقت صيتاً طبّق الأقطارا
جمعت إحساناً وَحسناً وَعِلماً / وَحَياءً وَعفَّة وَيسارا
وحنوّاً عَلى اليَتامى وَعَقلاً / أَكبرته جاراتها إكبارا
تحسب المبصرين أَعينُها النج / لُ سكارى وَما هُمُ بسكارى
شاءَ تزويجها بخادمه فاِن / تهرته فَلازم الإصرارا
كانَ من قصده التَمتع سراً / واِقتراح التَزويج كان جهارا
فأَشارَت الى السماء وَقالَت / لا تشأ لي يا رب هَذا الشنارا
رب إني ضَعيفة فأجرني / من قويٍّ يسوم عرضي اِحتقارا
صن عفافي من أَن يمس بأَيد / ألفت أَن تصافح الأوزارا
أَنا عَذراء لَم تمس عفافي / يَد باغ فصن عفاف العَذارى
ما لِقَلبي كأَنَّه بركان / هاجَ بعد الخمود منه وَثارا
احفروا لي يا أَهل بغداد قبراً / إن جِسمي خير له أَن يوارى
وأَرادَت لما أَلح عليها / ذلك الوالي المستبد اِنتحارا
غير أن الأهلين قد حسَّنوا أَن / تبرح الأهل خفية وَالديارا
سجن الخادِمات وانتهر الجي / ران عنها وهدَّد الانصارا
أَنكرت ما أَتى المروءة والدس / تور والعدل وَالحجى إنكارا
أَوجست خيفة تغير منها / وَجهها فاِكتَسى البياض اصفرارا
ذبلت للهموم منها خدود / أَشبهت قبل ذلك الجلنارا
حملت أعيناً تفيض بكاءً / وَفؤاداً مروعاً مستطارا
ثم كانَت حوادِثٌ خر منها / دَمعها فوق خدها مدرارا
أَسبلتها كَذا دموعاً غزاراً / ثم لم تمسح الدموع الغزارا
يا لَها من دموع حزن تضاهي / عقد در وَهَى فلاقى اِنتثارا
هجرت للنجاة موطنها المح / بوب وَالمال كله وَالعقارا
هجرت كل ذاك تَبغي نجاة / من يديه وَبالعَفاف فرارا
رافقتها اثنتان من راهبات ال / دير حفظاً لشخصها أَن يضارا
فنجت بالفرار من مخلب الصق / رِ كعصفور بعد أَن ريع طارا
أَيُّها المصلح الكَبير أَهَذا / ما يسميه بعضهم إِعمارا
خابَ فال الدستور إن كانَ أَهلو / هُ ضعافاً لا يحفظون الذمارا
أَتراه قَد أَخطأ الظن فيهم / إِذ رآهم جحاجحاً أَخيارا
يا نيازي تَعال وانظر الى الدس / تور في بَغداد الى أَين صارا
يا أَباة الضيم ادرأوا الظلم عنا / كَيفَ لا تغسلون هَذا العارا
البدار البدار يا أَهل بغداد / إلى السودد البدار البدارا
ما زرعتم في عقل ناشئة العص / رِ نفاقاً إلا حصدتم خسارا
أَلبسوه ثوب الولاية لكن / كانَ ما أَلبسوه ثوباً معارا
فنهوه عَن الحكومة لما / عاثَ فيها واستأثر استئثارا
قَد مَشاها خطى تعثر فيها / لا أَقال الرحمن منه العثارا
لَم يكن مجلس الإدارة إِلّا / آلة في يديه تُمضي القرارا
إن في مجلس الإدارة عضواً / حيثما دارَت الزجاجة دارا
يا مهين العراق هَل كنت تَدري / أن أَهلَ العِراق لَيسوا غيارى
أَنتَ في بغداد قضيت اللبانا / ت برغم الدستور والأوطارا
سر جَليلاً إلى سلانيك عنا / إن فيها كواعبا أَبكارا
إن فيها لَهواً وكأَساً دهاقاً / وَبناناً تحرك الأوتارا
إن فيها عيشاً رَغيداً وَرقصاً / يعجب الراقصين وَالنظّارا
غير أَنَّ الأهلين فيها أَباة / لا يطيقون ذلة وَصغارا
نبتت مثل زهرة الأقحوانِ
نبتت مثل زهرة الأقحوانِ / في رَبيع الهوى بروض الأماني
نبتت فيه وَهي ذات ابتسامٍ / فَسقيت ابتسامها بحناني
كُلَمّا طال خوطها بشرت قَل / بي بقرب اتساقه العينان
كَم ضممت ابنَتي إِلى الصدر مني / أَبتَغي أَن أَردها لجناني
وَشممت السوالف الغر منها / أَتَسلّى بها من الأشجان
ثم أَبعدتها لأنظر فيها / ثم أَدنيتها إلى أحضاني
ثم أَجلستها إلى الجنب مني / ثم قلبت شعرها ببناني
ثم كلمتها فردت كَلامي / بابتسام تَلوح فيه المَعاني
ثم قبلتها بملء شفاهي / ثم غذيتها بمحض لباني
ابنتي زهرتي فَيا ربيَ احفظ / زهرتي من كوارث الأزمان
يا ابنتي أَنتِ سلوَتي وَرَجائي / وَسراجي في لَيلة الأحزان
حُلُمي أَنتَ في مَنامي وَذِكري / حين أَدنو من يقظتي في لساني
ابنَتي قد تَرَعرَعَت فَهيَ تلعبْ
ابنَتي قد تَرَعرَعَت فَهيَ تلعبْ / كطلىً في جنبي وَتأتي وَتذهبْ
تتنزى من النشاط أَمامي / فَهي تحكي حَمامةً تتقلب
وَهيَ مثل الغَزال تشدو وَرائي / ببغام له فؤادي يطرب
خفة تطرب النفوس وَصوت / يستَبي حسنُه العقول وَينهب
وَعيون تَرنو العيون إليها / شاخصات ووجنة تتلهب
وَرواء في الخد منها جَميل / فهو ماء مصفق لَيسَ ينضب
تلع الجيد فوق قدٍّ رَشيقٍ / زانه الشعر مرسلاً يتذبذب
وإذا ما مشت مَعي في طَريق / سأَلتني عَن كل شيء وَمطلب
ابنتي هذه خلاصة نَفسي / فَهي مني مثل الحَياة وأَطيَب
رب صنها حتى تَكون فَتاة / ثم أمّاً تَرعى ابنها ليُهذَّب
ابنَتي قَد شَبَّت مَع الأيامِ
ابنَتي قَد شَبَّت مَع الأيامِ / فَهي اليَوم مثل بدر التَمامِ
أنجزت من دروسها ما به امتا / زت عَلى الغير من بنات الكِرام
وَفَشا صيتُ حسنها يَتَمَشى / مَع ذكر العفاف بين الأنام
خصها اللَه في الوَرى بِمَزايا / أكبرتها فراسة الأقوام
عفة سرّت الوقار وَطهر / ذكر الناسُ أَمره باحترام
خلق البارئُ المصور للخل / قِ ابنَتي من وداعة وَسلام
ابنَتي زَهرَتي الَّتي أَنا أَلهو / عَن كروبي بها وَعَن آلامي
ثم زفت الى كَريم عروساً / ما بها من غميزة أَو ذام
وَبدا حملها فقلنا جَميعاً / أَثمر الغصن فهو ذو أَكمام
وَحمدنا على المسرات دهراً / هُوَ فاِعلم لنا أَلَدُّ الخصام
وَفرحنا ثم اِنتظرنا فَجاءَت / بعد تعداد أشهرٍ بغلام
وَضعته وَبعد أَن وضعته / أَغمضت عَينها كَما في المَنام
رقدة قد طالَت وَطالَ اِنتظاري / لانتهاء يأَتي لَها وَختام
يا ابنتي الشَمس آذنت بالشروقِ
يا ابنتي الشَمس آذنت بالشروقِ / فايقظي من هَذا الرقاد العَميقِ
يا ابنتي يا ابنتي صديقتك الشم / سُ اِستَفاقَت من نومها فاِستَفيقي
وَالعَصافير يا ابنتي تتغنّى / للضحى فوق كل غصن رَشيق
والأزاهير للعصافير ترنو / باسمات عَن لؤلؤ وَعَقيق
وَمياه العيون تمشي الهوَينا / فوق ظل تحت الغصون رَقيق
وَعَلى الماء يا ابنتي ورقات / هي ما بين عائم وَغَريق
لَيسَ في الروض غير قلب خفوق / لأمانيّهِ ووجه طَليق
يا ابنة القبر أمك القبر تاتي
يا ابنة القبر أمك القبر تاتي / ما ينافي مودة الأمهاتِ
أمك القبر لا تَصون كَما أَر / جو ملاحات تلكم الوجنات
يا ابنة القبر أَنتَ من بعد حين / يا ابنة القبر فيه بعض الرفات
لهف نفسي عليك من وحشة القب / رِ وَمما في القبر من ظلمات
غرفة تحت طابق الأرض لا يد / خلها النور من جَميع الجهات
غرفة حالَت الصفائح فيها / بين وجه الإنسان وَالنَسمات
إن نفسي عليك يا أَنس نفسي / ذهبت إي وَربِّها حسرات
أَيُّها القبر هَل علمت بأَني / قبل موتي دفنت فيك حَياتي
عبراتي عليك تهمى وَلكن / أَنت لا تَستَفيد من عبراتي