المجموع : 6
بَينَ تِلكَ الرُبى وَذاكَ الوَردِ
بَينَ تِلكَ الرُبى وَذاكَ الوَردِ / فَوقَ حَصباءِ شاطىءٍ لازوردي
تَحتَ أُفقٍ كَالخَدِّ أَو كَالفَرَندِ / أَملَسٍ عَطَّرتَه نَفحَةُ رَندِ
فَسَرى الطَيبُ في الفَضاءِ زَكِيّا /
كانَ داودُ دائِماً يَتَرَدَّد / وَعلى صَخرَةٍ يُهَيِّىءُ مُقعَد
فَإِذا مالَتِ الغُصونُ تَنهَّد / وَاِنجَلى عَنهُ حُزنُهُ وَتَبَدَّد
وَتَناسى عَهد الشَقاءِ القَصيّا /
كانَ حلوَ الحَديثِ عَذبَ الطِباعِ / شاعِراً مُصغِياً لكلِّ التِياعِ
إِن رَأى أَدمُعاً بَكَت لِدَواعِ / ذَرفَ الدَمعَ من عُيونِ اليراعِ
راسِماً مَشهَدَ الحَياةِ شَقِيّا /
كُلَّما كانَ جالِساً يَتَأَمَّل / في السَواقي ذاتِ الزَلالِ المسلسل
كَيفَ تَجري بِدون أَن تَتَمَهَّل / ثُمَّ تَنصَبُّ جَدولاً إِثرَ جَدوَل
بَينَ وَردِ الرُبى فَيَنمو نَدِيّا /
كانَ يَمضي أَمامَهُ اِمرَأَتانِ / كَرُخامِ القُبورِ صامِتَتانِ
تَنظُرانِ الرَبيعَ بَعضَ ثَوانِ / وَوَراءَ الأَدغالِ تَختَفِيانِ
كَخَيالينِ من سعادٍ وَمَيّا /
كَهلَةٌ قَد تُناهِزُ الخَمسينا / وَفَتاةٌ لا تَبلغُ العِشرينا
حَمَلَت في الضُلوع داءً دَفينا / فَهيَ تَسلو الآلامَ حيناً وَحينا
تُبصِرُ المَوتَ دانِياً يتهَيّا /
مُقلَتَاها ما عادَتا مُقلَتَيها / فَهما مَيتَتانِ في جَفنَيها
وَيَداها في الداءِ غَيرُ يَدَيها / أَيُّها السِلُّ لِم جَنَيتَ عَلَيها
أَوَلا تَرحَم الفُؤادَ الفَتِيّا /
بَعدَ شَهرٍ كَأَنَّما هُوَ عامٌ / نَسَجَت فيهِ بُردَها الآلامُ
شاءَ داودُ أَن يَكونَ سَلامٌ / وَاِبتِسامٌ ما بَينَهُم وَكَلامُ
وَحَديثٌ عَن الفَتاةِ فَحَيّا /
وَدَرى بَعدَ ذاكَ أَنَّ أَباها / ماتَ بِالداءِ نَفسِهِ وَأَخاها
فَبَكى راثِياً جَمالَ صِباها / وَاِبتِساماً مُوَدِّعاً في لماها
وَشَباباً يَموتُ شَيئاً فَشَيّا /
أُمها وَهيَ أَثكَلُ الأُمَّهاتِ / بَعدَ تِلكَ المَشاهِدِ الماضِياتِ
لَم تَكُن تَستَطيعُ بِالبَسماتِ / رَدعَ مَصدورَة عَن الحَسَراتِ
فَاِبتِسامُ الحَزينِ كانَ عَصيّا /
طالَما ذِكرَياتُ تِلكَ المَشاهِد / عاوَدَتها وَاللَيلُ سَكرانُ ساهِد
يَومَ كانَت تَبكي أَمامَ الوسائِد / حيثُ ماتَ الوَليدُ بَعد الوالِد
تارِكينَ الداءَ المُخيفَ الخَفِيّا /
ربِّ قالَت يا رَبَّ هذا الوُجودِ / وَرَجاءَ الشَقِيِّ وَالمَنكودِ
قَد كَفاني في شَقوَتي وَجُهودي / موتُ زَوجي الفَتى وَمَوتُ وَحيدي
فَاِشفِ بِنتي وَكن شَفيقاً عَلِيّا /
ذاتُ حُسنٍ كَالفَجرِ في نيسانِ / لامَسَتهُ أَنامِلُ الأَحزانِ
وَبياضٍ كَالثَلجِ في لُبنانِ / وَحَديثٍ يُذيبُ في الآذانِ
نَغَماً لِلحَياةِ موسيقِيّا /
مُقلَتاها رَمزُ الفُؤادِ الوَجيعِ / وَلماها اِستَعارَ لَونَ الشُموعِ
هكَذا هِندُ وَهيَ بِنتَ الدموعِ / كانَ يَبدو شبابُها في الرَبيعِ
إِنَّ قَلبَ الرَبيعِ كانَ عَتِيّا /
ذاتَ يَومٍ وَقَد تَدانى الغِيابُ / جَلَست هِندُ في يَدَيها كِتابُ
قَرَأَت فَترَةً وَجاءَ الضَبابُ / فَمَضى فيهِ جِفنُها المُرتابُ
تارَةً ساهِياً وَطوراً بكيّا /
هِندُ لِم أَنت تَنظُرينَ الضَبابا / بِعُيونٍ ذابَت وَقَلبٍ ذابا
أَفهذي رؤىً تُريكِ الشَبابا / يَتَلاشى وَيَستَحيل ترابا
قَبلَ أَن يَبلُغَ الحَياةَ قَوِيّا /
جاءَ هنداً داودُ بَعدَ الظُهورِ / فَرَآها وَالأُمَّ بَينَ الزهورِ
في يَدَيها قُماشَةٌ من حَريرِ / طَرَّزَت بَعضَها بِفَنِّ خَبيرِ
فَبدا الفَنُ في يَدَي هِندَ حَيّا /
قالَ هذي لِمَن بِبَعضِ اِبتِسامٍ / إِنَّها مثلُ برنسٍ لِغلامِ
فَأَجابَت بِزَفرَةِ الآلامِ / لِفَتاةٍ تَزَوَّجت مُنذُ عامِ
فَهَنيئاً لَها الزَواج هَنيّا /
فَأَتاها عِندَ الضُحى فَرَآها / وَكتابٌ يَهتَزُّ في يَمناها
فَإِذا عَينُها تُعيرُ اِنتِباها / صَفحَةً ودَّ لَو يعي فَحواها
وَقَفَت عِندَها الفَتاةُ مَلِيّا /
فَمَضى خَلفَ ظَهرِها بِتَأَنِّ / فَرَآها تَتلو بِبَأسٍ وَحُزنِ
بيتَ شعرٍ قَد قالَهُ مُنذُ قرنِ / شاعِرٌ وَهو يا أَبي لا تُمِتني
قَبلَ أَن أَعرفَ الهَوى العُذريّا /
أَبصَرت هِندُ وَهيَ تَفكُر بِالغَد / مِن خِلالِ الأَحلامِ قَبراً أَسوَد
رَقَدَت فيهِ غادَةٌ ما تَنَهَّد / صَدرُها في الحَياةِ حَتّى توسَّد
تُربَةً ضَمَّت الظَلامَ الدَجِيّا /
وَتَراءَت لَها عَروسُ القَبرِ / تَنحَني فَوقَ وَجهِها المصفِّر
في يَدَيها باقاتُ وَردٍ وَزَهرِ / نُثِرَت فَوقَ رَأسِها وَالصَدرِ
وَأَفاحَت أَريجَها العطريّا /
وَتَراءَت لَها البَناتُ العَذارى / راقِصاتٍ بِحُبِّهِنَّ سكارى
يَتَبارَينَ ما الشَبابُ تَبارى / بِجَمالٍ يُهَيِّجُ الأَوتارا
في يَدَي عازِفٍ جَميلِ المُحَيّا /
وَفَتىً ناظِرٌ بِعَطفٍ إِلَيها / رابَه السَقمُ في كلا خَدَّيها
خائِفٌ من دمٍ على شَفَتَيها / قاءَهُ ما جَنى عَلى رِئَتَيها
وَسُعالٌ بِهِ الرَدى يَتَقَيّا /
وَتَراءى لَها خَيالٌ مُخيفُ / بَينَ أَهدابِ مُقلَتَيها يَطوفُ
في يَدَيهِ مَشاعِلٌ وَسُجوفُ / مُثَّلَت دَورَها عَلَيها الصُروفُ
فَتَراءى لَها الرَدى عَلَنِيّا /
وَاِستَفاقَت لَدى اِرتِعاشٍ عَنيفٍ / دَبَّهُ الخَوفُ في صِباها الضَعيفِ
فَتَلاشَت كَالحُلمِ رُؤيا الطُيوفِ / وَتَوارَت أَمامَ دَمعٍ ذَريفِ
كانَ سِحراً في عَينَيها بابِليّا /
ربِّ قالَت أَلَم تَهِبني المُيولا / وَحَديثاً عَذباً وَوَجهاً جَميلا
فَلِماذا أِرى الشَبابَ بَخيلا / لا يرى وَجنَتَيَّ حَتّى يَميلا
عَن جَمالٍ يَذوبُ في وُجنَتَيّا /
يا إِلهي أَلَستُ يَوماً أُلاقي / عاشِقاً بَينَ مَعشَرِ العُشّاقِ
راحِماً في فُؤادي المُشتاقِ / غَيرَ دَمعٍ يَجولُ في آماقي
وَعَذاب يُضيءُ في مُقلَتَيّا /
يا اِبنَةَ الدّاءِ يا اِبنَةَ الأَرماسِ / يا خَيالاً يَسيرُ في دَيماسِ
إِقتَصِد ما اِستَطَعتَ في الأَنفاسِ / إِنَّ رَسمَ الآلامِ وَالأَوجاسِ
عَن قَريبٍ سَيمَّحي سريّا /
أَنتَ لَم تَدرِ كَيفَ شَيئاً فَشَيّا / يقضمُ المَوتُ جِسمَكَ الملكيّا
يا مَلاكاً أَضَلَّكَ الدَهرُ غَيّا / في زَمانٍ ما كانَ قَطُّ وَفِيّا
فَاِحيَ فينا وَلا تَكن مَنسِيّا /
سَوفَ تَمضي إِلى دِيار البَقاءِ / بَعد تِلكَ الأَسقامِ وَالأَدواءِ
طاهِراً كَالزنابِقِ البَيضاءِ / حامِلاً مشعَلَ الأَسى وَالبُكاءِ
في فُؤادٍ قَضى الحَياةَ نقيّا /
سَوفَ يُغمى عَلَيكَ في ذا الوُجودِ / بَعدَ حينٍ إِغماءَ روحِ الوُرودِ
تاركاً في فُؤاد كُلِّ وَدودِ / راءَ في وَجهِك اِصفرارَ الخدودِ
ذِكرياتٍ شَفّافَةً كَالحَميّا /
قالَ داودُ ذاتَ يَومٍ لِنَفسِه / وَهوَ يَجلو بِالفِكرِ غامضَ درسِه
أَيَّ فَضلٍ يُبقي الفَتى بَعدَ رَمسه / إِن أَبى رَحمَةَ التَعيسِ بِتَعسِه
وَاِنعِطافاً عَلى الشَقيِّ سَخيّا /
لَيسَ أَنقى من زَهرَةِ الأَحسانِ / فَوقَ صَدرِ المَجاهِد المُتَفاني
إِن أَكُن زَوجَ غادَةِ الأَحزانِ / أَفَلَيسَ الإنسانُ لِلإِنسانِ
أَفَما كُنتُ في الحَياةِ وَفِيّا /
سَوفَ تَحيا بِالحُبِّ تِلكَ الفَتاةُ / هكَذا قَد أَرادَتِ التَضحِياتُ
فَليُضيء بَينَ مُقلَتَيها المَماتُ / فَالمَنايا عِندَ الهَوى هَيِّناتُ
فَلتَذُق ذلِكَ الهَوى الكَوثَريّا /
وَمَضى الشاعِرُ الطَويلُ الأَناةِ / باسِطاً أَمرَهُ لِأُمِّ الفَتاةِ
قائِلاً إِنَّ مُهجَتي وَحَياتي / وَجهادي وَكلّ أُمنِيّاتي
تَتَمَنّى لِهِندَ عَيشاً رَخِيّا /
سَوفَ تَحيا هِندُ السِنين الطِوالا / لَيسَ داءُ الفَتاةِ داءً عضالا
فَثِقي بي وَأَنعِشي الآمالا / أَنا مِثرٍ فَلَستُ أَطلُبُ مالا
بَل جمالاً عَذباً وَخُلقاً أَبِيّا /
سَوفَ تَشفى مِن دائِها بَعدَ عامِ / سَوفَ نَحيا بِغَبطَةٍ وَسَلامِ
وَثِقي أَنَّ هِندَ ذاتَ السقامِ / سَتَراني أَخاً مَعَ الأَيّامِ
لا عَشيقاً لِجسمِها وَحشِيّا /
فَبَكَت أُمُّها لِهذا الكَلام / بِعيونٍ تشعُّ بِالأَحلامِ
وَلدُن أَيقَنَت بِصِدقِ المَرامِ / شَكَرَتهُ بِمَدمَعٍ بَسّامِ
كانَ بِالحُزنِ وَالنُواحِ حَريّا /
هِندُ إِنّي أَهواكِ أَهوى جَمالا / يَرشِقُ الحُبُّ مِن لماكِ نبالا
قالَ هذا وَقد رَأى الآمالا / راسِماتٍ في مُقلَتَيها خَيالا
طاهِراً في جَمالِهِ ملكِيّا /
فَأَجابَت وَقد عَراها السُكوتُ / بَعضَ حينٍ كَأَنَّهُ هاروتُ
كَيفَ تَهوى أَلا تَراني عييتُ / مُقلَتي تَنطَفي وَقَلبي يَموتُ
وَيَجولُ التُرابُ في خديّا /
قالَ لا بَل تَحيَينَ عُمراً طروبا / وَتَرَينَ الحَياةَ عيشاً خصيبا
فَأَنا عاقِلٌ سَأَلتُ الطَبيبا / قالَ لي هِندُ سَوفَ تَشفى قَريبا
وَتَرى لَونَ خَدِّها الوَردِيّا /
مرَّ بِالعاشِقينِ أُسبوعانِ / هَيَّئا فيهِما جِهازَ القرانِ
وَالرَبيعُ الجَميلُ في نيسانِ / كانَ يَزهو بِالفُلِّ وَالريحانِ
ساكِباً ذلِكَ النَدى اللُؤلُؤيّا /
بِحَريرٍ مُزَركَشٍ وَمُخَرَّم / وَطِرازٍ عَلى النَوافِدِ مُعلم
هكَذا غُرفَةُ الزَفافِ الأَقتَم / بَرَزَت وَهيَ تَستعدُّ لِمَأتم
بِجَمالِ العرسِ الرَهيبِ تزيّا /
وَسَريرٍ أُعدَّ فيها صَغير / أُلقِيَت فَوقَه سُتورُ الحَريرِ
لَعبت أَنملُ النَسيم الطهورِ / بِجَنايا رِدائِه المَنشورِ
فَاِستَطارَ الرِداءُ نَشراً وَطيّا /
وَهنا بَعدَ عرسِها الملكيِّ / ظَهَرت هِندُ كَالصَباحِ البَهِيِّ
بِنَقاءٍ ككلِّ قَلبٍ نَقِيِّ / وَبَياضٍ كَثَوبِها الزَنبَقيِّ
وَدَلالٍ يَفوح طهراً وَريّا /
ما لِتِلكَ الفراشَةِ السَوداءِ / تَتَغَنّى في الغُرفَةِ البَيضاءِ
جَنحُها حالكٌ كَقطعِ الرجاءِ / وَغناها الرَهيبُ رَمزُ البُكاءِ
خالهُ المُبتَلي غناءً شَجِيّا /
ذاتَ يَومٍ وَقد تَدانى الظَلامُ / خَفَقَت في ضُلوعِها الآلامُ
فَتَرامَت وَقد تَراءى الحمامُ / مُستَفيضاً في عينها لا يَنامُ
يَنتَحي عالَمَ الدُجى الأَبدِيّا /
وَاِستَفاقَت قَبلَ المَماتِ الرَهيبِ / فَرَأَت زَوجَها كَثيرَ الشحوبِ
يا حَبيبي قالَت لهُ يا حَبيبي / حانَ مَوتي وَجاءَ وَقتُ مَغيبي
فَعَذابي يثورُ في رئَتيّا /
غَيرَ أَنّي أَمضي لِدارِ البقاءِ / بِسُرورٍ وَغِبطَةٍ وَصَفاءِ
فَأَنا رُغمَ عِلَّتي وَبَلائي / ذُقتُ طعمَ الهَوى كَباقي النِساءِ
وَعَرَفتُ التَآلفَ الذهبِيّا /
وَاِرتَمى رَأسُها اِرتِماءَ يَدَيها / وَتلاشى اللهاثُ في مُرشَفَيها
فَبَدَت وَالدماءُ في شَفَتَيها / مِثلَ شاةٍ بَيضاء أَلقى عَلَيها
شِرسُ القَلبِ سهمَه الدموَيّا /
أَيُّ ذَنبٍ جنَته تِلكَ الصبيّه / ليجازى شَبابُها بِالمنِيَّه
ربِّ إِن كانَ أَصلُ تِلكَ الضَحِيَّه / والدٌ أَورَثَ السُمومَ الخَفِيَّه
فَصباها لَم يَأتِ أَمراً فَريّا /
ربِّ لِم أَنتَ تظلمُ الأَبرِياءَ / وَتَزيدُ العاني الشَقِيَّ شَقاءَ
هُم يَقولونَ هكَذا اللَهَ شاءَ / فَاِحتَرَم فيهِ حكمَةً عَلياءَ
وَاِحبُهُ الشُكرَ بِكرَةً وَعَشِيّا /
عِندَ ذا هبَّ جالِساً وَتَهَيّا
عِندَ ذا هبَّ جالِساً وَتَهَيّا / لِيُناجي غَرامُه العذرِيّا
وَحَفيفُ الصَفصافِ يَهمِس في النَه / رِ كَلاماً عَن الحَياةِ خَفِيّا
قالَ أَصغي إِلَيَّ إِنّي فانٍ / فَالقوى لَن تَعودَ بَعدَ إِلَيّا
أَنا أَمشي إِلى الضَريحِ حَثيثاً / فَعَذابي يَثورُ في رِئَتَيّا
أَيُّ نَفعٍ ترجينه يا عَروسي / من بُكاءٍ ما عادَ يَنفَعُ شَيّا
أَيُّ نَفعٍ وَالمَوتُ يَنسِجُ ثَوبي / بِخُيوطِ الظَلامِ من مُقلَتَيّا
إِرجِعي إِرجِعي فَتِذكارُ حُبّي / وَلَيالِيّ بات ثَقلاً عَلَيّا
إِرجِعي إِنَّني بَليتُ وَما أَص / بَحَ غير الديدانِ يَرغب فِيّا
في شَواطي النيلِ السَعيدِ مِياهٌ / فَاِسأَليها غَداً زَلالاً شَهِيّا
وَاِستَعيدي بهِ هَوىً وَشَباباً / نيلك العَذبُ غَير بردونِيّا
وَإِذا ما مَرَرتِ تَحتَ نَخيلِ النَه / رِ يَوماً حَيثُ اِبتَسَمنا مَلِيّا
حَيثُ كُنّا نَبني قُصورَ الأَماني / حَيثُ كُنّا نَجني الشَبابَ النَدِيّا
حَيثُ كُنّا نُلَقِّنُ القَلبَ درساً / فَيَعيه النَخيلُ من شَفَتَيّا
فَاِحذَي وَقفَةً هُناكَ لَئِلّا / تَسمَعي من فَم النَخيلِ نَعيّا
يا اِبنَةَ الإِثمِ هذِهِ شَفَتايا
يا اِبنَةَ الإِثمِ هذِهِ شَفَتايا / فَاِرشفي مِنهُما رَحيقَ الخَطايا
وَاِعصري ما اِستَطَعتِ قَلبي فَقَلبي / لَم يَزَل فيهِ مِن غَرامي بَقايا
وَتَوَقّي إِحدى زَواياهُ لا تَق / سي فَلي حُرمَةٌ بِإِحدى الزَوايا
إِنَّ في قَلبيَ البَغيَّ خَيالاً / مِن عَفافٍ ما فاجَرته البَغايا
إِن تَكُن حِفنَتي المدمّاهُ ملكي / فَخَيالُ العفافِ ملكُ سَوايا
كُلُّ ما في الحَياةِ أَنتِ فَقَد سُ
كُلُّ ما في الحَياةِ أَنتِ فَقَد سُ / كِّرَ سَمعي وَأُطبِقَت مُقلَتايا
صَوتُكِ العَذبُ ما سَمِعتُ سِواهُ / غَيرَ عَينَيكِ ما رَأَت عَينايا
كَيفَما أَلتَفِت أُحِسُّكِ حَولي / أَنتِ مِلءُ المُنى وَمِلءُ هوايا
مِلءُ نَهرِ الحَياةِ تَزدادُ روحي / عَطشاً كُلَّما اِرتَوَت شَفَتايا
غَيرَ أَنّي أُحِسُّ ناراً بِقَلبي / أَيَكونُ الهَوى بِقَلبي خَطايا
هاجِسٌ خاطِفٌ يُساوِرُ نَفسي / وَاِنقِباضٌ تحسُّه رِئَتايا
ماءُ عَينَيكِ فيمَ يَصلُبُ أَحيا / ناً وَيَقسو كَأَنَّ فيهِ سَوايا
أَيَّ طَيفٍ أَرى خِلالَ شُكوكي / لَم يَذُب بَعدُ في لَهيبِ غنايا
أَنتِ لي في حَقيقَتي وَخَيالي / ليَ في يَقظَتي وَلي في رُؤايا
إِن أَكن مِن دَمي بَقِيَّةَ شِعرٍ / وَخَيالٍ فَأَنتِ مِنّي بَقايا
هِبَةُ الحُبِّ يا شُعاعَ رُؤايا
هِبَةُ الحُبِّ يا شُعاعَ رُؤايا / وَطَريقَ السَماءِ في مغنايا
رَعشَةٌ أَنتِ في عُروقي وَوَحيٌ / في دَمي وَالنَجيُّ مِن نَجوايا
أَنتِ أَرض الميعادِ ما سَمح اللّ / هُ بِها أَو بِمِثلِها لِسِوايا
غَمَرَ المنُّ مِن سَمائِكِ صَحرا / ئي وفَجَّرتِ كَوثَراً مِن هَوايا
فَاِطمَأَنَّ الصَباحُ أَخضَرَ في عَي / ني وَطابَت عَلى أَديمي العَشايا
يا سنا الحُبُّ يا سَنا اللَهُ ما أَح / رَقتَ ناري إِلّا لِيَنقى سَنايا
كانَ لي في الغَرامِ قَلبٌ بَغِيٌّ / وَعيونٌ عَلى الجَمالِ بَغايا
حينَ مَرَّت عَلى جَبيني يَداها / وَاِستَحَمَّت في عَينِها عَينايا
وَتَلاشى لهاثُها في جَوى قَل / بي تَلاشَت عَلَيهِ تِلكَ الخَطايا
أَعشُقُ الصَدقَ لا أَقولُ سِوى الحَ
أَعشُقُ الصَدقَ لا أَقولُ سِوى الحَ / قّ وَلَو جارَ في الحَياةِ عَلَيّا
في فُؤادي القَوِيِّ روحُ إِلهٍ / وَلَوَ أَنّي وُلِدتُ مِن أَبَوَيّا
فَالسَماءُ الَّتي أَنارَت شَبابي / وَضَعَت مُهجَتي عَلى شَفَتَيّا