نظرَ البدرُ وجهَها فتَلاها
نظرَ البدرُ وجهَها فتَلاها / فسَلوهُ عن أُختِها هل حكاها
وتراءَتْ للبَدرِ يوماً فأبقَتْ / خجَلاً فوقَ وجهِه وجنتَاها
وتجلّتْ على النّجومِ فولّتْ / واِستقلّتْ بصدرِها فرقَداها
وأضافَتْ قُرونَها للّيالي / فأطالَتْ على المَشوقِ دُجاها
فُتِنَتْ في جمالِها الشُّهْبُ حتّى / شاركَتْنا ونازعَتْ في هَواها
علِقَتْ شَمسُنا بها فلهذا / عينُها في الرّواحِ تُجري دِماها
لم تحُلْ من فِراقِها كلَّ يومٍ / فهْي صَفراءُ خشيةً من نَواها
قد يرى حُبُّها الأهلّةَ وجْداً / فأطالت على الضّلوعِ اِنحِناها
ذاتُ حُسنٍ لو تُحسِنُ النُّطْقَ يوماً / سبعةُ الشُّهْبِ أقسَمَتْ بضُحاها
ومُحيّاً لو اِنّه قابلَتْهُ / آيةُ الليلِ بالنّهارِ مَحاها
كم لها بالجَمالِ آياتِ سِحرٍ / قد أضلّتْ عُقولَنا عن هُداها
أثبتَتْ في الخيالِ حيّاتِ تِبْرٍ / تنفُثُ النّارَ من خيالِ سَناها
غُرّةٌ ذاتُ عزّةٍ ضاعَ عُمري / بالمُنى بينَ صُبحِها ومَساها
خالُها في الخُدودِ في الحالِ مِثلي / حائِرٌ بين ثلجِها ولَظاها
هي لولا ملابسُ الوَشي غُصنٌ / وغزالُ الصّريمِ لولا شَواها
وجهُها جنّةٌ وعذْبُ لَماها / سَلسَبيلٌ وحُورُها مُقلتَاها
يتمنّى الرّحيقُ لو كان يحكي / ريقَها والكؤوسُ تغبِطُ فاها
وإلى إلفِها تحنّ القَماري / فهي تشكو إلى الغُصونِ جَفاها
دوحةٌ حُلوةُ الجَناءِ ولكنْ / مُرُّ خَرْطِ القَتادِ حولَ خِباها
جمعَتْ في صِفاتِها كلَّ حُسْنٍ / فهي كنزٌ مرصودةٌ في حِماها
ضُرِبَتْ دونَها سُرادِقُ عِزٍّ / طنّبَتْها حُماتُها في قَناها
كم ترى حولَها بُدورَ كَمالٍ / برزَتْ في أهلّةٍ من ظُباها
وأُسوداً تهبّ مثلَ النّعامى / في ظُهورِ النّعامِ يومَ وَغاها
وبُدوراً تدرّعَتْ بسَرابٍ / تلتَظي نارُها ويجري نَداها
سُقْمُ جِسمي وصحّتي وفنائي / ووجودي في سُخطِها ورِضاها
حبّذا رامةٌ وليلاتُ وصلٍ / بيضُهنّ اِنقضَتْ بخُضرِ رُباها
وعهودٌ بها لنا مُحكماتٌ / حكمَ الدّهرُ باِنفصامِ عُراها
يا رَعى اللّهُ رامةً وسَقاها / ضاحِكاتُ البُروقِ دمعَ حَباها
وتحامى الخُسوفُ أقمارَ تِمٍّ / تتثنّى على غُصونِ نَقاها
دارُ أنسٍ بها شُموسُ العذارى / تتمشّى على نجومِ حَصاها
قرّبَتْ أرضَها الكواعِبُ فيما / بين أرحامِ أرضِها وسَماها
خضبَتْ في دم القلوبِ أكُفّاً / وخدوداً رجالُها ونساها
بقعةٌ زُيّنَتْ بكلّ عجيبٍ / جلَّ مَنْ علّم الكلامَ مهاها
وعلى مُنشئ اليواقيتِ فيها / واللآلي مَباسِماً وشِفاها
جنّةٌ أشبهَتْ يَمينَ عليٍّ / حيثُ فيها لكلّ نَفسٍ مُناها
فاطميٌّ سليلُ فخرٍ أبوهُ / خلَفُ الطّاهرينَ من آلِ طَهَ
ماءُ عينِ الحياةِ نارُ المَنايا / صَرْصَرُ الحادثاتِ حَرُّ بَلاها
مِخلَبُ الحربِ نابُها حين يَسطو / ساقُها إذ تقومُ قُطْبُ رَحاها
سمِحٌ للنّدى يمدُّ يَميناً / تعلَمُ المُزْنُ أنّه أنواها
ذو أيادٍ ترى لهنّ اِلتباساً / بالغَوادي وبالبُحورِ اِشتِباها
سائراتٍ لا تستقرّ بمِصْرٍ / دون مصرٍ ولا يحِلُّ نَواها
وأكُفٍّ تَدري البريّة حقّاً / أنّ فيها نعيمَها وشقاها
طلسَمَ البأسُ فوقهُنّ خُطوطاً / ليسَ للمُسلمينَ حِرزٌ سِواها
ونصالٍ تدُبُّ فيها نِمالٌ / ترهَبُ الأُسْدُ خشيةً من لَقاها
قُضب حُمرها تُظنُّ سريحاً / وهي بالنار بالنّجيعِ سقاها
كجراحِ الهوى لهُنّ جِراحٌ / ليس تُرقى ولا يُصابُ دَواها
كتبَ الموتُ بالغُبارِ عليها / إنّ للضّربِ لا غيرَهُ إلاها
وخِصالٍ تودُّهُنّ الغَواني / بدَلاً من عُقودِها وحُلاها
غُررٌ كالجُمانِ مُستَحْسَناتٌ / جَلَّ باري النّجومِ حيثُ بَراها
كلُّ معشوقةٍ إلى النّفس أشهى / من ثَنايا الحِسان دونَ ثَناها
لو حوَتْ بعضَها سَجايا اللّيالي / بدّلَتْ غَدْرَها بحُسْنِ وَفاها
شِيَمٌ عطّرتْ جُيوبَ المعالي / واِنطوى بالنّسيمِ نشْرُ شَذاها
مُنعِمٌ فاز بالثّناءِ فأضحى / شُكرُه بالسّجودِ يدعو الجِباها
صقلَتْ ذِهنَهُ التّجاربُ حتّى / صُوَرُ الكائِناتِ فيهِ رآها
ذاتُ قُدْسٍ تكوّنَتْ فيه نفْسٌ / قد نَهاها من كلِّ رِجْسٍ نُهاها
مثلُ ماءِ السّماءِ يوشِكُ يَبدو / كالدّرارِي صفاتُه في صَفاها
تمّ إيجادُها وللّه فيها / حكمةٌ بانَ فيهِ وجهُ خَفاها
عظُمَتْ هيبةً وعمّت نَوالاً / فالوَرى بين خوفِها ورَجاها
كم له في القَريضِ من بنتِ فكرٍ / يبتَغي البدرُ أن يكون أخاها
قد ترقّتْ حُسْناً ورقّت كمالاً / فاِستفزّتْ قُلوبَنا في رُقاها
صاغَها عسجَداً ورصّع دُرّاً / في حَشاها وبالحَريرِ كَساها
أصبحَتْ بينَنا اليتيمةَ تُدعى / متّع اللّه بالحياةِ أباها
جملةٌ من كواكبٍ كالثّريّا / وقعَتْ في كلامِه فحَكاها
مُوسَويٌّ أزكى الملوكِ نِجاراً / خيرُها قُدرةً وقَدْراً وجَاها
زينةُ الأكرمين في كلّ مِصرٍ / تاجُها عِقدُها سِوارُ عُلاها
ليثُها في النِّزالِ غيثُ نَداها / زَنْدُ نيرانِ حربِها وقِراها
ربّما وقعةٌ تُشيبُ النّواصي / قد ألمّت به فكان فَتاها
وقعةٌ وقعُها يهدُّ الرّواسي / ويُذيبُ الحديدَ حَرُّ صَلاها
جورُها أسودُ الجبينِ ولكنْ / بيضُها ورّدَتْ خُدودَ ثَراها
خضّب النّقعُ فودَها فرمَتْهُ / بنُصولٍ نُصولُه إذ نَضاها
وشوَتْ نارُها اللّحومَ فأمْسى / يُكرِمُ اللُّدْنَ في ضَعيفِ شَواها
بطلٌ تضحَكُ الظُّبا بيدَيْهِ / فتُطيلُ الرِّقابَ حُزْناً بُكاها
مرضَتْ قبلَه صُدورُ العَوالي / فسَقاها دمَ الطُّلا فَشفاها
كلّما خاضَ في دُجنّةِ نَقْعٍ / فلَقَ الفجرَ سيفُهُ فجَلاها
عشِقَتْ نفسُه السّماحَ فعدّتْ / ما عَدا قوتَ يومِها من عِداها
يا بَني الوحي والنّبوّةِ أنتم / رهْطُها والخَواص من أقرِباها
ولَدَتْكُم كرائِمٌ من كِرامٍ / عِترةٌ مَفخَرُ العَباءِ حَواها
كم لكُم في الكِتابِ آياتِ مَدْحٍ / بيّن اللّهُ فضلَها وتَلاها
تعلَمُ الأرضُ إنّكم لعلَيها / شُمُّ أوتادِها وخطُّ اِستِواها
قَد نشرْتُم موتى البِقاع فكنتم / روحَ سكّانها وعصرَ صِباها
وَحَكمتم على الليالي فَخِلنا / ملّكَتْكُم يدُ الزّمانِ إماها
وصرَفْتُم صُروفَها للأعادي / فأسرْتُم نُفوسَها في عَناها
وهزَزتُم على الخُطوبِ رِماحاً / فشكَكْتُم صُدورَها في شَباها
سيّدي ليستِ المكارمُ إلّا / لفظةً أنتَ واضِعٌ معناها
أنتمُ للنّفوسِ داءٌ وطبٌّ / قد قضَيتُم بموتِها وبَقاها
يا نَصيري على العِداءِ وعَوْني / ومَعاذي إذا خشيتُ أذاها
أقبلَ العيدُ فلنُهنّيهِ فيكُم / إذ بكُم زادَ قدرُه وتَباهى
لكُمُ العيدُ في الحقيقة عبدٌ / صُفِّحَتْ باؤهُ بِياءٍ سَفاها
حُزْتَ أجرَ الصّيامِ مولاي فاِغنَمْ / لذّةَ الفِطر واِبتهِجْ في هَناها
واِبقَ في نِعمةٍ وعزّة مُلْكٍ / يحملُ النّصر والفُتوح لِواها
واِسْمُ واِسْلَم واِسْتَجْلِ بِكرَ قَريضٍ / ختَمَتْ مَدحَكُم بخيرِ دُعاها