المجموع : 4
صاح إن الخطوب في غليان
صاح إن الخطوب في غليان / فبماذا يَطّرِق المَلَوان
جلّ ربّ الأنام في كل يوم / هو من كبريائه في شان
خالق الكون ذو الجلال قديم / واحد عنده القرون ثوان
كل ما ضمّ ملكه كلماتٌ / وإليه انتهت جميع المعاني
نسمع اليوم للخطوب أزيزاً / كأزيز القدور في الفوران
إنني مبصرٌ تباشير صبح / مستفيض على ظلام الأماني
ليس تلك الدماء في الحرب إلا / شفقاً من ضيائه الأرجواني
إنني أستشف من غِيَر الده / ر انقلاباً يعمّ كل مكان
سيلوح الداني به وهو قاص / ويلوح القاصي به وهو دان
ويكون المُعَزّ غير مّعَزاً / ويكون المُهان غير مهان
وسيغدو الضعيفُ محترَمَ الح / قّ ويمسي الظلوم في خسران
والثريا ستعتلي في أمان / من عِداء العَيّوق والدَبَران
وستبدو أم النجوم رءوماً / يتدانى من نورها الفرقدان
يتجلّى ربّ السموات والأر / ض علينا بعدله والحنان
فيبوء المستعمرون بخُسرٍ / وتضيء البلاد بالعُمران
معشر العرب أين أنتم من القو / م إذا ما تمّ انقلاب الزمان
أنيام والدهر يفتح فيكم / من جديدَيْه مقلَتيْ يقظان
نقض القوم عهدكم قبل هذا / واستخفُوا بحفظه في صوان
واستهانُوا بالوعد إذ أخلفوه / واستغلّوا دفائن الأوطان
وأقاموا بها قواعد جوٍّ / لاحتشاد الجنود والطيران
ثم بثّوا بها العيون يعيثو / ن فساداً في سُوحها والمباني
ثم ساروا في حكمها سير فُلك / هم بها آخذون بالسُكّان
كل هذا وأنت مستقلّو / ن بزعم من عندهم وامتنان
قيّدوكم لنفعهم بعهود / ناطقات من أسركم بلسان
أوثقوكم بها إِساراً وقالوا / ليس هذا لكم سوى إحسان
ليس تلك العهود يا قوم إلا / كعهود الذئاب للحملان
أفلا تذكرون من أوّليكم / أنَفاً من مسيسهم بهوان
يوم سادوا والعز فيهم يُماشي / ضربهم بالمُشَطَّب الهندواني
وتعالت راياتهم خافقاتٍ / في جيوش عنا لها الخافقان
فانهضوا اليوم مستجدّين مجداً / كالذي كان دونه القمران
إن للمجد في المساعي محَلاً / عالياً لا يحلّه المتواني
قل لمن رام صدعنا بشقاق / أنت كالوعل ناطح الصفوان
ويك إن الإسلام أوجد فينا / وحدة مثل وحدة الرحمن
فاعتصمنا منها بحبلٍ وثيقٍ / هو حبل الإخاء والأيمان
ليس معنى توحيدِنا اللهَ في الملّ / ة إلا اتحادَنا في الكيان
فلهذا نعم لهذا لهذا / نحن دَنّا بوحدة الديّان
وحدة لا يَفُلّها المتوالي / من صروف الدهور والأزمان
وحدة جاءنا من الله فيها / مرسل بالكتاب والفرقان
فهدانا بها إله قديم / واحد عنده القرون ثوان
ما نرى سلطة علينا لخلقٍ / غير سلطان خالق الأكوان
أرى الشعر أحياناً بجيش بخاطري
أرى الشعر أحياناً بجيش بخاطري / ويبذل ما قد عزّ لي من مصونه
ويسكن أحياناً فاشجى وإنما / تحرّك شجوي ناشيٌ من سكونه
وقد أتوخّى الهزل منه مجارياً / لدهر أراه مُوغلاً في مجونه
ولكنّ نفسي وهي نفس حزينة / تميل إلى المشجي لها من حزينه
وقد علم الراوون شعري بأنهم / إذا أنشدوه أطربوا بلحونه
وإِنّي إذا استنبطته من قريحتي / شفيت صدى الراوي ببرد معينه
وإني على علم طويت سهوله / ولم أتحيّر خابطاً حزونه
وإني لمحّاص له بسليقة / أبت غثّه واستوثقت من سمينه
وهل يخطر الشعر الركيك بخاطري / إذا كان في طوعي اختشاب متينه
ألا لا اهتدت للشعر يوماً هواجسي / إذا هي لم تنزع إلى مسبيه
ولا غصت في بحر القريض مخاطراً / إذا لم أفز من درّه بثمينه
على أن لي طبعاً لبيقاً بوشيه / نزوعاً إلى أبكاره دون عونه
إذا انتظمت أبياته في قصائدي / ترى كل بيت ممسكاً بقرينه
وما كن دوح الشعر يوماً لتجتنى / بغير اليد الطولى ثمار غصونه
ولم يستقد إِلاّ لذي المعيّة / يكون كرأي العين رجم ظنونه
وإنّيَ قد مارسته بفطانة / يلوح سناها غرّةً في جبينه
لعمري أن الشعر صمصام حكمة / وأن النهي معدودة من قيونه
إذا جنّني ليل الشكوك سللته / عليه ففّراه بفجر يقينه
وما الشعر إلا مؤنسي عند وحشتي / ومسلي فؤادي عند وري شجونه
تقوم مقام الدمع لي نفثائه / إذا الدهر أبكاني بريب منونه
وأجعله للكون مرآة عبرةٍ / فيظهر لي فيها خيال شؤونه
فأبصر أسرار الزمان التي انطوت / بما دار في الأحقاب من منجنونه
وللشعر عين لو نظرت بنورها / إلى الغيب لاستشفيت ما في بطونه
وأذن لو اسصغيتها نحو كاتم / سمعت بها منه حديث قرونه
وليل إلى شعراه أرسلت فكرتي / رسولاً بشعري حاملاً لرقينه
سل الليل عنَي سره وسماكه / ونجم سهاه والجديّ خدينه
فكم بتّ في نهرة المجرّة في الدجى / من الشعر اجري منشآت سفينه
هو الشعر لا أعتاض عنه بغيره / ولا عن قوافيه ولا عن فنونه
ولو سلبتنيه الحوادث في الدنى / لما عشت أو مارمت عيشاًبدونه
إذا كان من معنى الشعور اشتقاقه / فما بعده للمرء غير جنونه
أم كلثوم في فنون الأغاني
أم كلثوم في فنون الأغاني / أمةٌ وحدها بهذا الزمان
هي في الشرق وحدها ربّة الفّن / فما أن للفنّ ربّ ثان
ذاع من صوتها لها اليوم صيت / عمّ كلّ الأمصار والبلدان
ما تغنّت إلا وقد سحرتنا / بافتنان لها وأيّ افتنان
في الأغاني تمثّل الحبّ تمثي / لاً صريحاً بصوتها الفتّان
يتجلّى في لحنها مشهد الحبّ / أوان الوصال والهجران
فتريك المحبّ عند التنائي / وتريك المحبّ عند التداني
وتريك الحبيب عند افتراق / وتريك الحبيب عند اقتران
كل هذا في صوتها يتجلّى / من خلال الأنغام والألحام
صفحات من الغرام تراها / ظاهراتٍ في صوتها للعيان
تنشد الشعر في الغناء فتأتي / بلحون مطابقات المعاني
فإذا أنشدت عن الوصل أبدت / فيه لحن المسرور والجذلان
وإذا أنشدت عن الهجر جاءت / بلحون تدعو إلى الأحزان
كم سقتنا كأس السرور بلحنٍ / وبلحن كأساً من الأشجان
تفهم الروح منطق الحبّ مما / تتغنّى به بلا ترجمان
فكأنّ الأنغام في الصوت منها / ناطقات لنا بغير لسان
قد سمعنا غناءها فعرفنا / كيف فعل الغناء في الإنسان
حسن صوت يزينه حسن لحن / فيه للسامعين حسن بيان
نبرات في صوتها مشجيات / تترك السامعين في هيجان
تسترق القلوب منا بصوت / نعبد الحسن منه بالآذان
كل لحن إذا سمعناه منها / دبّ فينا دبيب بنت الحان
في وقار الحليم تجعلنا طو / راً وطوراً في خفّة النشوان
نتفانى في الاستماع إليها / ونرى لذّة لنا في التفاني
وترانا نهتز حين تغنّي / فكأنها في حالة الطيران
وكأن الأرواح إذا تتعالى / طرباً جردت من الأبدان
هي في مرتقى الأغاريد تعلو / حين تشدو ونحن في خطران
يشعر المرء حين يصغي إليها / بغرام من صوتها روحاني
بنت فنّ غنّت لنا فسقتنا / من فنون الغناء بنت دنان
هكذا فلتكن يد الفن عليا / هكذا فليكن علا الفنّان
هل سمعتم منيرة مذ أفاضت
هل سمعتم منيرة مذ أفاضت / من بديع الغناء في كلّ فنّ
مذ أقرّت برقصها كل عين / واسترقّت بصوتها كل أذن
رقصها يرقص القلوب على أنّ / غناها عن المزامير يُغني
هي أن أقبلت بثنية عطف / أقبلت بالمهفهف المطمئنّ
وهي أن أدبرت بهزّة ردف / أدبرت بالمرجرج المرجحنّ
خلق اللّه صوتها العذب كيما / يعرف الناس كيف حسن التغنّي
وبراها ممشوقة القد كيما / يعرف الناس كيف حسن التثنّي
بنت فنّ غنّت لنا فسقتنا / من أفانين لحنها بنت دنّ
سحرتني مذ أقبلت تتثنّى / فكأني مذ أقبلت لست منّي