المجموع : 4
أيها الناس والخطاب إلى من
أيها الناس والخطاب إلى من / هو من حيث فضله إنسان
هذه خطبة إلى غير شخص / نظمت نثر عقدها الآذان
لم أخصص بها فلاناً فإني / في زمان ما في بنيه فلان
من يكن عنده مزية فهم / فليكن سامعاً فعندي لسان
لم يميز بين البرية إلا / حسنات يزينها الإنسان
والخطايا مستورة بالعطايا / كم جميل به المساوي تصان
لا يغرنكم زيادة حال / فالزيادات بعدها النقصان
وإذا الدوح لم يظل من الشم / س فلا أورقت له الأغصان
وأحق الأنام بالذم جيل / بين أبنائه الكريم يهان
طرق الجود غير ما نحن فيه / قد سمعنا الدعوى فأين البيان
أصبح الجود قصة عند قوم / مستحيل في حقها الإمكان
وعدمنا بشراً يدل عليه / إنما النار حيث نم الدخان
كذبوني بواحد يهب الأل / ف وأنّى من السماع العيان
كم شبعتم ونحن في الحي غرثى / هل أمنتم أن ينفث الغرثان
وصدرتم ريا ونحن عطاش / فلماذا يترشح العطشان
لا بشاشاتنا رضى فأفيقوا / رب راض وقلبه غضبان
ذمنا للزمان ذم لمن في / ه وحق أن لا يذم الزمان
نبهتني حمامة بسحير
نبهتني حمامة بسحير / عند تغريدها على الأغصان
هتفت بي وقد تحدر دمعي / فوق خدي أحمراً كالجمان
زدت هماً بنوحها فوق همي / واعتراني حزن على أحزاني
قلت ماذا التغريد قالت دهاني / في خليلي ريب من الحدثان
قلت إن كنت قد عدمت خليلاً / فأنا قد عدمت ظبية بان
دعجة المقلتين في وجنتيها / وردة من شقائق النعمان
كملت عفة وديناً وفخراً / وبهاء يزهى على كيوان
أصلها طيب وفرع زكي / مورق العود يانع الأغصان
وعدمت السلو واعتضت عنه / زفرات اللهيب والنيارن
إذ دهتني فيه خطوب الليالي / ورمتني عن قوسها المرنان
وخلت بعدها الديار فأضحت / موطناً للذئاب والغربان
بعد عهدي بها أنيسة رسم / فرمتها المنون بالشنآن
غدرتنا الأيام بعد اجتماع / بددت شملنا من الأوطان
فصغير باك بقلب قريح / وكبير ينوح بالأشجان
بعضنا قد قضى وبعض سيتلو / والمنايا تحثنا بسنان
ويح قلبي لما حدى حادي المو / ت وساروا بنعشها للمكان
أنزلوها في الترب رغماً برغمي / ثم صارت رهينة الأكفان
غيبوا شخصها فغاب صوابي / وبهائي ومهجتي وجناني
وتمنيت لو فديت ثراها / بسواد العيون من أجفاني
رحت عنها بخيبة وإياس / ولهيب يمض كالأفعوان
كان أنسي بها قديماً وقدماً / كنت أسطو به على الأزمان
تركتني فرداً أكابد شبلي / وأرد النواح بالألحان
وأقضي عمري بظن كذوب / وبقلبي ما لا يؤدي لساني
فسلام عليك ما غرد الطي / ر على أيكة من الأغصان
وحباك الإله منه نعيماً / دائماً ثابتاً مع الولدان
في خلود من الجنان مقيم / مع حريم النبي مع رضوان
حرت ماذا أقول فيما دهاني
حرت ماذا أقول فيما دهاني / في بني ذخرته لزماني
هل هو الدهر قد تعدى عليه / أم أمور جرت من الرحمن
إن يكن ذا فعاله فهو عدل / أو يكن ذا جرى من الحدثان
فعلى الجملة التي زخرفوها / إن هذا ظلم بلا هذيان
خطبتني الخطوب بالهم لما
خطبتني الخطوب بالهم لما / حدثتني بألسن الحدثان
نكبتني في ابني بل سلبتني / نور عيني فأظلم النيران
طمست فرقدي بعد طلوع / وعجيب أن يطمس الفرقدان
يا لها نكبة على نكبة جا / ءت وجرحاً ينكى بجرح ثاني
ومصاباً على مصاب وثكلا / بعد ثكل أصيب منه جناني
أيها العاذل المعزي بفقدي / لبني ذخرته لزماني
اتئد لا تعزني بعزاء / ليس مثلي يغتر بالهذيان
إن في مهجتي لهيب سعير / بعضها محرق لظى النيران
وعظيماً من البلايا قطيعاً / وغموراً قد ضاعفت أحزاني
ودموعاً تنهل من دم جفني / على وجنتي كالعقيان
وفقدت السلو فقد رقادي / فتراني مراقب السرحان
بدل العيش بعد فقد حسين / بهموم وترحة وهوان
وكرهت الحياة والعمر لما / غاب عن ناظري وأخلى مكاني
لو رآني العدو رق لما بي / وبكى لي الصديق مما دهاني
في بني فجعت فيه فمالي / عنه صبر يقرني بمكان
حرت في طبه وحار الأطبا / ء وخابت ظنوننا للأماني
من مداواته ولم يقف الدا / ء ولم ينجح الدوا في أوان
يا دموعي ويا زفيري أعينا / ني بنار الخليل والطوفان
لهف نفسي غداة سار إلى التر / ب وقد رحلوه عن أوطاني
رحلوه إلى القرافة رغماً / أودعوه للحد والأكفان
غيبوه عن ناظري وضميري / هو فيه مصور للعيان
وخلا منه منزلاً كان معمو / راً قديماً بلفظه والمعاني
فبقايا آثاره سخنة العي / ن وألفاظه شجا الآذان
غاب عني السرور مذ غاب / واسودَّ بياض الرجاء والجدران
يا خليلي ساعداني بنوح / أو بدمع أولا فلا تعذلاني
وارحماني فقد تضاعف همي / ودموعي قد قرحت أجفاني
واندباه عني فقد كل فكري / والمراثي ملت حديث لساني
كل عام للموت عندي نصيب / في سراة البنين والأخوان
فأرى الموت والخطوب جميعاً / يثكلاني فكيف لا ينكلان
فأنا الدهر لم أزل باكي / العين كئيباً مكابد الأحزان
لا تلمني يا عاذلي إن قلبي / موجع من تفرق الأقران