عاصف باده الرّبى و دخان
عاصف باده الرّبى و دخان / أين منك الشّقيق و الأقحوان
أين منك الرّبيع ينفح بالعطر / و أين السّلاف و الندمان
بورك الفرد حين يدمي فؤاد / عبقريّ أو حين تدمي بنان
محيت أشهر الرّبيع فلا أيّار / من دهرنا و لا نيسان
لا شقيق النّعمان في غوطة الشام / و لا عطره و لا النعمان
يعرف الفجر أنّ دمعي أصفى / من نداه و يعرف الريحان
هبّ ندى الفجر كالدموع صفاء / أين منه البلوى و أين الحنان
يعرف الطّيب أنّ دمعي أذكى / منه عطرا و تعرف الأردان..
تعرف الراح أنّ دمعي سلاف / و جفوني كؤوسها و الدّنان
أنا أبكي للّيل أوحشه البدر / و للقلب هدّه الحرمان
أنا أبكي للهمّ يأوي إلى القلب / فيقسو على الغريب المكان
أنا أبكي لكلّ طاغ فما يستر / إلاّ الضراعة الطغيان
أنا أبكي للعين لا تدرك الحسن / و للحسن فاته الإحسان
أنا أرثي للمترفين فما يبدع / إلاّ الشّقاء و الأحزان
و أنا المترف الأنيق و لكن / ترفي صاغ فنّه الرحمن
أنا أبكي لكلّ قيد فأبكي / لقريضي تغلّه الأوزان
أدمعي في السّماء أنجمها / الزّهر و في البحر درّه و الجمان
أيّها الكافرون هذي دموعي / من رسالات وحيها الإيمان
أيّها المذنبون هذا فؤادي / من معاني جراحه الغفران
من همومي ما ينعم العقل في / دنيا أساه و يهنأ الوجدان
من همومي ما لا يفيق على / البعث و منها المدلّه السهران
من همومي ما يغمر الكون بالعطر / و منها مزاهر و قيان
و همومي معطّرات عليها / من شبابي الطّموح و الريعان
كالغواني لكلّ عذراء لون / من جمال و نفحة و افتتان
لم أضق بالهموم فلبا و هل / ضاق بشتّى عطوره البستان
و الهموم الحسان تفعل في الأنفس / ما تفعل الغواني الحسان
و أنا الوالد الرّحيم و أبنائي / هموم الحياة و الأشجان
إنّ حلمي حلم النّجوم و ما / زوّق في الحلم نورها الوسنان
و أعير الحزين سحر بياني / فيعزّيه لو يعار البيان
عقّني الأقربون من غمرة الخطب / و عقّ اللّدات و الإخوان
سوف يملي التاريخ عنّي ما يملي / فتخزى بظلمي الأوطان
ينصف العبقريّ دهر فسيّان / و في أصفياؤه أم خانوا
نعمة الشعر نعمة الشمس لا يعذر / فيها الجحود و النكران
و أسرّ الشكوى حياء و كبرا / ربّ شكوى إسرارها إعلان
كيف أغضي على الهوان لجبّار / و عندي الشباب و العنفوان
ما لسلطانهم على الحرّ حكم / كلّ نفس إباؤها سلطان
فلكي ثابت و لا خير في الأفلاك / يملي نظامها الدوران
لا مني اللاّئمون في الصّمت و / الصّمت على القبر لوعة لا هوان
كيف تشدو بلابل الدّوح / للفجر و في الدّوح عاصف مرنان
أخرستني الشّام تحفر للقبر عليها / الطيوب و الأكفان
يا لها ميتة و من صور الموت / همود الإباء و الإذعان
إنّه الموت لا اختلاف عليه / فعزاء بالشام يا مروان
لم يميّز محبّبا من بغيض / في الدّجى لا تميّز الألوان
بدعة الذلّ حين لا يذكر الان / سان في الشام أنّه إنسان
بدعة الذلّ أن يصاغ من ال / فرد إله مهيمن ديّان
أيّها الحاكمون ما ضاعت الحجّة / منكم و لا انطوى البرهان
حقّ هذي النفوس أن ترفع / الأصنام فيها و تعبد الأوثان
يالها دولة تعاقب فيها / كالجناة العقول و الأذهان
أين حرّيتي فلم يبق حرّا / من جهير النّداء إلاّ الأذان
سبّة الدّهر أن يحاسب فكر / في هواه و أن يغلّ لسان
ألضحى و الشجاع حلفا كفاح / ما احتمى بالظّلام إلاّ جبان
حرنوا و الشعوب في موكب السّبق / و من شيمة الهجين الحران
يعثر الدّهر و الشعوب و تشقى / بالمناكير أمّة و زمان
قبروا في المهود ما سلّ سيف / في رداهم و لا تعرّى سنان
لم تنلهم يد المنيّة ظلما / و لدوا قبل أن يحين الأوان
سائلوا زحمة العواصف لمّا / رجّت الأرض أين كنّا و كانوا
و سلوا ظلمة السّجون فلن / ينبئ عنهم سجن و لا سجّان
كتب المجد ما اشتهت غرز المجد / و نحن الكتاب و العنوان
نحن تاريخ هذه الأمّة الفخم / و نحن المكان و السكّان
شرف الشوط بالمجلّي من الخيل / و يخزي بغيره الميدان
من غوالي دموعنا الخمر و العطر / و نعمى دمائنا الأرجوان
قد سقينا من قلبنا الموت حتى / نبت الضرب في الرّبى و الطّعان
تخجل الخيل بالذليل إذا صالت / و يشقى سرج و يشكو عنان
يتلوى على الحبال فنونا / أوزير في الدّست أم بهلوان ؟
أنسوا منه بالنّعومة و اللّين / و لا بدع إنّه أفعوان
ليس خلف البرود إلاّ هباء / فاحكم النّاس أيّها الطيلسان
ما على الحكم و هو مرعى و ماء / أن تعود الخماص و هي بطان
يظلم القلب لا مروءة فيه / فهو كالقبر موحش حرّان
كيف تسمو القلوب لولا االمروءات / و تغفو على المنى الأجفان
حسبوا ضحكة الشعوب ارتياحا / و اللّظى حين يضحك البركان
لا يهين الشعوب إلاّ رضاها / رضى النّاس بالهوان فهانوا
ما لشمّ الذرى تغضّ من الذلّ / فأين النسور و العقبان
يا وزيرا يطلّ بعد وزير / و العلى في ركابه و الزّمان
ربّ نعمى تضيع منّا إذا / زرت و لا ضجّة و لا ديدبان
و إذا فتّ أعين النّاس دلاّ / فلمن صاغ حسنك الرّحمن
أيّ بدع في المهرجانات يصنعن / فحقّ المتوّج المهرجان ....
و لمن تحشد الجموع فهل زار / ولايات ملكه الخاقان
لكم لا لقيصر أو لكسرى / رصّع التّاج و ازدهى الإيوان
و كفى هذه الرّعيّة عزّا / أنّها في رحابكم ضيفان
قلبي الواحة الطروب بصحراء / جفتها الظلال و الغدران
تتراءى الأفياء يومئن لل / ركب و تحنو على الونى الأفنان
و يعلّ الهجير ما شاء من قلبي / فقلبي المعطّر الريّان
جنّتي نعمة السكينة و الدّنيا / جحيم و الحرب حرب عوان
جنّتي الزهو و النّعيم ففي الن / فس وثوق بالله و اطمئنان
الغوالي أديمها و اللآلي / و حصاها الياقوت و المرجان
و لاحيق تكاد تشتفّه العين / و يروي بلمحه الظمآن
و تمنّ كما تشاء الخيالات / و طوع الأمنيّة الإمكان
هذه جنّتي فلا تخدع الركب / فراديس زوّرت و جنان
إنّ للشرّ جنّة يغمز الإغراء / فيها و يضحك الشّيطان
جنّة الشرّ لا تخادعك ريّاها / ففي كلّ أيكة ثعبان
لا يغرّنك سحرها و رؤاها / جنّتي وحدها الرضى و الأمان
يا أبا طارق تحيّة شعب / زلزلته الخطوب و الحدثان
زحف البحر بالجبال من الموج / دراكا و جرجر الطوفان
لطف الله بالسّفينة لم يسلم / شراع و لا نجا سكّان
تخبط اللّيل و العواصف و الرّكب / حيارى دليلهم حيران
حولها اليمّ كالجبال و أطيا / ف الرّدى و البروق و اللّمعان
و ظلام غمر رهيب فما / تبصر إلاّ الظنون و الآذان....
و عزيف للجنّ تنقله الريح / و أدّى الأمانة الترجمان
و انطوى تحتها الجحيم فللأمواج / من حرّ ناره فوران
سخرت بالسّفينة اللّجة / الخضراء و اختار قبره الربّان
و اطمأنت إلى القنوط فما تلمح / حتّى بالخاطر الشطآن