المجموع : 4
أنا أن أغمض الحمام جفوني
أنا أن أغمض الحمام جفوني / ودوى صوت مصرعي في المدينة
وتمشىّ في الأرض دارا فدارا / فسمعتِ دويّه ورنينه
لا تصيحي واحسرتاه لئلّا / يدرك السّامعون ما تضمرينه
و إذا زرتني و أبصرت وجهي / قد محا الموت شكّه و يقينه
و رأيت الصّحاب جاثين حولي / يندبون الفتى الذي تعرفينه
و تعال العويل حولك ممّن / مارسوه و أصبحوا يحسنونه
لا تشقي على ثوبك حزنا / لا و لا تذرفي الدموع السخينه
غالبي اليأس و اجلسي عند نعشي / بسكون إنّي أحبّ السّكينة
إنّ للصمت في المآتم معنى / تتعزّى به النّفوس الحزينة
و لقول العذّال عنك بخيل / هو خير من قولهم مسكينة
و إذا خفت أن يثور بك الوجد / فتبدو أسرارنا المكنونة
فارجعي و اسكبي دموعك سرّا / و امسحي باليدين ما تسكبينه
يا ابنة الفجر من أحبّك ميْتٌ / و لأنت بمثل هذا مهينة
زايل النور مقلتيه و غابت / تحت أجفانه المعاني المبينة
فأصيخي هل تسمعين خفوقا / كنت قبلا في صدره تسمعينه
وانظري ثمّ فكّري كيف أمسى / ليس يدري عدوّه من خدينه
ساكتا لا يقول شيئا و لا يسـ / ـمع شيئا و ليس يبصر دونه
لا يبالي أأودعوه الثريا / أم رموه في حمأة مسنونة
و إذا الحارسان ناما عياء / و رأيت أصحابه يتركونه
فتعالي و قبّلي شفتيه / و يديه و شعره و جبينه
قبل أن يسدل الحجاب عليه / و يوارى عنك فلا تبصرينه
واحذري أن تراك عين رقيب / و لئن كان جل ما تحذرينه
فاذا ما أمنت لا تتركيه / قبلما يفتح الصّباح جفونه
و إذا السّاعة الرّهيبة حانت / و رأيت حرّاسه يحملونه
و سمعت النّاقوس يقرع حزنا / فيردّ الوادي عليه أنينه
زوّدي الرّاحل الذي مات وجدا / بالذي زوّد الغريق السفينة
نظرة تعلم السماوات منها / أنّه مات عن فتاة أمينة
طوت الأرض من طوى الأرض حيّا / و علاه من كان بالأمس دونه
و اختفى في التراب وجه صبيح / و فؤاد حرّ و نفس مصونه
و إذا ما وقفت عند السّواقي / و ذكرت وقوفه و سكونه
حيث أقسمت أن تدومي على العهـ / ـد وآلى بأنّه لن يخونه
حيث علّمته القريض فأمسى / يتغنّى كي تسمعي تلحينه
فاذكريه مع البروق السّواري / واندبيه مع الغيوث الهتونه
و إذا ما مشيت في الروض يوما / ووطأت سهوله و حزونه
و ذكرت مواقف الوجد فيه / عندما كنت بالهوى تغرينه
حيث علّمته الفتون فأضحى / يحسب الأرض كلّها مفتونة
حيث وسّدته يمينك حتّى / كاد ينسى شماله و يمينه
حيث كنت و كان يسقيك طورا / من هواه و تارة تسقينه
حين حاك الربيع للروض ثوبا / كان أحلى لديه لو ترتدينه
فالثمي كلّ زهرة فيه إنّي / كنت أهوى زهوره و غصونه
ثمّ قولي للطير مات حبيبي / فلماذا يا طير لا تبكينه !
و إذا ما جلست وحدك في اللّيـ / ـل و هاجت بك الشّجون الدّفينة
و رأيت الغيوم تركض نحو الـ / ـغرب ركضا كأنّها مجنونه
و لحظت من الكواكب صدا / و نفارا و في النسيم خشونه
فغضبت على اللّيالي البواقي / و حننت إلى اللّيالي الثّمينه
فاهجري المخدع الجميل وزوري / ذلك القبر ثمّ حيّي قطينه
وانثري الورد حوله و عليه / واغرسي عند قلبه ياسمينه
ما لقلبي يلجّ في الخفقان
ما لقلبي يلجّ في الخفقان / لا أنا عاشق و لا أنا جان
أبتغي أن أقول شيءا فيعصاني / لساني و السحر تحت لساني
أنا كالطائر الذي اندفق السحر / عليه فغصّ بالألحان
أو كفلك في البحر أوفى عليها / عارض بعد عارض هتّان
غلبتني عواطف الصّحب حتّى / صرت في حاجة إلى ترجمان
أين في موكب القريض لوائي / قد طواه بيانهم و طواني
أيّها المادحون خمري رويدا / منكم الخمرة التي في دناني
من أنا ؟ ما صنعت ؟ كي تعصبوا بالتاج / رأسي و أيّ شأن شأني ؟
لا افتخار لنحلة حقلا / فعادت من زهرة بالمجّاني
أنا من روضكم قطفت أزاهيري / و من بحركم غرفت جماني
إن أكن فرقدا فأنتم سمائي / أو هزارا فأنتم بستاني
أيّ بدع إن أخرج الحقل للناس / صنوف النبات في نيسان ؟
ليس لي من قصائدي غير أوزان / و ليست أصيلة أوزاني
أصدق الشعر في الحياة و فيكم / ليس غير الأظلال في ديواني
ما هو الشعر ؟ . إنّني ما رأيت / اثنين إلاّ وفيه يختصمان
قال قوم " وحيّ ينزّله الله / " و قوم " نفث من الشيطان "
ضلّ هذا وذا فما حفز الانسان / شيء للشعر كالإنسان
يعشق المرء ذاته في سواه / و يحبّ " الإنسان " في الأكوان
أنا من أجله بنيت قصوري / و فرشت الدروب بالرّيحان
أنا من أجله سكبت خموري / وشددت الأوتار في عيداني
أنا من أجله رجعت من الروضة / في راحتيّ بالألوان
و استعرت التهليل من جدول / الوادي و ضحك الرضى من الغدران
و من الشمس في الأئل / و الإصباح ذوب اللّجين و العقيان
و حملت الجلال من أرض ( سوريا ) / إليه و السحر من لبنان )
نحن أهل الخيال أسعد خلق / الله في حالة الحرمان
كم زهدنا بثروة من نضار / قنعنا بثروة من أماني
وانطوينا موكب من ضياء / و سطعنا في غمرة من دخان
نتراءى على الصعيد صعاليك / و لكن أرواحنا في العنان
إن ظمئنا وعزّ أن نرد الماء / روانا تصوّر الغدران
و إذا غابت النجوم اهتدينا / بالرؤى بالرجاء بالإيمان
لا يعدّ الورى علينا اللّيالي / نحن قوم نعيش في الأزمان
ردّ عنّي الكؤوس يا أيّها السّاقي / فروحي نشوى بخمر المعاني
بالقوافي ( جداولا ) من وفاء / و الأغاني ( خمائلا ) من حنان
زهد الناس حين دارت عليهم / بالتي في كؤوسهم و القناني
أيّها اللّيل أنت أبهى من الفجر / و إن كنت أسود الطيلسان
بالوجوه الزهراء بالأنفس السمحاء / من يعرب و من غسّان
بملوك البيان بالأدب الرائع / بالمنشدين بالألحان
بالغواني فديتهنّ فأسمي الشعر / و الفنّ في الحياة الغواني
هذه الشمس هل رأى الناس / وجها مثلما في البهاء و اللّمعان
تتجلّى لنا على اليسر و العسر / و نمشي في نورها الفتّان
قد نسينا شعاعها و سناها / عندما أشرقت وجوه الحسان
قسّم الدهر - أنت يا ليل شطر / من حياتي و العسر شطر ثان
أنت عصر مستجمع في سويعات / ودنيا رحيبة في مكان
قد تلاقت فيك القلوب على الحبّ / تلاقي الأجفان بالأجفان
لا تقولوا دقائق و ثوان / ذاهيات فالعمر هذي الثّواني
أنا ما عشت سوف أذكر بالشّكر / جميل الرّفاق و الأخوان
و إذا متّ في غد فسيأتيكم / ثنائي من ظلمة الأكفان
سألتني و قد رجعت إليها
سألتني و قد رجعت إليها / و على مفرقي غبار السنينا :
أيّ شيء وجدت في الأرض بعدي ؟ / قلت : إنّي وجدت ماء و طينا
جمع الحسن و الدمامة و الإق / دام و الخوف و النهى و الجنونا
و الرجاء الذي يصير به الفد / فد روضا و شوكه نسرينا
و القنوط الذي يعرّي من الأو / راق في نشوة الربيع الغصونا
ووجدت الهوى كما كان قدما / ثقة تارة و طورا ظنونا
و شبابا سكران من خمرة الوهم / يخال المحال أمرا يقينا
فإذا شاخت الرؤى و تلاشت / وصحا بات جزمه تخمينا
لا يزال الإيمان نوعا من / الرّهبة و الحسن للغرور خدينا
لا يزال الغنيّ يختال في الأر / ض و إن كان جاهلا مأفونا
كلّ من قد لقيت مثلك يا نف / سي في ما تبدين أو تخفينا
فانظري مرّة إليك مليّا / تبصري الأوّلين و الآخرينا
لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم
لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم / ويرضى بتافهات الأماني
إنّ حيّا يهاب أن يلمس النور / كميت في ظلمة الأكفان
وحياة أمدّ فيها التوقّي / لا توازي في المجد بضع ثوان
ألشجاع الشجاع عندي من أمسى / يغنّي والدمع في الأجفان