اطوياني ملامة وانشراني
اطوياني ملامة وانشراني / بلغ الوجدُ حيث لا تبلغاني
قد عناني جوًى يطول وفيه / يقصر اللومُ عن مردّ عناني
كيف عيني لم تغدُ بيضاء حزناً / وهي قد أصبحت بلا إنسان
إنَّ صوت النعيّ مذ خاض سمعي / خلته في حشاي غربَ سنان
وعضضتُ البنانَ غيظاً ولكن / لا يفيد المكلوم عضُّ البنان
فاعذراني إذا ربطتُ فؤادي / بيدي وانطويتُ ممَّا دهاني
إنَّ قلبي من دهشتي طار رعباً / فغدا وهو دائم الخفقان
كفكفا عن حشايَ غرب ملامي / من جراح الجوى بها ما كفاني
أينَ منِّي صبري لأرضى فأسلو / صبري اليوم والرضا ميِّتان
أنا يا لائميَّ أدرى بطبِّي / فاعذلاني ما عشتُ أو فاعذراني
سلّياني بردِّ روحي وإلاّ / فبماذا عنه إذاً سلواني
قرّباه فوقَ الثرى اليوم منِّي / أو فمنه تحت الثرى قرِّباني
واقبراه إذاً بقلبي وإلاّ / فخذاه بقبره واقبراني
وإلى جنب مهجتي وسِّداه / أو إلى جنب جسمه وسِّداني
فحياتي وموته رزآن / لم أقدّرْ عليَّ يجتمعان
بل تخيلتُ أن يعيش وأفنى / أو سواءً تضمُّنا حفرتان
لم أفارقه أجنبيًّا ولكنْ / هو روحي وفارقت جثماني
قد نشرنا ما بيننا الودَّ دهراً / فطواه الردى وليت طواني
غمّضا ناظري ما عشتُ غيظاً / فعلى مَن بعد الرضا تفتحان
وزفيري ثقّف حنايا ضلوعي / فعلى ودِّ مَن تبين حواني
وخطوب الزمان دونك شخصي / فلك اليوم قد كشفتُ عياني
نزعت عنِّي الحوادث درعي / فبمن أتَّقي شبا الحدثان
فلكم قد لويتُ دهري وهذا / دهري اليوم كيفَ شاءَ لواني
لك أسمحتُ يا خطوب الزمان / ذهبتْ نخوتي فهاكِ عناني
قد أبانت حشايَ فاستهدفيها / نكبة طوَّحت ضحًى بأبان
راصدتني من حيثُ لستُ أراها / أعين النائبات وهي تراني
فرمتني من حيثُ لا أتَّقيها / بسهام الهموم والأحزان
فأنا اليوم يا نوائبُ كلِّي / مقتلٌ بارزٌ لمن قد رماني
كنتُ قدماً أذودُ نبلك عنِّي / ببناني فأينَ منِّي بناني
قد نعاهُ الناعي إليَّ أيدري / لا درى أنَّه إليَّ نعاني
فحسبتُ الفؤادَ منِّيَ أضحى / بين نابي ذي سورةٍ أفعوان
لهف نفسي على صريع حمامٍ / ليسَ لي عنهُ بالدفاعِ يدان
ودَّت المكرمات لو أنَّ منها / غسلته بدمعها العينان
ومسجًّى بنعشه في حبيرٍ / هو والجودُ فيه ملتحفان
حملوه وخلفه كلُّ عافٍ / بدماء عيناه فائرتان
قائلاً أيكة الرجاء اظمأي اليو / م وعودي مصفرَّة العيدان
مصَّ منك الصعيدُ ماء سماحٍ / كنت فيه ريَّانة الأغصان
عجباً خف نعشه وهو قد سار / بثقل المعروف والإِحسان
بل أراه ما خفَّ إذ سارَ لكن / حملته ملائكُ الرحمان
شيَّعته الأنامُ بالأحزان / والتقته بالبشر حورُ الجنان
هل كذا جلَّ نعشُ ميتٍ سواه / اختلطا عند نعشه العالمان
وعليه قد ودَّت الأرضُ يبقى / ويرى كلَّ مَن عليها فان
فاحملاني إلى ثراه احملاني / وقفا بي عليه وقفة عان
ودعاني خلف الصعيد أناديه / نداء المروَّع اللهفان
يا فقيداً فقدتُ منهُ غماماً / كلَّما قلتُ قد ظمئتُ سقاني
ودفيناً دفنتُ منه حساماً / كنتُ أعددته لحرب الزمان
أغمدتْه في الترب كفِّي فشلَّت / فاتَ نصري وأبتُ بالخذلان
شغلت منطقي عليه المراثي / وخلا مِن هوى سواه جناني
يا تراني أثني على مَن بمدحٍ / وهوى من أحبُّه يا تراني
ماتَ محيي الثنا ولولا أبوه / قلتُ في لحده دفنت لساني
ذاك منه صفاته الغرّ جاءتْ / في مزايا علاه طبق المعاني
صالح الفعل راجحُ الفضل غوث ال / مستغيثين غيثُ أهل الأماني
ورعٌ ناسكٌ تفرَّغ للهِ / بقلبٍ من خوفه ملآن
جامعٌ قسوة الحميَّة للدين / انتصاراً ورقَّة الإِيمان
وبعزِّ الملوك يصبح مرهو / باً ويمسي بذلّة الرهبان
صدق المدحُ في عُلاه فقلْ ما / شئت في مجده العظيم الشان
هو في الخيرِ من قديم الليالي / خيرُ مَن قد مشتْ به قدمان
أثقلت كاهل الزمان أياديه / فأمسى عياله الثقلان
وعلى الأرض كلّها من نداه / أثرٌ طيبٌ بكلِّ مكان
قد بنى للقِرى على الكرخِ بيتاً / والتقى أسُّ ذلك البنيان
شارعَ الباب تلتقي طرقُ الأر / ض جميعاً لديه بالضيفان
رافعاً تحتَ ظلمة الليل للسا / رين فيه ذوائبَ النيران
كرماً قد أعدَّ للضيف فيه / عدد الطارقين غرَّ الجفان
مكرماتٌ تري رضيع سماحٍ / عندها الدهرَ لا رضيع لبان
شكرُها أعجز الأنام فأنَّى / قابلتها الأيامُ بالكفران
قلتُ للبحر هل تساويه يوماً / قال كلاّ لا يستوي البحران
وسألتُ الحيا أتحكيه جوداً / قال أينَ الباكي من الجذلان
ليس يحكيه في سماحة كفٍّ / غيرُ مَن قد حكاه عزَّة شان
ذاك عبد الكريم من قد تسامى / شرفاً حطَّ دونه النيران
فهما فرقدا علاءٍ ومجدٍ / وهما ديمتا ندًى وامتنان
كلما عنَّ مفخرٌ يوم سبقٍ / فيه تلقاهما شريكي عنان
ولدا فتيةً همُ شهبُ الفخر / وإلا جداول الإِحسان
متساوين في المكارم قد فا / قوا بفضل النهى على الفتيان
ينشر الحيُّ من طوى الموت منهم / ويعيد الباقي حياة الفاني
ما فقدت الرضا وذلك باقٍ / مصطفى الجود يا ركاب الأماني
فرديه خفائفاً تصدري منه / ثقال الخطى على الركبان
هو صبحُ الأيام سعد الليالي / بهجة الدهر نور عين الزمان
تتلقَّاه من شذا حسبيه / عطرَ الجيبِ طيِّب الأردان
ومن البشر في محيَّاه بدرٌ / وبكفَّيه للندى جعفران
والأغرُّ الهادي إذا حارَ وفدٌ / فسناه دلالة الحيران
هو طلقُ العنان في الجود طلق ال / وجه طلق اليدين طلق اللسان
ومزاياه في سما المجد شهبٌ / وهو فيها وصنوه القمران
وأمين التقى وهل ضمَّ مثلاً / لأمينٍ في عصرنا المشرقان
طاهر النفس طاهر الجيب والأب / راد عفٌّ في السرِّ والإِعلان
أبداً في تقاه لم تتغبَّر / بغبار الآثام منه اليدان
وهو في صدق لهجةٍ كأبي ذرٍّ / وتقوًى تحكي تقى سلمان
والمرجَّى محمدٌ حسنُ الطل / عة ينضو اللثام عن كيوان
مخبراتٌ مخايل الفضل فيه / أن سيسموا فخراً على الأقران
يا أبا المصطفى وحلمك أرسى / في لقاءِ الخطوب من ثهلان
لك نفسٌ قدسيَّةُ الذات فيها / حزتَ أعلى مراتب العرفان
وصف اللهُ أنَّ قلبك للتق / وى مشيراً بآية الامتحان
وأرى الصابرينَ في عصرِنا أنت / عناك الإِلهُ في القرآن
حيثُ لو قيلَ عدِّدوهم عددنا / كَ ونعياً عن أنْ نجيء بثاني
هو جمعٌ أُريد بالذكر منهُ / واحدٌ وهو أنتَ عند البيان
فرِّغ القلبَ من جوى الثكل يا مَن / هو في الفضلِ ملءُ عين الزمان