المجموع : 4
قلتُ والنّاس يرقبون هلالاً
قلتُ والنّاس يرقبون هلالاً / يشبه الصبّ من نحافةِ جِسْمِه
من يكنْ صائماً فذا رمضانٌ / خَطّ بالنّور للوَرى أوّلَ اسمِه
يا رسولي الذي يُحدّثُ سمعي
يا رسولي الذي يُحدّثُ سمعي / بحديثين من شفائي وسقمي
بلّغِ الشمسَ أنّني لا أراها / يَوْمَ صَحْوٍ حتى أرى وَجْهَ نُعْمِ
قالت الشمس صفْ لنا خَلْق شمس / هِمْتَ وَجْداً بها فضُوعِفَ همي
قلتُ والله فيه أحسنُ تقوي / مٍ فهذا في الوصفِ مبلغُ علمي
غادةٌ أكثرت خلافي فكانتْ / نارَ حربٍ وكنتُ جنّةَ سلمِ
وهي لمياءُ تمنعُ الريقَ صوناً / وتروّي السواكَ منه برغمي
أيّ دُرٍّ من العقيق عليه / خاتَمٌ لا يُفكّ عنه بلثمِ
أكسبتني جفونُها من سقامٍ / عرَضاً ضاق عنه جَوْهَرُ جسمي
يا قتولاً أرى لها في نضالي / حدّ سهمٍ مثلّماً حَدّ سَهْمي
أدْرَكَ النارَ ناظرٌ لكِ مُرْدٍ / من له ناظرٌ لخدّك مُدْمي
صُمْتَ للَّه صَوْمَ خِرْقٍ هُمامِ
صُمْتَ للَّه صَوْمَ خِرْقٍ هُمامِ / مُفْطِرِ الكفّ بالعطايا الجسامِ
أطلعَ اللّه للصيام هلالاً / ولنا من علاكَ بدرَ تمامِ
وشفاكَ الإلهُ من كلّ داءٍ / صحّ منه الجلالُ بعد السقامِ
كان يومَ السرور منك ركوبٌ / أرحَلَ الهمّ عن قلوب الأنامِ
إذ شكا من شَكاتك الناسُ والبا / سُ وطعنُ القنا وضرب الحسامِ
ثم ضجّوا لما رَأوْكَ صحيحاً / والعُلى منك ثَغْرُهُ ذو ابتسامِ
مَرَضٌ منك قبّلَ الكفَّ شوْقاً / ثمّ ولّى بخجلةٍ واحتشامِ
حَجَبَ الغيمُ منه في الأفق بدراً / وانجلى عن ضيائه بسلامِ
واقتضى الشهرُ من معاليك صنعاً / مُعْلياً منه همّةً باهتمامِ
قَطْعُ ضوءِ النهار صوماً وبرّاً / ودجى الليل بالسُّرَى والقيامِ
وسجودٌ من نور وجهك طوعاً / ما أطالَ السجودَ وجهُ الظلامِ
وخشوعٌ يعلوه منك وقارٌ / مُعْرِبٌ عن رَجَاحةٍ من شَمامِ
طابَ بينَ الملوك ذكرُكَ كالمسْ / كِ إذا فُضّ عنه طيبُ الختامِ
فهو ما بينهمْ به سَمَرُ اللي / ل وشَدْوٌ على كؤوس المدامِ
فلك اللّه من كريم السجايا / معرِقِ المجدِ في الملوكِ الكرامِ
ذِمْرُ حَرْبٍ له اقتحامُ هزبرٍ / وجوادٌ له يمينُ غَمامِ
بائنُ الخطتين نخشى ونرجُو / رَيثَ غَفرٍ له وبطشَ انتقامِ
قام للّه ذو انتصارٍ لدينٍ / رامتِ الرّومُ منه كلّ مرامِ
ورمى ثغرةَ العدوّ بسهمٍ / وثنى سَهْمَهُ عن الإسلامِ
بإعتزامٍ ككوكب الجوّ يرْمي / منهمُ كلَّ ماردٍ بضرامِ
وَبِحَرْبِيّةٍ لها نِفْطُ حَرْبٍ / يحرقُ الماءَ تارةً باضطرامِ
ترتمي في مُلَوَّناتِ لُبُودٍ / كرياضٍ نَوّرْنَ فوق إكامِ
فهي تجلو عرائسَ الموت سوداً / هَوّلَتْ في عباب أخضرَ طامِ
يا لها من جحافلٍ زاحفاتٍ / بضواري الأسود في الآجامِ
وذبالٍ على القنا مُشْعَلاتٍ / مطفئات الأرواح في الأجسام
وندى فاضَ من بنانِ كريمٍ / غيرِ مُصْغٍ في بَذْلِهِ للملامِ
ليس يُفْني بيوتَ مال عليّ / طولُ إنفاقها بكرّ الدوامِ
كيف يُفْني الشموسَ ما اقتبسَتْه / من سنا نورها عيونُ الأنامِ
مَلِكٌ قد علا مَصَامَ الثريّا / ليس فوق الثرى لهُ من مُسامِ
من ملوكٍ لهم سحائبُ أيْدٍ / بالندى والردى هوامٍ دوامِ
إن دعاهُمْ مُثَوِّبُ الموْتِ خاضوا / في حشا الحرب بالخميس اللهامِ
أو رماهمْ إقدامُهُم بكلومٍ / قَطَرَتْ منهم على الأقدامِ
وإذا جَرّدوا السيوفَ لضرْبٍ / وَلَغَتْ في الدماء لا من أُوامِ
لبِسَ البشرُ منهمُ قَسماتٍ / مائعٌ فوقهنّ ماءُ القَسَامِ
يا ابن يحيى الذي أبى عزُّهُ أنْ / يَقْعُدَ العزمُ عنده عَنْ قيامِ
أنا أثني عليك جَهْدي وعند ال / له يُثني عليك شهرُ الصيامِ
لي إلى الغيثِ من نداك انتجاعٌ / في خِضَمّ آذيُّهُ في التطامِ
تحسبُ الريحَ جِنّةً تعتريه / فهو كالقَرْمِ شِدْقُهُ ذو لغامِ
في حشا رادة كأمّ رئالٍ / ما لها في نِفارها من مُقامِ
بنتُ بَرٍّ في البحر تركبُ منها / كلكلاً يا لموجه من سنامِ
ذاتُ وصْلٍ تجرّها جرّ ذيلٍ / وهي تقتادُنا كوحي زمامِ
تتقي من جنوبها وقع سوط / فهي كالسهم طارَ عن قوْس رامِ
وحديثُ السّماع عنك عريضٌ / ضاقَ عن بعضه فسيحُ الكلامِ
لو لمستَ الجهامَ بالكفّ أضحى / عند ريّ العطاشِ غيرَ جهامِ
أو منحتَ الكهامَ منك مضاءً / فَلَقَ الهامَ وهو غيرُ كهامِ
أو جعلتَ الحِمامَ قِرْنَكَ في الحر / ب لجرّعْتَهُ مذاقَ الحِمامِ
فابْقَ في خُطّةِ العُلى ما تَغَنّى / في غُصُون الأراكِ وُرْقُ الحَمامِ
أذاعَ منه لسانُ الدّمْعِ ما كتما / لم يَبْكِ حتى رأى شيباً له ابتسَما
للَّه بالعيد بيضُ الغيدِ نافرةٌ / أهْيَ الحمائم شَامتْ أشْهباً قَرِمَا
لا تعجبنّ لدمعٍ بلّ وَجْنَتَهُ / لا بدّ للقطرِ من أرْضٍ إذا انسجما
صَدّتْ سليمى فما تأتي معاتبةً / ولا عتابَ إذا حبلُ الهوى انصرما
وأوْرَثَ الموتَ سرُّ البين حين فشا / عندي وعند حبيبٍ أورَثَ الصمما
ريحانةٌ في لطيفِ الروح قد غُرِسَتْ / لها النسيمُ الذي تُحيي به النّسما
كطينةِ المسكِ لا تخليكَ من أرَجٍ / إذا تَنَسّمَ رَيّاها امرؤ فغما
لها نظيرُ أقاحٍ ما به صدأ / بإسحلٍ زار من أطرافها عنما
لا تنكرِ الظُّلمَ من خودٍ مدلَّلَةٍ / في ظَلْمِها الدرُّ بالمسواكِ قد ظُلما
يَسمو بها عن صِفاتِ العِينِ أنّ لها / عيناً يُسَفِّهُ منّا سحرُها الحُلُما
وهل لعينِ مهاةِ الرملِ من سَقَمٍ / يُهْدي لكلّ صحيح في الهوى سقما
يا هذه إنْ أراكِ الدهرُ فيّ بلىً / فَجدّةُ الثَّوبِ تَبْلى كلما قدُما
إن الشبيبةَ في كفَّيك عاريةٌ / فإن وجدت لها رَدّاً فلا جَرَما
أصابَ فَوْدي بسهمٍ يا له عجباً / رمى المشيبَ ومن جُول الطويّ رمى
فشيبُ رأسيَ من قلبي الذي ازدحمتْ / فيه صروفُ همومٍ تُعْثِرُ الهمما
كأنّ سِقْطَ زنادٍ كان أوّلُهُ / لمّا تغذّى بِعُمْري في الوقودِ نما
وبلدةٍ لَطَمَتْ أيدي القلاصِ بنا / منها وجوهَ قفارٍ بُرْقِعتْ ظُلَما
إذا رميتُ بلحظ العين ساريَها / حسبتُهُ بين أجفانِ الدّجى حُلُما
ساريتُ فيها هداةً خلتُهُم ركبوا / رُبْدَ النقانقِ فيها أينُقاً رُسُما
شَقّوا بها جُنْحَ ليلٍ أليلٍ رَحَلوا / عن غُرّةِ الصبح من ديجوره غُمَما
حادَتْ بهم عن بقاع المحل جامِحَةٌ / ومن بنانِ عليّ زارَتِ الدّيَما
مملَّكٌ في رُوَاقِ الملك مْحتَجِبٌ / له تَبَرّجُ نُعمى تغمرُ الأمَما
ترعى سجاياهُ من قُصّاده ذِمماً / وليس يَرْعى لمالٍ بَذْلُهُ ذِمَما
لئن تأخّرَ عنه كلُّ ذي هممٍ / فاللّه قَدّمَ منه في العلى قدما
تُكاثِرُ القطرَ في الجدوى مكارمُهُ / وهي البحور فمن ذا يشتكي العَدما
إن الذي بَذَلَ الأموال ذو هِمَمٍ / سلّ الذكور فصانَ الدينَ والحُرَما
وَمَدّ ظلّاً على دينِ الهدى خَصِراً / لمّا تلظَّى حرورُ الكفر واحتدما
لا يقدحُ العفوُ في تمكين قدرته / ولا يواقعُ ذنباً كلّما انتقما
ما زال يهشِمُ من أسيافهِ وَرَقاً / من عهد حمير خضراً تحصُد القِمما
من كلّ برقٍ له بالقَرْعِ صاعقةٌ / على الأعادي بِضْربِ القَطرِ منه رمى
ماءٌ ونارٌ منايا الأُسْدِ بينهما / ما سُلّ للضرب إلّا سالَ واضطرما
في كلّ جيشٍ تثير النقعَ ضُمّرُهُ / يا جُنحَ ليلٍ بهيمٍ ظَلّلَ البُهَما
من كلّ مُقتحمِ الهيجاءِ يوقدها / كمِسْعرِ النار أنّى همّ واعتزما
إن ضاق خطوُ عبوس الأسد من جزَع / مَشَى إليه فسيحَ الخطو مبتسما
ما الليثُ يرتدّ للخطّيّ في أجَمٍ / إلا كظبي كناسٍ عنده بَغَما
يا ابن الملوك ذوي الفخر الألى ملكوا / رقّ الزمان وسادوا العُرب والعجما
كم من عُداةٍ وسمتمْ بالمنون لهمْ / يوماً فشيّبَ من ولدانهمْ لِمَما
أصبحتَ في الملك ذا قدرٍ إذا طمحتْ / عينُ المُسامي إليه فاتَها وَسَمَا
إنّا أُناسٌ بما نُثني عليك به / نُهدي إليك رياضاً نوّرَتْ كَلِما
من كلّ ناظمِ بيْتٍ لا شبيهَ له / فليس يُنْثَرُ منه الدهرَ ما نظما
مستغرق الذوق للأسماع يحسبه / من قالبِ السحر منه أُفْرِغَ الحكما
فانعمْ بعيدٍ سعيدٍ قد بَسَطْتَ له / للمعتفين يميناً تَبْسُطُ النعما
أيّ خطْبٍ عن قوْسهِ الموْتُ يرْمي
أيّ خطْبٍ عن قوْسهِ الموْتُ يرْمي / وسهامٌ تصيبُ منه فتُصْمي
يسرعُ الحيّ في الحياة ببرءٍ / ثم يُفْضي إلى المماتِ بسقمِ
فهو كالبدرِ ينقصُ النورُ منه / بمحاقٍ وكانَ من قبلُ يَنْمي
كلّ نفسٍ رَمِيّةٌ لزَمانٍ / قدر سهم له فَقل كيف يرمي
بِيضُ أيّامها وسودُ ليالي / ها كشهبٍ تكرّ في إثْرِ دُهْمِ
وهي في كَرّها عساكُر حرْبٍ / غُرَّ مَنْ ظنّها عساكرَ سلمِ
بَدَرَ الموْتُ كلَّ طائرِ جَوٍّ / في مَفازٍ وكلَّ سابحِ يمِّ
رُبّ طَوْدٍ يريك غيرَ بعيدٍ / منه شَمّ السماءِ أنْفُ أشَمِّ
جَمَعَ الموْتُ بالمصارع منه / بين فُتْخٍ محَلّقاتٍ وَعُصْمِ
كم رأينا وكم سمعنا المنايا / غيرَ أنّ الهوَى يُصِمّ ويعمي
أين من عَمّرَ اليبابَ وجيلٌ / لبسَ الدهرَ من جديسٍ وطسمِ
وملوكٌ من حِمْيرٌ ملؤوا الأرْ / ضَ وكانتْ من حكمهم تحتَ خَتْمِ
وجيوشٌ يُظِلّ غابُ قَنَاها / أُسُداً من حُماةِ عُرْبٍ وعجمِ
كَشّرَ الدهر عن حِدادِ نُيوبٍ / أكلَتهُمْ بكلّ قَضْمٍ وَخَضْمِ
وَمُحُوا من صحيفةِ الدهر طُرّاً / مَحوَ هُوجِ الرياح آياتِ رسمِ
أفلا يُتّقى تَغَيّرُ حالٍ / فَيَدُ الدهرِ في بناءٍ وهدمِ
والرزايا في وعظهنّ البرايا / في الأحايين ناطقاتٌ كبكمِ
والذي أعجزَ الأطبّاءَ داءٌ / فَقْدُ روحٍ به وَوِجدانُ جسمِ
لو بكى ناظري بِصَوْبِ دماءٍ / ما وَفَى الأسى بحسرةِ أُمَّي
مَنْ تَوَسّدْتُ في حشايا حشاها / وارتدى اللحمَ فيه والجلدَ عظمي
وضعتْني كَرْهاً كما حملتني / وجرى ثديُها بشربي وَطُعمي
شرَحَ اللّه صَدرَها لي فأشْهَى / ما إليها إحصانُ جسمي وضمّي
بحنانٍ كأنّها في رضاعي / أمّ سَقْبٍ دَرّتْ عليْه بشمِّ
يا ابن أمي إني بحكمك أبكي / فَقْدَ أمي الغداةَ فابكِ بحُكمي
قُسِمَ الحُزْنُ بينَنَا فثبيرٌ / لك قسم وَيَذْبُل منه قسمي
لم أقُلْ والأسى يُصَدّقُ قولي / جمدت عبرتي فلذت بحلمي
ولو أنّي كففتُ دمعي عليها / عقّني برّها فأصبحَ خصمي
أُمّتا هل سمعتني من قريبٍ / حيثُ لي في النياح صَرْخةُ قرمِ
كنتُ أخشى عليك ما أنت فيه / لو تخيّلتُ في مُصابك همّي
كم خيالٍ يبيتُ يمسحُ عطفي / لكِ يا أمّتا ويهتفُ باسمي
وبناتٌ عليك منتحباتٌ / بخدودٍ مخدّرات بلطمِ
بِتْنَ يَمسحْن منكِ وجهاً كريماً / بوجوهٍ من المصيبةِ قُتْمِ
وينادينَ بالتّفجّعِ أمّاً / يا فداءً لها إجابةُ غتمِ
بأبي منك رأفةٌ أسندوها / في ضريحٍ إلى جنادلَ صُمِّ
وعفافٌ لو كان في الأرض عادتْ / كلَّ عظم من الدفين ولحمِ
وصيامٌ بكلّ مطلَع شمسٍ / قيامٌ بكلّ مطلع نجمِ
ولسانٌ دعاؤهُ مُسْتَجابٌ / ليَ أودعتُهُ الرغامَ برغمي
وحفير من الصبابةِ فيه / في حجاب التقى سريرة كمِّ
كم تكفّلتِ من كبيرة سنِّ / وتبنّيْتِ من صغيرة يُتمِ
فأضاقتْ يداك من صَدقَاتٍ / كان يُحيا بهنّ ميّتُ عُدْمِ
كان بين الأناس عُمْرُكِ حمداً / قد تبرّأتِ فيه من كلّ ذمِّ
أنتِ في جنّةٍ وروضِ نعيمٍ / لم يَسِمْ أرْضها السحابُ بوسم
يا أبا بكرٍ المصابُ عظيمٌ / فهو يُبْكي بكلّ سَحٍّ وَسَجْمِ
أنت في الودّ لي شقيقُ وفاءٍ / ومصابي إلى مصابك يَنْمي
أنتَ من صفوةِ الأفاضل نَدْبٌ / في نِصابٍ كريمِ خالٍ وعمِّ
باتَ من طبعك المفجعِ طبعي / ربّ سَهم أُعِيرَ صارم شهمِ
تركت بيت يوسفٍ للمعالي / أسفاً ينحر العيون فيدمي
دوحةُ المجد بالفخار جناها / يافعٌ فهي في البلى تحت ردمِ
فسقى التربةَ التي هي فيها / عارضٌ منه رحمةُ اللَّهِ تَهمي
ولبستَ العزاءَ يا خير فرْعٍ / قد بكى حسرةً على خير جِذْمِ