بات والكأس في الظلام
بات والكأس في الظلام / في حديث ولا كلام
هي في صمتها تضيء / وهو في صمته يضام
شاعر أنفق الصّبا / من غرام إلى غرام
ذاهل النفس بالرؤى / عن حطام وذي حطام
وعن الفقر والغنى / وعن الحرب والسلام
بالشفاه التي طفا / بين أهدابها الأوام
بالغواني تطيعه / والغواني لها احتكام
بالشّذى وهو فائح / والشذى وهو بالكمام
بالسحاب الذي يسحّ / وبالخادع الجهام
بالأغاريد والبلابل / والنور والخزام
حوله الكون في وغى / وهو والكون في وئام
ما له الآن وحده / ساكن العرق كالنيام
ساهر غير أنه / خادر الروح والعظام
صامت مثل كتبه / وكدنيا بلا أنام
أترى عضّه الطوى؟ / لا ففي بيته طعام
لم تزل كأسه لديه / وفي كأسه مدام
وله تضحك البروق / ويبكي الحبا السجام
وله ترتعي الكواكب / في مسرح الظّلام
وله تلبس الرّبى / برد النور والغمام
وله يعبق الشّذى / وله تعصر المدام
وله يلمع النّدى / وله يسجع الحمام
وله الغادة المليحة / والفارس الهمام
كلّها كلّها له / وعلى غيره حرام
وهو ساه كأنما / بسواها له مرام
وجهه غير وجهه / أم على وجهه لشام
كالتماثيل حوله / من نحاس ومن رخام
لا اكتئاب ولا رضّى / لا بكاء ولا ابتسام
ليله ما أمرّها / ليلة اليأس ألف عام
بقي الحسن إنما / مات في الشاعر الهيام
فإذا الكون عنده / جدث كلّه رمام