المجموع : 6
أين شط الرجاء
أين شط الرجاء / يا عُباب الهموم
ليلتي أنواء / ونهاري غيوم
أعولي يا جراح / اسمعي الدّيان
لا يهم الرياح / زورق غضبان
البلى والثقوب / في صميم الشراع
والضنى والشحوب / وخيال الوَداع
اسخري يا حياه / قهقهي يا رعود
الصبا لن أراه / والهوى لن يعود
الأماني غرور / في فم البركان
والدجى مخمور / والردى سكران
راحت الأيام / بابتسام الثغور
وتولى الظلام / في عناق الصخور
كان رؤيا منام / طيفك المسحور
يا ضفاف السلام / تحت عرش النور
اطحني يا سنين / مزقي يا حراب
كل برق يبين / ومضه كذاب
اسخري يا حياه / قهقهي يا غيوب
الصبا لن أراه / والهوى لن يؤوب
أنا وحدي في البِيدِ حيرانُ هائم
أنا وحدي في البِيدِ حيرانُ هائم / فمتى تَذكُرُ القفارَ الغمائم
رحمةً يا سماءُ إن فمي جف / ف وحَلقي عن المواردِ صائم
غاض نبعُ المُنى ولم يبقَ حتّى / ومضةُ الحُلمِ في محاجرِ نائم
أيّها الطاعمُ الكَرى ملءَ جَفنَي / ك وجفني من الكرى غيرُ طاعم
أَبكِني واستَبِدَّ بي واقضِ ما شا / ءَ لَك الحسنُ فيَّ واظلم وخاصم
غيرَ هذا النّوَى فإِنّ ليا / ليه ظلالٌ من المنايا حوائم
تضمحلُّ الحياةُ فيه وتنهد / دُ كأَنَّ النهارَ معولُ هادم
لا تَكلنِي لذلك الأبَدِ الأَس / وَدِ في قاعِ مُزبِدِ اللُج قاتم
لا تَكلنِي لِهُوَّةٍ تعصِفُ الأش / باحُ في جَوفِها وتَعوي السَّمائم
يسأل الزهرَ والخمائلَ والأن / وار عن تربِها الضحوكِ الباسم
ذاق ما ذاق فيّ الصبابة إلا / ذَبحَةَ الرُّوحِ وانفصالَ التوائم
إن تَعُد محسِناً إليّ فَعُد بي / للعهودِ المقدّساتِ الكرائم
وإذا ما رأيتَ عزميَ ينها / رُ فثَبِّت بالذِّكرَياتِ الدعائم
جئتنِي في الخريفِ والروضُ عارٍ / فكسوتَ الرُّبَى عذَارَى البراعم
وأجالَ الربيعُ أخضَرَ كفَّي / هِ ليمحو اصفرارَه المُتراكم
رحلةٌ للنجوم لم تَكُ أوها / ماً وبعضُ النعيم أوهامُ حالم
آهِ كم ليلةٍ أراجعُ أيا / مِي أعُدُّ العُلَى وأُحصِي العظائم
وحسبتُ الخسارَ فيها فكانَ ال / غَبنُ عندي زَمانِيَ المتقادم
قبلَ أن نلتَقي فلما تلاقَي / نا عرفتُ الغِنَى وذُقتُ المغانم
حيثما أغتَدِي فإنّ الدراري / ملءُ رُوحي وفي خيالي بواسم
إن أبِت جائعاً فثمّةَ زادي / أو أبِت مُعسراً فثَمَّ الدراهم
وعجيبٌ قد كنتَ لي حسدَ الحسّا / دِِ فيها وكنتَ أنت التمائم
بالذي صُنتُ عهده لم أخُنه / ومتى خانت الأكفُّ المعاصم
والذي حُكمُه كأقدارِ عَيني / ك فما منهما ولا منه عاصم
أيُّ صوتٍ من الغيوب ينادي / ني فأطوي له الدُّنَى والمعالم
قَدَرٌ مُشعَلٌ على شفةٍ تد / عو فأَخطو على اللَّظَى غيرَ نادم
وفؤادي يحومُ بالنّارِ لا يَح / فِلُ أنّي على المنيَّةِ حائم
الهوى مَصرَعي وكم من حِمامٍ / كان باباً إلى الخلود الدائم
وطريقاًَ من الأسنّةِ والشو / كِ رَوَت أرضُه الدموعُ السواجم
شهد اللهُ ما قضيتُ الليالي / ناعمَ الجَنبِ فوق مَهدٍ ناعم
أيُّ جَيشَيك مُغرِقي ليليَ الطا / غِي أم الشوقُ وحده وهو عارم
آه مِن رُبَّما ومن أملٍ يُم / سك نفسي رجاءَ يومٍ قادم
قد تجيءُ الأنباءُ من شاطئ الن / نيل غداً والمبشّراتُ النسائم
وتكونُ النجاةُ في القمر السا / ري على زورقٍ من النورِ حالم
بي نزوع إلى الدموع الهوامي
بي نزوع إلى الدموع الهوامي / غير أني أخاف من آلامي
أيهذا المكان يا غالي التر / ب ومثوى عبادتي واحترامي
أنت مثوى الذكرى ومدفنها الغالي / القصّي المجهول في الأيام
هذه خلوتي فلا تمنعوني / ما الذي تحذرون يا خلاني
إنها عادتي التي كنت أعتاد / وأهوى في سالف الأزمان
أخذتني لذِي الرحاب وقادت / قدمي في سبيل هذا المكان
أنظروا هذه السفوح وهذا النب / ت إذ قام مزهراً تيّاها
لكأني ما زلتُ تسمع أذني / في صموت الرمال وقع خطاها
وكأن النجوى بكل ممرٍّ / طوقتني في ستره يمناها
قد تراءى الصنوبر النضر إذ أين / نَع في قاتمٍ من الألوان
وتراءَى ليَ المضيق البعيد ال / غور يمتد في رخيّ المجاني
موحشات لكنما كن ألافي / ومهد الهنيء من أزماني
أنا ما جئت ها هنا أذكر الأش / جان في موطن عرفت فيه هنائي
ذلك الغاب رائع الحسن والصم / ت مثال الجلال والكبرياءِ
وفؤادي عاتٍ كرائع هذا / الغاب مستكبر على البرحاءِ
من يشأ أن يفيض يوماً بشك / واه فما هذا موضع الأحزان
قل لشاكٍ هلا مضيت لتجثو / عند مثوى ميت من الخلان
كل شيء حيّ هنا ونبات القبر / ينمو في غير هذا المكان
طلع البدر يرتقي ذروة الأفق / ويجتاز حالك الأسداد
يا أمير الظلام إنك تبدو / حائر الرأي واضح الترداد
ثم تمضي مجاوزاً حجب الليل / وترمي بنورك الوقَّاد
كلّما شارف الثرى فيض نور / مرسل من جبينك الوضّاح
وإذ الأرض قد تضوع منها / عن ثراها النديّ عطر الصباح
استثارت عطر القديم من الحب / دفين العبير في الأرواح
أيهذا الوادي المحبب ما زرتك / حتى سألت عن أوصابي
أين راحت لواعجي أين آلامي / اللواتي أهرمنني في الشباب
عاودتني طفولتي فيك حتى / خلت أني ما اجتزتُ يوم عذاب
يا خفاف السنين يا صولة الدهر / قوياً مثل الجبابر عاتي
كل ماضي صبابة قد أخذتن / فمن مدمع ومن حسرات
ورحمتنَّ لي أزاهر ذكرى / علقت في ذبولها بالحياة
فسلام مني على الأيام / كيف آست في النازلات الجسام
لم أكن أدري أن جرحاً بما / كابدت منه من فاتك الآلام
معقبٌ لذة لنفسي / وإحساس هناء لديّ بعد التئام
فليبن عني السخيف من الرأي / وتنأى سفاسف الأقوال
وهمومٌ كواذبٌ كفنت أثوابها / حب عاشقين ضآل
جعلوها مظاهراً لهواهم / والهوى الحق ليس منهم ببال
إيه دانتي أأنت ذاك الذي قال / قديماً عن ذكريات الهناءِ
إنها إن مرّت على ذاكريها / زمن الحزن فهي أشقى الشقاء
أي بؤسي أملت عليك مرير ال / قول حقاً أسأت للبأساء
أو إن أقبل الدجى بعد إدبا / ر نهارٍ صافي الضياء قضيته
تنكر النور في الوجود فيغدو / محض وهمٍ كأنه ما رأيته
ذلك القول وهو جدّ عجيب / أيها الخالد الآسي كيف قلته
قسماً بالطهور من لهب الحب / مضيئاً في القلب شبه المنار
ما عهدنا في قلبك الوافر / الإيمان هذا الضلال في الأفكار
لا أرى للهناء والله صدقاً / مثل صدق الهناء بالتذكار
أو إن أبصر الشقي وميضاً / في رماد الهوى فقام إليه
باسطاً نحوه يديه بلهفٍ / حارصاً أن يمر من كفيه
وبه من إشعاعه أثر البرق / إذا مرّ خاطفاً ناظريه
أو إن غاصت روحه في عباب الذ / ذكريات التي طوتها السنين
وعلى مرآة مجرحة من / ها جرى دمعه السخيّ الهتون
أو هذا السرور من ذكر الما / ضي تسميه بالعذاب المبين
إن تروا أدمعي فلا تزجروني / ودعوني إني أحب الدموعَا
لا تجفف أيديكم أدمعا تنفع / قلباً لمّا يزل موجوعا
أدمعي سترٌ مسبلٌ فوق ماضٍ / قد تولى ما يستطيع رجوعا
موقفٌ حانَ فاغتنم
موقفٌ حانَ فاغتنم / وتخير من الكلم
كلَّ لفظٍ أرقَّ مِن / ضحكة الزهر للدِّيم
مستَمَدٍّ من الرُّبى / مُستعارٍ من النّسم
اجمع الآنَ طاقةً / غضّةَ النور تبتسم
أُهدِها روحَ شاعرٍ / خالدٍ بالذي نَظم
قلمي ما الذي لدي / كَ من الخيرِ يا قلم
قم فذكّر وناج قو / مَك واخطُب وقل لهم
قل لأهل الغناء في / كنف المعهد الأشَم
ذلك الشاعرُ الذي / باتَ في خاطر الظُّلم
هو منكم وفنُّهُ / علمَ الله فنكم
كان لحناً فصار ذِك / راً كما يُذكَرُ الحُلم
إنما الشعر مزدهرٌ / قد حكى قصة الأمم
وبأوتاره المنى / تتلاقى وتزدحم
هو نايٌ مُرجِّعٌ / لشجيٍّ وما كتم
هو قيثارةُ الزما / نِ ونجواه مِن قِدَم
هو أنشودة الحيا / ةِ وفيضٌ من النغم
أيها المعهدُ الذي / بلغ المجدَ واستتم
كلُّ لحنٍ مذكرٍ / أشعل القلب فاضطرم
نظمته يدُ الأسى / وقَعته يدُ السقم
وأناشيدكم وما / صاغه الفنُّ من عِظم
هي أنّات أنفسٍ / بالمقاديرِ ترتطِم
وصباباتُ أعينٍ / يشهد الليل لَم تنم
وأغانيكُم التي / هي في قمةِ القمَم
هي آهات شاعرٍ / عرف الحبَّ والألم
ذلك الشاعرُ الذي / روحه الآن بينكم
لكأني أراه حَي / ياً وألقاهُ عن أمَم
وَهو في ذِروة الشبا / بِ وفي خفةِ القَدَم
غاشياً كلَّ منتدى / عاليَ الرأسِ محترم
كلما قال شعرَه / غمر السهلَ والعلم
دافقاً ليس ينتهي / أبداً سيله العرِم
باذلا للصديق والأه / لِ كلّ الذي غنِم
زوجه والبنون هُم / مجده والرجاء هُم
درجوا في ذرا العلا / نوَّروا في رُبى النعم
نشأوا في حمى العفا / فِ وجلُّوا عن التُّهم
حين ظنوا بأنَّ ما / أمَّلوا في الزمانِ تَم
إذ شكا الضعفَ سيد ال / بيت خارت به الهِمم
نام في حضنِه الضَّنى / وعلى صدره جَثم
وإذا بالطيور قد / دخل الموت وكرهُم
شِبهَ لصٍّ مخادعٍ / غشى البيت فالتهَم
وإذا الفاقةُ الجَري / ئةُ تَطغَى وتَنتَقِم
صنعت في رجائهم / فعلَة الذئبِ بالغنم
كأتونٍ مسعَّرٍ / غاضبٍ ينثرُ الحُمَم
مَن رأى البؤس إن عدا / مَن رأى الضنك إن هَجَم
مَن رأى العفةَ العري / قةَ بالدهر تصطدم
أُمتي ليس يُهزَمُ ال / فنُّ في أُمة الشّمَم
أُمَّتي ليس يخذلُ ال / جُودُ في أمة الكرَم
أُمَّتي أمة العلا / وأبي الهول والهرَم
أين شطُّ الرجاء
أين شطُّ الرجاء / يا عبابَ الهموم
ليلتي أنواء / ونهاري غيوم
أعولي يا جراح / أَسمعي الديَّان
لا يهم الرياح / زورقٌ غضبان
البلَى والثقوب / في صميم الشراع
والضنَى والشحوب / وخيالُ الوداع
في احتدامِ النار / واصطخابِ الأنين
تضحكُ الأقدار / ترقصُ السكين
كل يومٍ يروح / في احمرارِ الجروح
كل صبحٍ يلوح / فجرُه مذبوح
اسخري يا حيَاة / قهقهي بالرعود
الصبا لن أراه / والهوَى لن يعود
الأمانِي غرور / في لَظَى البركان
والدجى مخمور / والردَى سكران
وخليعُ العباب / موجُه العربيد
دارَ بالأكواب / ويلَ هذا العيد
راحَتِ الأيام / بابتسامِ الثغور
وتقَضَّى الظلام / في عناق الصخور
كانَ رؤيا منام / كأسُكِ المسحور
يا ضفافَ السلام / تحتَ عرشِ النور
اطحني يا سنين / يا حراب
كلّ برقٍ يبين / كذاب
اسخري يا حياة / قهقهي يا غيوب
الصبَا لن أراه / والهوى لن يؤوب
يا جزيلَ الهبات والإنعامِ
يا جزيلَ الهبات والإنعامِ / زدتَ لطفاً باللطفِ من أنعامِ
وجلوتَ الظلام حتى تقَضَّى / ما على الكون مسحةٌ من ظلامِ
وجلوتَ الجمالَ والسحرَ والفجرَ / على ضوءِ ثغرِهَا البسَّامِ
وجلوتَ الزهورَ تَندَى علينا / فكأني أرى الربيعَ أمامي
يا حفيفَ النسيمِ يا رقَّةَ الوردِ / تجلَّى في ناضر الأَكمامِ
أنا إن قلتُ للجمالِ سلاماً / فقليلٌ لذا الجمالِ سلامي
وسلامي على البراءةِ والطهرِ / ومعناهما الرفيعِ السامي
وسلامي على سنَى وسناءٍ / كجمالِ البدورِ عند التمامِ
وسلامي على عذوبَةِ نفسٍ / وصفاءٍ كمسعدِ الأحلامِ
وسلامي على العيونِ اللواتي / هنُّ للفنِّ مصدرُ الإِلهامِ
جلالُ الدهور إِمَّا تقضَّت / وجمالُ السنين والأَعوامِ
خالداتٌ بما يُخَلِّدنَ فينا / من فنونٍ تفردت بالدوامِ
إيه إِنعام والقصائد تَترى / أنتِ سرُّ الإِبداعِ في الأقلامِ
وَضَحَ الوحي مثلما وَضَحَ الحبّ / فما في القلوبِ من إبهامِ