المجموع : 6
هَل عَرَفْتَ الديار من آل نُعمى
هَل عَرَفْتَ الديار من آل نُعمى / ومحلاًّ عفى لبين ألمَّا
تُنكِر العين بعد معرفةٍ من / ها طلولاً كأنَّما كنَّ رقما
فسقى الأرسم الدوارسَ دمعٌ / لم يغادر من أرسُم الدار رسما
قد ذكرنا بها العصور الخوالي / عهد هندٍ ودار سعدى وسلمى
ووقوفي على المنازل ممَّا / خضب الطرف بالنجيع وأدمى
وأذاعت سرَّ الهوى عبراتٌ / هي لا تستطيع للحب كتما
يوم هاجت بالإدكار قلوباً / أصبحت من صوارم البين كلمى
أين أيَّامنا وتلك التصابي / صرمتها أيدي الحوادث صرما
يا ابن وُدّي إنَّ المودةَ عندي / أن أراني أُرمي بما أنت تُرمى
أفتروى وما تبلّ غليلاً / مهج يا هذيم بالوجد تظما
سلبت صحَّتي مراض جفون / ما كستني إلاَّ غراماً وسقما
حكمت بالهوى على دنف الق / لب وأمضت على المتيم حكما
وبنفسي عدل القوام ظلوم / ما اتّقى الله في دم طُلَّ ظلما
لا تلمني على هواه فلا أس / مع عَذلاً ولا أعي منك لوما
ظعن الظاعنون فاستمطر ال / دَمع فؤادي سحًّا عليهم وسجما
أعِدُ النفس منهم بالأماني / وأعدُّ الأيام يوماً فيوما
أنصِفونا من هجركم بوصول / أنا راضٍ منكم بحتّى ولمّا
وهبوا النوم أن يمرّ بجفني / فلعلّ الخيال يطرق نوما
رب ليل قطعته بمليح / أشْهَدَ البدر من محيَّاه تمَّا
وإذا وسوست شياطين همٍ / رجمتها شهب المدامة رجما
فكأنَّ الهلالَ نصفُ سوارٍ / والثريا كأنَّها قرط أسما
بِتُّ حتَّى انبلج الصبح منه / أرشف الراح من مراشف ألمى
ذاك عيش مضى ولهو تقضَّى / أبدل الجهل بالتصرم حلما
ذقت طعم الحياة حلواً ومراً / وبلوت الزمان حرباً وسلما
وتحنكت بالتجارب حتَّى / كشفت لي عن كلِّ أمرٍ معمَّى
قد تقلَّبتُ في البلاد طويلاً / وقتلت الخطوب عزماً وحزما
لم يطش لي سهم إذا أنا س / دَّدْتُ إلى غاية المطالب سهما
لي بآل النبيّ كلّ قصيدٍ / أسمعت بالفخار حتَّى الأصمّا
حجج تفحم المجادل فيها / وتردّ الحسَّاد صمًّا وبُكما
وإذا عاند المعاند يوماً / أرغمت أنفَ من يعاند رغما
سرَّني في الأشراف نجل عليّ / وهو عبد الرحمن فضلاً وفهما
علويٌّ يريك وجهاً حييًّا / وفؤاداً شهماً وأنفاً أشما
ناشئ بالتقى على صهوات ال / خيل عزًّا وفي المدارس علما
طائع خاشع تقيٌّ نقيٌّ / ينقضي دهره صلاة وصوما
بأبي الناسك الأبيَّ فلا يح / مل وِزراً ولا يُحَمَّل ضيما
كم رمى فكره دقيق المعاني / فأصاب المرمى البعيد وأصمى
لا ترى في الإنجاب أثقب زنداً / منه في صحبه وأبعد مرمى
عنصر طيب وأصل كريم / وجميل قد خصّ منهم وعمَّا
سادة أشرف الأنام نجاراً / ثم أذكى أباً وأطهر أمَّا
شَرَّفَ الله ذاتهم واجتباهم / واصطفاهم على البريّة قوما
لا يزالون يرفعون بيوتاً / للمعالي لا تقبل الدهر هدما
تستخفّ الجبالَ منهم حلومٌ / طالما استنزلت من الشمّ عصما
وإذا اعتلت العلاء بداءٍ / حسموا داءها على الفور حسما
وعلى سائر البرية فضلاً / سال سيل النوال منهم فطمَّا
قسموا العمر للعبادة قسماً / منذ عاشوا وللمكارم قسما
شربوا خمرة المحبَّة في الله / وفضّوا عنها من المسك ختما
وسرت من وجودهم نفحات / كنّ روح الوجود إن كانَ جسما
تنجلي فيهم الكروب إذا ما / لُحْنَ غُبراً أنّى يَلُحْنَ وَقُتْما
ما تجلّت وجوههم قط إلاَّ / وجَلَت ليل خطبها المدلهمّا
هِمَمٌ في بني النبيّ كفتنا / من جميع الأمور ما قد أهمّا
يا ابن من لا تشير إلاَّ إليه / أنمل العزّ إن أشار وأومى
يا عليّ الجناب وابن عليٍّ / طابق الاسم بالصفات المسمى
رضي الله عنكم من أناسٍ / شيّدوا للعلى مناراً وإسما
أوجبت مدحكم عليَّ أيادٍ / في زمان من حقّه أنْ يُذمّا
أبتغي الفوز بالثناء عليكم / وأراه فيما أحاول غنما
حيث أمحو وِزراً وأثبت أجراً / فائزاً بالمنى وأمحق إثما
والقوافي لولا جزيل عطاياك / شكتنا بفقدها الأهل يتما
قد تحلّت بكم فكنتم حلاها / وحلت في الأذواق نثراً ونظما
وإليكم غرّ المناقب تعزى / وإليكم جلّ المكارم تنمى
ما استطاع الإنكار منهنّ شيئاً / حاسدٌ عن محاسن الصبح أعمى
أترى في الوجود مثلَكَ عالمْ
أترى في الوجود مثلَكَ عالمْ / يردُ الناسُ بحرَه المتلاطمْ
أنت من أشرف العوالم ذاتاً / إنما هذه الرجال عوالم
أظهر الله فيك للناس سرًّا / ما لذاك السرّ الربوبيّ كاتم
ولك الله ما برحت صراطاً / مستقيماً وعارضاً متراكم
كل ظامٍ على مناهل ما أو / تيت من فضل ربك حايم
تتلقى الأفهام منك وما تن / طق إلاَّ بالحق والحقّ ناجم
كلمات كأنهن سيوف / أين من فضلك السيوف الصوارم
يا قوام الدِّين الحنيفيّ وال / دين لعمري بمثل ذاتك قائم
إنَّما أنتَ رحمة الله في الأر / ض على أُمَّةٍ لها الله راحم
أنتَ للحقّ واليقين صباح / راح يجلو ليلاً من الشك فاحم
شهد الله أنَّها معجزات / لم تسلّم بالحق من لا يسالم
حجج تفحم المجادل بالباطل / والجاحد الألدّ المخاصم
وضعت للورى موازين بالق / سط وفيها لا زال دفع المظالم
طاوَلَتْ هذه السماء بأيدٍ / قصّرت دونها يدا كل ظالم
قد رأينا ولليالي صروف / قطبت وجهها وثغرك باسم
لا تبالي إذا حكمْتَ بأمر الل / ه والعدل بالذي أنت حاكم
آمرٌ بالمعروف ناهٍ عن المنكر / آتٍ بالحقّ ماضي العزائم
وإذا ما أمرتَ لله أمراً / لست تخشى في الله لومة لائم
لك جدُّ الكلام والكلم الطيّ / ب يؤتي كل امرئٍ ما يلائم
نَبَّهَتْ من أرَدْتَ من سِنة الغ / فلة فاستيقظ الَّذي كانَ نائم
رجع المجرم الَّذي اقترف الذن / ب منيباً فيها وأصبحَ نادم
أعرَبتْ عن بلاغةٍ لك أقلا / م فِصاحُ الإعراب وهي أعاجم
غرّدت ما جرت بأيديك في / الطرس شبيهاً تغريدها بالحمائم
نافثات وهي الجداول للفضل / بقلب العدى سموم الأراقم
اتَّبعنا بالحق ملّة إبراهيم حني / فاً والحقُّ بالحقِّ قائم
واتَّخَذْناه قبلةً وإماماً / ومشيد البيت الرفيع الدعائم
أنت لا غيرك الإمام لقوم / سلكوا في الندى سبيل المكارم
نشروا ذكر ما طوته الليالي / قبل هذا من عهد كعب وحاتم
كتبوا فوق جبهة الدهر أنّ / الدهر عبدٌ لهم رقيق وخادم
زهدوا في الدنى فما راقهم في / ها نفيس من الغنى والغنائم
دَرَّ دَرُّ الندى أعاد أكُفًّا / من أناسٍ أعداؤهن الدراهم
بأبي سادة الأنام جميعاً / وهُداة الأنام أبناء هاشم
من ليوث ضراغم وغيوث / وبحور سواهم وخضارم
قال منهم للمكرمات قؤول / هكذا هكذا تكون المكارم
يتعدى جميل فعلهم الناس / وإنْ كانَ ذلك الفعل لازم
طهْر الله ذاتهم واصطفاهم / قبل ما يُنتَجون من صلب آدم
دائم الفخر خالد الذكر ما غير / فخارٍ لكم مدى الدهر دائم
واردٌ شرعة العلوم الَّتي ليس / عليها إذا وَرَدْتِّ مزاحم
لم ينلها سواك نعمة مولى / أنت فيها تحلّ طوق النعايم
طالما حَثْحَثَ النياق حثيثاً / راغبٌ في بديع فضلك هائم
قد وفدنا على كريم إذا استُج / دي جادت يمينه بالكرائم
ووقفنا بموقف العلم والتد / ريس والفضل والندى والمكارم
وشهدنا معالم المجد فيها / قد تعالت فيا لها من معالم
ثم شِمْنا برق المكارم قد لا / ح سناه من بين تلك المباسم
ولثمنا يدي عظيم قريب / من عظيم تعدَّه للعظائم
كَشَفَتْ غمَّةَ النوائب عنا / ثم نابت لنا مناب الغمائم
لم تزل تتبع الجميل جميلاً / فهي إذ ذاك ساجم إثر ساجم
هذه سيّدي عريضة داعيك / وكانت عن الوداد تراجم
كلّما أثبتت مديحك فيها / كانَ إثباتها لمحو المآثم
أطلُبُ العفو في مديحك والغف / ران والصفح عن جميع الجرائم
فتقبّل مني وما زال قِدماً / ناثراً في مديحك العبد ناظم
بقوافٍ على عداك عَوادٍ / يا فدتك العدى ووجهك سالم
من لصبِّ متَيَّمٍ مستهام
من لصبِّ متَيَّمٍ مستهام / دَنِفٍ من صبابةٍ وغَرامِ
لامَه اللاّئمون في الحبِّ جهلاً / وهو في معزلٍ عن اللوَّام
لا تلوما على الهوى دَنِفَ القل / ب فما للهوى وما للملام
كيف يصحو من سكرة الوجد صبٌّ / تاه في سكره بغير ودام
وَرَمته فغادرته صريعاً / يا لقومي لواحظُ الآرام
جرَّدت أعينُ الظباء سيوفاً / ورَمَتْنا ألحاظها بسهام
لستُ أنسى منازل اللَّهو كنتْ / مشرقات بكلٍّ بدرٍ تمام
تنجلي أكؤس من الرَّاح فيها / يضحك الرَّوض من بكاء الغمام
بين آسٍ ونرجسٍ وبهارٍ / وهزارٍ وبُلبُلٍ ويمام
ومليحٍ مهفهف القدّ ساجي الطَّر / ف عذب الرّضاب لدن القوام
يمزج الرَّاح من لماه ويس / قينا حلالاً يشوبه حرام
وبروحي ذاك الغرير المفدَّى / فيه وجدي وصبوتي وهيامي
شَهِدَتْ واوُ صدغه مذْ تبدَّى / أنَّ لامَ العذار أحسن لام
لو ترَشَّفْتَ من لماه رحيقاً / لشفاني من علَّتي وسقامي
ربَّ ليلٍ أطَعْتُ فيه التَّصابي / باختلاسي مسرَّة الأَيَّام
بَرَزَتْ في الظَّلام شمس الحميَّا / فمَحَتْ بالضّياء جُنْحَ الظَّلام
فانتشقْنا نوافجَ المسك لمَّا / فضَّ عنها السُّقاة مسك الختام
من معيدٌ عليَّ أيَّام لهوٍ / أعقبَتْنا عن وصلها بانصرام
وزمان مضى عيش تقضى / ما أرى عَوْده ولو في المنام
مرَّ والدَّهر فيه طلق المحيا / كمرور الخيال في الأَحلام
لو تبلُّ الدُّموع غلَّة صبٍّ / بلَّ دمعي يوم الغميم أُوامي
يوم حانَ النَّوى فسالت دموع / لم أخَلْها إلاَّ انسجام ركام
وتلظَّت حشاشة أوقدوها / آل ميٍّ من بينهم بضرام
كلَّما نسّمت رياح صباها / قلتُ يا ريح بلِّغيها سلامي
سُقيت دارهم أحبَّة قلبي / من دموعي بمثل صَوب الغَمام
إنَّ أيَّامنا على القرب منهم / صُدِعَتْ بالفراق بعد التئام
ذمَّةٌ قد وفيت فيها لديهم / وعلى الحرِّ أن يفي بالذّمام
لو تراني من بعدهم وادّكاري / ماضيات العصور والأَعوام
أتلهَّى تعلُّلاً بالأَماني / بنثارٍ أقول أو بنظام
فإذا قلتُ في الكرام قصيداً / ذقّتُ فيها حلاوةَ الانسجام
زانَ شعري وزانَ نظمي ونثري / صدق مدحي للسَّادة الأَعلام
وإذا رمت في الرِّجال كريماً / كانَ عيد الرحمن أقصى مرامي
إنَّما أعرف المكارم منه / من كريمِ الأَخلاق نجل الكرام
قسم الفضل في الرِّجال فأضحى / حظُّه منه وافر الأَقسام
لو تغنَّى الحمام بالمدح فيه / أرقصَ البان في غناء الحمَام
طاهر لا يشوبه دنس الآ / ثام فما لاث قطُّ بالآثام
لو تأمَّلتَ في علوم حواها / قلت هاتيك منحةَ الإِلهام
أُوتي الفضل والكمال غلاماً / يا له الله سيِّداً من غلام
ناشئ مذ كانَ في طاعة الله / صلاةً موصولةً بصيام
ثابت الجأش لا يراع لأمرٍ / ثابت عند زلَّة الأَقدام
إنَّ فيه والحمْد لله ما ير / فع قدر العلوم بين الأَنام
فطنة تدرك الغوامض علماً / حُجِبَتْ عن مدارك الأَفهام
أدبٌ رائعٌ وعلمٌ غزيرٌ / أينَ منه الأزهار في الأَكمام
فإذا ما سمعت منه كلاماً / كانَ ذاك الكلام حرّ الكلام
يا شفاءَ الصُّدور من عِلَلِ / الجهلِ ويا برءها من الآلام
يا رفيع العماد يا ابن عليٍّ / يا ابن عالي الذّرا عليّ المقام
أَنْتَ غيثٌ على العُفاة هطول / أَنْتَ بحرٌ من المكارم طامي
آل بيت النبيّ لا زال فيكم / ثقتي في ولائكم واعتصامي
قد سرت منكم بنا نفحاتٌ / سريان الأَرواح في الأَجسام
قد أَعدُّوا لكلِّ أمر عظيم / واستعدُّوا للنقض والإِبرام
دامَ مجدٌ لهم وللناس مجد / ما سواهم وما له من دوام
شيَّدوها مبانياً للمعالي / ما بناها مشيّد الأَهرام
طهَّر الله ذاتكم واصطفاكم / حجَّة للإسلام في الإِسلام
عَلقَتْ فيكم المطالب منَّا / منذ كنتم وما علقتم بذام
كلُّ فرد منكم إمامٌ لعصر / ما فَقَدنا منكم به من إمام
أَرْضَعَتْه أُمُّ العُلى بلبان / قد عهدناه قبل عهد الفطام
فلئنْ سار فيكم ذكر شعري / آخذاً بالإِنجاد والإِتهام
فبكم عِصْمتي وفيكم فخاري / وبلوغ المنى ونيل الحطام
إنْ كتمت الثناء حيناً عليكم / ضاق صدري به عن الاكتتام
فابق في نعمةٍ عَلَينا من الل / ه مفيضاً سوابغ الإِنعام
واهنأ يا سيِّدي بعيدٍ سعيدٍ / عائد بالسُّرور في كلّ عام
أَترجَّى الفتوح في المدح فيكم / بافتتاحي بمدحكم واختتامي
لا تَلُمْ مُغْرَماً رآك فهاما
لا تَلُمْ مُغْرَماً رآك فهاما / كلُّ صبٍّ تَرَكْتَهُ مُستهاما
لو رآك العذول يوماً بعيني / تَرَكَ العذل في الهوى والملاما
يا غلاماً نهاية الحُسن فيه / ما رأت مثله العيون غلاما
تاركٌ في الأَحشاء ناراً وفي الأَج / فان دَمْعاً وفي القلوب غراما
أتراني أبلُّ فيك غليلاً / أَمْ تراني أنال منك مراما
كلَّما قلت أَنْتَ برؤٌ لقلبي / بَعَثَتْ لي منك العيون سقاما
وَبوحْيٍ من سِحْر عَينيك يوحي / لفؤادي صبابة وغراما
عمرك الله هذي كبدي الحرَّى / تشكَّت إلى لماك الأُواما
فاسقني من رحيق ريقك صِرفاً / لا يريني كأس المدام مداما
حام خالٌ على زلالٍ برودٍ / هو فيك فاصطلاها ضراما
أَطْعَمَتْهُ في فيك أطماعُنا في / ك فما نال بردَها والسَّلاما
أَوَلَمْ تخشَ يا مليحُ من الله / بقتلي من غير ذنبٍ أثاما
فالأَمانَ الأَمانَ من سحر عينيك / فقد جَرَّدْتَ علينا حساما
لستُ أَدري وقد تَثَنَّيْتُ تيهاً / أَقَضيباً هَزَزْته أمْ قواما
ما هَصَرنا إلاَّ قوامك غصناً / ونظرنا إلاّكَ بدراً تماما
لم تَدُمْ لذَّةٌ لعَيْني بمرآك / فما للهوى بصَبِّكَ داما
فإذا مَرَّ بي ادِّكارُك يوماً / قَعَدَ الوَجْدُ بالفؤاد وقاما
فأجرني من مثل هجرك إنِّي / لا أرى العيش جفوةً وانصراما
بل أَعدُّ اليوم الَّذي أَنْتَ تجفو / فيه دهراً ويوم هجرك عاما
أينَ منك الآرام في مسرح السّرب / إذا قلتُ تشبه الآراما
يا غزالاً يرعى سويدا فؤادي / لا الخزامى بحاجر والثماما
صَرَعَتْ مقلتاكَ بالسّحر أقوا / ماً وداوَتْ من دائها أقواما
كم سَهِرْتُ الدُّجى بأعين صبٍّ / أمطرت مزنها فكان ركاما
والتمستُ الكرى لطرفي بطرفي / فرأيتُ الكرى عليَّ حراما
يا خليليَّ خلِّياني من اللَّوم / فإنِّي لا أسمع اللوَّاما
واتحفاني بطيب أخبار نجدٍ / وصِفا لي ربوعها والخياما
واذكرا لي من العراق شهاب / الدِّين نثراً في مدحه ونظاما
فبذكر الكرام تنتعش الرُّو / ح انتعاشاً فتطربُ الأَجساما
سادَ سادات عَصْره ولأمرٍ / فاخَر التِّبرُ والنّضارُ الرغاما
لم يَزَلْ للعلاء والمجد أقسا / ماً وللعلم والنّهى أقساما
فَعَلا في سماء كلّ فخارٍ / فتعالى علاؤه وتسامى
خارق فكره من العلم ما لم / يقبل الخرق قبلُ والالتئاما
فأرى النَّاس ما سواه وهاداً / مُذْ أرينا علومه الأَعلاما
يا إماماً للمسلمين هُماماً / بأبي ذلك الإِمام الهماما
إنَّما أَنْتَ رحمةٌ رَحِم الله / بها المسلمين والإِسلاما
يكشف الله فيك عن مشكلات ال / علم سرًّا ويرفع الإِيهاما
بكلامٍ يشفي الصدور من الجهل / شفاءً ويبرئ الأسقما
فكأنَّ العلومَ توحى إلى قَلبكَ / في السرِّ يقظةً ومناما
ولقد كِدْتَ أن ترى ما وراء الغَ / يْبِ عُلوماً أُلهِمتَها إلهاما
جلّ مجدٌ حَوَيْته أن يضاهى / وكمال رُزِقْتَه أن يُراما
قَصُرَتْ دون ما بَلَغْتَ الأعالي / عن محلٍّ حَللْتَه ومقاما
لم ينالوا أخفافها وتسنَّمتَ / برغم الأنوف منها السناما
قد رأيناك يوم جدٍّ وهزلٍ / قد نهرت الأفكار والأفهاما
فاقتطفنا من الرياض وروداً / وسمعنا من الدراري كلاما
وانتشقنا نسيم رقّةِ لفظ / كنسيم الصَّبا ونشر الخزامى
حججٌ منك توضح الحقَّ حتَّى / أفْحَمتْ كلَّ ملحدٍ إفحاما
نبَّهَتْ بعد رقّة الجهل قوماً / لم يكونوا من قبل إلاَّ نياما
مَحَقتْ ظلمة الضلالة والغيّ / كما بمحق الضياءُ الظلاما
يمنع البيض خطّ أقلامك السم / ر بلاغاً أن تسبق الأقلاما
أَنْتَ مقدامها إذا أصبح المق / دام فيها لا يحسن الإقداما
أَنْتَ أعلى من أن يقال كريمٌ / إن عَدَدْنا من الأنام الكراما
تغمرُ النَّاس بالجميل وصَوْبُ / المزن يسقي البطاح والآكاما
فإذا عَدَّتِ الأماجد يوماً / كنت بدءاً لها وكنتَ الختاما
جَدَّ في وَجْده بكم فَعَلاما
جَدَّ في وَجْده بكم فَعَلاما / عَذَلَ العاذِلُ المحبّ ولاما
ما درى لا درى بصبوة عانٍ / وَجَدَ الوجدَ في هواكم فهاما
يستلذُّ العذابَ من جهة الحبّ / ويحتار في الشّفاء السّقاما
أيُّها النازحون عنَّا بقلبٍ / أخلَقَ الصَّبر واستجدَّ الهياما
عَلِّلونا منكم ولو بنسيمٍ / يحملُ الشّيح عنكم والخزامى
وأْذَنوا للخيال يطرقُ ليلاً / أن يزور الخيالُ منكم مناما
لستُ أدري ولا المفنّد يدري / أمَلاً ما يزيدني أم غراما
أينَ عهدُ الهوى بآرام نجدٍ / وبلوغ المَشوق فيها المراما
ذَكِّراني بها مسرَّات عيشٍ / ليته عادَ بعد ذاك وداما
وابكِياها معي وإنْ كنتُ أولى / عَبْرَةً منكما عليها انسجاما
ربَّما يَنْفَعُ البكاء غليلاً / أو تبلُّ الدُّموعُ منا أُواما
وبنفس أحبَّةً أوقَدوها / لوعةً في الحشا فشَبَّتْ ضراما
حرموا عَينَيَّ الكرى يوم بانوا / واستباحوا دمي وكانَ حراما
يا لقومي وكلّ آية عذر / تعذر المستهام من أنْ يُلاما
كيفَ ينجو من الصَّبابة صبٌّ / فَوَّقَتْ نحوه العيونُ سهاما
ورَمَتْهُ بسهمِها فأصابتْ / حين أصْمَتْ فؤاده المستهاما
هل عَرَفْتَ الدّيارَ من آل ميٍّ / بعد أن أصْبَحَت طلولاً رماما
ليتَ شعري وأينَ أيَّام فروى / أفكانت أيَّامها أحلاما
ينْبِتُ الحُسن في ثراها غُصوناً / كلّ غصن يُقِلُّ بدراً تماما
مَن لصادٍ ظامي الحشا يتلظَّى / غُلَّةً في فؤاده واضطراما
لو رشفْنا الحياة من ريق أَلمى / ما شكوْنا من الجوى آلاما
لا تنوبُ المدام عن رشفاتٍ / من شفاهٍ تعافُ فيها المداما
حبَّذا العيش والمدام مدامٌ / ذلك العصر والندامى ندامى
فسقاها الغمامُ أربُعَ لهوٍ / كلَّما استسقَتِ الدِّيار الغماما
كانَ صَحبي بها وكنَّا جميعاً / نُشْبِهُ العِقْد بهجةً وانتظاما
فإذا عنَّ ذكرهم لفؤادي / قَعدَ الوجدُ بالفؤادِ وقاما
أَترى في الأَنجاب كابن عليٍّ / وهو عبد الرَّحمن شهماً هماما
ناشئٌ في الشَّباب في طاعة الل / ه فكان الصَّوام والقوَّاما
لا ينال الشيطانُ منه مراماً / ثقةً منه بالتقى واعتصاما
يرتَقي في الكمال يوماً فيوماً / ويسود الرِّجال عاماً فعاما
فطنة تكشفُ الغوامض في الع / لم ظهوراً وترفع الإِيهاما
فتراه إذا تأَمَّلْتَ فيه / ألهمَ العلمَ والحجى إلهاما
زانه الله بالتقى وحباه / عفَّةً في طباعه واحتشاما
طاهرٌ لا يمسّه دنس السُّو / ءِ عفافاً ولا يداني أثاما
فيه من جدِّه مناقب شتَّى / مُدْهِشات الأَفكار والأَفهاما
مَنْ أراه الترياق من ضرر السّ / مّ أراه على العدوّ سماما
فرع آل البيت الَّذي شرَّف الل / ه وأعلاهُمُ لديه مقاما
فتمَسَّكْ بهم ولذْ بحماهم / فهُمُ العروة الَّتي لا انفصاما
يبعثُ الله منهم كلّ عصرٍ / علماء أفاضلاً أعلاما
يمحقون الضلالَ من ظلمة الكف / رِ كما يمحقُ الضّياء الظَّلاما
يُنفقون الأَموال حبًّا لوجه الل / ه منهم ويطعمون الطَّعاما
دَحَضوا الغيَّ بالرَّشاد فما / زالوا إلى الله يرشدون الأَناما
كلَّما استبشروا بميلادِ طفلٍ / نشّر المسلمين والإِسلاما
وينال الوليدُ منهم علاءً / قبل أن يبلُغَ الوليد الفطاما
نوَّلوا وابلاً وجادوا غيوثاً / واستهلّوا بشاشة وابتساما
لو سألتَ العُلى أجابَتْكَ عنهم / أو سأَلتَ السُّيوفَ والأَقلاما
لا يُضام النزيلُ فيهم بحالٍ / وأبى الله جارَهم أن يُضاما
بلَغوا غاية المعالي قعوداً / تعجزُ الرَّاغبون فيها قياما
بأبي سيِّداً تهلّل طفلاً / وزكا عنصراً وسادَ غلاما
وكأنِّي به وقد وَلِيَ الأَمرَ / وأَضحى للعارفين إماما
هكذا تُخْبِرُ السَّعادة عَنْهُ / ويُطيلُ العرفانُ فيه الكلاما
يتَحلَّى من فضله بِحُلْيٍ / نَظَمَتْهُ غرُّ القوافي نظاما
شفَّها السَّيْرُ والأسى والغرامُ
شفَّها السَّيْرُ والأسى والغرامُ / وبَراها الإنجادُ والإتهامُ
كم فَرَتْ مهمهاً وجابَتْ قِفاراً / واشتكتها الأوهاد والأعلام
فترفَّقْ بها فإنَّ حشاها / لو تأمَّلْتها جوىً وغرام
جَعَلتْ وِردَها من الماء عبًّا / أفيطفى من الدموع ضرام
كم ألَمَّت بنا على آل ميٍّ / ونبا من دروسها الآلام
يوم لاح الحمى فقلت لصحبي / هذه دارهم وتلك الخيام
فنثرنا من الهوى عبراتٍ / فَحَسِبْنا أنَّ الدموع ركام
كلَّمتنا الديار وهي سكوتٌ / إنَّ بعضاً من السكوت كلام
ذكَّرَتْنا بها وما دام عيشاً / أيُّ عيشٍ دامت له الأيام
ما عَلِمنا حتَّى انقضت وتولَّتْ / أنَّ أيامنا بها أحلام
إذ جَلَونا من الحميّا عروساً / بنت كرم لها الزجاج لثام
يا لها ساعةً بمجلس أنس / غاب جام بها وأشرَفَ جام
ضيَّعَتْها أيدي الحوادثِ منَّا / مثلَ ما ضَيَّعَ الجميلَ اللئام
نطلب الدهر أن يعود وهَيْها / ت يروّى من السَّراب الأوام
وبنفسي ذاك الغرير المفدى / ففؤادي بحيه مستهام
واشتياقي إلى ارتشاف رضاب / حَسَدَتْ ذلك الرضابَ المدام
يا غزالاً فدىً لعينيك قلبي / نظراتٌ أرْسَلْتها أمْ سِهام
هِمْتُ وَجْداً وذُبْتُ فيك هياما / وقليلٌ على هواك الهيام
كيف تخفى سريرةُ الحبِّ عنكم / وأخو الوجد دَمْعُه نمّام
ظَعَنَ الركب ضحوةً وأراني / لم يطب لي بعد الحبيب مقام
فاترك الهزل يوم جَدَّ بجدِّ / إنَّ هزل المقام بالشهم ذام
واطلبِ العزَّ بالقنا والمواضي / إنَّما العزّ ذابل وحسام
فمرام المنى ونيل المعالي / بسوى البيض والقنا لا يرام
وتمسَّك بسَمْهريّ وشيج / فالعوالي إلى المعالي زمام
واقتحمها إذا نَبَتْ بك يوماً / فأرى المجدَ بابُه الاقتحام
وادفع الشرّ إن عَلِمتَ بشرٍّ / ربَّما يدفع السّقامَ السقامُ
فمتى تكبر العزائم بأساً / صَغُرَتْ عندها الأُمور العظام
وتَقَلَّدْ بالرأي قبل المواضي / ليس يجدي بغير رأي صِدام
رُبَّ رأي بالخطب يفعل ما لا / يفعل السَّمهريُّ والصَّمصام
واحْذرِ الغَدْرَ من طباع لئيم / عنده الغدر بالصَّديق ذمام
وادَّخر للوغى مقالة حربٍ / لا تقوّي الأَجسامَ إلاَّ العظام
لا تلومي فتًى يخوض المنايا / كلُّ جبنٍ من الحِمام حِمامُ
واصبري فالأَسى سحابةُ صيفٍ / وَلرَبِّي بأمره أَحكام