القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَني النابُلُسي الكل
المجموع : 13
جسد في هوى المليح عليلُ
جسد في هوى المليح عليلُ / وفؤاد للشوق فيه غليلُ
وظهور كما ترى وبطون / يحصل النقص منه والتكميل
وستور تماط عن وجه حقٍّ / فيحق الرجاء والتأميل
وبروق بها الظلام ضياء / ورعود بها العلوم تسيل
أيها الركب هذه دار سلمى / فانزلواها ما خاب فيها النزيل
واسمعوا من فم الوجود كلاماً / لا اعوجاج به ولا تحويل
واشربوه عتيقةً جددوها / بكؤوس مزاجها زنجبيل
واقرأوه الكتاب لا ريب فيه / نازل دائماً به جبريل
وإذا شئتموه فهو مليح / أغيدٌ زان طرفَه التكحيل
ملك الحسن وجهه الحق نور / فوقه التاج لاح والإكليل
وهو في الكون عندنا قرآن / لا زبور بقي ولا إنجيل
وفهوم جميعها أسرار / وعلوم أتى بها التنزيل
ملة للموحدين نهار / وعلى المشركين ليل طويل
هجموا بالعقول فاغترفوها / فإذا في كفوفهم تخييل
وأرادوا أن يظفروا فأتاهم / من هداها الحرمان والتضليل
قصدوها تكون طبق هواهم / فأبت واختفى إليها السبيل
فغدوا ينكرون ما لم ينالوا / ولهم بادعائهم تعليل
حظهم مثل حظهم من سواها / ليس إلا الوسواس والتسويل
هذه الحضرة التي أهلها قد / منعوها عمن به تطفيل
ولتفصيلها بهم إجمالٌ / ولإجمالِها بهم تفصيل
وقف القوم حائرين لديها / وجريح منهم بها وقتيل
كلما أومأت إليهم بشيء / كان للشيء عندهم تفضيل
تارة بالجمال فيهم تجلت / وعليهم فكل شيء جميل
وإذا بالجلال كان التجلي / طال قالٌ من الجهول وقيل
يا بني هذه الطريقة أنتم / في جنان وماؤكم سلسبيل
ولكم رزقكم من الله يأتي / كم به منه بكرةٌ وأصيل
فاعبدوه به على الكشف منكم / وليراعَ التحريمُ والتحليل
ثم كونوه بالفنا وليَكُنْكُم / بالبقا فهو أصلُ فرع أصيل
هي سلمى وكلهم طالبوها / وإليها كل القلوب تميل
ظهرت بالقدود منعطفاتٍ / وبوجه كأنه قنديل
فرأينا الهدى ولا تشبيهٌ / قد بقي عندنا ولا تعطيل
صاح خفِّض عليك ليس يريك ال / حقَّ ذا الإنقطاعُ والتبتيل
لمتى الجهل فيك هاهي لاحت / أين منك التكبير والتهليل
لا ترمها إن كنت تبخل بالنف / س عليها هيهات يحظى البخيل
وادخل الدار دارها بخضوع / لتراها بها وأنت ذليل
وتقرب بما حويت إليها / فعساها لما طلبت تنيل
كم فتى عنه أسفرت وتبدت / لكن الطرف عن سناها كليل
وهي في الكل تنجلي بثياب ال / كل لولا التصوير والتمثيل
شمس ذات لها النفوس شعاع / في البرايا والجسم ظل ظليل
كل شيء بها لقد صار شيئاً / ولتحقيره بها تبجيل
فهي لا غيرها وإن راح جيل / قد تجلت به وأقبل جيل
والمعاني كثيرة من ضلالٍ / وهدىً لكن الصواب قليل
والذي نحن فيه لايعتريه النس / خ طول المدى ولا التبديل
فتمسك فقد نصحتك والزم / وعلى ما أقول ربي الوكيل
إن قولي مؤيد بالنقول
إن قولي مؤيد بالنقول / وبما تقتضيه كل العقول
عند من يعرف إصطلاحي ويدري / شرح حالي بقصدي المقبول
لست ممن يقول عن كل شيء / أنه الله قول كل جهول
قصده يدرأ التكاليف عنه / مستبيحاً أحكام شرع الرسول
إنني منه كل حين بريءٌ / بل أنا العبد طالب للقبول
وإذا قلت ذاك كان مرادي / صانع الشيء فاعل المفعول
حيث لا شيء جامد هو عندي / بل كبرق يلوح بين الطلول
والذي عنه ذلك الشيء يبدو / هو رب الفروع رب الأصول
مثل قول الخليل وقت التجلي / إن هذا ربي بصدق المقول
وهو نجم بدا وبدر وشمس / ثم كان امتيازه بالأفول
أخذ الجاهلون أقوال مثلي / ثم قالوا بها على المجهول
لم يذوقوا منها الذي نحن ذقنا / لا ولم يعرفوا حقيق النزول
إنما قلدوا بحفظ كلام / وادعاء له بغير حصول
وقصاراهمُ التخيُّلُ فهماً / وهو فيهم من غاية المأمول
هم عوامٌ لا يعلمون وهذا / هو سر أعيى جميع الفحول
حاولته الفحول أن يدركوه / فأبى من حجابه المسدول
فأزالوا نفوسهم وأتوه / بافتقار ونائل مبذول
وسعو نحوه به وأقاموا / حكمه تاركين قول العذول
فتجلى لهم فأفنى هواهم / ثم أفنى منهم شخوص النحول
طحنتهم منه الرحى حين دارت / ثم جاءت بهم مجيء السيول
وعليهم تكرر الأمر حتى / وقعوا في اللقا وأمر مهول
فهم الفعل منه في كل حال / وهم الغائبون غيبة غول
لهم الإسم فيه من دون رسم / عن عيان محقق ووصول
وعليهم شواهد الصدق لاحت / ليس تخفى إلا على المخذول
هذه أعين إليه صحاح / أنفت من نواظرٍ عنه حول
أين منها مقال أهل اتحاد / بدعاوي الفنا وأهل حلول
اعقل الأمر تارك الشرع أعمى / عن طريق الهدى وتحصيل سول
فهو إن كان مؤمناً فاسقٌ أو / جاحداً فهو كافر ذو فضول
كيف يرقى ما لم يتب من خطاه / محكماً فتل حبله المحلول
ذاك هيهات لا يكون وإن قد / كان وقع النصول فوق النصول
أين فهم الشمول والشرب منها / بافتكار وأين ذوق الشمول
رُبَّ فوارةٍ خلال مروجٍ
رُبَّ فوارةٍ خلال مروجٍ / ماؤها ناثرٌ عقودَ لآلي
كلما قام ذلك الماء فيها / خرَّ للأرض ساجداً للحال
وهو في حالة السجود تراه / في هدير بذكره متوالي
ليس إلا هو الشخوص إذا ما / زال شخصٌ أتاه شخص تالي
جل يا ماء خالقٌ لك أجرى / دائماً فهو ربنا ذو الجلال
قم به هكذا بنفسك واقعد / في السواقي وصوت ذكرك عالي
عبرة للذي يرى بك منا / نفسه في تكوُّنٍ وزوال
مدة العمر فهو لله عبد / من أولي الأمر أمر مولى الموالي
ربنا الله ذلك المتعالي
ربنا الله ذلك المتعالي / عن جميع الأشباه والأمثالِ
عزَّ في ملكه وجلَّ فصارت / عنه معقولةً عقول الرجال
لا بذكرٍ يدرونه أو بفكر / أو بوهم ولا خطور ببال
فهو غيب كل الورى سبَّحتْه / بتصاويرها وبالأشكال
وهو مع ذاك التنزه بادٍ / يتجلى بسافل وبعالي
وقريبٌ للشيء من كل شيء / وبعيدٌ بعزة وجلال
حركات الجميع مع سكنات / كلها منه عنه في كل حال
ما لشيء سواه تأثير فعل / أبداً غير نسبة الأفعال
عرفته به أولوا العلم منا / بعد محو النفوس باضمحلال
حيث لم يتركوا لهم فيه دعوى / أثر من تحرك أو مقال
وله أسلموا به فرأوه / فاعلاً عين فعلهم بالتوالي
ولهم محض نسبة الفعل أبقى / للعبودية التي للكمال
كلَّفتهم أحكامه أن يروها / فهي منهم له على الإجمال
ظاهر عندهم بهم وهو عنهم / باطن غائب بغير زوال
فهو من حيث ذاته في خفاء / وهو من حيث وصفه في تلالي
واتصال لهم به حيث عنه / وجدوا ثم هم به في انفصال
كعبة الحسن أسفرت بالجمالِ
كعبة الحسن أسفرت بالجمالِ / وتبدَّت لصاحب الأحوالِ
ولها مقلة من الحجر الأس / ود ترنو ببهجة ودلال
ريقها زمزم يمج بعذب / سائغ للمتيمين زلال
وحطيمٌ محبُّها بغرام / صبّ ميزابه بفرط جلال
نظرتها عيونها بعيون ال / عاشق الواله البعيد المجال
وإذا كنت عابداً فهي سلمى / لبست ثوبَ هيبة وكمال
وأشارت إلى الطواف بوجه / يفضح البدر بالسنا والتلالي
ويرى الزاهد المجرد بيتاً / ملأته مهابة الإفضال
اطلب العلم كالذباب إذا ما
اطلب العلم كالذباب إذا ما / طردوه يعود في كل حالِ
واشتغل بالمطالعات لما في / كتب العلم أنت طول الليالي
وإذا أشكلت عليك أمور / سل خبيراً ولا تقف في السؤال
وإذا لم تجد خبيراً فدعها / لوجود الخبير ذي الإفضال
إن هذا هو السعادة أما / غير هذا فمحض قيل وقال
آلة الشكر هذه الأموالُ
آلة الشكر هذه الأموالُ / تترقى بها النسا والرجالُ
فاجمعوها لتنفقوها على من / تنفقوها عليه وهي حلال
واقصدوا وجه ربكم لتنالوا / كل خير وليس منكم سؤال
درهم تنفقونه فيه ينمو / وبه يدفع الردى والضلال
وبه الله عنك راض إذا كا / ن حلالاً تنال مالا ينال
واحذر احذر أن تقتفي كرماً في / غير شكر الإله فهو وبال
أو بمال محرم فهو إثم / وخصوصاً فيما عساه يقال
إنما الشكر فرض عين علينا / وهو منا الأقوال والأفعال
كل ما كان طاعة فهو شكر / والمعاصي كفران ما لا يزال
من تناويع نعمة الله ما لم / تُحصَ فالله محسن مفضال
ليس إلا مظاهرٌ ومجالي
ليس إلا مظاهرٌ ومجالي / فاتركونا نَجُلْ بهذا المجالِ
ما مع الله في الوجود سواه / إنما نحن فرضه للمحال
من قديم أحبنا فأحبي / ناه والحب مثبت في الخيال
صوراً تختفي وتظهر طوراً / في محل بين الحبيبين خالي
فافهموا يا عقول معنى كلامي / وترقوا به لأوج المعالي
إنما الحق للجميع محب / فتراه مصور الأمثال
لكن الحب منه لا منك يا من / هو عنه في غفلة واشتغال
أسرته لضعفه شهواتٌ / من حرام لذيذةٌ وحلال
فلو انزاح فيه عن كل شيء / لرآه عليه في إقبال
ثق بمولاك واشتغل في رضاه / وتحقق واترك جميع الموالي
إنما الكل فتنة لك فاعلم / أنه ذوالإكرام والإجلال
إنما وحدة الوجود لدينا
إنما وحدة الوجود لدينا / وحدة الحق فافهموا ما نقولُ
وحدة الله وحدة لا سواها / شهدتها منا الكبار الفحول
وسواء قلنا الوجود أو الح / ق فلا فرق عندنا يا جهول
لا تظن الوجود حيث ذكرنا / ه هو الخلق عندنا المبذول
هو حق بعد الفنا عن سواه / يتجلى فتضمحل العقول
ولهذا كان الفنا هو شرطاً / عندنا للمريد فيه حلول
وهو طهر الأرواح من نجس قد / حلَّ فيها من الكثيف يجول
لطخ الروحَ حين خالطها إذ / جهلته وغاب عنها القبول
واعتراها أيضاً هنا حدث من / كل معنى به الحجى مشغول
فالنجاسات مانعات المصلِّي / وكذاك الأحداث حين تحول
بين ربي وبينه فارفعوها / بعلوم السما يكون الوصول
إن أحبابنا وهم سادةُ الحَيْ
إن أحبابنا وهم سادةُ الحَيْ /
هجروا بعد وصلهم مغرماً عَيْ /
وعلى البعد مذ لوى ركبَهم لَيّْ /
لمعت نارُهم وقد عسعسَ اللَيْ / لُ ومَلَّ الحادي وتاه الدليلُ
هيَّ بي يا محبهم نحوهم هيّْ /
لا تموِّهْ بزينبٍ لا ولا ميْ /
نارهم في الحشى بدت وكوت كيْ /
فتأملتها وفكري من البيْ / ن عليلٌ ولحظُ عيني كليلُ
جن عقلي بهم إذا الليل جنّا /
والحشى كلما تذكر حنّا /
ليت شعري كيف السلوُّ وأنَّى /
وفؤادي هو الفؤاد المعنَّى / وغرامي ذاك الغرام الدخيل
لذَّ لي في هوى المليحة سلبي /
وكشفت الحجاب عن عين قلبي /
لا تلمني قضيت يا صاح نحبي /
ثم قابلتها وقلت لصحبي / هذه النار نار ليلى فميلوا
أنا من أجلها أحب المليحا /
وفؤادي يهوى القوام الرجيحا /
ضج قومي وحاولوا الترجيحا /
فرموا نحوها لحاظاً صحيحا / ت فعادت خواسئاً وهي حول
ليتهم أقصروا بها ما استطالوا /
وبأيمانهم على القرب آلوا /
قصدوها فخابت الآمال /
ثم مالوا إلى الملام وقالوا / خلَّبٌ ما رأيت أم تخييل
هل أتدري وعلم حالي لديها /
ويح أهل الملام لا موا عليها /
ثم لي موَّهوا بها تمويها /
فتجنبتهم وملت إليها / والهوى مركبي وشوقي الزميل
صار ختمي في حب علوة بدءا /
وتقربت مسمعاً بل ومرأى /
ثم إني دنوت والغير ينأى /
ومعي صاحبٌ أتى يقتفي الآ / ثار والحب شرطه التطفيل
قد شربنا في حبها خمرة الدنّْ /
وعلينا الساقي المليح بها منّْ /
ثم جئنا والقلب من شوقه حنّْ /
وهي تعلو ونحن ندنو إلى أنْ / حجزت بينها طلولٌ حلول
منية القلب بالجمال تعالت /
وإليها ملنا نهيم فمالت /
وقصدنا طلولها حين طالت /
فدنونا من الطلول فحالت / زفزاتٌ من دونها وغليل
قد تناءت ديارها وطريحُ /
أنا والجفن بالدموع قريحُ /
ثم مذ جئت والغرام صحيحُ /
قلت من بالديار قالوا جريحُ / وأسير مكبَّلٌ وقتيل
دار سلمى ما دار فيها كثيفُ /
قطُّ إلا وناله تلطيفُ /
قيل لي حين جئتها يا شريفُ /
ما الذي جيتَ تبتغي قلت ضيفُ / جاء يبغي القرى فأين النزول
يا لسلمى تُعز قوماً وتحقرْ /
وأسير الهوى يرى الحر في القرْ /
جئتها والفنا من الغير مفقرْ /
فأشارت بالرحب دونك فاعقرْ / ها فما عندنا لضيف رحيل
حبنا العز والعلى من لدنْهُ /
والكمالات والمفاخر منْهُ /
لا ترمنا فما لما رمت كنْهُ /
من أتانا ألقى عصا السير عنْهُ / قلت من لي بها وأين السبيل
حثَّنا الشوقُ في مهامه لومٍ /
لديار الهوى وبهجة يومٍ /
ثم سرنا نزيل آثار نومٍ /
فحططنا إلى منازل قومٍ / صرعتهم قبل المذاق الشمول
لفؤادي في الحب أوفر قسمِ /
والهوى قد هوى بروح وجسمِ /
ونداماي ليس منهم سوى اسمِ /
درس الوجدُ منهمو كلَّ رسمِ / فهو رسم والقوم فيه حلول
هو قلبي عن الهوى ليس ينفكّْ /
فاقطع اللوم صاح من حيثما رَكّْ /
إنما القوم طودهم بالهوى أندكّْ /
منهمو من عفا ولم يَبقَ للشكْ / وى ولا للدموع منه مقيل
منزل الغانيات إياك منْهُ /
فهو للسلب في المحبة كنْهُ /
ولكم عاشق عهدت لدنْهُ /
ليس إلا الأنفاس تخبر عنْهُ / وهو منها مبرَّأٌ معزول
ركن أهل الملام من صبوتي ارتَجّْ /
وأخلاي في الهوى صبرُهم عجّْ /
فترى منهم الطريح وقد لجّْ /
ومن القوم من يشير إلى وجْ / دٍ تبقَّى عليه منه القليل
أنا أهوى نواظراً وقواما /
ذاك رمحاً أرى وتلك سهاما /
ولأهل الهوى غدوتُ إماما /
ولكلٍّ رأيت منه مقاما / شرحه في الكتاب مما يطول
اتركو اللوم يا عواذلُ وَيكمْ /
وامنحوني يا سادتي ما لديكمْ /
أنا أرسلت بالكتاب إليكمْ /
قلت أهل الهوى سلامٌ عليكمْ / لي فؤاد بحبكم مشغول
عَرْفُ ليلى من النسائم أشتمّْ /
وفؤادي بزائد الحب يهتمّْ /
لي ضلوع من كثرة الشوقِ في غمّْ /
وجفون قد قرحتها من الدمْ / ع حثيثاً إلى لقاكم سيول
ليس في الحق يا ابن ودِّيَ جحدُ /
وجدك اسلَمْ به وهل لك وجدُ /
يا كراماً لضدهم ضمَّ لحدُ /
لم يزل حادثٌ من الشوق يحدو / ني إليكم والحادثات تحول
سال دمعي دماً من الماء أميَعْ /
وحديثي من كل ما شاع أشيَعْ /
ضعت والود بين قومي أضيَعْ /
واعتذاري ذنب فهل عند من يَعْ / لَمُ عذري في ترك عذري قبول
إن ذاك الحمى وذاك المكانا /
خطفتني بروقُهُ لمعانا /
يا رعاة الحمى أماناً أمانا /
جئتُ كي أصطلي فهل لي إلى نا / رِكُمو هذه الغداةَ سبيل
أهل ودي أهل الهوى فائْتَمِنْهُمْ /
فالوفا قد وجدته من لدنهمْ /
ورجوت الكرام أطلب منهمْ /
فأجابت شواهد الحال عنهمْ / كل حدٍّ من دونها مفلول
إن هذا الضيا وهذا البريقا /
لسليمى فاسلك إليها الطريقا /
وإذا الكون أظهر التزويقا /
لا تروقنَّك الرياض الأنيقا / ت فمن دونها رُبىً ودخول
قف على الباب للمحبة مُدْمِنْ /
فهواها غالي لدى القوم مُثْمِنْ /
هي سلمى لم يدرها غير مؤمنْ /
كم أتاها قوم على غرةٍ مِنْ / ها وراموا أمراً فعز الوصول
حسبوا ماءها يزيلُ أُواما /
فأذيبوا وأعدموا إعداما /
ثم لما أبدت لهم أعلاما /
وقفوا شاخصين حتى إذا ما / لاح للوصل غرةٌ وحُجول
عرفات الهوى بها الشجُّ والعجّْ /
لك طوبى يوما إذا فزت بالحجّْ /
فاقصد الركب إن تجد شوقهم لجّْ /
وبدت رايةُ الوفا بيدِ الوجْ / دِ ونادى أهل الحقائق جولوا
إن عهدي الوثيق في الحب ما انحلّْ /
وأخو الصدق دام والمدعي ملّْ /
وعلوم الهوى تقول الهوى جلّْ /
أين من كان يدَّعينا فهذا الْ / يوم فيه صِبْغُ الدعاوي يحول
نحن قومٌ مقامنا بالعلى خُصّْ /
وعلينا في محكم الذكر قد نُصّْ /
معشر للهدى بهم كلما اقتُصّْ /
حملوا حملةَ الفُحولِ ولا يُصْ / دَعُ يومَ اللقاءِ إلا الفحول
أهل أيد كالغيث بالبذل سحَّتْ /
طالما بالعداة في الحرب ضحَّتْ /
ثم لما النوى عليهم ألحَّتْ /
بذلوا أنفساً سخت حين شحَّتْ / بوصالٍ واستُصغرَ المبذول
سادةٌ قلعةُ الأنا هدموها /
أيُّ حال في الحرب ما علموها /
دخلوا في الوغى ليخترموها /
ثم غابوا من بعدما اقتحموها / بين أمواجها وجاءت سيول
سادة عن قلوبهم زالَ غلٌّ /
ولهم في عز الحقيقة ذلٌّ /
ثم لما بهم لهم كان ظلٌّ /
قذفتهم إلى الرسوم فكلٌّ / دمُهُ في طلولها مطلول
صرَّح القوم لي بما فكرهم حسّْ /
يحرق الكف للجهول إذا جسّْ /
ثم قالوا لكلِّ من يطلب المسّْ /
نارها هذه تضيء لمن يَسْ / ري بليلٍ لكنها لا تُنيل
كم عزيز في الحب لذَّ له الذُلّْ /
ثم من روانق النعيم قد استُلّْ /
شَرُفَتْ حالةً بها شُغِفَ الكُلّْ /
منتهى الحظ ما تزود منه الْ / لَحْظُ والمدركونَ ذاكَ قليل
هي ذاتٌ قد أظهرتنا لباسا /
وبنا منشأً زَكَتْ وأساسا /
ثم يا عقل مذ تركتَ قياسا /
جاءها من عرفت يبغي اقتباسا / وله البسطُ والمنى والسول
نفَّرتْهُ عن حبِّها واشمأزَّتْ /
وعليه من قدِّها الرمحَ هزَّتْ /
كل نفس همَّت بها واستفزَّتْ /
فتعالت عن المثال وعزَّتْ / عن دنوٍّ إليه وهو رسول
أخذتنا مقيدين أسارى /
والجوى قد أقام والصبر سارا /
يا ابن ودي كنا بها نتجارى /
فوقفنا كما عهدتَ حيارى / كلُّ عزمٍ من دونها مخذول
عللتنا بما تشير الملاهي /
فسمعنا منها ولم ندر ما هي /
ثم رحنا والفكر بالشوق ساهي /
ندفع الوقت بالرجاء وناهي / كم بقلب غذاؤُهُ التعليل
يا أخا الوجد من لصبٍّ أسيرٍ /
بين شوق نما وصبر يسيرٍ /
ويح قلبي في حب ظبيٍ غريرٍ /
كلما ذاق كأس يأس مريرٍ / جاء كأسٌ من الرجا معسول
لم يجد في هوى المهفهف صبرا /
وبه الشوق قد توقَّد جمرا /
مغرم القلب سرُّهُ صار جهرا /
فإذا سولت له النفس أمرا / حيدَ عنه وقيل صبر جميل
حرم نحن فيه والغير في الحلّْ /
رح سليماً ومن ملامتنا قلّْ /
فإذا ما سئلت يا أيها الخِلّْ /
هذه حالنا وما وصل العل / مُ إليه وكل حالٍ تحول
ألا إنما المخلوق يعرف بالعقلِ
ألا إنما المخلوق يعرف بالعقلِ / وخالقنا بالحسِّ يُعرَفُ والنقلِ
وهم يعرفون الله بالعقل كلُّهم / كما يعرفون الخلق بالحس والشكل
فلو علموا أن الذي في عقولهم / هو الخلق بل والحق في حسهم مجلي
بآياته في كل شيء منزَّهاً / عن الشيء حيث الشيء فانٍ من الكل
تعالى وجلَّ الله عن كل حادثٍ / بذات ووصف بل وبالإسم والفعل
وقد أمر الله العباد قل انظروا / وذلك بالعينين في النظر الأصلي
وهم عدلوا عنه لأنظار عقلهم / ودانوا كما دانت فلاسفةُ الخبل
وما العقل إلا للمعاشِ فإنه / لتدبير ملبوس وللشرب والأكل
وأما الحواس الخمسُ فهي لربنا / بها نشهدُ الآياتِ في العلْوِ والسفل
كما جاء في القرآن والسنة التي / عن المصطفى بالحسن تهدي ذوي العقل
لرؤيةِ محسوساتِ آياته فَخُذْ / متابعةَ الآياتِ تُنْبِتْكَ كالبقل
وتبصر فعل الله في كائناته / وتشهدها الآيات تتلى على الوصل
وذاك كلام الله والله قارئٌ / كلاماً قديماً لا ببدءٍ ولا فصل
حروف بدت منا بأصواتنا له / تجل عن الأصوات والأحرف المثل
وكانت وما كنّا جميعاً وإنما / هو العلم نور الذات يبديه كالظل
وغيب غيوب الحق عز وجل عن / مشابهة الأكوان والبعد والقبل
ولكننا نومي إلى علمنا به / ونعلم أن العلم منا أخو الجهل
نفخ روحٍ بالعز صار ذليلا
نفخ روحٍ بالعز صار ذليلا / دين رب مؤجل تأجيلا
لترى الربح باتجارك فيه / تفعل الخير بكرة وأصيلا
فبذات الدين الميسَّر فيما / تشتهيه ونلت حظاً قليلا
ثم حل الدين المؤجل حتى / جاء يبغيه منك لا تمهيلا
أيها الجاهل الذي ليس يدري
أيها الجاهل الذي ليس يدري / ما يلاقيه بكرة وأصيلا
كلما ازاداد من سوى الله علماً / زاد شيطانه له تسويلا
لا تغرنك الظواهر واترك / عنك قالاً به فُتِنتَ وقيلا
وتأمل في كل شيء تشاهد / كل شيء يفنى قليلا قليلا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025