المجموع : 13
جسد في هوى المليح عليلُ
جسد في هوى المليح عليلُ / وفؤاد للشوق فيه غليلُ
وظهور كما ترى وبطون / يحصل النقص منه والتكميل
وستور تماط عن وجه حقٍّ / فيحق الرجاء والتأميل
وبروق بها الظلام ضياء / ورعود بها العلوم تسيل
أيها الركب هذه دار سلمى / فانزلواها ما خاب فيها النزيل
واسمعوا من فم الوجود كلاماً / لا اعوجاج به ولا تحويل
واشربوه عتيقةً جددوها / بكؤوس مزاجها زنجبيل
واقرأوه الكتاب لا ريب فيه / نازل دائماً به جبريل
وإذا شئتموه فهو مليح / أغيدٌ زان طرفَه التكحيل
ملك الحسن وجهه الحق نور / فوقه التاج لاح والإكليل
وهو في الكون عندنا قرآن / لا زبور بقي ولا إنجيل
وفهوم جميعها أسرار / وعلوم أتى بها التنزيل
ملة للموحدين نهار / وعلى المشركين ليل طويل
هجموا بالعقول فاغترفوها / فإذا في كفوفهم تخييل
وأرادوا أن يظفروا فأتاهم / من هداها الحرمان والتضليل
قصدوها تكون طبق هواهم / فأبت واختفى إليها السبيل
فغدوا ينكرون ما لم ينالوا / ولهم بادعائهم تعليل
حظهم مثل حظهم من سواها / ليس إلا الوسواس والتسويل
هذه الحضرة التي أهلها قد / منعوها عمن به تطفيل
ولتفصيلها بهم إجمالٌ / ولإجمالِها بهم تفصيل
وقف القوم حائرين لديها / وجريح منهم بها وقتيل
كلما أومأت إليهم بشيء / كان للشيء عندهم تفضيل
تارة بالجمال فيهم تجلت / وعليهم فكل شيء جميل
وإذا بالجلال كان التجلي / طال قالٌ من الجهول وقيل
يا بني هذه الطريقة أنتم / في جنان وماؤكم سلسبيل
ولكم رزقكم من الله يأتي / كم به منه بكرةٌ وأصيل
فاعبدوه به على الكشف منكم / وليراعَ التحريمُ والتحليل
ثم كونوه بالفنا وليَكُنْكُم / بالبقا فهو أصلُ فرع أصيل
هي سلمى وكلهم طالبوها / وإليها كل القلوب تميل
ظهرت بالقدود منعطفاتٍ / وبوجه كأنه قنديل
فرأينا الهدى ولا تشبيهٌ / قد بقي عندنا ولا تعطيل
صاح خفِّض عليك ليس يريك ال / حقَّ ذا الإنقطاعُ والتبتيل
لمتى الجهل فيك هاهي لاحت / أين منك التكبير والتهليل
لا ترمها إن كنت تبخل بالنف / س عليها هيهات يحظى البخيل
وادخل الدار دارها بخضوع / لتراها بها وأنت ذليل
وتقرب بما حويت إليها / فعساها لما طلبت تنيل
كم فتى عنه أسفرت وتبدت / لكن الطرف عن سناها كليل
وهي في الكل تنجلي بثياب ال / كل لولا التصوير والتمثيل
شمس ذات لها النفوس شعاع / في البرايا والجسم ظل ظليل
كل شيء بها لقد صار شيئاً / ولتحقيره بها تبجيل
فهي لا غيرها وإن راح جيل / قد تجلت به وأقبل جيل
والمعاني كثيرة من ضلالٍ / وهدىً لكن الصواب قليل
والذي نحن فيه لايعتريه النس / خ طول المدى ولا التبديل
فتمسك فقد نصحتك والزم / وعلى ما أقول ربي الوكيل
إن قولي مؤيد بالنقول
إن قولي مؤيد بالنقول / وبما تقتضيه كل العقول
عند من يعرف إصطلاحي ويدري / شرح حالي بقصدي المقبول
لست ممن يقول عن كل شيء / أنه الله قول كل جهول
قصده يدرأ التكاليف عنه / مستبيحاً أحكام شرع الرسول
إنني منه كل حين بريءٌ / بل أنا العبد طالب للقبول
وإذا قلت ذاك كان مرادي / صانع الشيء فاعل المفعول
حيث لا شيء جامد هو عندي / بل كبرق يلوح بين الطلول
والذي عنه ذلك الشيء يبدو / هو رب الفروع رب الأصول
مثل قول الخليل وقت التجلي / إن هذا ربي بصدق المقول
وهو نجم بدا وبدر وشمس / ثم كان امتيازه بالأفول
أخذ الجاهلون أقوال مثلي / ثم قالوا بها على المجهول
لم يذوقوا منها الذي نحن ذقنا / لا ولم يعرفوا حقيق النزول
إنما قلدوا بحفظ كلام / وادعاء له بغير حصول
وقصاراهمُ التخيُّلُ فهماً / وهو فيهم من غاية المأمول
هم عوامٌ لا يعلمون وهذا / هو سر أعيى جميع الفحول
حاولته الفحول أن يدركوه / فأبى من حجابه المسدول
فأزالوا نفوسهم وأتوه / بافتقار ونائل مبذول
وسعو نحوه به وأقاموا / حكمه تاركين قول العذول
فتجلى لهم فأفنى هواهم / ثم أفنى منهم شخوص النحول
طحنتهم منه الرحى حين دارت / ثم جاءت بهم مجيء السيول
وعليهم تكرر الأمر حتى / وقعوا في اللقا وأمر مهول
فهم الفعل منه في كل حال / وهم الغائبون غيبة غول
لهم الإسم فيه من دون رسم / عن عيان محقق ووصول
وعليهم شواهد الصدق لاحت / ليس تخفى إلا على المخذول
هذه أعين إليه صحاح / أنفت من نواظرٍ عنه حول
أين منها مقال أهل اتحاد / بدعاوي الفنا وأهل حلول
اعقل الأمر تارك الشرع أعمى / عن طريق الهدى وتحصيل سول
فهو إن كان مؤمناً فاسقٌ أو / جاحداً فهو كافر ذو فضول
كيف يرقى ما لم يتب من خطاه / محكماً فتل حبله المحلول
ذاك هيهات لا يكون وإن قد / كان وقع النصول فوق النصول
أين فهم الشمول والشرب منها / بافتكار وأين ذوق الشمول
رُبَّ فوارةٍ خلال مروجٍ
رُبَّ فوارةٍ خلال مروجٍ / ماؤها ناثرٌ عقودَ لآلي
كلما قام ذلك الماء فيها / خرَّ للأرض ساجداً للحال
وهو في حالة السجود تراه / في هدير بذكره متوالي
ليس إلا هو الشخوص إذا ما / زال شخصٌ أتاه شخص تالي
جل يا ماء خالقٌ لك أجرى / دائماً فهو ربنا ذو الجلال
قم به هكذا بنفسك واقعد / في السواقي وصوت ذكرك عالي
عبرة للذي يرى بك منا / نفسه في تكوُّنٍ وزوال
مدة العمر فهو لله عبد / من أولي الأمر أمر مولى الموالي
ربنا الله ذلك المتعالي
ربنا الله ذلك المتعالي / عن جميع الأشباه والأمثالِ
عزَّ في ملكه وجلَّ فصارت / عنه معقولةً عقول الرجال
لا بذكرٍ يدرونه أو بفكر / أو بوهم ولا خطور ببال
فهو غيب كل الورى سبَّحتْه / بتصاويرها وبالأشكال
وهو مع ذاك التنزه بادٍ / يتجلى بسافل وبعالي
وقريبٌ للشيء من كل شيء / وبعيدٌ بعزة وجلال
حركات الجميع مع سكنات / كلها منه عنه في كل حال
ما لشيء سواه تأثير فعل / أبداً غير نسبة الأفعال
عرفته به أولوا العلم منا / بعد محو النفوس باضمحلال
حيث لم يتركوا لهم فيه دعوى / أثر من تحرك أو مقال
وله أسلموا به فرأوه / فاعلاً عين فعلهم بالتوالي
ولهم محض نسبة الفعل أبقى / للعبودية التي للكمال
كلَّفتهم أحكامه أن يروها / فهي منهم له على الإجمال
ظاهر عندهم بهم وهو عنهم / باطن غائب بغير زوال
فهو من حيث ذاته في خفاء / وهو من حيث وصفه في تلالي
واتصال لهم به حيث عنه / وجدوا ثم هم به في انفصال
كعبة الحسن أسفرت بالجمالِ
كعبة الحسن أسفرت بالجمالِ / وتبدَّت لصاحب الأحوالِ
ولها مقلة من الحجر الأس / ود ترنو ببهجة ودلال
ريقها زمزم يمج بعذب / سائغ للمتيمين زلال
وحطيمٌ محبُّها بغرام / صبّ ميزابه بفرط جلال
نظرتها عيونها بعيون ال / عاشق الواله البعيد المجال
وإذا كنت عابداً فهي سلمى / لبست ثوبَ هيبة وكمال
وأشارت إلى الطواف بوجه / يفضح البدر بالسنا والتلالي
ويرى الزاهد المجرد بيتاً / ملأته مهابة الإفضال
اطلب العلم كالذباب إذا ما
اطلب العلم كالذباب إذا ما / طردوه يعود في كل حالِ
واشتغل بالمطالعات لما في / كتب العلم أنت طول الليالي
وإذا أشكلت عليك أمور / سل خبيراً ولا تقف في السؤال
وإذا لم تجد خبيراً فدعها / لوجود الخبير ذي الإفضال
إن هذا هو السعادة أما / غير هذا فمحض قيل وقال
آلة الشكر هذه الأموالُ
آلة الشكر هذه الأموالُ / تترقى بها النسا والرجالُ
فاجمعوها لتنفقوها على من / تنفقوها عليه وهي حلال
واقصدوا وجه ربكم لتنالوا / كل خير وليس منكم سؤال
درهم تنفقونه فيه ينمو / وبه يدفع الردى والضلال
وبه الله عنك راض إذا كا / ن حلالاً تنال مالا ينال
واحذر احذر أن تقتفي كرماً في / غير شكر الإله فهو وبال
أو بمال محرم فهو إثم / وخصوصاً فيما عساه يقال
إنما الشكر فرض عين علينا / وهو منا الأقوال والأفعال
كل ما كان طاعة فهو شكر / والمعاصي كفران ما لا يزال
من تناويع نعمة الله ما لم / تُحصَ فالله محسن مفضال
ليس إلا مظاهرٌ ومجالي
ليس إلا مظاهرٌ ومجالي / فاتركونا نَجُلْ بهذا المجالِ
ما مع الله في الوجود سواه / إنما نحن فرضه للمحال
من قديم أحبنا فأحبي / ناه والحب مثبت في الخيال
صوراً تختفي وتظهر طوراً / في محل بين الحبيبين خالي
فافهموا يا عقول معنى كلامي / وترقوا به لأوج المعالي
إنما الحق للجميع محب / فتراه مصور الأمثال
لكن الحب منه لا منك يا من / هو عنه في غفلة واشتغال
أسرته لضعفه شهواتٌ / من حرام لذيذةٌ وحلال
فلو انزاح فيه عن كل شيء / لرآه عليه في إقبال
ثق بمولاك واشتغل في رضاه / وتحقق واترك جميع الموالي
إنما الكل فتنة لك فاعلم / أنه ذوالإكرام والإجلال
إنما وحدة الوجود لدينا
إنما وحدة الوجود لدينا / وحدة الحق فافهموا ما نقولُ
وحدة الله وحدة لا سواها / شهدتها منا الكبار الفحول
وسواء قلنا الوجود أو الح / ق فلا فرق عندنا يا جهول
لا تظن الوجود حيث ذكرنا / ه هو الخلق عندنا المبذول
هو حق بعد الفنا عن سواه / يتجلى فتضمحل العقول
ولهذا كان الفنا هو شرطاً / عندنا للمريد فيه حلول
وهو طهر الأرواح من نجس قد / حلَّ فيها من الكثيف يجول
لطخ الروحَ حين خالطها إذ / جهلته وغاب عنها القبول
واعتراها أيضاً هنا حدث من / كل معنى به الحجى مشغول
فالنجاسات مانعات المصلِّي / وكذاك الأحداث حين تحول
بين ربي وبينه فارفعوها / بعلوم السما يكون الوصول
إن أحبابنا وهم سادةُ الحَيْ
إن أحبابنا وهم سادةُ الحَيْ /
هجروا بعد وصلهم مغرماً عَيْ /
وعلى البعد مذ لوى ركبَهم لَيّْ /
لمعت نارُهم وقد عسعسَ اللَيْ / لُ ومَلَّ الحادي وتاه الدليلُ
هيَّ بي يا محبهم نحوهم هيّْ /
لا تموِّهْ بزينبٍ لا ولا ميْ /
نارهم في الحشى بدت وكوت كيْ /
فتأملتها وفكري من البيْ / ن عليلٌ ولحظُ عيني كليلُ
جن عقلي بهم إذا الليل جنّا /
والحشى كلما تذكر حنّا /
ليت شعري كيف السلوُّ وأنَّى /
وفؤادي هو الفؤاد المعنَّى / وغرامي ذاك الغرام الدخيل
لذَّ لي في هوى المليحة سلبي /
وكشفت الحجاب عن عين قلبي /
لا تلمني قضيت يا صاح نحبي /
ثم قابلتها وقلت لصحبي / هذه النار نار ليلى فميلوا
أنا من أجلها أحب المليحا /
وفؤادي يهوى القوام الرجيحا /
ضج قومي وحاولوا الترجيحا /
فرموا نحوها لحاظاً صحيحا / ت فعادت خواسئاً وهي حول
ليتهم أقصروا بها ما استطالوا /
وبأيمانهم على القرب آلوا /
قصدوها فخابت الآمال /
ثم مالوا إلى الملام وقالوا / خلَّبٌ ما رأيت أم تخييل
هل أتدري وعلم حالي لديها /
ويح أهل الملام لا موا عليها /
ثم لي موَّهوا بها تمويها /
فتجنبتهم وملت إليها / والهوى مركبي وشوقي الزميل
صار ختمي في حب علوة بدءا /
وتقربت مسمعاً بل ومرأى /
ثم إني دنوت والغير ينأى /
ومعي صاحبٌ أتى يقتفي الآ / ثار والحب شرطه التطفيل
قد شربنا في حبها خمرة الدنّْ /
وعلينا الساقي المليح بها منّْ /
ثم جئنا والقلب من شوقه حنّْ /
وهي تعلو ونحن ندنو إلى أنْ / حجزت بينها طلولٌ حلول
منية القلب بالجمال تعالت /
وإليها ملنا نهيم فمالت /
وقصدنا طلولها حين طالت /
فدنونا من الطلول فحالت / زفزاتٌ من دونها وغليل
قد تناءت ديارها وطريحُ /
أنا والجفن بالدموع قريحُ /
ثم مذ جئت والغرام صحيحُ /
قلت من بالديار قالوا جريحُ / وأسير مكبَّلٌ وقتيل
دار سلمى ما دار فيها كثيفُ /
قطُّ إلا وناله تلطيفُ /
قيل لي حين جئتها يا شريفُ /
ما الذي جيتَ تبتغي قلت ضيفُ / جاء يبغي القرى فأين النزول
يا لسلمى تُعز قوماً وتحقرْ /
وأسير الهوى يرى الحر في القرْ /
جئتها والفنا من الغير مفقرْ /
فأشارت بالرحب دونك فاعقرْ / ها فما عندنا لضيف رحيل
حبنا العز والعلى من لدنْهُ /
والكمالات والمفاخر منْهُ /
لا ترمنا فما لما رمت كنْهُ /
من أتانا ألقى عصا السير عنْهُ / قلت من لي بها وأين السبيل
حثَّنا الشوقُ في مهامه لومٍ /
لديار الهوى وبهجة يومٍ /
ثم سرنا نزيل آثار نومٍ /
فحططنا إلى منازل قومٍ / صرعتهم قبل المذاق الشمول
لفؤادي في الحب أوفر قسمِ /
والهوى قد هوى بروح وجسمِ /
ونداماي ليس منهم سوى اسمِ /
درس الوجدُ منهمو كلَّ رسمِ / فهو رسم والقوم فيه حلول
هو قلبي عن الهوى ليس ينفكّْ /
فاقطع اللوم صاح من حيثما رَكّْ /
إنما القوم طودهم بالهوى أندكّْ /
منهمو من عفا ولم يَبقَ للشكْ / وى ولا للدموع منه مقيل
منزل الغانيات إياك منْهُ /
فهو للسلب في المحبة كنْهُ /
ولكم عاشق عهدت لدنْهُ /
ليس إلا الأنفاس تخبر عنْهُ / وهو منها مبرَّأٌ معزول
ركن أهل الملام من صبوتي ارتَجّْ /
وأخلاي في الهوى صبرُهم عجّْ /
فترى منهم الطريح وقد لجّْ /
ومن القوم من يشير إلى وجْ / دٍ تبقَّى عليه منه القليل
أنا أهوى نواظراً وقواما /
ذاك رمحاً أرى وتلك سهاما /
ولأهل الهوى غدوتُ إماما /
ولكلٍّ رأيت منه مقاما / شرحه في الكتاب مما يطول
اتركو اللوم يا عواذلُ وَيكمْ /
وامنحوني يا سادتي ما لديكمْ /
أنا أرسلت بالكتاب إليكمْ /
قلت أهل الهوى سلامٌ عليكمْ / لي فؤاد بحبكم مشغول
عَرْفُ ليلى من النسائم أشتمّْ /
وفؤادي بزائد الحب يهتمّْ /
لي ضلوع من كثرة الشوقِ في غمّْ /
وجفون قد قرحتها من الدمْ / ع حثيثاً إلى لقاكم سيول
ليس في الحق يا ابن ودِّيَ جحدُ /
وجدك اسلَمْ به وهل لك وجدُ /
يا كراماً لضدهم ضمَّ لحدُ /
لم يزل حادثٌ من الشوق يحدو / ني إليكم والحادثات تحول
سال دمعي دماً من الماء أميَعْ /
وحديثي من كل ما شاع أشيَعْ /
ضعت والود بين قومي أضيَعْ /
واعتذاري ذنب فهل عند من يَعْ / لَمُ عذري في ترك عذري قبول
إن ذاك الحمى وذاك المكانا /
خطفتني بروقُهُ لمعانا /
يا رعاة الحمى أماناً أمانا /
جئتُ كي أصطلي فهل لي إلى نا / رِكُمو هذه الغداةَ سبيل
أهل ودي أهل الهوى فائْتَمِنْهُمْ /
فالوفا قد وجدته من لدنهمْ /
ورجوت الكرام أطلب منهمْ /
فأجابت شواهد الحال عنهمْ / كل حدٍّ من دونها مفلول
إن هذا الضيا وهذا البريقا /
لسليمى فاسلك إليها الطريقا /
وإذا الكون أظهر التزويقا /
لا تروقنَّك الرياض الأنيقا / ت فمن دونها رُبىً ودخول
قف على الباب للمحبة مُدْمِنْ /
فهواها غالي لدى القوم مُثْمِنْ /
هي سلمى لم يدرها غير مؤمنْ /
كم أتاها قوم على غرةٍ مِنْ / ها وراموا أمراً فعز الوصول
حسبوا ماءها يزيلُ أُواما /
فأذيبوا وأعدموا إعداما /
ثم لما أبدت لهم أعلاما /
وقفوا شاخصين حتى إذا ما / لاح للوصل غرةٌ وحُجول
عرفات الهوى بها الشجُّ والعجّْ /
لك طوبى يوما إذا فزت بالحجّْ /
فاقصد الركب إن تجد شوقهم لجّْ /
وبدت رايةُ الوفا بيدِ الوجْ / دِ ونادى أهل الحقائق جولوا
إن عهدي الوثيق في الحب ما انحلّْ /
وأخو الصدق دام والمدعي ملّْ /
وعلوم الهوى تقول الهوى جلّْ /
أين من كان يدَّعينا فهذا الْ / يوم فيه صِبْغُ الدعاوي يحول
نحن قومٌ مقامنا بالعلى خُصّْ /
وعلينا في محكم الذكر قد نُصّْ /
معشر للهدى بهم كلما اقتُصّْ /
حملوا حملةَ الفُحولِ ولا يُصْ / دَعُ يومَ اللقاءِ إلا الفحول
أهل أيد كالغيث بالبذل سحَّتْ /
طالما بالعداة في الحرب ضحَّتْ /
ثم لما النوى عليهم ألحَّتْ /
بذلوا أنفساً سخت حين شحَّتْ / بوصالٍ واستُصغرَ المبذول
سادةٌ قلعةُ الأنا هدموها /
أيُّ حال في الحرب ما علموها /
دخلوا في الوغى ليخترموها /
ثم غابوا من بعدما اقتحموها / بين أمواجها وجاءت سيول
سادة عن قلوبهم زالَ غلٌّ /
ولهم في عز الحقيقة ذلٌّ /
ثم لما بهم لهم كان ظلٌّ /
قذفتهم إلى الرسوم فكلٌّ / دمُهُ في طلولها مطلول
صرَّح القوم لي بما فكرهم حسّْ /
يحرق الكف للجهول إذا جسّْ /
ثم قالوا لكلِّ من يطلب المسّْ /
نارها هذه تضيء لمن يَسْ / ري بليلٍ لكنها لا تُنيل
كم عزيز في الحب لذَّ له الذُلّْ /
ثم من روانق النعيم قد استُلّْ /
شَرُفَتْ حالةً بها شُغِفَ الكُلّْ /
منتهى الحظ ما تزود منه الْ / لَحْظُ والمدركونَ ذاكَ قليل
هي ذاتٌ قد أظهرتنا لباسا /
وبنا منشأً زَكَتْ وأساسا /
ثم يا عقل مذ تركتَ قياسا /
جاءها من عرفت يبغي اقتباسا / وله البسطُ والمنى والسول
نفَّرتْهُ عن حبِّها واشمأزَّتْ /
وعليه من قدِّها الرمحَ هزَّتْ /
كل نفس همَّت بها واستفزَّتْ /
فتعالت عن المثال وعزَّتْ / عن دنوٍّ إليه وهو رسول
أخذتنا مقيدين أسارى /
والجوى قد أقام والصبر سارا /
يا ابن ودي كنا بها نتجارى /
فوقفنا كما عهدتَ حيارى / كلُّ عزمٍ من دونها مخذول
عللتنا بما تشير الملاهي /
فسمعنا منها ولم ندر ما هي /
ثم رحنا والفكر بالشوق ساهي /
ندفع الوقت بالرجاء وناهي / كم بقلب غذاؤُهُ التعليل
يا أخا الوجد من لصبٍّ أسيرٍ /
بين شوق نما وصبر يسيرٍ /
ويح قلبي في حب ظبيٍ غريرٍ /
كلما ذاق كأس يأس مريرٍ / جاء كأسٌ من الرجا معسول
لم يجد في هوى المهفهف صبرا /
وبه الشوق قد توقَّد جمرا /
مغرم القلب سرُّهُ صار جهرا /
فإذا سولت له النفس أمرا / حيدَ عنه وقيل صبر جميل
حرم نحن فيه والغير في الحلّْ /
رح سليماً ومن ملامتنا قلّْ /
فإذا ما سئلت يا أيها الخِلّْ /
هذه حالنا وما وصل العل / مُ إليه وكل حالٍ تحول
ألا إنما المخلوق يعرف بالعقلِ
ألا إنما المخلوق يعرف بالعقلِ / وخالقنا بالحسِّ يُعرَفُ والنقلِ
وهم يعرفون الله بالعقل كلُّهم / كما يعرفون الخلق بالحس والشكل
فلو علموا أن الذي في عقولهم / هو الخلق بل والحق في حسهم مجلي
بآياته في كل شيء منزَّهاً / عن الشيء حيث الشيء فانٍ من الكل
تعالى وجلَّ الله عن كل حادثٍ / بذات ووصف بل وبالإسم والفعل
وقد أمر الله العباد قل انظروا / وذلك بالعينين في النظر الأصلي
وهم عدلوا عنه لأنظار عقلهم / ودانوا كما دانت فلاسفةُ الخبل
وما العقل إلا للمعاشِ فإنه / لتدبير ملبوس وللشرب والأكل
وأما الحواس الخمسُ فهي لربنا / بها نشهدُ الآياتِ في العلْوِ والسفل
كما جاء في القرآن والسنة التي / عن المصطفى بالحسن تهدي ذوي العقل
لرؤيةِ محسوساتِ آياته فَخُذْ / متابعةَ الآياتِ تُنْبِتْكَ كالبقل
وتبصر فعل الله في كائناته / وتشهدها الآيات تتلى على الوصل
وذاك كلام الله والله قارئٌ / كلاماً قديماً لا ببدءٍ ولا فصل
حروف بدت منا بأصواتنا له / تجل عن الأصوات والأحرف المثل
وكانت وما كنّا جميعاً وإنما / هو العلم نور الذات يبديه كالظل
وغيب غيوب الحق عز وجل عن / مشابهة الأكوان والبعد والقبل
ولكننا نومي إلى علمنا به / ونعلم أن العلم منا أخو الجهل
نفخ روحٍ بالعز صار ذليلا
نفخ روحٍ بالعز صار ذليلا / دين رب مؤجل تأجيلا
لترى الربح باتجارك فيه / تفعل الخير بكرة وأصيلا
فبذات الدين الميسَّر فيما / تشتهيه ونلت حظاً قليلا
ثم حل الدين المؤجل حتى / جاء يبغيه منك لا تمهيلا
أيها الجاهل الذي ليس يدري
أيها الجاهل الذي ليس يدري / ما يلاقيه بكرة وأصيلا
كلما ازاداد من سوى الله علماً / زاد شيطانه له تسويلا
لا تغرنك الظواهر واترك / عنك قالاً به فُتِنتَ وقيلا
وتأمل في كل شيء تشاهد / كل شيء يفنى قليلا قليلا