المجموع : 4
هي دنيا بقاؤها مستحيل
هي دنيا بقاؤها مستحيل / فليقف عند حدّه التأميل
ليس يغني فيها عن المرء شيئاً / شرف باذخ ومجد أثيل
إنما الراحة المرجّاة فيها / تعب والهدى بها تضليل
كل شيء في أهلها مستعار / من سواه وكل حال تحول
ليس ما قد جتى علينا بها إلا ق / قار أدهى مما جنى التمويل
رتّلت ألسن اللذائذ آي ال / عيش فيها فغرّنا الترتيل
فرجونا طول البقاء وإن كنّا / علمنا بأننا سنزول
وطلبنا تعلّة لنفوس / ليس يشفي عليلها التعليل
قد قتلت الحياة خبراً ولكن / أنا منها بحيرتي مقتول
كل ما قيل في الحياة ظنون / جرّها في افتكارنا التخييل
قد وهمنا في البدء منها وأما / منتهاها فستره مسدول
إن يك العقل في دجى الشك نجماً / فخفيٌّ مثل السها وضيئل
ويك إن المعقول ما صحّ عندي / فمتى صحّ عندك المنقول
كلنا خابطون في ظلمات / حائر بائر بهنّ الدليل
إن حبّ الحياة أوهم أن ال / موت نوم تحت الثرى لا يطول
إنما هذه الجسوم مبانٍ / قد بناها من الزمان عمول
نزلتها الأرواح حيناً فأضحت / عامراتٍ ما دام فيها النزول
ثم لابدّ أن ترحّل عنها / فيسّمى بالموت ذاك الرحيل
إنما هذه الجسوم رسوم / موحشات بعد الردى وطلول
ما بسقط اللوى مثلن ولكن / بسقوط البلى لهنّ مثول
ليس يسلي الفتى عن الموت إلاّ / خلف صالح وذكر جميل
مثلما مات شيخنا النائب الحب / ر فسالت من الدموع سيول
إن عبد الوهاب عاش جليل ال / قدر فرداً ومات وهو جليل
وقضى عادم المثيل فأمسى / ما لمنعاه في الخطوب مثيل
حادث أظلمت به الأرض واستو / حش منها حزونها والسهول
إن أسينا أسىً عليه كثيراً / فكثير الأسى عليه قليل
كان فحل الفحول علماً وفضلاً / فلهذا بكت عليه الفحول
كيف لا تجزع العلوم لمنعى / رجل باعه بهنّ طويل
قد بكته مدارس عامرات / هو فيها المدّرس المسؤول
وبكاه الكتاب ذو الذكر شجواً / وعلوم إلى الكتاب تؤول
وبكته آيٌ به محكمات / وبكاه التفسير والتأويل
وبكته أرامل ويتامى / جذّ عنها بموته التنويل
إن يكن أغمد الردى منه في القب / ر حساماً فذكره مسلول
أو رمى حدهّ الردى بفلول / فمعاليه ما بهنّ فلول
أو خلت منه دوره مُوحشاتٍ / فذراها بفضله مأهول
كيف لا هؤلاء أبناؤه الغرّ / شهود بما أقول عدول
كلهم في العلاء مثل أبيه / حسن الخلق فاضل بهلول
هل تطيب الفروع في الناس إلاّ / حيث طابت فيهم لهنّ أصول
عذرةً يا أبا الحسين بماذا / نصف الرز وهو رزء جليل
وإذا طاشت الحلوم بيوم / فيه فارقتنا فماذا نقول
اخرس الشعر يوم منعاك لكن / ناب عنه تأوّه وعويل
وإذا أسكت المقاويل حزنٌ / ترجمت عنهم دموع تسيل
فصلتك المنون عنّا ولكن / أنت بالحمد والثنا موصول
لك في العلم رتبة لن تسامى / فاضل القوم عندها مفضول
ومحياً صلت الجبين طليقٌ / يتلالا كأنه قنديل
ويد يجمع الشفاه عليها / كلما قد ومددتها التقبيل
إنما قد ذكرت بعض مزايا / ك وإلاّ فشرحهن يطول
وإذا القول لم يفده اختصار / لم يفده الاطناب والتفصيل
وضح الحق واستاقم السبيل
وضح الحق واستاقم السبيل / بعظيم هو النبيّ الرسول
قام بدعو إلى الهُدى بكتاب / عربيّ قرآنه ترتيل
طالباً غاية من المجد قُصوى / صدّه عن بُلوغها مستحيل
ووصولاً إلى مقام رفيع / عَزّ من قبله إليه الوُصول
همّة دونها الكواكب نوراً / واعتلاءً يَعلو بها ويطول
جرّد اللّه منه للحقّ سيفاً / كان ضدَّين حدّه والفلول
فيه عزم للمهلكات قَحُوم / واصطبار للنائبات حَمُول
ودهاء لو ما كرته دواهي الدّ / هر طُرّاً لاغتالها منه غول
تدلهِمّ الخُطوب والرأي منه / في دُجاها كأنّه قِنديل
كل أوصافه الجليلة بِدعٌ / فهو من عبقريّة مَجبول
أطلق الناسِ من تقاليد جهل / كل فرد منهم بها مغلول
وشفاهم بهَديهِ من ضلال / كل فرد منهم به مَعلول
أنهض القوم للعلاء وكانت / في دُنى القوم رقدة وخُمول
فاستقلّت به على الدهر يقظى / هِمم يعرُبيّة وعقول
تلك في الدين نهضة هي للعق / ل انتباه وللهدى تأثيل
نهضة عالميّة في وغَاها / من أمام البعير فرّ الفيل
هي كالبرق سرعة والتماعاً / كل أفق بفضلها مشمول
خضعت فارس لها عن صَغار / وتداعة إيوانها المستطيل
وإلى اليوم قام في الهند منها / أثَر مثل طَودها لا يزول
يعرف النيل فضلها وعلاها / من قديم ويشهد الدردنيل
وبها الأرض والسموات ترضى / وتُقِرّ التوراة والإنجيل
غير أنا عن نَهجها اليوم حِدنا / واستحَلْنا وكل حال تحول
حيث عُدنا وفي النهوض قعود / ورجعنا وفي الصعود نزول
واختلفنا في الدين حتى افترقنا / فِرَقاً لا يُسيغها المعقول
والتزمنا الفروع منه فضاعت / بالتزام الفروع منه الأصول
كل حزب بما لديه فَخور / ولمَن هم مخالفوه خَذول
بِدَع في حياتنا مُنكرات / غضب اللّه فوقها مسدول
حالة ساءت الرسول وساءت / كلَّ آيٍ بها أتانا الرسول
لو رآنا والشر فينا كثير / مستفيض والخير نزر قليل
وثغور الضلال مبتسمات / ووجوه الهدى عليها مُحول
والدعاوى في الحق منّا كبار / طال فيها التزمير والتطبيل
نعبُد اللّه والعبادة لحن / عند بعضٍ وعند بعض عويل
ونحِجّ القبور كالبيت حجّاً / يكثُر المسح فيه والتقبيل
ونَعُدّ الركوع للقبر حِلاًّ / وهو في الدين ما له تحليل
ونُزَحّي إلى القبور نذوراً / فضحايا مسوقةٌ وحُمول
ونقول التوحيد قولاً وكلٌّ / هو للشرك عامد وفَعُول
قال مستنكراً لما نحن فيه / ما بهذا قد جاءني جبريل
أين دين التوحيد منكم وأين ال / أوْب اللّه وحده والقُفول
أنا حرّمت كل ما كان فيه / شَبَه للأصنام أو تمثيل
كل مَن قال منكم أن هذا / هو دين الإسلام فهو جَهول
لمَ لم تحفَظوا أخوّة دين / جاءكم ناطقاً بها التنزيل
كان حبل الإخاء فيكم وثيقاً / كيف أمسى وعَقده محلول
لست منكم بيائس بل نُهوض / منكم بعد فترة مأمول
فاجمعوا الشمل ناهضين فإنّ ال / كُفر في الدين عجزكم والخمول
كل ما في البلاد من أموال
كل ما في البلاد من أموال / ليس إلاّ نتيجة الأعمال
أن يطِب في حياتنا الأجتما / عيّة عيش فالفضل للعمّال
وإذا كان في البلاد ثراء / فبفضل الأنتاج والأبدال
نحن خَلق المُقدَّرات وفيها / لا حياة للعاطل المكسال
عندنا اليوم للحياة نظام / قد حوى كل باطلٍ ومُحال
حيث يسعى الفقير سعي أجير / لغنيّ مستأثر بالغلال
فترى المُكثرين في طيب عيش / أرغدته لهم يد الأقلال
وترى الغائصين في البحر أمسى / لسواهم ما أخرجوا من لآل
وترى المُعسرين في كل أرض / كعبيد والموسِرين موالي
أكثر الناس يكدحون لقوم / قعدوا في قصورهم والعَلالي
واحد في النعيم يلهو وألف / في شقاء وأبؤس واعتلال
حالة في معاشنا أسلكتنا / طُرُقات المخاتل المحتال
فترانا بعضاً لبعض لبِسنا / من خياناتنا مُسوك الثعالي
تلك عادٌ مستهجنات ورثنا / ها قديماً من العصور الخوالي
فإلى كم نشقى وحتام نبقى / هكذا في عَماية وضلال
إنما الحق مذهب الأشترا / كيّة فيما يختصّ بالأموال
مذهب قد نحا إليه أبو ذرٍّ / قديماً في غابر الأجيال
ليس فرض الزكاة في الشرع إلا / خُطوة نحو مبتغاه العالي
مبدأ ذو مقاصد ضامنات / ما لأهل الحياة من آمال
موصلات إلى السعادة في العي / ش هوادٍ إلى طريق التعالي
ليس للمرء أن يعيش بلا كدٍّ / وإن كان من عظام الرجال
كل مجدُ يبنى على غير سعيٍ / فهو مجد مهدّد بالزوال
ليس قدر الفتى من العيش إلاّ / قدر انتاج سعيه المتوالي
ما رءوس الأموال إلا أداة / للمساعي كالحبل للأحمال
مثل شدّ الأحمال شدّ المساعي / ودنانيرنا لها كالحبال
صاح ماذا تُجدي الدنانير لولا / همم الدائبين في الأشغال
أفتأتي من الطعام بديلاً / أفتُغنى عن كسوة ونعال
حاجة المرء أكلةٌ وكساء / وسوى ذاك بسطة في الكمال
أن للعيش حَومة في وغاها / لا تحق الحياة للبطّال
أنها مثل حومة الحرب ما دا / رت رَحاها إلاّ على الأبطال
وسوى الحِذق ما بها من سلاح / وسوى الكدّ ما بها من قتال
بطل الحرب مثله بطل السع / يِ ومنه الأعمال مثل الصيال
ونشاط منه لبيض المساعي / مثل أشراعه لسمر العوالي
أيها العاملون أن أتحاداً / بينكم مرخص لكم كل غال
ما لعيش تشكون منه سَقاماً / بسوى الأتحاد من ابلال
فليكن بعضكم لبعض نصيراً / ومُعيناً له على كل حال
وإذا قلت أنكم أنتم النا / س جميعاً فلا أكون المُغالي
فأعلموا دائبين غير كسالى / وأرقُبوا ما به ستأتي الليالي
ثم قولوا معي مقالاً رفيع الصَ / وْت فلتحي زمرة العُمّال
هم يُعَدُّون بالمئات ذكوراً
هم يُعَدُّون بالمئات ذكوراً / وإناثاً لهم قصور مُشاله
ولهم أعبُد بها وإماءٌ / ونعيم ورِفعة وجلاله
تركوا السعي والتكسُّب في الدن / يا وعاشوا على الرعّية عاله
يتجلّى النعيم فيهم فتبكي / أعين السعي من نعيم البَطاله
يأكلون الُباب من كدِّ قوم / أعوزتهم سخينة من نُخاله
فكأن الأنام يَشقَوْن كدّاً / كيْ تنال النعيمَ تلك السُلاله
وكأن الإله قد خلق النا / س لمحيا آل السلاطين آله
نعِموا في غضارة الملك عيشاً / وحملنا من دونهم أثقاله
فإذا ما صال العدوّ خرجنا / دونهم للوغى نردّ صياله
وإذا هم جرُّوا الجرائر يوماً / فعلينا تكون فيها الحَماله
وإذا ما استهل فيهم وليد / فعلينا رَضاعه والكفاله
قد رضِينا بذاك لولا عُتُوٌّ / أظهروه لنا على كلّ حاله
ما بهم ما يَميزهم عن بني السُو / قة إلاّ رسوخهم في الجهاله
هم من الناس حيث لو غُربل النا / س لكانوا نُفاية وحُثاله
ومن الجهل حيث لو صُوِّر الجه / ل لكانوا بين الورى تمثاله
حمّلونا من عيشهم كل عبءٍ / ثمّ زادوا أصهارهم والكلاله
فكَفَيْنا أصهارهم مؤنة العي / ش فكانوا ضِغثاً على إبّاله
فكأنا نُعطيهم أجرة البَض / ع كما أُعطي الأجير العماله
تلك والله حالة يقشعِر ال / حقُّ منها وتشمئز العداله
هي منهم دناءة وشَنار / وهي منا حماقة وضلاله
ليس هذا في مذهب الاش / تراكية إلا من الأمور المحاله
وهو في الملّة الحنيفية البي / ضاء كفرٌ بربنا ذي الجلاله