جَمالٌ ولكنْ أينَ منكَ جَميلُ
جَمالٌ ولكنْ أينَ منكَ جَميلُ / وحُسْنٌ وإحسانُ الحسانِ قَليلُ
ولكنّ لي حُبّاً تقَادَمَ عَهْدُه / فليس إلى الإقصار عنه سَبيل
سَجِيّةُ نَفْسٍ ما تَحولُ فتَرعَوي / على أنّ حالاتِ الزّمانِ تَحُول
سقَى اللهُ أرضاً ما تَزالُ عِراصُها / يُجَرُّ عليها للسَّحابِ ذُيول
يَبيتُ بها قلبي ولَحظُكِ والصَّبا / جَميعاً وكُلٌّ يا أُمَيمُ عَليل
وما تَفْتَأُ الحسناءُ تَفْتِكُ إن رنَتْ / بلَحْظٍ يَقُدُّ القلبَ وهْو كَليل
فللّهِ عَيْنا مَن رأَى مثْلَ سَيْفِها / لوَ انّ به غيرَ المُحبِّ قَتيل
وحَيْرانُ أمّا قلبُه فهْو راحِلٌ / غَراماً وأمّا حَبُّه فحُلول
ألمَّ به ساري الخيالِ ببَلْدةٍ / وأُخْرَى بها أهْلُ الحبيبِ نُزول
ونحن نَجوبُ البِيدَ فوقَ ركائبٍ / تَراها معَ الرَكْبِ العِجالِ تَجول
فلو وقَفوا في ظلِّ رُمْحٍ ونَوَّخوا / لضَمّهُمُ والعِيسَ فيه مَقيل
وماذا يُريدُ الطّيفُ منّا إذا سَرَى / وفي الصَّدْرِ منّي لَوعةٌ وغَليل
وخَدِّيَ من صِبْغِ الدُّموعِ مُورَّدٌ / وطَرْفيَ باللّيلِ الطّويل كَحيل
تَأوَّبَني هَمٌّ كما خالَط الحَشا / من البيضِ مَطْرورُ الغِرارِ صَقيل
لِفُرقَةِ قَومٍ ضَمَّنا أمسِ رِحلةٌ / ويُفْرِدُهمْ عنّي الغداةَ قُفول
وإنّي إذا قالوا مَتى أنت راحِلٌ / فقد حانَ للمُسْتَعْجِلينَ رَحيل
وقَضّى لُباناتِ المَقامِ مُودِّعٌ / ولم يَبْقَ إلاّ أن تُزَمَّ حُمول
لكالطّائرِ المَقْصوصِ منه جَناحُه / له كُلَّ صُبْحٍ رَنّةٌ وعَويل
يرَى الطّيرَ أسراباً تَطيرُ وما لَه / إلى ألْفِه النّائي المَكانِ وُصول
ويَذكُرُ فَرْخَيهِ ببَيْداءَ بَلْقَعٍ / تَشُق على مَن جابَها وتَطول
وتُضحي جِبالُ الثّلْجِ من دونِ عُشّه / وريحٌ كوقْعِ المَشْرفيِّ بَليل
فما هو إلاّ ما يُقلِّبُ طَرْفَه / ويَعروه داءٌ في الضُّلوعِ دَخيل
فحالي كتلك الحالِ واللهُ شاهدٌ / ولكنّ صَبْرَ الأكرمينَ جميل
فهل حامِلٌ عنّى كتابَ صَبابتي / إلى ساكني أرضِ العراقِ رَسولُ
فواللهِ لم أكتُبْه إلاّ وعَبْرتي / معَ النِّقْسِ منِّي في البَياضِ تَجول
لِيَهْنِ الرّجالَ الأغنياءَ مُقامُهمْ / وإنَّ عناءَ المُقْتِرينَ طويل
وإنّي لأُمْضي للعُلا حَدَّ عَزْمةٍ / بها من قراعِ النَّائباتِ فُلول
وما قَصَّرتْ بي هِمّةٌ غيرَ أنّه / زمانٌ لِما يَرْجو الكرامُ مَطول
وقَلَّ غَناءُ الطِّرْفِ والقِدْحِ كُلّما / يَضيقُ مَجالٌ أو يَضيقُ مُجِيل
وقالوا تشَبَّثْ بالرّجاءِ لعلّه / يُديلُك من رَيْبِ الزّمانِ مُديل
ويَكْفُلُ عُمْرُ المَرءِ يوماً بحَظِّهِ / فقلتُ وهل لي بالكَفيلِ كَفيل
عسى أحمدٌ يا دَهْرُ يَرْثي لأحمدٍ / فيُدرَكَ من بَيْنِ الحوادثِ سُول
فما يَلتقي يوماً على مثْلِ مِدْحَتي / وجودُ يدَيِه سائلٌ ومَسول
منَ القومِ أمّا وجهُه لعُفاتِه / فطَلْقٌ وأمّا رِفدُه فجَزيل
يَفيضُ لنا ماءُ النّدى من يَمينِه / وفي وجههِ ماءُ الحياءِ يَجول
ويَبْسُطُ للدّنيا وللدّينِ راحةً / تَفاخَرُ أقلامٌ بها ونُصول
ويَستَمْطِرُ الجَدْوَى كما انهلَّ واكفاً / من المُزْنِ مَحلولُ النِّطاقِ هَطول
وفي نَسْخِ ما يُمليهِ ما يَغلطُ الحَيا / فَيعرِضُ في بَعْضِ البلادِ مُحول
فيا أيُّها المَولَى الّذي ظِلُّ عَدْلِه / على الخَلْقِ طُرّاً والبِلادِ ظَليل
ويا أيُّها الفَرْعُ الّذي بلَغ العُلا / بما كَرُمَتْ في المجدِ منه أُصول
لأنتَ الوزيرُ ابنُ الوزيرِ نَباهةً / إذا مَسَّ قوماً آخَرينَ خُمول
وغَيثٌ وفي صَدْرِ المَطالبِ غُلّةٌ / ولَيثٌ وأطرافُ الأسِنّةِ غِيل
أَعِنّي على دَهرٍ تَعرَّضَ جائرٍ / فمالك في العَدْلِ العميمِ عَديل
فكلُّ حريمٍ لم تَحُطْهُ مُضَيَّعٌ / وكُلُّ عزيزٍ لا تُعِزُّ ذَليل
وهاهو قد هَزَّ الشّتاءُ لِواءه / بجِيْشٍ له وَطْءٌ عليَّ ثقيل
ويَذْكرني منسيُّه أو مُضاعُه / وفي ضِمنها غَيثٌ بحيثُ يَصول
أَخِفُّ إليها كُلَّ يومٍ وليلةٍ / وأَسألُ عنها والحَفيُّ سَؤول
وقد كاد تَأْخيرُ الجوابِ يُريبُني / فيَظْهرُ في رَوْضِ الرَّجاءِ ذُبول
أَمرْتَ بإنجازِ الأُمورِ فلِمْ أَرَى / حَوائلَ دَهْرٍ دونَهُنَّ تَحول
مَنِ الدَّهْرُ حتّى يَجْسُرَ اليومَ أنّه / إذا قلتَ قولاً ظلَّ عنه يَميل
ألم يك من لُؤْمٍ بهيماً وقد غدا / لمجدِك فيه غُرَّةً وحُجول
طَلعْتَ لآفاقِ المكارمِ طَلْعةً / على حينَ أقمارُ العَلاءِ أُفول
وأنت الّذي لا يُنكِرُ المَجْدُ أنّه / لأحسنِ ما قال الكِرامُ فَعول
فما يَمنَعُ الحظَّ اليسيرَ التِماسُه / وجُودُك للحظِّ الكبير بَذول
أَفي هذه الأقلامِ عاصٍ وطائعٌ / وفيهنّ أيضاً عالِمٌ وجَهول
وإلاّ فماذا يقْصِدُ القلَمُ الَّذي / سَمحْتَ بما أَبغيهِ وهْو بَخيل
وغيرُ جميلٍ أن يَضِنَّ ورَبُّه / لأعظَمِ ما يَرجوُ العفاة مُنيل
فلا والّذي حَجَّ المُلَبّونَ بَيْتَه / على ناجِياتٍ سَيْرُهُنَّ ذَميل
ولا والّذي يُبقِيك للمجدِ والعُلا / مدَى الدَّهْرِ ما هَبّتْ صَباً وقَبول
يَميناً لئن أعطَيْتَ أو كنتَ مانعاً / لَما عنك لي إلاّ إليكَ عُدول
وأنْ لم تَزُلْ حتّى تُوقّع لي بِها / تَرانيَ عن هذا المكانِ أَزول
وأنّ عليك اليومَ تَصْديقَ حَلْفَتي / فأنت بشَرْعِ المَكْرُمات تَقول
لِيعلمَ كُلٌّ عندك اليومَ مَوضِعي / وللفضلِ عند العارِفين قَبول
بَقِيتَ ولا أبقَى أعاديَكَ الرَّدى / وغالَ الّذي يَشنا عَلاءكَ غُول
فلا بَرِحَتْ حُسّادُ علْياكَ تَنتهي / إلى عثَراتٍ ما لَهُنَّ مُقيل
لأنت لباغي العُرْفِ وحْدَك مُفْضِلٌ / وسائرُ أملاكِ البلادِ فُضول
فمِنْكَ مِثالٌ في الأُمورِ ومنْهمُ / لأَمْرِك فيها بالرُّؤوسِ مثُول
طَليعةُ إقبالٍ جلَتْ لكَ وجْهَها / وأوّلُ ما يَهْدي الخَميسَ رَعيل
تَركْتَ ملوكَ الأرضِ طُرّاً وكُلُّهمْ / إلى كلِماتي بالمَسامعِ مِيل
قَوافٍ مَعانيها لِطافٌ دقيقةٌ / وقائلها سَبْقاً بهِنَّ جليل
هَزَزَن وأطْرَبنَ الكِرامَ كأنّما / تَهُبُّ شَمالٌ أو تَهُزُّ شَمول
إليك فخُذْها إنّها بِنْتُ ساعةٍ / كما كَرَّ رَجْعَ النّاظِرَيْنِ عَجول
سَليلةُ فِكْرٍ زاحمَتْها هُمومُه / فجاءك فيها الحُسْنُ وهْو ضَئيل
وقد رُضْتُ بالفِكْرِ القريضَ رياضةً / كما قِيدَ في ثَنْيِ الزِّمامِ ذَلول
ولا تَستزيدُ الحالَ إن كنتُ مُقصِراً / ولا يَستغيثُ السَّمْعُ حين أُطيل