المجموع : 6
مَن يحاول في الدهر مجداً أثيلا
مَن يحاول في الدهر مجداً أثيلا / فليجرّد الحُسامَ الصقيلا
جعل السيف ضامناً وكفيلاً / بالمعالي لمن أراد كفيلا
في ظلال السيوف أيّ مقيلٍ / لبني المجد فاتَّخذه مقيلا
وإذا ما سلكت ثم سبيلاً / فاجعل السيف هادياً ودليلا
عرَّفتكم حوادث الدهر أمراً / كانَ من قبل هذه مجهولا
كشفت عن ضمائر تضمر الغدر / وتبدي وفاءها المستحيلا
وإذا لم تجد خليلاً وفيًّا / فاعلم أنَّ الحسام أوفى خليلا
طالما عرّف الزَّمان بقومٍ / بدَّلتهم خطوبه تبديلا
لا تبلّ الغليل ما عشت منهم / أو يبلّ الصَّمصام فيهم غليلا
وإذا لم يكن لحلمك أهل / فمن الحلم أن تكون جهولا
لا أرى فعلك الجميل بمن لم / يرع عهداً من الجميل جميلا
رضي الله عنك أغضبت قوماً / ما أرادوا غير الفساد حصولا
فلبئس القوم الذين أرادوا / بك من سائر الأنام بديلا
وسَعَوْا في خرابها فاستفادوا / أملاً خائباً وعوناً خذولا
ويميناً لو يملكوها علينا / تركوها معالماً وطلولا
إنَّما حاولوا أمانيَّ نفسٍ / حَمَلَتهم إذ ذاكَ عبئاً ثقيلا
ربَّما غرَّت المطامع قوماً / غادرت منهم العزيز ذليلا
أمَّلوا والمحال ما أمَّلوه / سؤدداً عنك فيهم لن يحولا
لم ينالوا ما نلتَ من رفعة القدر / ولو جيء بالجيوش قبيلا
أجمَعوا أمْرَهُم ولله أمرٌ / كانَ من فوق أمرهم مفعولا
ثمَّ لمَّا جاؤوا إليكم سراعاً / نزلوا عن مرابض الأُسد ميلا
فعبرتم نهر المجرَّة مُخلين / مكاناً لهم عريضاً طويلا
نزلوا منزل الشيوخ وتأبى / شفرة السَّيف أن يكونوا نزولا
ثمَّ لم يلبثوا خلافك في الدَّار / كما يشتهون إلاَّ قليلا
رحلتها عنهم سيوفٌ حداد / ورجالٌ تعيي الرجال الفحولا
إنْ تصادم بها قواعد رضوى / أوشكت في صدامهم أن تزولا
بذلت نفسها لديك ورامتْ / منك في بذلها الرضا والقبولا
كلَّما استلَّت المهنّدة البيض / أسالت من الدّماء سيولا
فتركت الأَعداء ترتقبُ الموت / من الرعب بكرةً وأصيلا
وملأَت الأَقطار بالخيل والرَّجل / صليلاً مريعة وصهيلا
إنَّ يوماً عبرت فيه عليهم / كانَ يوماً على العداة مهولا
يوم ضاقَ الرَّحب الفسيح عليها / فتنادت عنك الرَّحيل الرَّحيلا
هربوا قبل أن بروا صولة اللَّي / ث وإن يشهروا دماً مطولا
يومَ كانَ الفرار أهونَ من أنْ / تستبيح السُّيوف منها قتيلا
ذلَّ من لا يرى المنيَّة عزًّا / في سبيل العُلى وعاشَ ذليلا
لو أقاموا فيها ولو بعض يوم / لأخذت الأَعداء أخذاً وبيلا
ولأكثرت فيهم القتل والسَّبْ / يَ ومثّلتهم بها تمثيلا
وتركت النساء ثكلى أيامى / تكثر النَّوح بعدهم والعويلا
إنَّ لله حكمةً حيّرت فيك / حلوماً سليمةً وعقولا
بلغتك الأَقدار ما كنت تبغيه / وكفَّت عدوّك المخذولا
وشفيت الصدور منَّا فقلنا / صحّ جسم العُلى وكانَ عليلا
أيَّد الله فارس بن عجيل / مثل ما أيَّد الإِله عجيلا
وبما رحمةٌ من الله حلَّت / بلغ اليوم آمل مأمولا
أمِنَ الخائفون في ظلِّ قومٍ / منع الخطب بأسه أن يصولا
عاد للملك حافظاً ومن الل / هُ على الناس ستره المسبولا
كلَّما كرَّ كرَّةً بعد أُخرى / بعث الرُّعب في القلوب رسولا
ما ثناه عن المكارم ثانٍ / وأبى أن يرى الكريم بخيلا
يقتفي إثْرَ جَدِّه وأبيهِ / وكذا تتبع الفروع الأُصولا
فهنيئاً لكم معارج للمجد / شباباً تسمونها وكهولا
رفعة في العلاء أورثتموها / من قديم الزَّمان جيلاً فجيلا
والمعالي لا ترتضي حيث شاءت / غير أكفائها الكرام بعولا
إنَّ أسلافكم إذا خطبوها / جعلوا مهرها قناً ونصولا
قد بذلتم من النضار سيولاً / وجررتم من الفخار ذيولا
لا تنال العداة منكم مراماً / أفيرجون للنجوم وصولا
كيفَ تدنو منكم وأنتمْ أُسودٌ / ما اتَّخذتم غير الأَسنَّة غيلا
فإذا ما ادَّعيتم الفخر يوماً / فكفى بالقنا شهوداً عدولا
قد خلقتم صبابة في المعالي / صبوة الصّبّ ما أطاعَ العذولا
فانتشيتم وللهوى نشوات / فكأَنّي بكم سقيتم شمولا
لا برحتم مناهلاً ترد العا / فون من عذبِ وردها سلسبيلا
وبقيتم مدى الزَّمان وأبقيتم / حديثاً عن بأسكم منقولا
يا إماماً في الدِّين والمذْهب الح
يا إماماً في الدِّين والمذْهب الح / قّ على علمك الأَنام عيالُ
رضي الله عنك أوْضَحتَ للنا / س منار الهُدى فبادَ الضلال
قد ملأت الدُّنيا بعلمك حتَّى / نلت بالعلم غايةً لا تنال
كلَّما قالت الأَئمَّة قولاً / فإلى ما تقول أنتَ المآل
إنَّما أنتَ قدوة الكلّ بالكلِّ / وعنك التفضيل والإِجمال
رحمةُ الله لم تزل تتوالى / ما توالى الغدوُّ ولآصال
شمِلَتْ حضرةً مقدَّسةً فيك / وقبراً عليك منك جلال
فبأبوابها تناخُ المطايا / وبأفنانها تُحَطُّ الرِّحال
فاز من زارها ومن حلَّ فيها / وعليه الخضوع والإِذلال
يا مفيضاً من روحه نفحات / منك يستوهب الكمال كمال
سار بالشَّوق قاصداً من فروقٍ / وإليك المسير والانتقال
زورة تمحق الذنوب وفيها / للمنيبين منحة ونوال
عن خلوصٍ وعن ثبات اعتقاد / أوقَفَتْه ببابك الآمال
ودعاه إليك وهو بعيد / سفر عن بلاده وارتحال
لم تعقْه فدافد وحزون / وقفار مهولة وجبال
فطوى في مسيرة الأرض طيًّا / حين وافى وما اعتراه ملال
إنْ يصادفْ منك القبول فقد / فازَ وثَمَّ الإِسعاد والإِقبال
لم يَخِبْ لآملٌ بما يرتجيه / وله فيك عِزَّةٌ واتّصال
أنت قطب في عالم العلم منه / تستمدّ الأَقطاب والأَبدال
بك في العالمين يرحمنا اللَّ / هُ وعنَّا تخفّف الأَثقال
أيُّ نارٍ بها الجوانحُ تُصْلى
أيُّ نارٍ بها الجوانحُ تُصْلى / وجُفونٍ تَصوب بالدَّمع وبْلا
كلَّما لاح بارق هاج وجد / وجرى مدمعٌ له واستهلاّ
مغرم لا يعي الملامة في الح / بِّ ولا يرعوي فيقبل عذلا
ما يفيد المشوق يا سَعْدُ أمسى / مُكثِراً من بكائه أو مقلاّ
صَرَعَتْه العيون نُجلاً وهل تص / رع إلاَّ عيونها الغيد نجلا
وسَقَتْه كأسَ الغرام وما كا / نَ ليشفي الغرام عَلاً ونَهلا
ما يعاني من الصبابة صَبٌّ / كانَ قبل الهوى عزيزاً فذلاّ
قد أذلَّ الغرامُ كلَّ عزيز / والهوى يترك الأَعزّ الأَذلاّ
وبنفسي مهفهف العطف أحوى / حرَّم الله من دمي ما استحلاّ
قل لأحبابنا وهل يجمع الده / ر على بعدهم من الدار شملا
ما تسلَّيت في سواكم ومن لي / بفؤاد في غيركم يتسلَّى
فرَّق الدهر بيننا بالتَّنائي / وقضى بالنَّوى وما كانَ عدلا
علِّلونا منكُم ولو بخيالٍ / يهتدي طيفه فيطرق ليلا
فعسى المهجة الَّتي أظْمَأَتْها / زفرةُ الوجد بعدكم أن تُبَلاّ
إنَّ وُرْقاً ناحت على الغصن شجواً / أنا منها بذلك النَّوح أولى
وشجتنا بنوحها حين ناحت / فكأَنَّ الورقاء إذ ذاك ثكلى
ذكَّرتني وربَّما هيَّج الذِكرُ / زماناً مضى وعصراً تولَّى
وهوى مربع لظمياءَ أقوى / تسحب المزن في مغانيه ذيلا
فسقى ملعبَ الغزال وميضٌ / من هطول يسقي رذاذاً وهطلا
أفأشفي الجوى بآرام رَبْعٍ / صحَّ فيه نسيمه واعتلاّ
رُبَّ طيفٍ من آل ميٍّ طروق / زار وهناً فقلت أهلاً وسهلا
نوَّلتني الأَحلامُ منه الأَماني / وانقضى عهده وما نلت نيلا
إذ تصدَّى لمغرم مات صدَّا / وتولَّى حرّ الغرام وولَّى
زائراً كالسَّراب لاحَ لصادٍ / قبل أن يذهب الظماء اضمحلاّ
واللَّيالي تريك كلّ عجيبٍ / وتزيد الخطوب بالشَّهم عقلا
وإذا ما محت أعاجيب شكلٍ / أثْبَتَت من عجائب الدهر شكلا
قد أكلت الزَّمان حلواً ومرًّا / وشربت الأيام خمراً وخلاّ
وأَبَتْ لي أُبوَّتي إنْ أُداري / معْشراً من مدارك الفضل غفلا
لا أُداري ولا أُمالي ولا أش / هدُ زوراً ولا أُبدِّلُ نقلا
قد كفاني ربِّي استماحة قومٍ / أشربوا في الصُّدور غِلاًّ وبخلا
بأبي القاسمِ الَّذي طابَ في النَّا / س نِجاراً وطابَ فرعاً وأصلا
وإذا عَدَّدَتْ بنيها المعالي / كانَ أعلى بني المعالي محلاّ
فخر آل الزهير والجبل الباذخ / أضحى على الجبال مُطلاّ
ظلَّ من يستظلّ بظلٍّ / لا عدمناه في الأَماجد ظِلاّ
كلَّ يومٍ وكلَّ آنٍ لديه / يجتدي سائل ويبلغ سؤلا
بأبي وافر العطايا إذا ما / أكثرَ النَّيل بالعطاء استقلاّ
وعيال ذوو العقول عليه / في أُمور تدقّ فهماً وعقلا
عصمة للأفكار من خطأ الرأ / ي وهادٍ للفكر من أن يضلاّ
نوَّر الله منك قلباً ذكيًّا / ظُلَمُ الشَّكّ فيه لا شكَّ تجلى
غادر المحل في أياديه خصباً / في زمان يغادر الخصب محلا
كم أيادٍ تلك الأَيادي أفاضت / وأسالت من وابل الجود سيلا
سابق من يجيء بالفضل بَعْداً / لاحقٌ بالجميل من كانَ قبلا
شَهِدَ اللهُ والأنام جميعاً / أنَّه الصَّارم الَّذي لن يُفلاّ
إنْ تُجرِّده كاشفاً لِمُلِمٍّ / فكما جرَّدَت يمينك نصلا
وعلى ما يلوح لي منه مرأًى / قَرَأَ المجدُ سَطْرَه واستملاّ
يا حُساماً هززته مشرفيًّا / صَقَلَتْهُ قيْنَ المروءة صقلا
مِن جليلٍ أعزَّك الله في العا / لم قدراً سما فعزَّ وجلاّ
أيّ نادٍ ولم يكنْ لك فيه / آيةٌ من جميل ذكرك تتلى
قد حكيت الشّمّ الرَّواسي وقاراً / وثباتاً في الحادثات ونبلا
وبنات الأَفكار لم ترضَ إلاَّ / كُفؤها من أكارم النَّاس بعلا
أيُّها المُنعم المؤمَّل للفضل / حباك الإِله ما دمت فضلا
أَلْبَسَتْني نعماك من قبل هذا / جِدَّةً من مفاخر ليس تبلى
كلّ يومٍ تراك عيناي عيدٌ / عند مثلي ولا أرى لك مثلا
فإذا قلتُ في ثنائك قولاً / قيلَ لي أنتَ أصدق النَّاس قولا
فبما نعمةٍ عليَّ وفضلٍ / أثقَلَتْني أيديك بالشُّكر حملا
لا يزال العيد الَّذي أنتَ فيه / عائداً بالسُّرور حَوْلاً فَحَوْلا
كم دمٍ فيك أيُّها الرِّيمُ طُلاّ
كم دمٍ فيك أيُّها الرِّيمُ طُلاّ / وفؤادٍ بجَمرةِ الوجد يَصلى
فأناسٌ بخمرِ عَينيك صَرعى / وأناسٌ بسَيْف جفنيكَ قتلى
قلْ لعينيك إنَّها قَتَلْتنا / أحسِني بالمتيَّم الصبِّ قتلا
ولك الله من حبيبٍ ملولٍ / غير أنَّ الهوى به لن يُملاّ
يا عزيزاً أذلُّ طوعاً لديه / والهوى يترك الأعزَّ الأذلا
إنْ تعجِّلْ بالهجر منك عذابي / أو تُؤاخِذْ متيّميك فمهلا
وإذا ما اسْتَحْليْتَ أَنْتَ تلافي / كانَ عندي وريقِك العذبِ أحلى
لا يملُّ العَذابَ فيك معنّى / نُصحاً وسواك الَّذي يَملُّ ويُقلى
يتراءى لعاذلي أنَّني أسمَعُ / نُصحاً له وأقبلُ عذلا
يأمُرُ القلبَ بالسلوّ ومن لي / بفؤادٍ يُرضيه أن يتسلّى
خَلِّني والهوى بآرامِ سَلْعٍ / يا خَليلي ولا عدمتُك خلاّ
ربَّ طيفٍ من آل ميٍّ طروقٍ / زارَ وَهناً فقلت أهلاً وسهلا
إنَّ من أرسَلَتْك من بعد منعٍ / قد أساءتْ قطعاً وأحْسَنتْ وصلا
بعثَتْ طيفَها ولم تتناءى / عن مزاري إلاَّ دلالاً وبخلا
فلقد كاد أنْ يَبُلَّ غليلي / ذلك الطيف في الكرى أو بلاّ
نَظَرتْ أعيُني منازلَ في الجزع / فأرْسَلْتُ دمعها المستهلاّ
لم أُكَفْكف دَمعي بفضل ردائي / بادّكار الأحباب حتَّى ابتلاّ
فسُقيت الغمامَ يا دار ظمياءَ / موقراتٌ نسيمُها المعتلاّ
طالما كنتُ فيك والعيش غضٌ / وعروسٌ من المدامة تجلى
أشْرَبُ الرَّاح من مراشف ألمى / جاعلاً لي تُفَّاحَ خَدَّيه نَقلا
فابكِ عَنِّي عَهْدَ الصّبا أو تباكَ / لبكائي والصبُّ بالدمع أولى
أينَ ذاك الهوى وكيف تقضّى / كانَ خمراً فما له صار خلاّ
صاحبي هذه المطيُّ الَّتي سا / رت عِشاءً تجوبُ وَعراً وسهلا
زادَها الوجْدُ غُلَّةً والنوى / وَجْداً وفُرْقَةُ الشَّملِ غِلاّ
تَتَلظَّى كأنَّها في حَشاها / جمراتٌ تذوبُ منها وتَصْلى
وغَدَتْ بعدَ طيِّها الأرض طياً / آكلاتٍ أخفافَها البيدُ أكلا
أتراها تَبغي النَّدى من عليٍّ / فَنَداه لم يُبْقِ في النفس سؤلا
ساد أقرانَه وكان غلاماً / ثم سادَ الجميعَ إذ صار كهلا
وانْتَضَتْه يَدُ العُلى مَشرفيًّا / صَقَلتْه قَينُ السِّيادة صقلا
فأراعَ الزمانَ منه جمالٌ / وجَلا كلَّ غيهبٍ إذ تجلّى
غَمَرَ النَّاس بالجميل فقُلْنا / هكذا هكذا الكرامُ وإلاّ
بأيادٍ تكون في المحْل خِصباً / في زمان يصيّر الخطب محلا
باذلاً كلَّ ما يروق ويحلو / لا مُملاًّ ولا ملولاً بذلا
والفتى الهاشمي إنْ جادَ أغنا / ك وإن أجْزَلَ العطاءَ استَقَلاّ
ربَّما خلْتَه لفرطِ نَداه / مُكثراً وهو عند ذاك مُقِلاّ
وسواءٌ لَدَيه في حالَتَيه / كَثُرَ المالُ عِنده أو قلاّ
آلُ بيت إن كنتَ لم تَدْرِ ما هم / فاسأَلِ البيتَ عنهمُ والمصلّى
بأبي أَنْتَ من سُلالَةِ طه / أشرَفُ الكائنات عقلاً ونقلا
سَيِّدٌ لا يمينه تَقْبَلُ القَبض / ولا طبعُهُ يلائم بُخلا
وبما قد سَبَقْتَ مَن جاءَ بعداً / سيّدي قد أدْرَكْتَ من كانَ قبلا
ما تعالَتْ قَومٌ إلى المجد إلاَّ / كنت أعلى مِنْهم وأَنْتَ الأعلى
طيّب الفرع طيّب الذات تُخشى / سطوات الظبا وترجى نيلا
وإذا كنتَ أطيبَ النَّاس فرعاً / كنتَ لا شك أطيبَ النَّاس أصلا
يا عليَّ الجناب وابنَ عليٍّ / والمعالي لم ترض غيرك بَعلا
قد بَلَوْناك يوم لا الغيثُ ينه / لُّ فَشِمناك عارضاً منهلا
وَوَجَدْناك للجميع مَلاذاً / يَرتجيك الجميعُ جوداً وفضلا
والأماني تُلقي ببابك رحلاً / كلَّ يوم تمضي وتملأُ رحلا
وتلاقي حُلاحِلاً جعل الله / عُلاه على البريّة ظلاّ
ربَّما كانَ في الأوائل مثلاً / لك واليوم لم نجد لك مثلا
أَنْتَ ذاتٌ تُرى لدى كلّ يوم / ترتقي منصباً وتعلو محلاّ
أَنْتَ في كلِّ موضعٍ ومكانٍ / آيةٌ من جميل ذكرك تتلى
فإذا قُلتُ في مديحك شيئاً / قيلَ لي أَنْتَ أصدقُ النَّاس قولا
فتقبَّل مولايَ فيك ثَنائي / وليَ الفخرُ إن تكُنْ ليَ مولى
وتكرَّمْ بأخذِه ولَكَ الفَضلُ / وما زِلتَ للفضائل أهلا
لا تزال الأيام في كلِّ حَوْلٍ / لكَ عيداً ودُمْتَ حَوْلاً فحَولا
زادك الله بهجةً ووقارا
زادك الله بهجةً ووقارا / وجلالاً منه فجَلَّ جلالُه
ولقد خصّنا بنيلك مذ كنتَ / مُنيلاً لنا فَعَمَّ نواله
عادك العيدُ بالسرور ووافا / ك مُشيراً إلى الهناء هلاله
أَنْتَ بدرُ السُّعود في طالع المج / دِ وقد أبْهَرَ العقول كماله
فاز من يرتجيه بالنّجح راجٍ / أُنْزِلَتْ في رحابه آماله
وإذا ساءت الظنون بحالٍ / حَسُنَتْ فيك لا بغيرك حاله
بأبي أَنْتَ من كريم السجايا / تِلك أخلاقه وتلك خلاله
وإذا ما أقْبَلْتُ يوماً عليه / سرَّني من جميله إقباله
وإذا قال في المطالب شيئاً / صَدَقَتْني أقواله وفعاله
فَلَه مِنِّي الثناء عليه / حيثُ لي منه جوده ونواله
نال ما لم يُنَلْ من الفضل حَظًّا / قَصَّرَتْ عن مناله أمثاله
يا أبا مصطفى فداؤك عبدٌ / بك يا صفوة الكرام اتصاله
فيك مولاي سؤْلُه ومناه / وإذا غبتَ كانَ عنك سؤاله
إنَّ داعيك والشواغل شتّى / لك في خالص الدعاء اشتغاله
وإلى الله في بقائك في العِزِّ / قَديماً دعاؤه وابتهاله
ما تأخَّرْتُ عنك إلاَّ لأمرٍ / ولحظٍّ تعوقني أغلاله
وسواءٌ لدى المودَّة عندي / بعد ذاك اتّصاله وانفصاله
وعلى كلِّ حالةٍ أَنْتَ في النا / س لعمري ملاذه ومآله
أيُّها المطلق العذار لقد راق / لِعَيني شبابُه واكتهاله
كلُّ من قد رآك قال فأرِّخ / زادَ سلمان بالعذار جماله
ما قَضَيْنا حَقًّا لرسْمٍ محيل
ما قَضَيْنا حَقًّا لرسْمٍ محيل / ببكاءٍ على الدْيار طويلِ
يا رفيقي وصاحبي وخليلي / قفْ بنا بين دارساتِ الطلول
نَقْضِ حقّ البُكا لها والعويل /
فالمطايا وَهَتْ وأَنْتَ تراها / يأكلُ السَّيْرُ ما ترى من ذراها
قفْ بها كي ترتاحَ ممّا اعتراها / وأنخها قلائصاً قد عراها
ما عرانا من الضنى والنحولِ /
إنَّ غِبَّ الغرام منذ امتطاها / أطلقَ الوَخدُ والذميلُ خطاها
خلّها من لغويها أنْ يطاها / وأرِحها سُوَيْعَةً فمطاها
قد دهى من وجيفها والذميلِ /
أصْبَحتْ بعدَ ريّها تتولّى / كبدا من غليلها النار تصلى
علّها ما وَرَدَتْ ماءك عَلاّ / واسقها من مَعين وجرةَ نهلا
فعَساها تطفي لهيب الغليل /
خَلّها لا عدمتَ ذا اليوم خلاّ / إن تحاولْ بقطعك البيد وصلا
وإذا سرتَ بالمطيِّ فمهلاّ / وتَرَفَّقْ بها فيما هي إلاَّ
عُدَّةً قد أعدَدْتُها للوصولِ /
فَسقى مربع الحِسان وجادَتْ / مُزُنٌ أحْسَنَتْ به وأجادَتْ
تبلُغ النفسُ عنده ما أرادَتْ / يا لمغنًى به الغواني تهادَتْ
وخَلَتْ من مؤنّبٍ وعذولِ /
كم لَهَوْنا بكلّ ظبي غريرِ / وشَرِبْنا في كلّ رَوضٍ نضيرِ
شمسَ راحٍ من كفّ بدرٍ منير / وأُديرَتْ لنا كؤوسُ سرورِ
من ثغورٍ رضابها من شمولِ /
حبّذا أوْجُهٌ تروقُك وَصْفا / وثغورٌ تحكي المدامةَ صِرْفا
فالثنايا العِذاب تمنح رشفا / ومياهُ الجمالِ تقطرُ لُطفا
فوقَ خدٍّ من الشباب أسيلِ /
قد رَعَينا لذاذةَ العيشِ رغدا / وطرِبْنا به مَراحاً ومَغْدى
في رياضٍ من المحاسن تندى / وطيورُ الهَنا تغرِّدُ وَجْدا
بهديرٍ مستعذبٍ وهديلِ /
يا لعيشٍ ما كانَ أمرى وأحلى / وزمانٍ من جوهر الرُّوحِ أغلى
فالشبابُ الَّذي قَلَّص ظِلاّ / قد مضى وانقضى وفاتَ وَوَلّى
كشموسٍ قد آذَنَتْ للأفولِ /
أينَ قومي لهم على النَّاس فخرُ / وإباءٌ بأنْفِهِ مشمخرُّ
قد دَهاهم من المنيّة أمرُ / وتمطّى بساعدِ الغَدْرِ دهرُ
غالَ أهلَ النهى بأنياب غولِ /
كم كريمٍ لدى عذابٍ أليمِ / ولئيمٍ من دهره في نعيمِ
إنَّ دهراً عَدوَّ كلِّ كريم / فهوَ سلمٌ لكلِّ فدمٍ لئيم
وهو حربٌ لكلِّ حرِّ نبيلِ /
ساءنا الدهرُ مأخذاً ونزاعا / واتّصالاً وفرقةً واجتماعا
غادرٌ باسطٌ لغَدرٍ ذراعا / ولَكَمْ مَدَّ للخيانةِ باعا
رَدَّ عنها الحجى بطرف كليلِ /
عَمَّ سوحي حال الزمان وخصّا / وأرى فيه كلّما زِدْتُ نَقْصا
لا تظنَّن أنّها تُستقصى / فأحاديثُ دهرِنا ليسَ تُحصى
خلّ عن شرحها العريضِ الطويلِ /
كمْ أمورٍ لدَهْرِنا مهلكاتِ / لاحقاتِ أبناءه مدركات
زَمَنٌ ظلّ أهلُه في شكاةِ / كم له في الكرام من فتكاتِ
كلَّ آن يسطو بأمرٍ مهولِ /
إنَّ هذي الأيام منذ ابتداها / قَلَّ ما تَمْنَحُ الكرامَ نداها
ما استَقَرَّتْ بريّها وصداها / والليالي لا تستقرُّ مداها
كلَّ يوم تأتي بحال محلولِ /
نرتجي الفوزَ في بلوغ أمانِ / بزمانٍ يَعِزُّ كلَّ مُهانِ
ما ثنى عِطفَه لحرٍّ مُصانِ / ليتَ شعري ما يرتجى من زمان
عَطفُه للكرامِ كالمستحيلِ /
كيف نلتذُّ في الحياة وُجودا / إذ نرى حيثُما التَفَتْنا فقيدا
لك يكنْ طيبُ عيشنا محمودا / ومتى نستطيبُ عيشاً رغيدا
والمنايا تحدو بنا للرحيلِ /
إنَّما هذه الحياة ابتلاءُ / ولغوبٌ وشِقْوَةٌ وعَناءُ
ثم قد يُعقِبُ الوجودَ فناءُ / والرزايا مع المنايا بلاءُ
وعظيمُ البلاء رفع الرذيل /
فالبلاءُ الشديدُ أنْ يُستَعاذا / بالذي لمْ يكنْ لعَمري مَعاذا
أو يكونُ الدنيُّ فينا ملاذا / وبلاءٌ أشدُّ من ذا وهذا
ذلُّ حُرٍّ إلى لئيمٍ بخيلِ /
ما أراحَتْ يوماً من النَّاس حيًّا / بلْ أساءتْ إليه مَوتاً ومحيا
نحنُ نبغي في هذه الدَّار بُقيا / ومضِرٌّ بنا البقاءُ بدنيا
غَدَرَتْ قبلَنا بآل الرسولِ /
لأناسٍ عَلَوْا فخاراً ومجدا / وأباً ماجداً كريماً وجدّا
كيف كانت إذ ذاك خصماً ألدّا / ما رَعَتْ فيهم ذماماً وعهدا
وحمى المستجير والمستنيل /
يا نجوماً في كلِّ بَرّ وبحر / هاديات الأنام في كلّ عَصْرِ
يا بدوراً في حالكٍ مكفهرّ / شَتَّتْ شملَهُم وكانوا حماة
وهداةً إلى سواء السبيل /
خيرُ من حَلَّ بقعةً ووطاها / قد كشفْتُم عن العيون غطاها
وحميْتُم ممَّا يروع سطاها / يا بني أحمدٍ ويا آل طه
يا هداة الورى ومأوى الدخيل /
بولائي لكم قديماً وحبّي / أنا أرجو النجاةَ من كلّ كربِ
يا شفائي إذا اعتَلَلْتُ وطبّي / ضِقْتُ ذَرعاً من عِلَّةٍ بَرَّحَتْ بي
ودوائي أنتم وبرءُ العليل /
عن خلوصِ الولاءِ صِدقُ مقالي / في طفوليَّتي وحالِ اكتهالي
لم تغيِّرْه حادثاتُ الليالي / صرتُ شيخاً وما تَغَيَّر حالي
عن ولائي لكم بِصدقِ المقولِ /
تركَتْني الأيامُ من غير جِرم / حاملاً عِبءَ كلّ همٍّ وغمِّ
حيث فَقْدُ الشبابِ انحل جسمي / وأنا اليوم شابَ رأسي وعظمي
أوْهَنَتْه أثْقال وِزرٍ ثقيل /
إنَّ ضُعْفَ القُوى وفقدانَ عَوني / قد أحالا من بينَ قَصدي وبيني
طَعَنَتْ في مضاضة العيش شنِّي / وانقضى العمرُ كلُّه بالتمنِّي
واتّباعِ الهوى بقالٍ وقيلِ /
أنْتُم مَطلَبي وأنْتم مرادي / وعَليكم بَعدَ الإله اعتمادي
فإذا كانَ بَعْدَ بدئي معادي / حبّكم يا بني الوصيّ عتادي
في معادي عند الإله الجليلِ /
قَرَّبَتْني منكُمْ دنوًّا بقربِ / نِسْبَةٌ في الجميل من فضل ربِّي
حينَ أدعى ما بين قومي وصحبي / أنْتُمْ أَنْتُم الجميلُ وحَسْبي
بينَ قومي أُدعى بابن الجميل /