أقبلَ الليلُ واتخذتُ طريقي
أقبلَ الليلُ واتخذتُ طريقي / لكَ والنجمُ مؤنِسي ورفيقي
وتوارى النهارُ خلف ستارٍ / شفقيٍّ من الغمام رقيقِ
مدّ طيرُ المساء فيه جناحاً / كشراعٍ في لُجةٍ من عقيقِ
هو مثلي حيرانُ يضربُ في ال / ليل ويجتاز كل واد سحيقِ
عادَ من رحلةِ الحياة كما عد / تُ وكلّ لِوكره في طريقِ
أيهذا التمثالُ هأنذا جئتُ / لألقاكَ في السكونِ العميقِ
حاملاً من غرائب البرِّ وال / بَحرِ ومن كل محدَثٍ وعريقِ
ذاك صيدي الذي أعودُ به لَي / لاً وأمضي إليه عند الشروقِ
جئت ألقي به على قدميكَ الآ / نَ في لهفةِ الغريب المشُوقِ
عاقداً منهُ حول رأسِكَ تاجاً / ووشاحاً لقدِّكَ الممشوقِ
صورةٌ أنتَ من بدائعَ شتّى / ومثالٌ من كلِّ فنٍّ رشيقِ
بيدي هذه جبَلتُكَ من قلبي / ومن رونقِ الشبابِ الأنيقِ
كلما شمتُ بارقاً من جمالٍ / طِرتُ في أثرهِ أشقُّ طريقي
شهِدَ النجمُ كم أخذتُ من الر / رَوعةِ عنهُ ومن صفاءِ البريقِ
شهِدَ الطير كم سكبتُ أغاني / هِ على مسمعيكَ سكبَ الرحيقِ
شهِدَ الكرمُ كم عصرتُ جَناهُ / وملأتُ الكؤوسَ من إبريقي
شهِدَ البرُّ ما تركتُ من الغا / رِ على معطفِ الربيعِ الوريقِ
شهد البحرُ لم أدَعْ فيه من دُر / رٍ جديرٍ بمفرقيكَ خليقِ
ولقد حيَّرَ الطبيعةَ إسرا / ئي لها كلَّ ليلةٍ وطروقي
واقتحامي الضُّحى عليها كراعٍ / أسيويٍّ أو صائدٍ إفريقي
أو إلهٍ مُجنَّحٍ يتراءى / في أساطيرِ شاعرٍ إغريقي
قلتُ لا تعجبي فما أنا إلَّا / شبَحٌ لجَّ في الخفاءِ الوثيقِ
أنا يا أمُّ صانعُ الأملِ الضا / حِكِ في صورة الغد المرموقِ
صُغْتُهُ صوغَ خالقٍ يعشق الْ / فَنَّ ويسمو لكل معنى دقيقِ
وتنظّرتُه حياةً فأعياني / دبيبُ الحياة في مخلوقي
كلَّ يوم أقولُ في الغدِ لكنْ / لستُ ألقاهُ في غدٍ بالمفيقِ
ضاع عمري وما بلغتُ طريقي / وشكا القلبُ من عذابٍ وضيقِ
معبدي معبدي دجا الليلُ إلا / رعشة الضوءِ في السراج الخفوقِ
زأرتْ حولك العواصفُ لما / قهقه الرعدُ لالتماعِ البروقِ
لطمتْ في الدُّجى نوافذَكَ الصّم / ودقَّتْ بكل سيلٍ دفوقِ
يا لتمثاليَ الجميلِ احتواهُ / ساربُ الماء كالشهيد الغريقِ
لم أعُدْ ذلك القويَّ فأحمي / هِ من الويلِ والبلاءِ المحيقِ
ليلتي ليلتي جنيت من الآ / ثامِ حتى حملتِ ما لم تطيقي
فاطربي واشربي صُبابةَ كاسٍ / خمرها سالَ من صميمِ عروقي
مرّ نورُ الضحى على آدميٍّ / مُطرقٍ في اختلاجةِ المصعوقِ
في يديه حُطامةُ الأمل الذا / هبِ في ميعة الصبا الموموقِ
واجماً أطبقَ الأسى شفتيهِ / غيرَ صوتٍ عبرَ الحياة طليقِ
صاح بالشمس لا يُرعْكِ عذابي / فاسكبي النارَ في دمي وأريقي
نارك المشتهاةُ أندى على ال / قلب وأحنى من الفؤاد الشفيقِ
فخذي الجسمَ حفنة من رمادٍ / وخذي الروحَ شعلةً من حريقِ
جُنَّ قلبي فما يرى دَمَهُ القا / ني على خَنجرِ القضاء الرقيقِ