أترعي الكأس أدمعا و رحيقا
أترعي الكأس أدمعا و رحيقا / حقّ بعض الهموم أن لا نفيقا
سلم الجمر لي و عاش بقلبي / أريحيّ اللّهيب عذبا أنيقا
يا شآمي يا قبلة الله للدنيا / و يا راحها المصفّى العتيقا
أترع الكأس من هواك لتروى / كبدي من هواك لا لتذوقا
مزّقيها تغمرك طيبا و نورا / لا تملّي الطيوب و التمزيقا
لملم الفجر ذكرياتي دما سكبا / و مجدا غمرا و عهدا و ثيقا
لملم الفجر ذكرياتي فما لملم / إلاّ أقاحيا و شقيقا
كبريائي فوق النجوم و لولاها / لما كنت بالنجوم خليقا
جلّ شعري أقيه الرّوح من كلّ / هوان و الشعر كالعرض يوقى
ما شكوت العدو كبرا و لكنّي / شكوت المبرّأ الموثوقا
و أخا لي سقيته الودّ صرفا / فسقاني من ودّه الممذوقا
طبعي الحبّ و الحنان فما أعرف / للمجد غير حبّي طريقا
و كنوزي و ليس تحرسها الجنّ / تنادي المحروم و المرزوقا
لم يضق بالعدوّ حلمي و غفراني / و أفدي بمقلتي الصديقا
لا أريد الإنسان إلاّ رحيما / باختلاف الهوى و إلاّ شفيقا
لي قبور كنزت فيها شبابي / و صبوحي على المنى و الغبوقا
يا قبور اللدات : كل شقيق / حاضن في الثرى أخاه الشقيقا
وسعت هذه القبور فؤادي / كيف تشكو و هي في السماوات ضيقا
كيف لا تنبت الرّياحين و الشوق / و قلبي على ثراها أريقا
مقلتي يستحمّ في دمعها الطيف / و تحنو فلا يموت غريقا
ينزل الجرح من فؤادي على الحبّ / و يلقى التدليل و التشويقا
شامة الفتح نام ( فارسك) النجد / و حقّ الوفاء أن يستفيقا
سبقته أحبابه للمنايا / فرحمت المجلّى المسبوقا
و نعم عدت ( للعقيق ) و لكن / فارق الأهل و اللدات (العقيقا )
أنا كالطّير ألف صحراء لفّته / مهيض الجناح شلوا مزيقا
مات أيكي و مات وردي فلا تعجيل / أعنى به و لا تعويقا
غربتي قد سئمت غربة روحي / و مللت التّغريب و التّشريقا
غربتي غربتي على النّأي و القرب / أراني إلى دجاها مسوقا
حدت عنها غربا و شرقا و طوّفت / فما اجتزت سهمها المرشقا
(فارس) المجد لم تزغرد / عذارى المجد إلاّ انتخى و كان و السّبوقا
و له الطّرفة المليحة تغني / عن نقاش و تسكت المنطيقا
و بيان تخاله الوشي و الأطيا / ب شتّى و اللؤلؤ النسوقا
فيه عمق البحار تزخر بالدرّ / و فيه متارف الموسيقا
و ضمير يكاد يسرف في الحسّ / فيجزي حتّى الخفيّ الدّقيقا
عالم يسكب العذوبة في العلم / فتستاف عنبرا مسحوقا
يا لنسر تقحّم الشمس حتّى / ملّ عزّ الشموس و النحليقا
حقّ عبئين من سنين و مجد / أن يكفّا من شأوه و يعوقا
يهرم النسر فالطريق عثار / ذكريات الصبا زحمن الطريقا
عبّ منها النسر الحبيس فردّته / لدنيا الشموس حرّا طليقا
غمرت قلبه حنينا و أشواقا / و يمناه لؤلؤا و عقيقا
عالم الذكريات نمنمه الخالق / حتّى يدلّل المخلوقا
هو من أريحيّة الله ماشئنا / رحيقا صفوا و مسكا فتيتا
حال بيني و بين لقياك دهر / سامني عبئه فكنت المطيقا
أنزلتني على فروق رزاياه / فحيّا عطر السماء (فروقا)
ضاق لبنان بي و كان رحيبا / و تنزّى حقدا و كان رفيقا
ما للبنان رحت أسقيه حبّي / و سقاني مرارة و عقوقا
أنا أغليته بلؤلؤ أشعاري / و طوّقت جيده تطويقا
و زرعت النّجوم في ليل لبنان / فرفّ الدّجى نديّا و ريقا
دلهتني (سمراء لبنان ) أطيابا / و قدّا مهفهفا ممشوقا
و جمالا غالى بزينته الله / و ثنّى و ثلّث التدقيقا
و عفافا ذاد الشفاه و خلىّ / للعيون السّلاف و التّحديقا
جنّ قلب الدّجى بأهدابها الوطف / فأغنى جفنا و كحلّ موقا
قد أرادوا لبنان سفحا ذليلا / و أردناه شامخا مرموقا
و حمدت الجلىّ بلبنان لمّا / كشفت لي اليقين و التلفيقا
إن عتبنا على الكنانة إدلالا / فقد يعتب الصّديق الصّديقا
و هبتنا فرعونها و وهبناها / على العسر يوسف الصدّيقا
كيف يشري العبيد كافور / بالمال و كافور كان عبدا رقيقا
أرز لبنان لن يكون لكافور / متاعا و للأرقّاء سوقا
يا قبور في الشام ربّ قبور / أنزلتها النوى مكانا سحيقا
موحشات : إلاّ عزيفا من الج / نّ يرجّ الدّجى و إلاّ نعيقا
هائمات كالنور طارت صبابا / تي إليها فما استطعن اللحوقا
غرّبتنا العلى قبورا و أحياء / و عاثت بشملنا تفريقا
و اغتراب القبور من حيل الم / وت ليخفى كنوزه و العلوقا
تسمع الرّيح حين تصغي حنينا / من فؤادي على الثرى و شهيقا
ما لقومي غال الحمام فريقا / منهم و العقوق غال فريقا
ظلم الكنز أهله فتمنّى / أن يكون المبدّد المسروقا
فارقوني معطّرين من الفتح / و خلّوا لي الأسى و الشهيقا
أظمأتني وجوههم حين غابت / فأردت الذكرى سلافا و ريقا
عهدها بالخلوق عهد قديم / ألفت غرّة المجلّى الخلوقا
يا لدات الفتوح نسقي منايانا / و يسقينا الهوى ترنيقا
بيننا صحبة الاّباء و عزّ / أمويّ يطاول العيّوقا
و كفاح كعصف ضجّ في الدّنيا / رعودا هدّارة و بروقا
و المروءات كالغرائر في الرّيف / ملاح لا تعرف التزويقا
و عقود من السنين نظمناها / سجونا و كبرياء و ضيقا
نحن كنّا الزلزال نعصف بالشرق / نرجّ الشعوب حتّى تفيقا
فابتدعنا من ألرؤى واقع الحقّ / و من غمرة الظلام البريقا
نقحم الغامض الأشمّ من المجد / و نأبى الممهّد المطروقا
نحن عطر السجون عطر المنايا / نحمل الجرح مطمئنا عميقا
نحن كالشمس جرحها وهّج الدّنيا / غروبا منوّرا و شروقا
نحن و الشام و الفتوحات و الأحزان / دنيا تزيّنت لتروقا
ما درى الشرق قبلنا سكرة الحقّ / و لا خمرها و لا الراووقا
نحن عشق للغوطتين براه الله / حتّى يؤلّه المعشوقا
نحن في الكأس نغمة نحن في الن / غمة صهباء : صفّقت تصفيقا
خمرة النّور خمرة الثأر و الإيمان / طابت بردا و طابت حريقا
يعرف الحقّ قيمة الجوهر / الفرد و يغلى جديده و العتيقا
يعذر الحرّ حين لا يخطئ العزم / و إن كان اخطأ التوفيقا
يا رئيسي من أربعين زحمناها / إباء مرّا و بأسا حنيقا
أنت نشّأتني على الصبر و العزّ / كما تلاهف الحسام الذليقا
مننتدى الشام و الوزارة ضماّنا عريقا / يفي هواه عريقا
و هموم كأنّهن الأمانيّ جم / الا و نشوة و سموقا
مترفات ترعرعت في فؤادينا / و طابت شمائلا و عروقا
يرد الخطب منك قلبا سريّا / و بيانا عفّا و وجها طليقا
من يعلّ النديّ بعدك بالشه / د المصفّى و من يسدّ الفتوقا
هدرت بالنديّ خطبتك الشمّاء / و الريق لا يبلّ الحلوقا
أنكرتك الحياة بالشيب و السق / م فهيّء للفارك التطليقا
حمل الموت من لداتك شوقا / يستحثّ الخطى و عتبا رقيقا
و كتابا من الهوى نمّوقه / فأجادوا البيان و التنميقا
و طيوفا تبرّجت لكرى جفنيك / حتّى يرضى و حتّى تليقا
غيّب القبر منك شمّاء مجد / وعرة تزحم النجوم سحوقا
يتلقّاك (هاشم) في ربى عدن / و يستقبل المشوق المشوقا
حيّ عنّي سعدا و قبّل محيّا / كالضحى باهر السنى مرموقا
و أبا أسعد سقته دموعي / و سليمان ( و النّديم ) الصّدوقا
و اسق (قدري) و (عادلا) و (جميلا) / من حنيني طيب الهوى و الرّحيقا
و اشك حزني (لمظهر) و (نجيب) / راع دهر أخاكما فأفيقا
لي حقوق على القبور الغوالي / و يوفّى قبر الكريم الحقوقا