هو ليلٌ من الغياهبِ ضافي
هو ليلٌ من الغياهبِ ضافي / وأديمٌ في لُجَّةِ الثلج طافي
وبحارٌ إن رُدْتُها لم تجدْ غَ / يرَ جليدٍ من لجَّةٍ وضفافِ
وجبالٌ من الثلوج تدجى / رائعاتِ السفوح والأعرافِ
وصحارى لا ينتهي الركبُ فيها / عند صخرٍ أو واحةٍ مئنافِ
وطن الزمهريرِ والثلج لا ال / قيظ ولا كدرة الرمال السوافي
وهي مغدَى السفينِ والدُّبِّ لا مغ / دى نياقِ الفلا وذئبِ الفيافي
عالمٌ كلُّهُ سكونٌ وصمتٌ / مترامي الحدودِ والأطرافِ
لا ترى للنهارِ والليل في وا / ديهِ يوماً من دورةٍ واختلافِ
أو تُحسُّ الأرواحُ قصفَ الرياح ال / هوج فيه أو هدرةَ الرجَّافِ
لا اصطفاقَ الغصونِ لا هَذرَ الطي / رِ ولا أنَّةَ النميرِ الصافي
عرِيتْ أرضُه من العُشبِ الأخ / ضرِ والدوحِ سابغ الأليافِ
قِفْ بهذا الوادي الرهيب وحدِّقْ / فيه والليلُ مؤذنٌ بانتصافِ
وانظرِ الشمسَ في الغياهب صفرا / ءَ تهادى في رائعِ الأفوافِ
يغمرُ الكائناتِ منها شعاعٌ / مرسلٌ من غلالة الرَّوع ضافي
يحسبُ الناظرون في الأفق منه / حُمرة الورس أو مزيجَ السُّلافِ
وهو غيبٌ مُتحَبٌ دون مرآ / هُ اقتحام الردى ورنقُ الذعافِ
حدثيني يا شمسَ منتصف اللي / لِ فليس الحديثُ عنكِ بخافِ
أيُّ أفقٍ من عالم الأرض هذا / شاحبُ اللون باهتُ الأكنافِ
فيه من صُفرة الفناءِ وفيه / من سوادِ النحوس لونُ الغدافِ
أهو القطبُ فتنةُ الأبد الخا / لي ومغدى الظنون والأرجافِ
أم هو العالمُ الذي جهلوه / وشأى أوجهُ على الكشَّافِ
أيُّ سرٍّ للجاذبيةِ فيه / يأخذُ الأرضَ نَحوَه بانحرافِ
أيُّ نجمٍ في أفقه رصدوه / لمسارٍ حول الثرى ومطافِ
لكأني به مغاورَ جنٍ / مستسرِّي الأرواحِ والأطيافِ
لا يقيمونَ في ذُراهنَّ واللي / لُ على الكون مطبقُ الأسدافِ
فإذا أقبلَ النهارُ تولوا / وتواروا خلال تلك الشعافِ
وأراه مجنَّ كلِّ خفيٍّ / من تهاويل ساحرٍ عرَّافِ
يستمدُّ الأنباءَ منه ويُدلي / بالأحاديثِ وهي جِدُّ زيافِ
وبها من خفاءِ مهبطه الخا / في خفيُّ الأخبارِ والأوصافِ
وهو الشاطئ الذي في حفا / فيه تَقرُّ الأنغامُ بعد طوافِ
كلُّ لحنٍ من الملاحن مهما / أبدعته أناملُ العزّافِ
فإليه يصوبُ في سُدُفِ اللي / ل ويثوي صداهُ بين الحفافِ
ليت شعري أيستحيلُ صدىً في / لجِّه أم يقرُّ في الأصدافِ
إنَّ هذي يا شمسُ ألحانُ قلبي / مرسلاتٍ عن مدمعي الذرَّافِ
فاشهديها تقرُّ في جوفه النا / ئي فكم فيه من حطام أثافي
أيها القطبُ حَدّثِ الكونَ هلا / تُسعدِ الشعرَ ليلةً باعترافِ
طال بالشمسِ في دجاك اصفرارٌ / لا الدُّجى حائلٌ ولا الضوءُ صافي
لم تَجُزْ عن ثراك قيدَ ذراعٍ / أو تُنَبِّه جفنَ الصباحِ الغافي
قيل حاموا على ذُراكَ وألقوا / فوق واديكَ نظرةَ استشرافِ
وأراهم في زعمهم قد أسفّوا / بكَ يا قطبُ أيَّما إسفافِ
تشهدُ الكائِناتُ أنك أمسي / تَ وتُمسي سِرَّ الوجود الخافي