كلَّ يوم مودِّع أو مودَّعْ
كلَّ يوم مودِّع أو مودَّعْ / بفراقٍ من الزّمان مُنَوَّعْ
فانقطاعُ الوصال كم يتمادى / وحصاةُ الفؤادِ كم تَتَصَدّع
ليت شعري هل أرتدي بظلامٍ / لا يراني الضياءُ فيه مروّع
بحداءٍ من واصفِ البين غادٍ / وَنَعيبٍ من حالكِ اللّون أبقَع
فَبِنارِ الأسى يُحَرَّقُ قَلْبٌ / وبماءِ الهوى يُغرَّقُ مدمَع
هَذِهِ عادةُ الليالي فلُمْها / وهي لا تسمعُ الملامة أو دَع
تَطْعَنُ الحيّ فالجسومُ بواقٍ / في يدَ السّقْمِ والنفوسُ تُشَيَّع
وكأنّ الحسانَ زُوّدْنَ صَبْري / فهو بالبين بَينَهُنَّ يُوزَّع
كلّ نمّامةِ الرياح تلاقي / منه أنفاسَ روضةٍ تَتَضَوَّع
يلمعُ الماءُ في سنا الخدّ منها / فَكَأنَّ الرحيقَ منه يشعشَع
تنتحي بالأراك ثغر أقاحٍ / للندى فيه ريقةٌ تَتَمَيَّع
نَصّلَتْ في القوامِ باللحظ منها / صعدةً في يدِ الملاحة تُشْرَع
تجرحُ القلبَ والأديمُ صحيحٌ / فَعَنِ السحرِ منه حدَّثتُ فاسمَع
قفْ وقوفَ الحيا بدمنَةِ ربعٍ / ضَيّعَ الدمعَ فيه رسمٌ مُضَيَّع
دارسٌ لا تزالُ غُبْرُ السّوافي / تَفْرِقُ التربَ فيه ثُمّتَ تَجمَع
كم به من سوانحٍ في المغاني / آمناتٍ من نبأةِ الخوفِ ترتَع
وظباءٍ كأنّهُنّ دُمَاهُ / حينَ تَرْنو لو أنّها تَتَبَرْقَعْ
وحبيسٍ على الفلا زمخريٍّ / خاضبٍ أفتخِ الجناحين أقْزَع
رافِعٍ في الهواءِ طُولى عليها / عنقٌ كاللّواءِ في الجيش يُرْفَع
تَحسبُ العينُ رجلَهُ نصب رحلٍ / أصلمٌ ليْتَ أنّه كان أجدَع
إن ثوبَ الصبا يُمَزَّق منِّي / ما الّذي بالخضاب مِنْه يُرَقَّع
فَعَصَتني الفَتاةُ كَيْداً وكانَتْ / في الهوى من يدي إلى الفمِ أطوَع
أنْبَتَ الدهرُ في المفارقِ شيباً / بِهُمومٍ في مُضْمَرِالقلبِ يُزْرَع
وَابتَدا والنَّوى بِيُمناه تبدي / صورَةَ الماءِ في السرابِ فَتُخدَع
بشمالٍ تثني عليها جنوباً / بهبوبٍ يقلقلُ الكورَ زعزَع
كُلَّما أمرعت بِبَقلٍ جُفالٍ / قلتُ بالجمر من حمى القيظِ تُلْذَع
حيثُ أذكتْ ذكاءُ فيها أواراً / يَلْفَحُ الوَجْهَ في اللّثام فَيَسْفعْ
وإذا ما لَمسْتَ جَدْوَلَ ماءٍ / خِلْتَهُ حَيّةً من الحرِّ تَلْسَع
أنا نبعٌ لا خِرْوَعٌ عند عمري / وأرى العود منه نبعٌ وخروَع
لَستُ أُثْنى عنِ السُّرَى في طريقٍ / خيّمَ الليلُ فوقه وهوَ خَيدَع
فكأنّي خُلِقْتُ جوّابَ أرْضٍ / أَصِلُ العزمَ حَشوَها وهيَ تَقطَع
وكأنّي في مِقْوَلٍ من زماني / مَشَلٌ وافدٌ على كلّ مسمع