المجموع : 3
أدهق الدهر بالمنيّة كاسه
أدهق الدهر بالمنيّة كاسه / من قديم وطاف يسقي أناسه
كيف يرجى طول البقاء لحّيٍ / جعل الله عمره أنفاسه
تعست هذه الحياة وإن كا / نت لعمري خلابةً حسّاسه
قصّرتها يد الحوادث لكن / قد اطالت بها على الحيّ باسه
غير أن السعيد من بان عنها / وهو مستثمر بها أغراسه
والذي عاش مؤنساً وحشة النا / س ممدّاً بفضله إيناسه
مثل ذاك الشيخ الذي مذ فقدنا / ه فقدنا به النهى والكياسه
نعي الخالصي فارتجّت الأن / فس حزناً مضرّجاً بحماسه
هو ذاك المهديّ أحرز سبقاً / حين أجرى إلى الهدى أفراسه
هو ذاك الحبر الذي كان للشر / ع مقيماً دليله وقياسه
كان في الدين آية الله أفنى ال / عمر فيه رعايةً وحراسه
أفق العلم قد بد مكفهرّاً / عندما أطفا الردى نبراسه
إن بكاه الدين الحنيفي شجواً / فلأن كان ركنه وأساسه
كان ردءاً للحق مرتدي التق / وى فكانت طول الحياة لباسه
ولقد كان في العلوم إماماً / حيث فيها انتهت إليه الرياسه
أنا أبكي عليه من جهة العل / م واغضي عن خوضه في السياسه
لا لأني أراه فيها ملوماً / بل لأني أعيب فعل الساسة
ليس في هذه الهنات السياس / يات إلا ما ينجلي عن خساسه
قد أبت هذه السياسة إلاّ / أن تكون الغشّاشة الدسّاسه
وأبت أن تصافح الناس إلا / بيدٍ من خديعة فراسه
كلّما مسّت الأمور بكفٍ / لوّثتها بما بها من نجاسه
إن في هذه السياسة سهماً / جعل الله باطلاً قرطاسه
ما تعاطى غير الخداع غلاد س / تون فيها كلا ولا دلكْاسه
إن أحسّت بقوةٍ من خصيم / كانت الظبي لم يزايل كناسه
وهي إن آنست من الخصم ضعفاً / كانت الليث مبرزاً أضراسه
لو أردنا إفاضة في هجاها / لكتبنا لكم به كرّاسه
فلهذا أجلّ عنها رجالا / شغلتهم علومهم بالدراسه
رحم الله شيخنا إنه كا / ن بعيداً عمّا تريد السياسه
ليت تلك العلوم قد شغلته / عن أمور لا تشتري بنحاسه
أنتجت بعده فأوحش أرضاً / في العراقين عوّدت إيناسه
فقضى بعد نأيه عن إناس / طلبوا علمه وراموا اقتباسه
أيها القوم إن هذا لرأيي / في فقيدٍ لم تشهدوا إرماسه
فإذا كنت قد أصبت وإلا / فانبذوا ما أقوله في الكناسه
لست بالشاعر الذي يرسل اللف / ظ جزافاً لكي يصيب جناسه
أنا لا أبتغي من اللفظ إلاّ / ما جرى في سهولةٍ وسلاسه
إنما غايتي من الشعر معنىً / واضح يأمن اللبيب التباسه
أيّها الأنجم التي قد رأينا
أيّها الأنجم التي قد رأينا / عبراً في أفولها كالشموس
إن هذا الأفول كان شروقاً / في دياجير طالع منحوس
وسيأتي منه الزمان بسعد / تنجلي منه داجيات النحوس
شنقوكم ليلاً على غير مهل / ثمّ دسّوا جسومكم في الرموس
أفكانوا في ظلمة الليل تجراً / هربّوا المال من جباة المكوس
هكذا الجائف المريب يواري / فَعلة السوء منه بالتغليس
شنقوكم لأنكم قد جعلتم / علّم الجيش غير ما منكوس
شنقوكم لأنكم قد أبيتم / أن تكونوا في ربقة الأنكليس
فاستحقوا اللعن الذي كررّته / خاليات القرون في إبليس
سيديم الزمان لعناً عليهم / شائع الذكر في بطون الطروس
أيها الأنجم التي تركتنا / في أسىً من مصابها محسوس
في سبيل الأوطان متّم ففزتم / بأجلّ التحميد والتقديس
وستبقى الذكرى لكم ذات رمز / هو تعظيمكم بخفض الرءوس
وسيجري احترامكم في مجاري / شرف خالد لكم قد موس
إن يوماً به نعيتم إلينا / يوم بؤس كيوم حرب البسوس
قد حكاها طولاً وشؤماً وبغياً / وتلظّى بحرّ نار المجوس
فيه أبدت منّا الوجوه كلوحاً / في شحوبٍ وغبرةٍ وعبوس
إذ سكنّا وفي القلوب ارتجاج / مثل تيّار لجّة القاموس
وأطلنا عن الكلام سكوتاً / معرباً عن نشيجنا المهموس
ووجمنا حزناً وربّ وجوم / يتأتي من صاخبات النفوس
برئت ذمّة المروءة منّا / إن نُبسي يوم شنقكم أو تُنُوسي
سَعَروها في البحر حرباً ضروساً
سَعَروها في البحر حرباً ضروساً / تأكل المالَ نارُها والنفوسا
قرب توشيما قد تصادم أسطو / لان أردى اليابان فيه الروسا
يوم طوغو دها بأسطوله الرو / س قتالاً وكان يوماً عبوسا
فحَداها بوارجاً تملأ البح / ر وقاراً طوراً وطوراً بُوسا
كل مَخّارة إذا حَرَّكت دُفّ / اعها خضخضت به القاموسا
مذ بنَوها لهم كنيسة حرب / تخذت كل مدفع ناقوسا
عرش بلقيس في المناعة لكن / قد حكت في احتشامها بلقيسا
ألبسوها من الحديد وِشاحاً / فتهادت على العُباب عروسا
وإذا تنشر البُنود النص / رَ فيها تخالها الطاوسا
وإذا جنّها على البحر ليلٌ / أطلع الكهرباء فيها شموسا
قد أبى بأسها الشديد سوى الفُو / لاذ درعاً لجسمها ولَبُوسا
سيّروا البرق بينهنّ رسولاً / صادقاً ليس يعرِف التدليسا
فهو فيها لسان صدق يؤدّي / دون سلك كلامها المأنوسا
إنما ملكه الأثير الذي را / ح بطَيّ اهتزازه مدسوسا
جهَّزوها مدافعاً فغرت أف / واه نار قدِ اْلتَقَمْنَ الشوسا
دلعت ألسناً من النار حُمراً / ويلَ من قد غدا بها مَلحوسا
ترسل الموت في قنابلها كالشُهْ / ب ذريعاً مستأصلاً عِتْريسا
طالما بانفجارها انفلق البح / ر انفلاقاً مذكراً عهد موسى
بَثّ أسطوله فلبّسه طو / غو بأسطول خصمه تلبيسا
حيث قد أجفلت من اللجج الحي / تان تَخشى من اللهيب مسيسا
وعلا البحر مُكفَهِرَ غمام / من دخان همى ولكن بوسى
ثار طرّادهم يجيش بنسّا / فات سُفن لهم سَجرن الوطيسا
كجبال تَرى البراكينَ فيها / تقذف الموت جارفاً والنُحوسا
فأباحوهمُ هنالك قتلاً / واغتناماً نفوسَهم والنُفيسا
فسل اليَمّ كم تضمّن منهم / مُغْرَقاً في عُبابه مغموسا
هاجموه وللهياج سعير / ملأت واسع الخِضَمّ حسيسا
فكَسَوْهم من الهَوان لَبُوسا / وسَقَوْهم من المنون كؤوسا
صرعت في الوغى ليوث من اليا / بان أسطول خصمها مفروسا
فانتضَوْها عزائماً ماضيات / طأطأ الروس دونهنّ الرءوسا
وجلّوْها في الروع بيض فِعال / أقرأتهم كتب الفَخار دروسا
إن يوماً لهم تقضىَ بتوشيما لي / وم بالذكر زان الطروسا
بات طوغو يجني الأماني إذ با / ت قنوطاً عدوُّه ويَؤوسا
قائد لم يَرِدْ لظى الحرب إلاّ / مصدراً رأيه لها جاسوسا
تاه أسطوله على اليَمّ عُجباً / حين أضحى لمثله مرؤسا
إن شهماً تقلّد العقل سيفاً / لحَرِيٌ بأن يكون رئيسا
ومليكاً وَلّى عنهمُ كم سعَوا في / ه خميساً عرمرماً فخميسا
رجلاً يملأ الفضاء وخَيلاً / حملت للوغى الكماة الشُوسا
صوَّبوها بنادقاً تطلق المو / ت رصاصاً به أبادوا النفوسا
فأقاموا بها على الروس حرباً / عبدوا نارها وليسوا مجوسا
هكذا شيّدوا بناء المعالي / هكذا أحسنوا لها التأسيسا