بزَغَتْ بالظّلامِ شَمسُ الدُيورِ
بزَغَتْ بالظّلامِ شَمسُ الدُيورِ / فأرَتْ بالشتاءِ وقتَ الهَجيرِ
وشَهِدنا الهَباءَ كالنّقْعِ لَيلاً / حَولَها إذ بدَتْ منَ البلّورِ
وأرَتْنا السّماءَ ذاتَ اِحْمِرارٍ / ومَحا نورُها السّوادَ الأثيري
فحسِبْنا النُجومَ فيها فُصوصاً / منْ عَقيقٍ وجِرْمَها من حَريرِ
وغشَتْ في شُعاعِها الأرضَ طُرّاً / فجرى ذَوْبُ لَعلِها في البُحورِ
نارُ راحٍ ذكيّةٌ قد أصارَتْ / كرةَ الزّمهَريرِ حرَّ السّعيرِ
خفِيَتْ من لَطافةِ الجرمِ حتّى / لا ترى في وِعائِها غيرَ نُورِ
باينَ الماءُ لونَها فالأواني / كالمُساوي لها على المَشهورِ
تملأُ المُحتَسي ضِياءً إلى أنْ / تنظر العينُ سِرّهُ بالضّميرِ
لو حَساها بَنو زُغاوَةَ يوماً / من سَناها لَلُقّبوا بالبُدورِ
ذاتُ نورٍ إذا جَلَتْها سُحَيْراً / في زُجاجِ الكُؤوسِ كفُّ المُديرِ
خِلتَهُ بالفَضيخِ مرّ جميعاً / ثمّ بالنارِ خاضَ بعدَ المُرورِ
صاحِ قد راحَ وقتُنا فاِغتَنِمه / واِنتَهِبْ فرصةَ الزّمانِ الغَيورِ
أَتخيّلْتَ أنّ وقتَك ليلٌ / سَفهاً إنّ ذا دُخانُ البَخورِ
فلقد شجّ في عَمودِ سَناهُ / فلَق الصبحِ هامةَ الدّيجورِ
وبُحورُ الظّلامِ غُرن وعامت / حُوتُها من ضِيائِه في غَديرِ
وغدَتْ تقطُفُ الأقاحَ يَداهُ / منْ رِياضِ المَلابِ والكافورِ
وغَدا الكَفُّ والذّراعُ خَضيباً / وبَدا بالدُجى نُصولُ القَتيرِ
واِنثَنى القلبُ خافِقاً إذ تجلّى / مُصْلتاً صارِم الهِلالِ المُنيرِ
وشَدا الديكُ هاتِفاً وتغنّى ال / وُرقُ بالأيكِ خاطِباً للطّيورِ
وبَدا الطَّلعُ ضاحكاً ثمّ أهدى الط / طَلُّ منظومهُ إِلى المنثورِ
فاِصطَبحها على خُدودِ العَذارى / واِسقِنيها على أقاحِ الثغورِ
بينَ أبناءِ مجلسٍ لم يَزالوا / بين خُضر الرّياضِ بيض النُحورِ
كلّما فاكَهوا الجليسَ بلفظٍ / نظَمَتْهُ الحبَابُ فوقَ الخُمورِ
طلبوا المجدَ بالرّماحِ ونالوا / بالظُبى هامةَ المحلِّ الأثيرِ
صبيةٌ زفّها الصّباءُ اِرتياحاً / للمَلاهي على بِساطِ السُرورِ
وبُدورٌ منَ السُقاةِ تُعاطي / في كُؤوسِ النُضارِ شمسَ العَصيرِ
ما سعتْ بالمُدامِ إلّا أرَتنا / قُضُبَ البانِ في هِضابِ ثَبيرِ
كلُّ ظَبيٍ عزيزِ شكلٍ غَرير / يفضحُ البدرَ بالجَمال الغَزيرِ
بل أصمٌّ وشاحُهُ منطقيٌّ / صحّ في جَفنِه حِسابُ الكُسورِ
سُكّريٌّ رُضابُهُ كَوثَريٌّ / جنّةٌ عذّبَ الأنامَ بِحُورِ
كلّما هبّ بالمُدامِ نَشاطاً / كسّلَ النومُ جَفنُه بالفُتورِ
فرعُهُ والوِشاحُ سارا فهذا / كَ اِغتدى مُتهِماً وذا بالغُوَيرِ
كم غَزا الصبر باللّحاظِ كما قدْ / غزَتِ الشوسَ أنصُلُ المَنصورِ
يومَ غازَتْ جِيادُهُ آلَ فَضْلٍ / بِلُهامٍ على الكُماةِ قَديرِ
كلما سارَ بالظُبى والعَوالي / بعثَ الذُعرَ قبلَهُ بالصُدورِ
جحفلٌ يقتلُ الجنينَ إذا ما / سارَ في الأرض وقعُهُ في النُحورِ
لجِبٌ من دويّه الخلقُ كادوا / يخرجوا للحسابِ قبلَ النُشورِ
مارَ فيهِ السماء والأرضُ مادتْ / وتَنادَتْ جِبالُها للمَسيرِ
سارَ وهناً عليهم وأقامت / خيلُهُ بالنّهارِ حتّى العَصيرِ
وأتى منهلَ الدُّوَيرِقِ ليلاً / وسرى منْ مَعينه من سُحَيْرِ
وأتى الطيبَ والدُجَيلَ نَهاراً / تقتَفيهِ الأسودُ فوقَ النسورِ
وغدا يطّوي القِفارَ إلى أنْ / نشرَتْ خيلُهُ ثَراءَ الثُغورِ
واِنثنَتْ تَقلِبُ الفَلاةَ عليهمِ / بمَداري قوائمٍ كالدَّبورِ
وغدَت عُوَّماً بدجلةَ حتّى / صار لُجّيُّ مائِها كالأسيرِ
وأتت بالضُحى الجزيرةَ تُردي / بأُسودٍ تَروعُها بالزّئيرِ
فرَماها بها هُناكَ فأضحَوا / ما لهُم غيرَ عَفوهِ من نَصيرِ
أسلَموا المالَ والعِيالَ وولّوا / هرَباً بالنفوسِ في كلِّ غوْرِ
وهوَ لو شاءَ قتلَهُمْ ما أصابوا / مهرَباً من حُسامهِ المَشهورِ
أينَ منجى الظِباءِ بالغورِ ممّنْ / يَقنِصُ العُصْمَ من قِنانِ ثَبيرِ
ذُعِرَتْ منهمُ القُلوبُ فأمسَتْ / بينَ أحشائهمْ كمَوتى القُبورِ
سَفَهاً منهمُ عصوْهُ وتِيهاً / وضَلالاً رَماهمُ بالغُرورِ
زعموا في بلادهمْ لن يُنالوا / من بَوادي العَقيقِ أهلُ السّديرِ
فنفى زعمَهُم وسارَ إليهمْ / ورَماهُمْ بجَيشهِ المَنصورِ
ملكٌ كلّما سرى لطِلابٍ / يحسَبُ الأرضَ كلّها كالنقيرِ
هوّنَ البأسُ عندهُ كلَّ شيءٍ / والعظيمُ العظيمُ مثلُ الحقيرِ
لم نزلْ من نَواله في سَحابٍ / يُنبتُ الدرَّ في رياض الفَقيرِ
يا أبا هاشمَ المُظفَّر لا زلْ / تَ تُغيرُ العدوَّ طولَ الدُهورِ
فلقد جُزْتَ بالفَخارِ مَقاماً / شيّدَتْهُ الرِماحُ فوقَ العبورِ
ذلّتِ الكائناتُ منكَ إلى أنْ / صارَ منها العزيزُ كالمُستجيرِ
وعمَمْتَ العِبادَ منكَ بفَيضٍ / صيّرَ الزّاخراتِ مثلَ السُتورِ
دمتَ بالدهرِ ما بَدا البدرُ كَنزاً / لِفَقيرٍ وجابِراً لكَسيرِ