المجموع : 5
وتجلَّى المساءُ في ضوءِ بدر
وتجلَّى المساءُ في ضوءِ بدر / وشُفوفٍ غُرِّ الغلائلِ حُمرِ
وسماءٍ تطفو وترسب فيها ال / سحبُ كالرغوِ فوق أمواج بحرِ
صور جَمّةُ المفاتنِ شتَّى / كرؤى الحلمِ أو سوانحِ فكرِ
لا ترى النفسُ أو تحسُّ لديها / غير شجوٍ يفيضُ من نبعِ سحرِ
أُفُقُ الأرضِ لم يزَلْ في حواشي / هِ صدىً حائرٌ بألحانِ طيرِ
وبأحنائِهِ يَرفُّ ذماءٌ / من سنى الشمس خافقٌ لم يقرِّ
وعلى شاطئ الغدير ورودٌ / أغمضتْ عينها لمطلعِ فجرِ
وسرى الماءُ هادئاً في حوا / فيه يُغنِّي ما بين شوكٍ وصخرِ
وكأنَّ النجومَ تسبَحُ فيه / قبلاتٌ هَفَتْ بحالمِ ثغرِ
وكأنَّ الوجودَ بحرٌ من النُّو / ر على أفقهِ الملائكُ تسري
هتفتْ نجمة أرى الكونَ تبدو / في أساريرهِ مخايلُ بشرِ
وأرى ذلك المساءَ يثير السح / رَ والشجوَ ملءَ عيني وصدري
أتُرانا بليلةِ الوحيِ والتن / زيلِ أم ليلةِ الهوى والشعرِ
ما لهذا المساء يشغفنا حُب / بَاً ويُوري بنا الفتونَ ويغري
أيُّ سرٍّ تُرى فرنَّ هتافٌ / بنجيٍّ من الصدى مُستسرِّ
إنَّ هذا المساء ميلادُ شاعِرْ /
وتجلِّي الصَّدى الحبيبُ الساحرْ
وتجلِّي الصَّدى الحبيبُ الساحرْ / في محيطٍ من الأشعَّةِ غامرْ
وسكونٍ يبثُّ في الكون روعاً / وقفتْ عِندَهُ الليالي الدوائرْ
واستكانَ الوجودُ والتفتَ الده / رُ وأصغتْ إلى صداه المقادرْ
لم يَبِنْ صورةً ولكن رأتهُ / بعيونِ الخيالِ مِنَّا البصائرْ
قال يا شاعري الوليدَ سلاماً / هزت الأرضَ يوم جئْتَ البشائرْ
فإليك الحياةَ شتَّى المعاني / وإليكَ الوجودَ جَمّ المظاهِرْ
لا تَقُلْ كم أخٍ لك اليومَ في الأر / ضِ شقيِّ الوجدانِ أسوانَ حائرْ
إن تكنْ ساورَته في الأرض آلا / مٌ وحَفَّتْ به الحدودُ العواثرْ
فلكيْ يَسْتَشِفَّ من خَلل الغي / بِ جمالاً يُذكي شبابَ الخواطرْ
ولكيْ ينهلَ السعادةَ من نب / عٍ شهيِّ الورود عذبِ المصادرْ
فلكم جاءَ بالخيالِ نبيٌّ / ولكم جُنَّ بالحقيقةِ شاعرْ
إنما يسعدُ الوجودُ وتشقو / نَ وإني لكم مثيبٌ وشاكرْ
ولكم جنتي اصطفيتكم اليو / مَ لتُحيُّوا بها جميلَ المآثرْ
فانسقوها جداولاً ورياضاً / واجعلوها سَرْحَ النهي والنواظرْ
اجعلوا النهرَ كيف شئتمْ ومُدّوا / شاطِئيهِ بين المروجِ النواضرْ
ماؤه ذوبُ خمرةٍ وسنا شم / سٍ وريّا وردٍ وألحانُ طائرْ
وضَعوا هضبةً تُطلُّ عليه / ذاتَ صخرٍ منَوّرِ العشب عاطِرْ
واغرسوا النخلة الجنيَّةَ فوق النب / ع في الموقفِ البديعِ الساحرْ
واجعلوا جنتي قصيدةَ شاعِرْ /
أيها الشاعرُ اعتمدْ قيثارَكْ
أيها الشاعرُ اعتمدْ قيثارَكْ / واعزفِ الآنَ مُنْشِداً أشعارَكْ
واجعلِ الحُبَّ والجمالَ شعارَكْ / وادْعُ ربّاً دعَا الوجودَ وبارَكْ
فزها وازدهى بميلاد شاعِرْ /
موجةَ السحرِ من خفيِّ البحورِ
موجةَ السحرِ من خفيِّ البحورِ / أغمري القلبَ بالخيالِ الغميرِ
أقبلي الآن من شواطىء أحلا / مي ورُدِّي عليّ نفحَ العبيرِ
واصخبي في شعابِ قلبي وضجِّي / فوق آلامه الجسام وثوري
أيقظي فيه من فتونٍ وسحرٍ / ذكرياتٍ من الشبابِ الغريرِ
إنها ذكرياتُ أمسيةٍ مر / رَتْ وأيام غبطةٍ وسرورِ
وبريءُ ابتسامةٍ في فم الأيا / م كانت عزاء قلبٍ كسيرِ
قد طواها النسيانُ إلَّا شعاعاً / غمر الرُّوحَ في بقيةِ نورِ
رَمقٌ ذاك من أشعةِ شمسٍ / عَلِقت في غروبها بالصخورِ
أخذ القلبَ لمحُها من وراء / الموجِ يجتاز لجةَ الديجورِ
فتبيَّنتُ في الشواطىء حولي / أثراً من غرامنا المأثورِ
صخرةً كانت الملاذَ لقلبين / حبيبين في الشباب النضيرِ
جمعتنا بها الحوادثُ في ظلِّ / هوىً طاهرٍ وعيشٍ قريرِ
كم وقفنا العشيَّ نرقب منها / مغربَ الشمس وانبثاق البدورِ
وجلسنا في ظلها نتملَّى / صفحةَ الماءِ في الضحى والبكورِ
فإذا ما تهللتْ ليلةٌ قمرا / ءُ هزَّتْ بنا خفيَّ الشعورِ
وسرينا في ضوئها نتناجى / بهوىً فاض عن حنايا الصدورِ
وانتحينا من جانب البحر مجرىً / مطمئنَّ الأمواه شاجي الخريرِ
نزلتْ فيه تستحمُّ النجومُ / الزُّهر في جلوةِ الماءِ المنيرِ
راقصاتٍ به على هزَجِ المو / جِ عرايا مهدَّلاتِ الشعورِ
وعلى صدره الخفوق طوينا ال / ليلَ في زورقٍ رخيّ المسيرِ
ورياح الخليج دافئةً تثني / حواشي شراعه المنشورِ
خافقاً فوقنا يدفُّ شعاعُ ال / بدر في ظله دفيفَ الطيورِ
ومن الساحل الطروب أغانٍ / أخذتنا بكل لحنٍ مثيرِ
رجَّعتها بحارةٌ آذنتهم / ليلةُ المنتأى وَبُعْدُ العشيرِ
وسكتنا فليس إلَّا عيونٌ / أفصحتْ عن جوانح وثغورِ
تتلاقى على نوازع قلبٍ / وصدى هاجسٍ وسِرِّ ضميرِ
وكأنَّ الوجود بحرٌ من النور / سبحنا في لجه المسجورِ
كلُّ ما حولنا يشفُّ عن الحبّ / ويفضي بسرِّهِ المستورِ
وكأنَّا نطوف في ليلِ أحلام / ونسري في عالمٍ مسحورِ
يا صخورَ الوادي يضجُّ عليها / البحرُ في جهشةِ المحب الغيورِ
يا رمالَ الكثبانِ تنقشُ فيها الر / ريحُ أسطورَةَ الحياة الغرورِ
يا خِفاف الأمواجِ تحلم بالإِينا / سِ من كوكبِ المساء الصغيرِ
يا نسيمَ الشمالِ يعبثُ بالرغْ / وِ وَيهفو على الرشاش النثيرِ
أنتِ يا من شهدتِ فجرَ غرامي / ووعيْتِ الغداةَ سِرَّ الدهورِ
أين أخفيتِ أمسياتي اللواتي / نزعتها منِّي يدُ المقدورِ
أمحاها الزمانُ أم حجبتها / من عواديه ماحياتُ البدورِ
بدلتني الأقدارُ منها بليلٍ / مدلهم الآفاقِ جهمِ الستورِ
غشيَ العينَ ظلُّهُ وتمشت / في دمي منه رعشةُ المقرورِ
لكِ يا شاهداتِ حبي أتيتُ الآ / ن أقضي حقَّ الوداعِ الأخيرِ
فانظري ما ترين غيرَ شقيٍّ / طاف يبكي بالشاطئ المهجورِ
راعهُ عاصفٌ يرجُّ السماوا / تِ وموجٌ يضجُّ ملءَ البحورِ
فكأنّ الحياة في مسمعيه / ضجةُ الحشرِ أو هزيمُ السعيرِ
وكأنّ الوجودَ في ناظريه / وهدةُ اليأس أو ظلامُ القبورِ
في هزيمِ الرياح في قاصفِ الر / رعدِ يُدَوّي للبارقِ المستطير
في الفيافي كآبةً ووجوماً / والمحيطاتِ صاخباتِ الهديرِ
في الدياجي عوابساً ونجوم / الليلِ بين الخفوقِ والتغويرِ
إنها الكائنات تبكي لمبكا / هُ وتبدي ضراعةَ المستجيرِ
وهي مأساةُ حبِّهِ صورتها / ريشةُ الليلِ مبدع التصويرِ
مَثلتْها لعينهِ الآنَ شطآ / نٌ وموجٌ يئن تحتَ الصخورِ
هيِّئي الكأس والوَتَرْ
هيِّئي الكأس والوَتَرْ / تلك كومو مدى النظَرْ
واصدحي يا خواطري / طُويَتْ شُقَّة السَّفَرْ
ودَنَتْ جَنَّةُ المنى / وحلا عندها المقَرْ
قد بُعِثْنا بها على / موعدٍ غيرِ منتظَرْ
في مساءٍ كأنه / حُلُمُ الشيْخِ بالصغَرْ
البحيراتُ والجبالُ / توشَّحْنَ بالشجَرْ
وتنَقَّبْنَ بالغما / مِ وأسفرنَ يا للقمَرْ
والبروناتُ غادةٌ / لبسَتْ حُلَّةَ السهَرْ
نُثِرَتْ فوقها الديا / رُ كما يُنثر الزَّهَرْ
وعَبَرْنا رحابها / فأشارتْ لمن عَبَرْ
هاكَها قُبْلَةً فمنْ / رامَ فليركبِ الخطَرْ
فسمونا لخدْرها / زُمراً تلْوها زُمَرْ
في زجاج مُحلِّقٍ / لا دخانٌ ولا شرَرْ
يتخطَّى بنا الفضا / ءَ على السُّنْدسِ النَّضِرْ
سُلَّم يُشبهُ الصرا / طَ تسامى على البصَرْ
فإلى النجْمِ مُرتقىً / وإلى السُّحْبِ منحدَرْ
وحللنا بقمَّةٍ / دونها قِمَّة الفِكَرْ
بَهَجٌ في كنوزها / للمحبِّينَ مُدّخَرْ
بابلٌ أم بحيرةٌ / أم قصورٌ من الدُّرَرْ
أم رؤَى الخلدِ في الْ / حَياةِ تَمثَّلْنَ للبشَرْ
حبَّذا أُمسياتُها / وحنيناً إلى البُكَرْ
ونزوعاً إلى السفي / نِ تهيأنَ للسَّفَرْ
نسِيَتْ شُغْلَها القلو / بُ وهلَّلنَ للسَّمَرْ
أوجُهٌ مثلما رَنتْ / زهرةُ الصيف للمطَرْ
أضحيانية السِّما / تِ هلاليةُ الطُّرَرْ
يَتَوَهَّجْنَ بالشبا / بِ ويَندينَ بالخفَرْ
طلعةٌ تسعِدُ الشَقي / يَ وتعطي له العمرْ
تمنح الحظّ من تشا / ءُ وتبقي ولا تَذَرْ
إنما تنظرُ السما / ءُ إلى هذه الصوَرْ
لترى اللَّهَ خالقاً / مُبدِعاً مُعجزَ الأثَرْ
شاعرَ النيلِ طُفْ بها / غَنِّها كلَّ مبتكَرْ
الثلاثون قد مَضَتْ / في النفاهاتِ والهذَرْ
فتزوّدْ من النَّعي / مِ لأيامِك الأُخَرْ
أين وادي النخيلِ أم / قاهريَّاتُه الغُرَرْ
لا تَقُلْ أخصبَ الثرى / فهنا أوْرقَ الحجَرْ
ههُنا يَشعُرُ الجما / دُ ويوحي لمن شعَرْ
آهِ لولا أحبةٌ / نزلوا شاطئَ النهَرْ
ورُفاتٌ مُطَهَّرٌ / وكريمٌ من السِّيَرْ
لتمنّيتُ شُرْفَةً / ليَ في هذه الحُجَرْ
أقطعُ العمرَ عندها / غيرَ وانٍ عن النظَرْ
فلقد فاز من رأى / ولقد عاشَ من ظفِرْ
يا ابنةَ العالمِ الجدي / دِ صِلي عالماً غَبَرْ
في دَمي من تُراثه / نفحةُ البدوِ والحضَرْ
وأغانٍ لمن شدا / ومعانٍ لمن فخَرْ
ما تُسِرِّينَ أفصِحي / إنّ في عينكِ الخبَرْ
الغريبانِ ههنا / ليس يُجديهما الحذَرْ
نحن رُوحانِ عاصفا / نِ وجسمان من سقَرْ
فاعذري الروحَ إن طغى / واعذري الجسمَ إن ثأَرْ
نضَبَتْ خمْرُ بابلٍ / وهوى الكأسُ وانكسَرْ
وهُنا كرمةُ الخلو / دِ فطوبى لمن عَصَرْ
فيمَ والنبعُ دافِقٌ / يشتكي الظامئُ الصَّدرْ
ولمن هذه العيونُ / تغمَّرْنَ بالحوَرْ
بتنَ يَلعبن بالنُّهى / لعِبَ الطفلِ بالأُكَرْ
هنَّ أصفى من الشُّعا / عِ وأخفى مِن القدَرْ
ولمن توشكُ الثُّدَى / وثبَةَ الطيرِ في السَّحَرْ
كلُّ إلفٍ لإِلفهِ / هَمَّ بالصّدْرِ وابتدَرْ
عضَّ في الثوبِ واشتَكى / وطأةَ الخزِّ والوبَرْ
سِمَةُ الطائرِ المُعَذْ / ذَبِ في قيْدِهِ نقَرْ
ولمن رفَّتِ المبا / سِمُ واسترسل الشَّعَرْ
ثمرٌ ناضجُ الجني / كيف لا نقطُفُ الثَّمَرْ
ما أبى الخلدَ آدمٌ / أو غوى فيه أو عثَرْ
زلَّةٌ تورِثُ الحِجى / وتُرِي اللَّهَ من كفَرْ
كأسنا ضاحِكُ الحبَا / بِ مُصَفَّى من الكدَرْ
فاسكبي الخمر وارشفي / هِ على رَنّةِ الوتَرْ
وإذا شئت فاسقِني / هِ على نغْمَةِ المطَرْ
فغداً يذْهبُ الشبا / بُ وتبقى لنا الذِّكَرْ