رمل سيناء قبرنا المحفور
رمل سيناء قبرنا المحفور / و على القبر منكر و نكير
كبرياء الصحراء مرّغها الذلّ / فغاب الضحى و غار الزّئير
لا شهيد يرضي الصحارى و جلّى / هارب في رمالها و أسير
أيّها المستعير ألف عتاد / لأعاديك كلّ ما تستعير
هدّك الذعر لا الحديد و لا النار / و عبء على الوغى المذعور
أغرور على الفرار ؟! لقد ذاب / حياء من الغرور الغرور !
ألقلاع المحصّنات إذا الجبن / حماها خورنق و سدير !
لم يعان الوغى ((لواء)) و لا عانى / ((فريق)) أهوالها و ((مشير))
رتب صنعة الدواوين .. ما شارك / فيها قرّ الوغى و الهجير
و تطير النسور من زحمة النّجم / و في عشّه البغاث يطير
جبن القادة الكبار و فرّوا / و بكى للفرار جيش جسور
تركوه فوضى إلى الدور فيحاء / لقد ضمّت المساء الخدور !
هزم الحاكمون والشعب في / الأصفاد فالحكم وحده المكسور
هزم الحاكمون لم يحزن الشعب / عليهم و لا انتخى الجمهور
يستجيرون و الكريم لدى الغمرة / يلقى الردى و لا يستجير !
لا تسل عن نميرها غوطة الشام / ألحّ الصدى و غاض النمير
و انس عطر الشام حيث يقيم / الظلم تنأى .. و لا تقيم العطور
أطبقوا .. لا ترى الضياء جفوني / فجفوني عن الضياء ستور
بعض حرّيتي السّماوات و الأنجم / و الشمس و الضحى و البدور
بعض حرّيتي الملائك و الجنّة / و الراح و الشذا و الحبور
بعض حرّيتي الجمال الإلهيّ / و منه المكشوف و المستور
بعض حرّيتي و يكتحل العقل / بنور الإلهام و التفكير
بعض حرّيتي . و نحن القرابين / لمحرابها و نحن النذور
بعض حرّيتي من الصّبح أطياب / و من رقّة النسيم حرير
نحن أسرى و لو شمسنا على القيد / لما نالنا العدوّ المغير
لاقتحمنا على الغزاة لهيبا / و عبرنا و ما استحال العبور
سألوني عن الغزاة فجاوبت / : رمال تسفى و نحن الصّخور
سألوني عن الغزاة فجاوبت / : ليال تمضي و نحن الدّهور !
هل درت عدن أن مسجدها الأقصى / مكان من أهله مهجور
أين مسرى البراق و القدس و المهد / و بيت مقدّس معمور ؟
لم يرتّل قرآن أحمد فيه / و يزار المبكى و يتلى الزّبور
طوي المصحف الكريم و راحت / تتشاكى آياته و السطور
تستبى المدن و القرى هاتفات / أين .. أين الرّشيد و المنصور !
يالذلّ الإسلام . إرث أبي / حفص بديد مضيّع مغمور
يا لذلّ الإسلام : لا الجمعة الزه / راء نعمى . و لا الأذان جهير
كلّ دنيا المسلمين مناحات / و ويل لأهلها و ثبور
لبست مكّة السّواد و أبكت / مشهد المرتضى و دكّ الطور
هل درى جعفر ؟ فرفّ جناحاه / إلى المسجد الحزين يطير !
ناجت المسجد الطّهور و حنّت / سدرة المنتهى و ظلّ طهور
أين قبر الحسين ؟ قبر غريب / ! من يضمّ الغريب أو من يزور
أين آي القرآن تتلى على الجمع / و أين التهليل و التكبير ؟
أين آي الإنجيل ؟ فاح من الإنجيل / عطر و ضوّأ الكون نور
أين روما ؟ و جلّ حبر بروما / مهد عيسى يشكو و يشكو البخور
ألنصارى و المسلمون أسارى / و حبيب إلى الأسير الأسير
صلب الرّوح مرّتين الطّواغيت / ! جراح كما يضوع العبير
يا لذلّ الإسلام و القدس نهب / هتكت أرضه فأين الغيور
قد تطول الأعمار لا مجد فيها / و يضمّ الأمجاد يوم قصير
من عذولي على الدّموع ؟ و في المروة / و الرّكن و الصفا لي عذير
و حرام عليّ أن ينزل البشر / بقلبي و أن يلمّ الحبور
كحلت بالثّرى الخصيب جفون / و هفت للثرى الحبيب ثغور
لا تشقّ الجيوب في محنة القدس / و لكنّها تشقّ الصدور
حبست أدمع الأباة من الخوف / و يبكي الشذا و تبكي الطيور
أنا حزن شخص يروح و يغدو / و مسائي مع الأسى و البكور
أنا حزن يمرّ في كلّ باب / سائل مثقل الخطى منهور
طردتني الأكواخ و البؤس قربى / و تعالت على شقائي القصور
يحتويني الهجير حينا و لا يرحم / أسمال فقري الزمهرير
و على الجوع و الضنى و الرّزايا / في دروبي أسير ثمّ أسير
نقلتني الصحراء حينا .. و حينا / نقلتني إلى الشعوب البحور
حاملا محنتي أجرّر أقدامي و يومي / سمح الغمام مطير
حاملا محنتي أوزّعها في / كلّ دنيا و شرّها مستطير
محنتي الغيث إن أرادوا و إلاّ / فهدير البركان و التدمير
حاملا محنة الخيام فتزورّ / وجوه عنّي و تغلق دور !
ألخيام الممزّقات و أمّ / في الزّوايا و كسرة و حصير
و فتاة أذلّها العرى و الجوع / و يلهو بالرمل طفل صغير
كلما أنّ في الخيام شريد / خجل القصر و الفراش الوثير
خجل الحاكمون شرقا و غربا / و رئيس مسيطر و وزير
هيئة للشّعوب تمعن في الذنب / و لا توبة و لا تكفير
من قوانينها المداراة للظلم / و منها التغريب و التهجير
و يقام الدستور أضحوكة الساخر / منّا و يوأد الدستور
كلّ علم يغزو النجوم و يغزو / بالمنايا الشعوب علم حقير
و الحضارات بعضهنّ بشير / يتهادى و بعضهنّ نذير
نعمات الشعوب شتّى فنعمى / حمدت ربّها و نعمى كفور
لن يعيش الغازي و في الأنفس / الحقد عليه و في النّفوس السّعير
يحرق المدن و العذارى سبايا / و صغير لذبحه و كبير
دينه الحرق و الإبادة و الحقد / و شتم الأعراض و التشهير
صوّرته التوراة بالفتك و التدمير / حتى ليفزع التصوير
من طباع الحروب كرّ و فرّ / و المجلّي هو الشجاع الصبور
ليس يبنى على الفجاءات فتح / علمي في غد هو المنشور
تنتخي للوغى سيوف معدّ / و يقوم الموتى و تمشي القبور
عربيّ فلا حماي مباح / عند حقدي و لا دمي مهدور
نحن أسرى و حين ضيم حمانا / كاد يقضي من حزنه المأسور
كلّ فرد من الرّعية عبد / و من الحكم كلّ فرد أمير
و مع الأسر نحن نستشرف الأفلاك / و الدائرات كيف تدور
نحن موتى ! و شرّ ما ابتدع الطغيان / موتى على الدّروب تسير
نحن موتى ! و إن غدونا و رحنا / و البيوت المزوّقات قبور
نحن موتى . يسرّ جار لجار / مستريبا : متى يكون النشور
بقيت سبّة الزمان على الطاغي / و يبقى لنا العلى و الضمير
سألوا عن ضناي محض تشفّ / هل يصحّ المعذّب الموتور
أمن العدل أيّها الشاتم التاريخ / أن تلعن العصور العصور ؟
أمن النبل أيّها الشاتم الآباء / أن يشتم الكبير الصغير
و إذا رفّت الغصون اخضرارا / فالذي أبدع الغصون الجذور
إشتراكيّة ؟! و كنز من الدرّ / و زهو و منبر و سرير
إشتراكيّة تعاليمها : الإثراء / و الظّلم و الخنا و الفجور
إشتراكيّة ! فإنّ مرّ طاغ / صفّ جند له و دوّى نفير
كلّ وغد مصعّر الخدّ لا سابور / في زهوه و لا أردشير
يغضب القاهر المسلّح بالنّار / إذا أنّ أو شكا المقهور
ينكر الطّبع فلسفات عقول / شأنهنّ التعقيد و التعسير
كلّ شيء متمّم لسواه / ليس فينا مستأجر و أجير
بارك الله في الحنيفيّة السمحاء / فيها التسهيل و التيسير
و رقيب على الخيال .. فهل يسلم / منه المسموع و المنظور ؟
عازف عن حقائق الأمر لوّما / و كفى أن يلفّق التقرير
فيجافي أخ أخاه و يشقى / بالجواسيس زائر و مزور
لصغار النّفوس كانت صغيرات / الأماني و للخطير الخطير
يندر المجد و الدروب إلى المجد / صعاب و يكثر التزوير
علموا أنّه عسير فهابوه / و لا بدع فالنفيس عسير
محنة الحاكمين جهل و دعوى / جبن فاضح و مجد عثور
نهبوا الشعب و استباح حمى المال / جنون النعيم و التبذير
كيف يغشى الوغى و يظفر فيها / حاكم مترف و شعب فقير
مزّقوه و لن يمزّق فالشعب / عليم بما أرادوا خبير
حكموه بالنّار فالسيف مصقول / على الشعب حدّه مشهور
محنة العرب أمّة لم تهادن / فاتحيها و حاكم مأجور
هنكوا حرمة المساجد لا جنكيز / باراهم و لا تيمور
قحموها على المصلّين بالنّار / فشلو يعلو و شلو يغور
أمعنوا في مصاحف الله تمزيقا / و يبدو على الوجوه السّرور
فقئت أعين المصلّين تعذيبا / و ديست مناكب و صدور
ثم سيقوا إلى السّجون و لا تسأل / فسجّانها عنيف مرير
يشبع السوط من لحوم الضحايا / و تأبّى دموعهم و الزفير
مؤمن بين آلتين من الفولاذ / دام ممزّق معصور
هتفوا باسم أحمد فعلى الأصوات / عطر و في الأسارير نور
هتفوا باسم أحمد فالسّياط الحمر / نعمى و جنّة و حرير
طرف اتباع أحمد في السّماوات / و طرف الطاغي كليل حسير
عبرة للطغاة مصرع طاغ / و انتقام من عادل لا يجور
ألمصلّون في حمى الله يرديهم / مدلّ بجنده مخمور
جامع شاده في حمى الله يرديهم / أمويّ معرّق منصور
لم ترع فيه قبل حكم الطّواغيت / - طيور و لا استبيحت و كور
مطلق النّار فيه في الجمعة الزهراء / شلو دام و عظم كسير
و الذي عذّب الأباة رأي التعذيب / حتّى استجار من لا يجير
قدماه لم تحملاه إلى الموت / فزحف على الثرى لا مسير
و خزته الحراب و هو مسوق / لرداه محطّم مجرور
و يجيل العينين في إخوة الحكم / و أين الحاني و أين النّصير ؟
كلّ فرد منهم لقتل أخيه / يصدر الرأي منه و التدبير
و إذا يذبح الرّفيق رفيق / منهم و العشير فيهم عشير
يأكل الذئب حين يردى أخوه / و يعضّ العقور كلب عقور
إرجعوا للشّعوب يا حاكميها / لن يفيد التهويل و التّغرير
صارحوها فقد تبدّلت الدّنيا / وجدّت بعد الأمور أمور
لا يقود الشعوب ظلم و فقر / و سباب مكرّر مسعور
و الإذاعات ! هل تخلّعت العاهر / ؟ أم هل تقيّأ السكيّر ؟!
صارحوها .. و لا يغطّ على الصدق / ضجيج مزوّر و هدير
و اتّقوا ساعة الحساب إذا دقّت / فيوم الحساب يوم عسير
يقف المتّهمان وجها لوجه / حاكم ظالم و شعب صبور
كلّ حكم له و إن طالت / الأيّام يومان : أوّل و أخير
كلّ طاغ مهما استبدّ ضعيف / كلّ شعب مهما استكان قدير
و هب الله بعض أسمائه / للشعب فهو القدير و هو الغفور
يبغض الظّلم ناصحيه و إنّي / لملوم في نصحكم معذور !
يشهد الله ما بقلبي حقد / شفّ قلبي كما يشفّ الغدير
و جراحي ينطفن شهدا و عطرا / أدمعي رحمة و شعري شعور
يرشف النّور من بياني فإنّ / غنّيت فهو المدلّه المخمور
و طباعي على ازدحام الرزايا / - لم ينلها التبديل و التغيير
مسلم .. كلّما سجدت لربّي / فاح من سجدتي الهدى و العبير
و مع الشيب و الكهولة قلبي / - كعهود الصّبا بريء غرير
بي حرّيتي و إيماني السمح / فحلمي هان و جفني قرير !
لم أهادن ظلما و تدري اللّيالي / في غد أيّنا هو المدحور !