المجموع : 5
سيدي الفارس المجلىّ أتأذَن
سيدي الفارس المجلىّ أتأذَن / بعد ترحيب شاعر لا يُمارِي
بحديثٍ أو قصةٍ لم تلقَّن / دون نُبل الحياةِ للأدهارِ
لم تُؤَّلف احداثُها أو تُدوَّن / في القراطيس أو على الأحجارِ
أو حكاها مُحِّدثٌ يتفنن / بل حكاها دمٌ ودمعٌ جارى
منك إلهامُها ومنى نشيدٌ / في ثناياهُ مُنتهى إكباري
وسعيدٌ من يصطفيك سعيدٌ / كاغتباط الأعشابِ بالأزهارش
واهتزازِ الجديبِ وهو شهيدٌ / لوفودِ الحياةِ في الأمطار
وازدهاءِ الخيالِ وهو شريدٌ / باقترانِ اللُّحونِ والأشعار
زعموا أنَّ مُرسَلاً بين قومٍ / يحصدون الروؤٍ للناس عُجباَ
لم يبالوا ربّاً ولم يعرفوا يو / ماً تجاه الأنامِ حُباً وقُربى
كم روؤسٍ كريمةٍ طوّحوها / ثمّ صارت لهم متاحف تُربى
فدعاهم الى الهداية لكن / صدفوا عنه كلما ازداد قُربا
وأخيراً من بعد لأىٍ مديدٍ / وعدوه بأنه سيلبَّى
سائلينَ السماحَ منه بصيدٍ / واحدٍ قبل أن يَعافوا الحربا
قال هل تقسمون ذلك عهدٌ / فأجابوا أجل لساناً وقلبا
قال سمعاً اذن سيآتي غريبٌ / في غدٍ فاقتلوه نحراً وصلبا
ثم جاء الغد المؤّملُ سحراً / مُفصحاً عن عجائبِ الأسرارِ
وتجَّلت فيه الطبيعةُ نوراً / كعروسٍ تختال بين الَّدراري
كُّل شيءٍ يوحُى حُبوراً وشعراً / للهدُاةِ التُّقاةِ والكفارِ
وإذا بالغريبِ يطفحُ بشراً / قادماً دون خشيةٍ أو عثار
فتهاووا عليه ضرباً ونحراً / وتغنوا غناء أهلِ الفخارِ
ثم ثابوا فأدركوا بَعدُ نُكراً / لا يُجارَى ولم تُبحهُ الضوارى
أي إثمٍ فكراً وصخراً / مثلُ قتلِ الصديق ثم افتخاري
قتلوه وقد تنكر سراً / ليفدى الورى من الأشرار
يا صديقي هذى حكايةُ دُنيا / شقيت بالطَّغاةِ والفجَّارِ
هي دُنيا لأهلنا لو ثوها / باقتناصِ الروؤس دون اعتذار
يقتلون النوابغ الصُّفو قتلاً / ويُبارون في أذى الاحرار
كم روؤسٍ عزيزةٍ دوخوها / ثم أحيوا الفوضى بعارٍ وغارٍ
ورايناكَ من يكافح دهراً / ككفاح المبشرِ المغوار
صائحاً نادباً تُقرِّعُ حيناً / وتُربِّى بعقلك الجبار
ويظل الأشرار في الإِثم غادي / نَ مضِّحينَ صفوةَ الأخيار
أي صديقي كفاكَ وعظاً ووعظاً / وحذارِ الفداءَ يوماً حذارِ
انما الناسُ بالشعور الأبى / وبروحِ الإخاءِ فرداً وشعبا
ما عرفنا التاريخَ في وصف حي / مَجَّدَ العابثينَ قتلاً ونهبا
أو شهدنا الإعجازَ وافى نبي / بين قوم آذوهُ ركلاً وضرباً
أو رأينا التحَّرر الذهبي / لعبيدٍ تأبونَ للفكرِ رَبَّا
أو سمعنا عن ضيعةِ العبقري / في بلادٍ تَرى الجهالةَ ذنبا
أو ذكرنا تفُّوقاً للدعى / في شعوبٍ علت جواءً وُسحبا
أو عرفنا حقَّاً طواهُ الرُّقى / أو دعاوى تصونُ زوراً وسلبا
ذاك تعليمك الشريفُ الزكي / ليس يَنساهُ أى حُرٍ تأبَّى
مرحبا بالكمىِّ عادَ إلينا / نحنث أولى بذهنهِ البتَّارِ
مرحباً بالوقار فكراً وعينا / نتملاه باسماً كالنهارِ
مرحباً بالشموخ لا يتدنَّى / مرحباً بالملاذ في الإعصار
مرحباً بالجلال لا يتسنَّى / مُذ تَمنَّى لحاكمٍ جبَّار
مرحباً بالأديب ينصر حقَّا / ملءَ آياتِ حكمةٍ واقتدارِ
مرحباً بالخطيبِ يَرقىَ ويَرقَىَ / بفنون للسمعِ والأبصارِ
مرحباً بالأبىّ يرفض رِقَّا / حين رَسفِ العتاةِ في الأوغارِ
مرحباً بالإمام غرباً وشرقاً / يا فؤادي ومرحباً يا شِعارِي
إسألوا الشاحب القمر
إسألوا الشاحب القمر / واسألوا الدامع الزهر
واسألوا النجم حائرا / واسألوا الشمس في حذر
واسألوا النور باهتا / خائفا ما له مقر
واسألوا النهر واجما / كل موج له عثر
واسألوا الحب بعد ما / فاته القوس والوتر
واسألوا الحسن خاشعا / بعد ما تاه أو أمر
إسألوهم عن الذي / أرعش الروح والحجر
كيف قد غاله الردى / فجأة غادرا وفر
أترى كل ذنبه / أنه شاعر شعر
أنه شع أنسه / في مجالس السمر
أنه نغم الأسى / أنه طارد الضجر
أنه أبدع المنى / مثلما أبدع الصور
أنه داعب الهوى / والهوى كله خطر
أنه أنقذ الورى / من شرور ومن شرر
انه اشكر النهى / وهو من همه سكر
أنه أنضر الربى / حينما صوح الشجر
أنه أنتج الجنى / في دنى النحل والبشر
أنه صاغ شعره / من دموع ومن فكر
أنه زف مطربا / ما تسامى وما ندر
أنه كان طبة / فوق طب ومختبر
أنه عاش دائما / ضاحكا يهزم الكدر
أنه كان شعلة / من ذكاء وكم بهر
لم تفته أصالةٌ / إن يكن فاته الوطر
يا صديقي وكم زها / من وفائي وكم فخر
نعيك المر وقعه / وقع طود إذا انفجر
أيّ ثأر لعاشق / فاته الحب إن ثأر
ليس سخطي ولوعتي / ليس دمعي الذي انهمر
ليس زهدي بحاضري / بعد فقدان ما عبر
ليس سخري بعالم / في غباواته انتصر
ليس هذا وغيره / من حطامي الذي انتثر
من فؤادي الذي هوى / في جحيم من الغير
من تباريح ثورتي / حينما خاطري استعر
بالذي يرجع المنى / واثبات من الحفر
ليتني إيه صاحبي / لم يطل غربتي الحذر
ليتني كنت سابقا / ليتك الخالد الأبر
راثيا أنت لا أنا / حظنا في يد القدر
نحن في عالم به / أسعد الناس من غفر
كلنا دون ذرة / من هباء ون مطر
لم نخيّره وإنما / ندّعي الخبر والخبر
ليس لي غير خمرة / من جراح ومن عبر
منبري عالمي وليس بأرض
منبري عالمي وليس بأرض / يستحلّ الطاغوت فيها الدمار
إيه نفسي اليوم ذكرى نزوحي / عن رباها وعن بوار وعار
خنقتني أو حاولت ثم باهت / بأذاتي تلك النفوس الصغار
ما أبالي إلا بإسداء رأيي / وانتشار له واي انتشار
قيدوني وحاصروني وآذو / ني فأقسمت أن أفك الحصار
مثل صقر مكبل هشم القي / د ودوى بصيحة ثم طار
لم يفرق ما بينه وديار / أرهقته إن باعدته الديار
بل أثار الصيحات في كل أرض / فاستقلت بكل أرض شعار
إنني شاعر الكنانة في البع / د وفي القرب كيف كان الجوار
ما ثماني السنين إلا ثوان / من حياتي ومن وجودي المعار
إن عمري جهدي وفكري وإيما / ني وحبي فإن عمري منار
لا زمان ولا مكان يحدان وجو / دي ولا دجى أو نهار
أينما كنت صيحتي صيحة الن / نسر وزأري زئيرة المستثار
وقصيدي الينبوع يرشفه الأح / رار ويروون وهونور ونار
لا تسلني عن مسكني أي دنيا / هي أرضي إذا عداها الصغار
لم أزل بالوفاء والعمل الحي / كأني في مصر أحمي الذمار
بينما الجاحدون فيها سكارى / أو حيارى وينشدون الفخار
مبدئي لن يحول ما بقي الحب / وحبي لمصر حي يثار
وحياتي جميعها في كفاح / ىية لا ينال منها الغبار
أيها الناعقون حولي استريحوا / هزم الليل إذ أطل النهار
الجلاء الجلاء رددت الأصداء
الجلاء الجلاء رددت الأصداء / بشرى ويا لها اليوم بشرى
لم يقلها فرد ولا الجيش والشعب / ولكن كل الذي عد مصرا
من ثراها ومن سماها ومن / كل الذي أنبتته فنا وفكرا
في نشيد مثل المزامير / حلو رنح الأنبياء من قبل دهرا
سمعته الآثار فاهتاج فيها / عزة والنخيل فاهتز فخرا
وتهادى النيل الذي كان / من قبل أسيرا إذ أصبح اليوم حرا
والحماة الأبطال من طردوا الهكسوس / أضحى لهم فتوحا ونصرا
وجيوش الكماة من عهد رمسيس / أطلوا مهللين وسكرى
ما رأتهم عين ولكن رأتهم / مهج بالوفاء للأمس حرى
ورأتهم أحلام جيل وجي / رقصت كالضياء لحنا وشرا
والخزامى الحيية التي مثلت / مصر جمالا وعبرت عنه عطرا
أنت بعض منها نزيلة بستاني / فهيا نعيد اليوم جهرا
ذاك دمعي من فرحتي نثرته / مهجتي فارشفيه حبا وشكرا
إن نكن نحن كالغربيين لم / نبرح بإيمانها المخلد أدرى
غمرتنا منها الحياة على / البعد كأن الأثير قد حال غمرا
فانتشينا وكل عيد / سينسى غير عيد لفك أشرى واسرى
ولولي ولولي وصيحي وطيري
ولولي ولولي وصيحي وطيري / وأقرعي وامنعي بعصف مسيري
واكسري الباسقات أو فاخلعيها / كل هذا يرى بقلبي الكسير
أنا مذ جئت هذه الجنة السم / حة ما زلت في عذاب السعير
أمطري يا رياح أو فاسكبي النا / ر فإني ما عدت أخشى مصيري
ليس شكوى الزمان طبعي ولكن / هو سخري من فعل دهر حقير
ما نثير الأوراق يحرمها الدو / ح وقصف الأغصان إلا نظيري
ما سقوط المصباح يتبعه المص / باح إلا كثورتي في ضميري
ما زئير الهبوب حولي سوى وج / دي فأعول يا وجد بين الزئير
ما أبالي من بعد معترك الأح / داث في خاطري جنون المغير
ليلة تنقضي وعاصفة النف / س تناهت بظلمة للأسير
وتراميت فوق سلّم داري / لا أبالي بصرخة للنذير
ومثار الحصى تدفق حولي / كرصاص يئز بين الصفير
ثم لما ولجت داري أبى أه / لي عزاء سوى أمر النكير