القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 24
إنما الشمس مركز لنظامٍ
إنما الشمس مركز لنظامٍ / سابح في بحر بعيد القرارِ
وَهيَ في عالم المَجَرَّة فاِعلَم / قدر صاغر من الأقدار
نحن في أَرضنا نَعيش جَميعاً / فوقَ جرم محقَّر سيار
طافَ يَسعى عَلى ذكاء كَما طا / فت بليل فراشة حول نار
حبذا المَوت فهو بين بنيه
حبذا المَوت فهو بين بنيه / يقسم العدل وَالحَياة تجورُ
إن أَتتني سعادتي بعد مَوتي / فَشقاء الحَياة لَيسَ يضير
لا تعوّل عَلى الحَياة كَثيراً / إنها لَو فكرت فيها غرور
من يصن عرضه وَما في يديه / من طماع العدى فذاكَ القَدير
ما لأَجل الإنسان يشتغل الكَو / ن وَتأَتي بعد الدهور الدهور
كل شيء فانه يَتلاشى / بِتَوالي الأزمان إِلّا الأثير
جاءَ عجزاً يزري وَجاء اِقتدارا
جاءَ عجزاً يزري وَجاء اِقتدارا / وَتردى شناعة وَفخارا
عامل الناس بالعَدالة وَالظل / مِ فَكانوا يَلقون نوراً وَنارا
جرّ عزاً إلى العراق وَذلاً / وَحياة لأَهله وبوارا
وأصار النهار لَيلاً بهيماً / وأصار اللَيل البَهيم نهارا
أفقر القوم بالعِراق وأغنى / وسَّعَ الطرقَ ضيَّقَ الأفكارا
اختفى عَن قوم وَخالط قوماً / فأرى الناس خفة ووقارا
أَخضع الناس نفذ الحكم فيهم / وَطد الأمن أرخص الأسعارا
غرب الأبرياء بث الجواسي / سَ عَلى الناس أسعف الفجارا
مقت العلم ساخراً من ذويه / بذَّر المال جرَّأ الأشرارا
قال للناس إنما الأمر شورى / بيننا ثم إنه ما اِستَشارا
أَيُّها المستبد في الأمر إيهاً / لا تُحارِب بظلمك الأحرارا
إِنَّهم قد أَبوا ومن ضيم يأبى / حكم عَبد الحَميد إذ هو جارا
كَيفَ يرضون أَن يَعيشوا مَع الدس / تور فيهم كَما تشاء أسارى
إن شمس الدستور للقوم لاحَت / فأَضاءَت بنورها الأبصارا
إن للناس في العراق إِلى الشم / سِ كما في غير العراق اِفتقارا
أَيُّها المستبد فينا رويداً / فَلَقَد جزت وَيحك الأطوارا
احذر الشعب إنه بركان / مطمئن وَقَد يجيء انفجارا
رام هتكاً لما تصون فتاة / كسبت في أَمر العفاف اِشتهارا
رام شيناً لبنت بغداد يزري / فَعَلى الشعب شعبها أَن يغارا
بنت قوم لم يدنس العرض منهم / بِقَبيح هم من سراة النَصارى
اسمها سارة وَتلك فتاة / رزقت صيتاً طبّق الأقطارا
جمعت إحساناً وَحسناً وَعِلماً / وَحَياءً وَعفَّة وَيسارا
وحنوّاً عَلى اليَتامى وَعَقلاً / أَكبرته جاراتها إكبارا
تحسب المبصرين أَعينُها النج / لُ سكارى وَما هُمُ بسكارى
شاءَ تزويجها بخادمه فاِن / تهرته فَلازم الإصرارا
كانَ من قصده التَمتع سراً / واِقتراح التَزويج كان جهارا
فأَشارَت الى السماء وَقالَت / لا تشأ لي يا رب هَذا الشنارا
رب إني ضَعيفة فأجرني / من قويٍّ يسوم عرضي اِحتقارا
صن عفافي من أَن يمس بأَيد / ألفت أَن تصافح الأوزارا
أَنا عَذراء لَم تمس عفافي / يَد باغ فصن عفاف العَذارى
ما لِقَلبي كأَنَّه بركان / هاجَ بعد الخمود منه وَثارا
احفروا لي يا أَهل بغداد قبراً / إن جِسمي خير له أَن يوارى
وأَرادَت لما أَلح عليها / ذلك الوالي المستبد اِنتحارا
غير أن الأهلين قد حسَّنوا أَن / تبرح الأهل خفية وَالديارا
سجن الخادِمات وانتهر الجي / ران عنها وهدَّد الانصارا
أَنكرت ما أَتى المروءة والدس / تور والعدل وَالحجى إنكارا
أَوجست خيفة تغير منها / وَجهها فاِكتَسى البياض اصفرارا
ذبلت للهموم منها خدود / أَشبهت قبل ذلك الجلنارا
حملت أعيناً تفيض بكاءً / وَفؤاداً مروعاً مستطارا
ثم كانَت حوادِثٌ خر منها / دَمعها فوق خدها مدرارا
أَسبلتها كَذا دموعاً غزاراً / ثم لم تمسح الدموع الغزارا
يا لَها من دموع حزن تضاهي / عقد در وَهَى فلاقى اِنتثارا
هجرت للنجاة موطنها المح / بوب وَالمال كله وَالعقارا
هجرت كل ذاك تَبغي نجاة / من يديه وَبالعَفاف فرارا
رافقتها اثنتان من راهبات ال / دير حفظاً لشخصها أَن يضارا
فنجت بالفرار من مخلب الصق / رِ كعصفور بعد أَن ريع طارا
أَيُّها المصلح الكَبير أَهَذا / ما يسميه بعضهم إِعمارا
خابَ فال الدستور إن كانَ أَهلو / هُ ضعافاً لا يحفظون الذمارا
أَتراه قَد أَخطأ الظن فيهم / إِذ رآهم جحاجحاً أَخيارا
يا نيازي تَعال وانظر الى الدس / تور في بَغداد الى أَين صارا
يا أَباة الضيم ادرأوا الظلم عنا / كَيفَ لا تغسلون هَذا العارا
البدار البدار يا أَهل بغداد / إلى السودد البدار البدارا
ما زرعتم في عقل ناشئة العص / رِ نفاقاً إلا حصدتم خسارا
أَلبسوه ثوب الولاية لكن / كانَ ما أَلبسوه ثوباً معارا
فنهوه عَن الحكومة لما / عاثَ فيها واستأثر استئثارا
قَد مَشاها خطى تعثر فيها / لا أَقال الرحمن منه العثارا
لَم يكن مجلس الإدارة إِلّا / آلة في يديه تُمضي القرارا
إن في مجلس الإدارة عضواً / حيثما دارَت الزجاجة دارا
يا مهين العراق هَل كنت تَدري / أن أَهلَ العِراق لَيسوا غيارى
أَنتَ في بغداد قضيت اللبانا / ت برغم الدستور والأوطارا
سر جَليلاً إلى سلانيك عنا / إن فيها كواعبا أَبكارا
إن فيها لَهواً وكأَساً دهاقاً / وَبناناً تحرك الأوتارا
إن فيها عيشاً رَغيداً وَرقصاً / يعجب الراقصين وَالنظّارا
غير أَنَّ الأهلين فيها أَباة / لا يطيقون ذلة وَصغارا
فتنٌ عمَّت البلاد فَما أغ
فتنٌ عمَّت البلاد فَما أغ / نى عَن المرء أَهله وَالعَشيرُ
وإذا ثارَت الجَماعَة يوماً / فَهيَ قَد لا تَدري لماذا تَثور
إنَّ سجع الحَمام في الأسحارِ
إنَّ سجع الحَمام في الأسحارِ / وَهبوب النَّسيم بعد القطارِ
وَبَريق الندى عَلى الأزهارِ / وَخَرير الماء الزلال الجاري
موحيات إِليَّ بالأشعارِ /
فإذا ما دَعا الحمام هديلا / سحراً وَالنَسيم هب بليلا
وَأَراني الندى ميحيّاً صَقيلا / وَجرى الماء حيث ألفى مسيلا
جاشَ شدو بالشعر في أفكاري /
فترنمت كالطيور صباحا / بغناء يمازج الأرواحا
ذاكَ سر الهوى به القلب باحا / في نَشيد يولي النفوس ارتياحا
قَد تعلمته من الأطيار /
حبذا الروض في زَمان الرَبيع / إن حسن الأزهار فيه طَبيعي
مرَّ فيه النَسيم غير سَريع / فوقَ سطح مثل السماء بَديع
فيه تَزهو النجوم بالأنوار /
وَشدا الطير منشداً بالبديه / غزلاً رائقاً تفنَّن فيه
إيه يا طير إيه أَحسنت إيهِ / إن لحناً في الروض تُسمِعُنِيه
هُوَ أَحلى من نغمة الأوتار /
اشدُ يا طير لا تعدّاك خَيرُ / صوتك القصد فاِعتمد لا غيرُ
لا تخف ما عليك مني ضيرُ / أَنا أَيضا يا طير مثلك طيرُ
قَلَمي في شدو الهوى منقاري /
لست أَنسى فيما سمعت الهزارا / إنه كان فاتناً سحّارا
صاح في الروض صيحة ثم طارا / فكأَنَّ الهزار أَضرم نارا
عند ما صاح في حشى الجلَّنار /
وأَعاد الشحرور أَلحان وجدِ / طائراً من نهد هناك لنهدِ
بين نبتٍ يضوع عرفاً ووردِ / من خزامَى وَياسمينٍ ورند
وَشَقيقٍ وَنرجسٍ وعرار /
وَنحا العَندَليب دعصاً جَميلا / عقد الزهر فوقه إكليلا
فَتَدانى منه قَليلا قَليلا / وَتلافى الغَرام فصلاً طَويلا
بان تأَثيره عَلى الأزهار /
وأتى زهرة تألَّقُ زهوا / فأطالا تناجياً بالشكوى
ثم غنى وَقالَ في الوصف شدوا / موقف جامعي ومن أَنا أهوى
طالَ فيه عتابه واعتذاري /
قرب جورية يفوح شذاها / ذات لون من السماء أَتاها
في شعاع للشمس طبق هواها / قبلت فاه وَهوَ قبل فاها
لتلاقٍ من بعد شحط المزار /
زار إذ ذر قرنها في الأفْقِ / ترمق الروض من أَقاصي الشرقِ
فزها ما فيه بذاك الرَّمْقِ / من ورود حمرٍ وصفرٍ وزرقِ
أَظهرت ما للنور من أَسرار /
إن حسن الرَبيع للعين فاتنْ / كَم به من زهر كثير المحاسنْ
غير أن الزَمان يا قوم خائنْ / فلأزهاره جمال ولكنْ
هي آه قصيرة الأعمار /
حبذا الروض إنه قد تزيَّنْ / ببهار وأقحوان وسوسنْ
زرته في الصباح حين تبينْ / وأطلت الجلوس فيه إلى أن
صعدت في السماء شمس النهار /
حيث فَوقي للسرو ظلٌّ ظَليلُ / وَعَلى السرو للحمام هَديلُ
وَبساط للزهر تحتي خميل / وأمامي روض نضير جَميل
وَغَدير للماء عند يَساري /
وَبذات اليَمين مني تَفورُ / عين ماء كأنه بللورُ
ذاب لطفاً فاِهتز فيه النور / وَعلى العين وهيَ تجري طيور
رفرفت من فواختٍ وَقماري /
إذ تمشَّت ريحٌ تريدُ وصولا / لغصونٍ بسقن في البعد طولا
فتخطت بنفسجاً مطلولا / ثم مرَّت عجْلى تجرُّ ذيولا
فوقَ ماء يَسيل في أنهار /
عبرته حتى اِلتقت بالغصونِ / ولوت من أعطافها والمتونِ
فبكت من حزن عليها عيوني / يا بنات النبات هجت شجوني
بتلويك اليوم في الأشجار /
يا بَنات النبات رعتِ حَياتي / إذ تأوَّدت يا بَنات النباتِ
ليت ما فيك من أذاة بذاتي / بأبي أَنتَ فاِهدئي من بنات
تنحني للهوى بكل انكسار /
وَالقماريّ حاضناتٌ فروعا / مبديات بسجعهن خشوعا
يتشاكين بينهن الولوعا / وأنا صامت أصب دموعا
هنَّ مني عَلى الخدود جواري /
وَتغنى بعض الحمام غناءَ / ذا فنون أَجادها ما شاءَ
فَشكا في غضونها البرحاء / وَبَكى واِستثار مني بكاء
لم يكن منع فيضه في اِقتداري /
إنما يا حمام جددت دائي / بالَّذي قَد رجعته من غناء
لَم تَبكي مفتشاً في السَماء / أَو هَل يا حمام إلفك نائي
وله أَنتَ جاثم في اِنتظاري /
قالَ وَالقَول من حمام هَديرُ / طارَ صبحاً إلفي وَلست أطيرُ
قد رَماني ظلماً بسهم شرير / فَجناحي بما رَماني كَسير
فأنا جاثمٌ هنا باضطرار /
إنني قد بسطت واضح عذري / فأفدني خبْراً بما لست أَدري
إن أحبابك اِستقلوا بفجر / فَلِماذا وَالحب بالمرء مغري
ماكِث أنت بعدهم في الديار /
إن من كانَ بين جنبيه قلبُ / ما كذا يصرم الَّذين يحبُّ
لَيسَ ينسى الأحباب من هو صبُّ / إن دعواك للمحبة كذْبُ
هُوَ من صبغة الحَقيقة عاري /
قد كذبت الهوى فَما أَنت إلا / مدَّعٍ لَيسَ يتبع القَول فعلا
رحلوا ثم لَم تَزَل أَنت حلا / أَنتَ لَو كنت في الحَقيقة خلا
لتتبَّعتهم عَلى الآثار /
حوِّلن يا حمامُ ظنَّك عني / فالَّذي قد ظننت آثمُ ظنِّ
يا حمام اتئد وَلا تتَّهمني / أَنا مأمور بالمقام لأني
بَينَ قَومي من مطلقي الأفكار /
طلعت في جلالة ووقارِ
طلعت في جلالة ووقارِ / من وَراء التلاع شمس النهارِ
طلعت من حجابها كإله ال / حسن في موكب من الأنوار
وَتَجَلَّت مثل العروس بوجه / نوره باهر أولي الأبصار
فكست منكب الربى وَحوالي / ها رداءً مطرزاً بالنضار
وأدرَّت عَلى الرياض شعاعاً / لجَّ في لثم مبسم الأزهار
كُلَمّا مس ظاهر الأرض أعطى / رونقاً للتراب والأحجار
ما تدانى إلا أَذاع نشاطاً / لحياة الحيوان والأشجار
وَلَه في جَداول الروض رقص / فوق سطح الماء الزلال الجاري
وأَضاءَ الهواء فهو كبحرٍ / ماج في لج نوره الموّار
إن للشمس منظراً لَيسَ يُلفَى / مثله في النجوم والأقمار
منظراً راق حسنه غير أني / كل يوم أَراه بالتكرار
رب إن المُنافقين ببغدا
رب إن المُنافقين ببغدا / د كَثير وَقَد أَتوا أضرارا
رب إني نصحتهم أن يَتوبوا / ثم إني أَنذرتهم إنذارا
رب إني دعوت قَومي لَيلاً / ثم إِني دعوت قَومي نهارا
ضل قَومي فَلَم يَزدهم دُعائي / رب إلا بَعداً وإلا فرارا
رب إني دعوتهم فَتَمادوا / وأَصروا واِستكبروا اِستكبارا
ثم إِنّي أَتيت جهراً دعائي / ثُمَّ إِني أَسررته إِسرارا
قلت يا قَوم اِستَغفروا اللَه تنجوا / إنه كانَ راحماً غفارا
إنه يرسل السماء عليكم / مثلما تَبتَغونها مدرارا
إنه اللَه يجعل الأرض جنا / ت وَيُجري من تحتها الأنهارا
إِنَّه اللَه وحده خلق النا / س من الأرض تحتهم أَطوارا
فَعَصوني يا رب واِتبعوا من / لا يَزيد الأنام إلا خسارا
مكر القوم بي وأنت حَفيظي / ربِّ مكراً من بغيهم كبارا
إن قَومي قَد أَفسَدوا لا تذر رب / ب عَلى الأَرض منهمُ ديارا
إن تذرهم يا رب في غيهم لا / يلدوا إلا فاجراً كفارا
إنهم من ضلالهم في تبار / لا تزدهم يا رب إلا تبارا
في بِلادي عَلى ودادِ بلادي
في بِلادي عَلى ودادِ بلادي / أَنا إلا إذا رحلت حَقيرُ
أَنا ذاكَ السَعيد يوم أَراني / لَيسَ إِلّا مني عليّ أَمير
بعد زهوي لَم يَبقَ مني إلا / جسد ناحل وَقَلب كَسير
لَيسَ يغنيني قولُ من قد رآني / هُوَ ذا شاعرُ العِراق الكَبير
في عيون الَّذين تُنعمُ فيهم / تقرأ العينُ ما تكن الصدور
لهف نَفسي عَلى خلالٍ لِقَومي
لهف نَفسي عَلى خلالٍ لِقَومي / أَفلت بعد نشرها الأنوارا
لست أَدري أَتِلك بيض سجايا / أَم نجوم عَن مُقلَتي تتوارى
إِن يَكن أَهلها الكِرام تولَّوا / فَلَقَد خلَّفوا لنا آثارا
خير قوم تبوأوا خير أَرض / لا يذم النَزيل فيهم جوارا
سل عَن القوم دارسات طلول / تَرَكوها تخبر الأخبارا
ترك الدهرُ وَالحوادِثُ منها / عبراً للعيون واِستعبارا
إن من كانَ ذا حجىً وَنَشاطٍ / طلب الفوز يمتطي الأخطارا
مشيه للأمام غير مبال / أسهولاً يجوب أَم أوعارا
وَالَّذي كانَ عاجِز الرأي فدماً / فَهو إِن خابَ عاتب الأقدارا
دجلة إِن درى بنو دجلة أَن / يَستَفيدوا منها تَفيض نضارا
إن أَعمالكم لعمري ساءَت / يعرباً في ضريحه وَنزارا
أَيُّها الشعب طال نومك فايقظ / لِلمَساعي فاللَيل صار نهارا
أَنا أُبدي للشعب خالص نصحي / وَعلى الشعب بعد أَن يختارا
أَيُّها الناس إنما الناس في الغر / بِ جنوا من رقيِّهم أَثمارا
اِستَفادوا من الطَبيعة حتى اس / تخدموا كَهرباءها وَالبخارا
ثُمَّ أَنتُم من البَعيد إليهم / أَيُّها الناس تنظرون حيارى
إنني والهزار فرعان من أص
إنني والهزار فرعان من أص / ل كلانا قد مارس الأشعارا
وكلانا بثَّ الصبابة إلا / أنني قد صرحت وهو أشارا
وكلانا أجاد نظم القوافي / غير أني قد فقت فيها الهزارا
فأنا أخبر الأنام بحبي / وهو بالحب يخبر الأطيارا
أنا فيه محرك ليراعى / وهو فيه يحرك المنقارا
أنا قد طرت في سماء المعاني / وهو في جو روضة قد طارا
وجناح الهزار ريش قليل / وجناحي فكري الَّذي لا يُجارى
أعشق الزُّهرَ في السماء فأشدو / وَهوَ في الأَرض يعشق الأزهارا
هو في نظمه يقلد طيراً / سبقته وإِنَّ فيَّ ابتكارا
يصف الحب وحده ثم إني / أصف الناس والهوى والديارا
وقصارى أنغامه الوجد أما / نغماتي فما لهن قُصارى
إنه شاعر يكرر ما قا / ل وإني لا أحمد التكرارا
شعره في الحياة وقف عليه / فهو إن عاش عاش أو بار بارا
وقريضي يعيش بعدي طويلاً / ويجوب البلاد والأمصارا
شاعر بالعراق ينظم شعرا
شاعر بالعراق ينظم شعرا / فيرى دون نشر ما قال عسرا
فيهادي به على البعد مصرا / حيث يَلقى الشعر المهذب نشرا
ان مصراً ريحانة الأمصار /
تبلغ النفس عند مصرَ مناها / طيَّب اللَه بالسلام ثراها
بلدة صيِّب النجاح سقاها / يجد الحرُ مأمناً في ذُراها
أنت يا مصر ملجأَ الأحرارِ /
يا ربوعَ الهوى عليك السلام / أنت للفنس مقصدٌ ومرامُ
في حماك النزيلُ ليس يضام / لأولى العلم في ذراك احترام
واعتبار في الجاه أي اعتبار /
قد رمتني الأحداث فارحم إلهي / بدواهٍ أَلممن إثر دواهي
ما لآلام روعِها من تناهي / آهِ من روعة الحوادث آهِ
إنها أذهبت جميلَ اصطباري /
ليت شعري أَحالُ همي تحول / وظلام الكروب عني يزول
ُأم كذا في الحياة كربي يطول / أنا كالسيف فيهِ بانت فلول
يعد أن سُلَّ وهو ماضي الغرار /
إنني في طبيعتي عصبيّ / ليَ حسٌّ سامٍ وقلبٌ أَبيُّ
ما تذللت منذ أني صبيّ / ليس يرضى بأسره عربيُّ
معشرَ التاء أطلقوا من إساري /
لي طبعٌ عن الإسارة ينبو / وفؤاد إلى الحضارة يصبو
ولسانٌ رطبٌ وشعرٌ عذب / وبِحارٌ غدا فخاريهِ ثلب
فاسأَلوا ان جهِلتمُ عن نجارى /
خلق الشعر لي أخاً وخدينا / فإذا ما حزنت كان حزينا
مر عمر فيه جميعاً حيينا / فاتل شعري تكسب بحالي يقينا
إن شعري مخبر عن شعارى /
كَنَسيم في آخر الليل يسري / أو كطلٍّ يَروق فوق الزهر
أنا منه إن لم يرق متبري / رققت حرقة الكآبة شعري
وكَذا النور أَصله من نار /
لَيسَ يبدو من الحقيقة نورُ
لَيسَ يبدو من الحقيقة نورُ / لعيون عن حسها هي عورُ
وإذا اِسودَّت الليالي على النا / س تساوي الأعمى بها والبصير
يا سماء العراق خانتك أَقما / رٌ لليل العراق كانت تنير
اختبرت الرجال من كل صنف / فإذا الناس كافرٌ أَو شكور
ما تساوى الإنسان في كل عصر / فهو إما عبد وإما أَمير
تتوالى على الرعايا رَزايا / فتكاد السماء منها تمور
لهف نَفسي على قطيع عليه / قد سطت في الليل البهيم نمور
ربما تذهب الرَزايا خفيفا / ت وقد تعقب الأمور أمور
وإذا عمت المعارف قوماً / قل فيهم مع الزمان الشرور
ليس ثَوراتٍ ما تشاهده بل / هنّ في جلدة العراق بثور
خربت بالنيران فيه بيوت / واستجدت مكانهن القبور
أَلقوم كآبة وشقاء / ولقوم سعادة وسرور
قل لقوم قد طأطأوا بعد كبرٍ / أَين ذاكَ الهوى وَذاك الغرور
إنني في طلاب حق بلادي / لم أَرد ما أَراده الجمهور
لا تخون العقول أَصحابها في / ما تراه وقد يخون الضَمير
قيل لي قف فقلت غير ملبٍّ / أَنا إن لم أَسر فمن ذا يسير
لا أَعادَ الرحمن أَيامَ كربٍ / عشت فيها والدائرات تدور
ثقل الإثم في العراق كثيراً / فَلماذا العراق ليس يغور
بعد أَن أَبدَت السياسة في القط / رِ عياء لا ينفع التدبير
لَيسَ يرقى الإنسان إلا إذا نا
لَيسَ يرقى الإنسان إلا إذا نا / لت رقياً إناثه والذكورُ
أَيُّها الحق لا عدمتك حقاً / أَنتَ لي أَنتَ في العراق ظهير
سل من العلم ما جنى الجهل في الما / ضي على المصلحين فهو الخَبير
أول الحب في القلوب شراره
أول الحب في القلوب شراره / تختفي تارة وتظهر تاره
ثم يرقى حتى يكون سراجاً / لذويه فيه هدىً وإناره
ثم يرقى حتى يكون مع الأي / يام ناراً حمراء ذات حراره
ثم يرقى حتى يكون أتوناً / بحراراته تذوب الحجاره
ثم يرقى حتى يكون حريقاً / فيه هلك لأهله وخساره
ثم يرقى حتى يمثل بركا / ناً يرى الناس من بعيد ناره
ثم يرقى حتى يكون جحيماً / عن تفاصيلها تضيق العباره
بعد أن مت واحتواني الحفيرُ
بعد أن مت واحتواني الحفيرُ / جاءني يبلو مُنكَرٌ ونكيرُ
ملَكان اسطاعا الظهور ولا أد / ري لماذا وكيف كان الظهورُ
لهما وجهان ابتنت فيهما الشر / رةُ عشاً كلاهما قمطريرُ
ولكلٍّ أنفٌ غليظٌ طويلٌ / هو كالقرن بالنطاح جديرُ
وفمٌ مهروتٌ يضاهي فم اللي / ث يريني ناباً هي العنقفيرُ
وبأيديهما أفاعٍ غلاظٌ / تتلوى مخوفةٌ وتدورُ
وإليَّ العيونُ ترسل ناراً / شرُّها من وميضها مستطيرُ
كنت في رقدةٍ بقبري إلى أن / أيقظاني منها وعاد الشعورُ
فبدا القبرُ ضيقاً ذا وخومٍ / ما به للهواء خرقٌ صغيرُ
إنه تحت الأرض إلا قليلاً / منزلُ المرء ذي الطموحِ الأخيرُ
ألمن خابَ حفرةٌ ذات ضيقٍ / ولمن فاز روضةٌ وغديرُ
أتيا للسؤال فَظَّينِ حيث ال / ميتُ بعد استيقاظه مذعورُ
عن أمورٍ كثيرةٍ قد أتاها / يوم في الأرض كان حياً يسيرُ
صيحة تحت الأرض ثُمَّ حوارٌ / بين أقساهما وبيني يدورُ
واقفاً لي كأنما هو نسرٌ / وكأني أمامهُ عصفورُ
خار عزمي ولم أكن أتظنَّى / أن عزمي يوماً لشيءٍ يخورُ
ولقد كنتُ في البداءة أشحى / مثلما يشحى للخشاة الذعورُ
ثم إني ملكت نفسي كأني / لست أخشى شيئاً وإني جسورُ
مظهراً أني كنتُ أحمل نفساً / لم يكن للشكوك فيها خطورُ
غير أني صدعت بالحق في الآ / خر حتى التاثت على الأمورُ
في الأديب الحر النفاق ذميمٌ / وهو ما لا يرضاه منه الضميرُ
فألمَّت بي الرزية حتى / ضجرت من ضجيج قبري القبورُ
قال من أنتَ وهو ينظر شزراً / قلت شيخٌ في لحده مقبورُ
قال ماذا أتيتَ إذ كنت حياً / قلت كل الذي أتيت حقيرُ
ليس في أعمالي التي كنت آتي / ها على وجه الأرض أمرٌ خطيرُ
قال في أيٍّ من ضروب الصناعا / ت تخصصت إنهن كثيرُ
قلت مارست الشعر أرعى به الحق / قَ وقد لا يفوتني التصويرُ
قال ما دينك الذي كنت في الدن / يا عليه وأنت شيخٌ كبيرُ
قلت كان الإسلام دينيَ فيها / وهو دينٌ بالإحترام جديرُ
قال من ذا الذي عبدت فقلت ال / لَهَ ربي وهو السميع البصيرُ
قال مذا كانت حياتك قبلاً / يوم أنت الحر الطليق الغريرُ
قلت لا تسألنَّني عن حياةٍ / لم يكن في غضونها لي حبورُ
كنت عبداً مسيَّراً غير حر / لا خيارٌ له ولا تخييرُ
ما حبوني شيئاً من الحول والقد / رة حتى أدير ما لا يدورُ
كان خيراً مني البهائمُ تثوي / حيث لا آمرٌ ولا مأمورُ
قال هلا كسبت غير المعاصي / قلت إن لم أكسب فربي غفورُ
كان إثمي أني إذا سألوني / لم أقل ما يقوله الجمهورُ
إنهم من أوهامهم في إسارٍ / ولقد لا يرضيهم التحريرُ
وإذا لم يكن هنالك رأيٌ / لي أفضي به فلا أستعيرُ
ربَّ أمرٍ يقول في شأنه العق / لُ نقيض الذي يقول الضميرُ
ثمراتُ الأحراث لا تتساوى / هذه حنطةٌ وهذا شعيرُ
وقشورٌ وما هناك لبابٌ / ولبابٌ وما هناك قشورُ
يتبع الجاهل الغويُّ أخاه / مثلما يتبع الضريرَ الضريرُ
قال هل صدقت النبيين فيما / بلغوه ولم يُعقْكَ الغرورُ
والكتاب الذي من الله قد جا / ء فأدلى به البشير النذيرُ
قلت في خشيةٍ بلى وفؤادي / من شعاع به يكاد يطيرُ
إنه مُنزَلٌ من الله يهدي ال / ناس طرَّاً فهو السراج المنيرُ
قال هل كنت للصلاة مقيماً / قلت عنها ما إن عراني فتورُ
إنما في اقتناء حورٍ حسانٍ / بصلاةٍ تجارةٌ لا تبورُ
قال هل صمت الشهر من رمضان / قلت قد صمته وطاب الفطورُ
قال هل كنت للزكاة بِمُؤتٍ / قلت ما كان بي لها تأخيرُ
قال والحج ما جوابك فيه / قلت قد كان لي بحجي سرورُ
قال هل كنت للجهاد خفيفاً / قلت إني لبالجهادِ فخورُ
قال هل كنت قائلاً بنشورٍ / قلت ربي على النشور قديرُ
فإذا شاء للعباد نشوراً / فمن السهل أن يكون نشورُ
قال ماذا تقول في الحشر والمي / زان ثم الحساب وهو عسير
والسؤال الدقيق عن كل شيء / والصراط الذي عليه العبور
والجنان التي بها العسل الما / ذيُّ قد صفوه وفيها الحور
وبها ألبانٌ تفيضُ ولهوٌ / وأباريقُ ثرةٌ وخمور
وبها رمانٌ ونخلٌ وأعنا / بٌ وطلحٌ تشدو عليه الطيور
ليس فيها أذى ولا موبقاتٌ / ليس فيها شمسٌ ولا زمهرير
والجحيم التي بها النار تذكو / في دهور وراءهنَّ دهور
إنما المهلُ ماؤها فهو يغلي / والهواء الذي يهب الحرور
تلك فيها للمجرمين عذابٌ / تلك فيها للكافرين سعير
إن من كان كافراً فهو فيها / وإن اعتاد أن يبرَّ خسير
هو في نارها الشديدة حرا / ن وفي زمهريرها مقرور
قلت مهلاً يا أيها الملك المُل / حِف مهلاً فإن هذا كثير
كان إيماني في شبابي جمّاً / ما به نزرةٌ ولا تقصير
غير أنَّ الشكوك هبَّت تلاحي / ني فلم يستقرَّ مني الشعور
ثم عادَ الإيمان يقوى إلى أن / سلَّه الشيطان الرجيمُ الغرور
ثم آمنت ثم ألحدتُ حتى / قيل هذا مذبذب ممرور
ثم دافعت عنه بعد يقينٍ / مثلما يفعل الكميُّ الجسور
وتعمَّقتُ في العقائد حتى / قيل هذا علامةٌ نحرير
ثم إني في الوقت هذا لخوفي / لست أدري ماذا اعتقادي الأخير
لم يُربني أمرُ الصراط مقاماً / فوق وادٍ من الجحيم يفور
غير أني أجل ربي من إت / يانِ ما يأباه الحجى والضمير
فإذا صح أنه كغرار ال / سيفِ أو شعرةٍ فكيف العبور
لا تخل أن عبر جسرٍ دقيق / ذرعه آلاف السنين يسير
إنَّ ألفاً منه صعودٌ وألفاً / ذو استواءٍ سمح وألفاً حدور
إنها شقةٌ تطول فلا يق / طعها إلا البهمةُ المحضير
ولعل الذين ضحوا بأكبا / ش عليهم بها يهون المرور
أنا لو كنت بالبعير أضحي / سار بي مرقلاً عليه البعير
ولو اَني ركبت صهوة يعفو / رٍ مضى بي يستعجلُ اليعفور
ولو اَني هويتُ لا سمح الرح / مَن منه فيها لساءَ المصير
لا يطيب الخلود في لجج النا / ر فإن الخلود شيءٌ كثير
ربنا لا ترسل علينا عذاباً / ليس فينا على العذاب صبور
ربنا ارفق بنا فإنا ضعافٌ / ما لنا من حولٍ وأنت القدير
قال ماذا رأيت في الجن قبلاً / ومن الجن صالح وشرير
ثم في جبريل الذي هو بين ال / لَهِ ذي العرش والرسول سفير
ثم في الأبرار الملائك حول ال / عرشِ والعرش قد زهاه النور
فتدوي السماء في السمع من تس / بيحهم مثلما يدوي القفير
ثم في الخناسِ الذي ليس من وس / واسه في الحياة تخلو الصدور
والعفاريت ذاهبين عراةً / تجفل الوحشُ منهمُ والطيور
والشياطين مفسدين بهم قد / ضلَّ ناسٌ هم الفريق الكبير
قلت لله في السماوات والأر / ضِ وما بينهن خلقٌ كثير
غير أني أرتابُ في كل ما قد / عجز العقل عنه والتفكير
لم يكن في الكتاب من خطأٍ كَل / لا ولكن قد أخطأ التفسير
قال هل في السفور نفعٌ يرجَّى / قلت خيرٌ من الحجاب السفور
إنما في الحجاب شلٌّ لشعبٍ / وخفاءٌ وفي السفور ظهور
كيف يسمو إلى الحضارة شعبٌ / منه نصفٌ عن نصفه مستور
ليس يأتي شعب جلائلَ ما لم / تتقدم إناثه والذكور
إنَّ في رونق النهار لناساً / لم يَزُل عن عيونها الديجور
قال هل في الإله عندك شك / قلت لا والذي إليه المصير
قال ماذا هو الإله فهل أن / ت مجيبي كما يجيب الخبير
قلت إنَّ الإله فوق منال ال / عقل منا وهو العزيز الكبير
إنما هذه الطبيعة ذات ال / لاتناهي كتابُهُ المسطور
إنها للإله سفرٌ قديمٌ / ذو فصول والكائناتُ السطور
ولقد قال ناعتوه هو العا / لم منا بما تكنُّ الصدور
إنه في الجبال والبر والبح / ر من الأرض والسماوات نور
فله الأرض ما لها من سكون / والسماوات ما بهنَّ فطور
كل حيٍّ به يعيش ويردى / وكما قد أراد تجري الأمور
إنه واهبُ الوجود فلولا / ه لما كان للوجود ظهور
إنه واجبُ الوجود فقد كا / ن ولا عالمٌ ولا دستور
عرشه في السماء وهو عليه / مستوٍ ما لأمره تغيير
وهو يهتز للمعاصي كما يه / تزُّ في زرقة الصباح السرير
وهو إن قال كن لشيءٍ يكون ال / شيءُ من فوره فلا تأخير
إن هذا ما قد تلقنته وال / قلبُ من شكهِ يكادُ يخور
قلت ما قلت ثم إنك لا تد / ري أحقٌّ ما قلته أم زور
وأرى في الصفات ما هو للَ / هِ تعالت شؤونه تصغير
ما عقابي من بعد ما صح نقلاً / أنَّ ما قد أتيتهُ مقدور
ليس لي في ما جئته من خيارٍ / إنني في جميعه مجبور
وإذا كان منه كفري وإيما / ني فإن الجزاءَ شيءٌ نكير
أللهو والله ليس بلاهٍ / أم لجورٍ والله ليس يجور
أمنَ الحقِّ خَلقُ إبليس وهو ال / مستبدُّ المضلِّلٌ الشرير
إنه يلقي في النفوس شكوكاً / ذات أظفارٍ نزعهنَّ عسير
إنما في الدارين عسفٌ وحيفٌ / غير أنَّ السماءَ ليست تمور
فلناس تعاشةٌ وشقاءٌ / ولناسٍ سعادةٌ وسرور
قال ما ذاته فقلت مجيباً / بلسانٍ قد خانه التفكير
إنني لا أدري من الذات شيئاً / فلقد أسدلت عليها الستور
إنما علمي كله هو أن ال / لَهَ حي وأنه لا يبور
ما لكل الأكوان إلا إلهٌ / واحدٌ لا يزول وهو الأثير
منه هذا الوجود فاضَ عميماً / وإليه بعد البوار يصير
ليس بين الأثير والله فرقٌ / في سوى اللفظ إن هداك الشعور
وبحبسي أني صدعتُ بما أد / ري على علمي أنه سيضير
وإذا لم أرد لأبسط رأيي / في جوابي فإنني معذور
أمن السهل أن أغيرَ قلبي / بعد ما في فَوديَّ بان القتير
قال إني أرى بخدك تصعي / را فهل أنت يزدهيك الغرور
قلت من مات لا يصعِّر خداً / ليس بالموتى يخلق التصعير
إنني أخشى الظالمين فلا أف / ضي إليهم بما برأسي يدور
أي ذي مسكةٍ يقول صريحاً / وعليها سيف الأذى مشهور
لا تكونا عليَّ فظَّين في قب / ري فإني شيخٌ بعطفٍ جدير
إنَّ قول الحقِّ الصراح على الأح / رار حتى في قبرهم محظور
فدعاني في حفرتي مستريحاً / أنا من ضوضاء الحياة نفور
أتعبتني الأيام إذ كنت حيا / فأنا اليوم للسكون فقير
أتركاني وحدي ولا تزعجاني / بزياراتٍ ما بهنَّ سرور
اتركاني ولا تزيدا عنائي / بسؤالٍ فإني موتور
لم تُصَنْ من جراءة المستبدي / نَ عَلى الهالكين حتى القبور
كيف أفضيتما إليَّ بقبري / وعليه جنادلٌ وصخور
قلت لما هبطتُ أعماقَ قبري / ليس خيراً من البطون الظهور
وإذا القبر ضيقٌ بذويه / وإذا القبر فيه كربٌ كثير
إنما الدائراتُ في كل وقتٍ / ومكانٍ على الضعيف تدور
قال هذا هو الهراء وما إن / لاحتجاجٍ تلغو به تأثير
قلت في غصةٍ إذن فاصنعا بي / ما تريدانه فإني أسير
عذَّباني هنا إذا شئتما أو / ألقياني في النار وهي تثور
كنتُ لا أدري يوم كنت على الأر / ض طليقاً أن الحياة غرور
وسأمشي إلى جهنمَ مدفو / عاً وخلفي كالسيل جمٌّ غفير
إنما قد سألتما عن أمورٍ / هي ليست تغني وليست تضير
ولماذا لم تسألا عن ضميري / والفتى من يعف منه الضمير
ولماذا لم تسألا عن جهادي / في سبيل الحقوق وهو شهير
ولماذا لم تسألا عن ذيادي / عن بلادي أيامَ عز النصير
ولماذا لم تسألا عن وفائي / ووفائي لمن صحبت كثير
ولماذا لم تسألا عن مساعي / يَ لإبطال الشرِّ وهو خطير
عن دفاعي عن النساء عليهن / نَ من الشقوة الرجال تجور
وسلاني عما نظمت من الشع / ر فبالشعر يرتقي الجمهور
وسلاني عن نصري الحقَّ وثا / باً به وهو بالسؤال جدير
إنما الشعر سُلَّمٌ للمعالي / ثم فيه لأمةٍ تحرير
إنه تارةً لقومٍ غناءٌ / ليناموا وتارةً تحذير
وسلاني عن جعلي الصّدق كالصخ / ر أساساً تبنى عليه الأمور
إنما الصدق فاسألاني عنه / خيرُ ما تنطوي عليه الصدور
وسلاني عن حفظي الفن من أن / يعتريه قبل التمام الدثور
أسكوتٌ عن كلِّ ما هو حقٌّ / وسؤالٌ عن كلِّ ما هو زور
قال كل الذي عرضت علينا / أيها الشيخ الهِمُّ شيءٌ حقير
نحن لسنا بسائلين سوى ما / كان حول الدين المبين يدور
فأفدنا إن كنت ذا صلةٍ بال / دين واذكر ماذا هو التقدير
ثم زد ما تقول في جبل القا / ف أحقٌّ فحواه أم أسطور
جبلٌ من زمردٍ نصفُ أهلي / ه ذوو إيمان ونصفٌ كفور
جبلٌ إن أرسلت طرفاً إليه / رجع الطرف عنه وهو حسير
وبياجوجَ ثم ماجوج والسد / دِ وإنكارُ كلّ هذا غرور
وبهاروت ثم ماروتَ والسح / ر الذي أسدلت عليه الستور
قلت ما لي بكل ذلك علمٌ / فبجحدي عقلي عليَّ يشير
كنت حياً فمت والموت حقٌّ / شاهداتٌ بما هناك القبور
كنت فوق التراب بالأمس أمشي / وأنا اليوم تحته مقبور
إنما الموت وهو لا بُدَّ منه / سُنَّةُ الله ما لها تغيير
قال دع عنك ذا وقل لي من رب / بكَ من قبل أن يسوءَ المصير
قلت أمهلني في الجواب رويداً / إنني الآن خائفٌ مذعور
لا تكن قاسياً عليَّ كثيراً / أنا شيخ مهدَّمٌ مأطور
كان ظني أنَّ الأثيرَ هوَ الر / بُّ كريماً يمدني ويجير
لم يزل لي عقيدة ذاك حتى / حال من هول القبر فيَّ الشعور
إنك اليوم أنت وحدك ربي / بك أحيا في حفرتي وأبور
إنك الجبارُ الذي سوف تبقى / تحت سلطانك العظيم القبور
قال ما أنت أيها الرجسُ إلا / ملحدٌ قد ضلَّ السبيلَ كفور
ما جزاءُ الذين قد كفروا إل / لا عذابٌ برحٌ وإلا سعير
ثم تلَّاني للجبين وقالا / ليَ ذق أنت الفيلسوف الكبير
قلت صفحاً فكل فلسفتي قد / كان مما يمليه عقلي الصغير
ثم قولي من بعدها أنت ربي / هو مني حماقة وقصور
لم تكن أقوالي الجريئة إلا / نفثاتٍ يرمي بها المصدور
قد أسأتُ التعبير فالله ربي / ما له في كل الوجود نظير
فأجاباني قائلين بصوتٍ / لا يسر الأسماعَ منه الهدير
قضي الأمر فاستعدَّ لضربٍ / منه تدمى بعد البطون الظهور
لا يفيد الإيمان من بعد كفرٍ / وكذا جَد الطائشين عثور
وأمضَّاني بالمقامع ضرباً / كدت منه في أرض قبري أغور
لم يكن فيهما يثير حناناً / جسدٌ لي دام ودمعٌ غزير
ولقد صحتُ للمضاضة أبغي / لي مجيراً وأين مني المجير
ثم صبَّا بقسوةٍ فوق رأسي / قَطِراناً لسوء حظي يفور
فشوى رأسي ثم وجهي حتى / بان مثل المجدور فيه بثور
ثُمَّ أحسست أنَّ رأسي يغلي / مثلما يغلي بالوقود القدور
وقد اشتدت الحرارة في قب / ري حتى كأنه تنور
وأطالا فيه عذابي إلى أن / غاب وعيي وزال عني الشعور
ثم لما انتبهت ألفيت أني / موثقٌ من يدي وحبلي مرير
ثم طارا بي في الفضاء إلى الجن / نَةِ حتى يغري بلومي الضمير
ما أرادا إلا عذاب ضميري / بعد أن إيفَ جسمي المقطور
وأسرَّا في إذن رضوان شيئاً / فأباح الجواز وهو عسير
لمست إذ دخلتها الوجه مني / نفحةٌ فاح عطرها والعبير
أخذتني منها المشاهدُ حتى / خلتُ أني سكرانُ أو مسحور
جنةٌ عرضها السماوات والأر / ض بها من شتى النعيم الكثير
فطعام للآكلين لذيذٌ / وشرابٌ للشاربين طهور
سمكٌ مقليٌّ وطيرٌ شويٌّ / ولذيذ من الشواءِ الطيور
وبها بعد ذلكم ثمراتٌ / وبها أكوابٌ وفيها خمور
وبها دوحةٌ يقال لها الطو / بى لها ظل حيث سرت يسير
تتدلَّى غصونها فوق أرضٍ / عرضها من كل النواحي شهور
وجرت تحتها من العسل المش / تارِ أنهارٌ ما عليها خفير
ومن الخمرة العتيقة أخرى / طعمها الزنجبيلُ والكافور
ومن الألبانِ اللذيذةِ ما يش / ربه خلقٌ وهو بعد غزير
ثم للسلسبيل يطفحُ والتس / نيمِ ماءٌ يجري به التفجير
وجميع الحصباء درٌّ وياقو / تٌ وماسٌ شعاعه مستطير
كل ما يرغبون فيه مباحٌ / كلٌّ ما يشتهونه ميسور
وعلى أرضها زرابيُّ قد بُث / ثت حساناً كأنهن زهور
وعليها أسرَّةٌ وفراشٌ / مثلما يهوى المؤمنون وثير
وعلى تلكم الأسرة حورٌ / في حليٍّ لها ونعمَ الحور
ليس يخشين في المجانة عاراً / وإن اهتزَّ تحتهنَّ السرير
كل من صلى قائماً وتزكى / فمن الحورِ حظُّه موفور
ولقد يعطى المرءُ سبعين حورا / ء عليهن سندسٌ وحرير
يتهادين كالجمان حساناً / فوق صرحٍ كأنه بلور
حبذا أجيادٌ تلعن وأنظا / رٌ بها كل مبصرٍ مسحور
وخصورٌ بها ضمورٌ وأعجا / زٌ ثقالٌ تعيا بهن الخصور
و كأن الولدان حين يطوفو / ن على القوم لؤلؤٌ منثور
ائتِ ما شئته ولا تخشَ بأساً / لا حرامٌ فيها ولا محظور
إنَّ فيها من الحدائق غلباً / تتغنى من فوقهن الطيور
إنّ فيها جميع ما تشتهيه ال / نفس والعين واللها والحجور
فإذا ما اشتهيت طيراً هوى من / غصنه مشوياً وجاء يزور
طينها من فالوذج لا يمل ال / مرء منه فهو اللذيذ الغزير
وإذا رمت أن يحول لك التي / ن دجاجاً أتى إليك يطير
أو إذا شئتَ أن يصير لك الحص / باءُ دراً فإنه ليصير
إنَّ فيها مشيئة المرءِ تأتي / عجباً عنه يعجزُ الإكسير
ليس فيها موتٌ ولا موبقاتٌ / ليس فيها شمسٌ ولا زمهرير
لا شتاءٌ ولا خريفٌ وصيفٌ / أترى أن الأرض ليست تدور
جنة فوق جنةٍ فوق أخرى / درجات في كلهن حبور
وحياضٌ قد أترعت ورياضٌ / قد سقى الطلُّ زهرها وقصور
كل هذا وكل ما فوق هذا / فبه طرفُ القوم فيها قرير
ولقد حُلُّوا فوق ذلك فيها / فضةً في أساور تستنير
ولهم فيها نعمةٌ بعد أخرى / ولهم فيها لذةٌ وسرور
ولقد رمتُ شربةً من نمير / فتيممتُه ففرَّ النمير
وكأنَّ الماء الذي شئت أن أش / ربه بابتعادهِ مأمور
وتذكرت أنني رجلٌ جي / ءَ به كي يراع منه الشعور
أي حقِّ في أن أنالَ شرابي / بعد أن صَحَّ أنني مثبور
قلت عودا من حيث قد جئتما بي / إنما هذه لهمّي تثير
أنا راضٍ من البيوت بقبر / يتساوى عشيُّهُ والبكور
أيها القبرُ ارحم طوالع شيبي / أنا في كربتي إليك فقير
أخرَجاني منها وشدَّا وثاقي / بنسوعٍ كما يشدُّ البعير
ثم قاما فدلَّياني ثلاثاً / في صميم الجحيم وهي تفور
وأخيراً في جوفها قذفا بي / مثلما يقذفُ المتاعُ الحقير
لست أسطيع وصف ما أنا قد قا / سيتُ منها فإنه لعسير
ربي اصرف عني العذاب فإني / إن أكن خاطئاً فأنت الغفور
وكأنَّ الجحيم حفرةُ بركا / ن عظيمٍ له فمٌ مفغور
تدلعُ النارُ منه حمراء تلقي / حمماً راحَ كالشواظ يطير
ثم إني لها سمعتُ حسيساً / فاقشعرت منه برأسي الشعور
خالطته استغاثةُ القوم فيها / كهريرٍ إذا استمرَّ الهرير
إنها في أعماقها طبقاتٌ / بعضها تحت بعضها محفور
وأشدُّ العذاب ما كان في الها / وية السفلى حيث يطغى السعير
حيث لا ينصرُ الهضيمَ أخوهُ / حيث لا ينجِدُ العشيرَ العشير
الطعامُ الزقومُ في كل يومٍ / والشراب اليحمومُ واليحمور
ولقد يسقى الظامئون عصيراً / هو من حنظلٍ وساءَ العصير
ولها من بعد الزفير شهيقٌ / ولها من بعد الشهيق زفير
ولهم فيها كل يوم عذابٌ / ولهم فيها كلَّ يوم ثبور
ثم فيها عقاربٌ وأفاعٍ / ثمَّ فيها ضراغمٌ ونمور
يضرع المجرمون فيها عطاشاً / والضراعات ما لها تأثير
ولهم من غيظٍ تأجَّجَ فيهم / نظراتٌ شَرارُها مستطير
وقدت نارها تئزُّ فتغلي / أنفسٌ فوق جمرها وتخور
ولقد كانت الوجوهُ من الصا / لينَ سوداً كأنهن القير
ولقد كانت الملامح تخفى / ولقد كانت العيونُ تغور
لست أنسى نيرانها مائجات / تتلظَّى كأنهن بحور
ولقد صاح الخاطئون يريدو / ن نصيراً لهم وعزَّ النصير
وتساوى أشرافهم والأداني / وتساوى غنيُّهم والفقير
كنتُ أمشي فيها فصادفت ليلى / بين أترابٍ كالجمانِ تسير
فوق جمرٍ يشوي ونارٍ تلظَّى / وأفاعٍ في نابهنَّ شرور
وعيونُ الحسناء مغروقاتٌ / بدموعٍ فيها الأسى منظور
قلت ماذا يُبكي الجميلةَ قالت / أنا لا يبكيني اللظى والسعير
إنما يبكيني فراقُ حبيبي / وفراقُ الحبيب خطبٌ كبير
هو عني ناءٍ كما أنا عنه / فكلانا عمن أحبَّ شطير
فرقوا بيننا فما إن أرى اليو / مَ سميراً ولا يراني سمير
قذفوه في هوةٍ ليس منها / مخرجٌ للمقذوف فهي قَعور
أوه إن الفراق أصعب من كُل / لِ عذابٍ يشقى به الموزور
ولو اَنَّا كنا جيمعاً لخفَّ ال / خطبُ في قربه وهان العسير
لا أبالي ناراً وعندي حبيبي / كل خطبٍ دون الفراق يسير
قلتُ ماذا جنيتِ في الأرض حتى / كان حتماً عليك هذا المصير
فأجابت قد كان لي وسميراً / قبل أن نردى للجحيم نُكور
جهلنا للجحيم أوجب أنا / بعد أن نردى للجحيم نزور
ولقد أبصرتُ الفرزدقَ نضواً / يتلَّوى ووجهه معصور
وإلى جنبهِ يقاسي اللظى الأخ / طلُ مستعبراً ويشكو جرير
قلت ما شأنكم فقالوا دهانا / من وراء الهجاء ضرٌّ كثير
ولقد كان آخرون حوالَي / هم جثوماً وكلهم موتور
منهم العالم الكبير ورَبُّ ال / فن والفيلسوف والنحرير
لم أشاهد بعد التلفت فيها / جاهلاً ليس عنده تفكير
إنما مثوى الجاهلين جنانٌ / شاهقات القصور فيها الحور
غير قسمٍ هو الأقل سعى يصل / لِحُ حتى اهتدى به الجمهور
ثم حياني أحمدُ المتنبي / والمعريُّ الشيخُ وهو ضرير
وكلا الشاعرين بحرٌ خضمٌّ / وكلا الشاعرين فحلٌ كبير
ولقد كاد يخنقُ الغيظُ بشا / راً وفي وجهه الدميم بثور
وهو الشاعر الذي ظلَّ ما قا / ل طريفاً وإن طوته العصور
ويليهم أبو نواسٍ كئيباً / وهو ذاك الممراحةُ السكير
مثله الخيامُ العظيمُ ودَنْتِي / وإمامُ القريضِ شاكِسبير
ولقد كان لامرئ القيس بين ال / قوم صدرٌ وللملوك الصدور
قلت ماذا بكم فقالوا لقينا / من جزاءٍ ما لا يطيق ثبير
إننا كنا نستخفُّ بأمر ال / دين في شعرنا فساء المصير
وسمعت الخيام في وسط الجم / ع يغني فيطرب الجمهور
منشداً بينهم بصوتٍ شجيٍّ / قطعةً من شعرٍ غذاهُ الشعور
حبذا خمرةٌ تعين على الني / ران حتى إذا ذكت لا تضير
وتسلي من اللهيب فلا يب / قى متى شبَّ منه إلا النور
تشبه الخندريسُ ياقوتةً ذا / بت ففيها للناظرين سرور
وهي مثل النار التي تتلظى / ولها مثلما لهذي زفير
ثم إني بالخندريس لصبُّ / ومن النار والجحيم نفور
اسقني خمرةً لعلي بها أُرْ / جِعُ شيئاً مما سبتني السعير
أنتِ لو كنتِ في الجحيم بجنبي / لم ترعني نارٌ ولا زمهرير
ثم إني سمعت سقراط يلقي / خطبةً في الجحيم وهي تفور
وإلى جنبه على النار أفلا / طون يصغي كأنه مسرور
وأرسطاليسُ الكبيرُ وقد أغر / قَ منه المشاعرَ التفكير
ثم كوبرنيك الذي كان قد أف / همنا أن الأرض جرمٌ يدور
تتبع الشمس أينما هي سارت / وعليها مثل الفراش تطور
ثم دَرْوينُ وهو من قال إنا / نسلُ قردٍ قضت عليه الدهور
ثم هكْلٌ وبُخْنُرٌ وجِسَنْدي / ويليهم سبنْسرُ المشهور
ثم توماسُ ثم فِخْتُ ومنهم / اسبِنوزا وهُلْبَكٌ وجيور
ونيوتونُ الحبرُ ثم رِنانٌ / ثم روسّو ومثله فولتير
وزادشت ثم مزدك يأتي / وجموعٌ إمامهم أبقور
والحكيمُ الكندي ثم ابن سينا / وابنُ رشدٍ وهو الحفيُّ الجسور
ثم هذا أبو دلامةَ منهم / بعده الراوندي ثم نصير
وجماعاتٌ غيرهم كلُّهم جل / دٌ على نارها وكلٌّ صبور
كان سقراط أثبتَ القوم جأشاً / فهو ذو عزمٍ فائقٍ لا يخور
قال من بعد شرحه منشأ النا / ر وفي قوله إليها يشير
سوف يقضي فينا التطوُّرُ أن نق / وى عليها وأن تهونَ الأمور
إن في ذا الوادي السحيق عيوناً / ثرَّةَ للبترول منها يفور
ولقد تنضبُ العيونُ فلا نا / رٌ ولا ساعرٌ ولا مسعور
ثم لما أتمَّ خطبته عَج / جو له هاتفين وهو جدير
ورأيت الحلاجَ يرفع منه ال / طرفَ نحو السماء وهو حسير
قائلاً أنت اللهُ وحدك قيو / ماً وأما الأكوان فهي تبور
أنت من حيثُ الذات لست كثيراً / غير أنَّ التجليات كثير
إنك الواحدُ الذي أنا منه / في حياتي شرارةٌ تستطير
وبه لي بعد الظهور خفاءٌ / وله بي بعد الخفاء ظهور
ثم شئتَ العذاب لي ولماذا / لم تجرني منه وأنت المجير
كان في الدنيا القتل منهم نصيبي / ونصيبي اليوم العذاب العسير
قلت إن المقدور لا بد منه / أوَ حتى إن أخطأ المقدور
مكثوا حتى جاء منهم حكيمٌ / باختراعٍ لم تنتظرهُ الدهور
آلةٌ تطفئ السعيرَ إذا شا / ء فلا تحرقُ الجسومَ السعير
وأتى آخرٌ بخارقة يه / لكُ في مرة بها جمهور
واهتدى غيره إلى ما به الإن / سان يخفى فلا يراه البصير
ولقد قام في الأخير فتى يخ / طب فيهم والصوت منه جهور
فأحاطت به الملايين يصغو / نَ إليه وكلُّهم موتور
قال يا قومنا جهنمُ غصت / بالألى يظلمون منكم فثوروا
قال يا قومنا أرى الأمر من سو / ءٍ إلى الأسوأ الأمضِّ يسير
قال يا قومنا احتملتم من الحي / فِ ثقالاً يعيا بهنَّ البعير
قال يا قوم إن هذا الذي أن / تُمْ تقاسونه لشيءٌ كثير
قال يا قوم إننا قد ظُلمنا / شرَّ ظلم فما لنا لا نثور
ومن الناس من قضى الله أن يك / فر والموتُ منه دانٍ يزور
فهل الحقُّ أن يُخلَّد في النا / ر على كفرِ ساعةٍ مجبور
قال يا قوم لا تخافوا فما فو / ق شرور تكابدونَ شرور
اجسروا أيها الرفاق فما نا / ل بعيدَ الآمال إلا الجسور
إنما فازَ في الجهاد من النا / س بآماله الكبار الكبير
أنتم اليوم في جهنم أسرى / وليكن منكمو لكم تحرير
قاوموا القوة التي غشمت بال / مِثل والدهر للقوي ظهير
أنتم اليوم الأكثرون وأما / عدد الحارسين فهو صغير
أي شيء نخاف منهم وإنا / لو تحديناهم لجمٌّ غفير
أيها الناس دافعوا عن حقوقٍ / غصبوها والكاثرُ المنصور
ألأهل الجحيم بؤسٌ وتعسٌ / ولمن حلَّ في الجنانِ سرور
ألنا أسفلُ الجحيم مقامٌ / ولهم في أعلى الجنانِ قصور
كل ما قد أصابكم من عذابٍ / فله ممن في السماءٍ صدور
إنّ أهل القضاء ما أنصفوكم / فكأنَّ القلوبَ منهم صخور
إنهم قد جاروا عليكم أشدَّ ال / جور منهم وما لهم أن يجوروا
قد خدمنا العلوم شتى بدنيا / نا فهل من حسن الجزاء السعير
كان في تلكم اضطهادٌ وقتلٌ / ثم في هذه العذابُ الدهير
فعلا من أهل الجحيم ضجيجٌ / رجف الوادي منه والساعور
ولقد هاجوا في الجحيم وماجوا / كخضم مرّت عليه الدَّبور
أطفأوا جمرةَ الجحيم فكانت / فتنة ما جرى بها التقدير
ثورةٌ في الجحيم أرجفت العر / شَ وكادت منها السماءُ تمور
لبسوا عدة الكفاح وساروا / في نظامٍ أتمهُ التدبير
زحفوا ثائرين من كل صوبٍ / في صفوفٍ كأنهنَّ سطور
للأناشيد ينشدون بصوتٍ / في النفوس الحرَّى لها تأثير
غصبوا حقكم فيا قوم ثوروا / إنَّ غصبَ الحقوق ظلمٌ كبير
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
لكم الأكواخ المشيدةُ بالنا / رِ وللبلهِ في الجنان القصور
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
إن خضعتم فما لكم من نصيبٍ / في طوال الدهور إلا السعير
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
ما حياةُ الإنسان إلا جهادٌ / إنما تؤثرُ السكون القبور
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
إنما النار للذين لديهم / قد تسامى الإحساسُ بئس المصير
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
ولقد أسرعت زبانيةُ النا / ر إليهم وكلهم مذعور
يا لها في الجحيم حرباً ضروساً / ما لها في كل الحروب نظير
ولقد عاضد الذكور إناثٌ / ولقد عاضد الإناثَ الذكور
ولقد كانوا يفتكون ولا يب / صر منهم مهاجمٌ أو مغير
ولقد كانت البطونُ تَفَرَّى / ولقد كانت الرؤوس تطير
ثم جاءتِ الشياطين أنصا / راً وما جيش الماردين حقير
كان إبليس قائداً للشياطي / ن وإبليسُ حيث كان قدير
ولقد جاء من ملائكةِ العر / شِ لإرجاعِ الأمن جمٌّ غفير
والذي قد قاد الملائك منهم / هو عزرائيلُ الذي لا يخور
فهي بين الملائك البيض صفَّاً / والشياطينُ السودُ صفاً تثور
وتلاقى فوق الجحيم الفريقا / ن وهذا نارٌ وهذا نور
فصدامٌ كما تصادمُ أجبا / لٌ رَواس ومثلهنَّ بحور
وصراخُ الجرحى إلى العرش يعلو / وجروح المجندلين تفور
يترامون بالصواعقِ صفَّي / نِ فيشتدُّ القتلُ والتدمير
حارَبوا بالرياح هوجاً وبالإع / صارِ في ناره تذوب الصخور
حاربوا بالبروق تومض والرع / د فيغلي من صوته التامور
حاربوا بالبحار تلقى على الجي / ش بِحولٍ وماؤها مسعور
حاربوا بالجبال تقذفُ بالأي / دي تباعاً كأنهن قشور
بالبراكين ثائرات جرت من / حممٍ فيها أبحرٌ ونهور
وقد اهتزَّ عرشُ ربك من بع / د سكونٍ والدائراتُ تدور
ولقد كادت السموات تهوي / ولقد كادت النجوم تغور
كانت الحرب في البداءِ سجالاً / ما لصبح النصر المبين سفور
ثم للناظرين بان جليّاً / أن جيش الملائك المنصور
هزموهم إلى معاقلهم في ال / ليلِ حتى بدا الصباحُ المنير
ولأهل الجحيم تمَّ بإنجا / د الشياطين في القتال الظهور
فاستراحوا من العذاب الذي كا / نوا يقاسونه وجاء السرور
لم يخوضوا غمارها قبل أن تح / كم فيها الآراء والتدبير
ثم طاروا على ظهور الشياطي / ن خفافاً كما تطيرُ النسور
يطلبون الجنان حتى إذا ما / بلغوها جرى نضالٌ قصير
ثم فازوا بها وقاموا بما يو / جبهُ النصر والنهى والضمير
طردوا من بها من البلهِ واحتَل / لوا القصورَ العليا ونعم القصور
غير من كانوا مصلحين فهذا ال / قسم منهم بالإحترام جدير
فرَّ رضوان للنجاة ومن أت / باعِ رضوان مسرعاً جمهور
وأقاموا لفتحهم حفلةً أع / قبها منهم الهتافُ الكثير
إنه أكبرُ انقلابٍ به جا / دت على كرها الطويلِ الدهور
وتنبهت من مناميَ صبحاً / وإذا الشمس في السماء تنير
وإذا الأمر ليس في الحقِّ إلا / حُلُماً قد أثارَهُ الجرجير
قد أقاموا على الجحيم صراطاً
قد أقاموا على الجحيم صراطاً / عرضه شعرة فكيف العبور
ليس أشقى من ابن آدم حي / فهو في كل حالة مضرور
أن يعش يلق منكراً وإذا ما / ت تلقاه منكر ونكير
هذه الدنيا دار كل جزاء / فهي للناس جنة وسعير
ولقد يعقب الظهور خفاء / ثم لا يعقب الخفاء ظهور
اول الحب في القلوب شراره
اول الحب في القلوب شراره / تختفي تارة وتظهر تاره
ثم يرقى حتى يكون سراجاً / لذويه فيه هدى واناره
ثم يرقى حتى يكون مع ال / أيام ناراً حمراء ذات حراره
ثم يرقى حتى يكون اتونا / بحراراته تذوب الحجاره
ثم يرقى حتى يكون حريقاً / فيه هلك لاهله وخساره
ثم يرقى حتى يمثل بركا / ناً يرى الناس من بعيد ناره
ثم يرقى حتى يكون جحيما / عن تفاصيلها تضيق العباره
تختفى خلف العالم المنظور
تختفى خلف العالم المنظور / حركات لعالم مستور
وارى بين العالمين جدارا / ما على العقل خرقه بيسير
تربط العالمين هذا بهذا / حلقات الاثير في جنزير
ولعل الحياة بعد بوار / للخلايا منضمة للاثير
انه مصدري الذي جئت منه / واليه بعد الهلاك مصيري
ولعل الاثير يبصر مالا / تبصر العين من وراء الستور
ولعل الاثير يسمع ما لا / تسمع الاذن من مكان شطير
ولعل الاثير يعلم مالا / تعلم النفس من خفي الامور
ولعل الاثير اصل التروي / ولعل الاثير اصل الشعور
ولعل الاثير هذا على الهدم / وبدء الاكوان جد قدير
ولعل الاثير في كل ارض / وسماء كاللَه في التأثير
ولعل الذاتين واحدة في ال / أصل والخلف جاء في التعبير
مذهبي وحدة الوجود فلا كا / ئن غير اللَه القديم القدير
ان هذا فلا ابالي اذا ما / اجمعت ثلة على تكفيري
اهل عصري لا يفقهون حديثي / حبذا لو اتيت بعد عصور
ان هذا الوجود بحر خضم / ما له من شواطئ كالبحور
انا فقاعة على الوجه منه / وخفائي في وجهه كظهوري
وجد الشيخ راحة في القبور
وجد الشيخ راحة في القبور / لم يجد يوماً مثلها في القصور
ذهبوا بالهمام تواً الى القبر / الى منزل الهمام الاخير
لا يخاف الذي يموت حكما / من سؤال لمنكر ونكير
فجعت مصر والعراق بتيمو / ر فيا لهفتي على تيمور
مات تيمور فاستراح وابقى / زفرات في مصر للجمهور
لقي الراحة التي كان نزا / عاً لها في عشيه والبكور
راحة في افكاره في حشاه / في هواه في قلبه في الضمير
وهو خير له وان غضب ال / بعض من الناس من لقاء الحور
قد تعذبت في العراق كثيرا
قد تعذبت في العراق كثيرا / كنت في جنة اقاسي سعيرا
والذي فيه قد اطال عذابي / كان خصما على عذابي قديرا
أي عدل يجيئ ممن يرى العذ / ل لحقد في نفسه ان يجورا
لم يكن لي ذنب سوى انني رم / ت بشعري لامة تحريرا
قد يخون الحياة من كان حراً / بيديه ولا يخون الضميرا
حجروا العقل في الذين لهم عق / ل ولم يتركوا له تفكيرا
ضربوا بالسيف الذي ارهفوه / عندنا البرلمان والدستورا
ساسة الشرق حيث كانوا فريق / ليس فيهم من يحسن التدبيرا
يأكلون الطعام اكلا ذريعا / ثم يشكون بطنة وزحيرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025