المجموع : 3
شرب القوم من لماك عقاراً
شرب القوم من لماك عقاراً / فهمُ اليوم في هواك سكارى
وتجلّى لهم جبينك كالصبح / فراحت به العقول حيارى
قَلَّدَتْك الجفون سيفاً صقيلاً / ومن القدّ ذابلاً خطارا
يا لها من لواحظ في فؤادي / هي أمضى من الحسام غرارا
يا غني الجمال عن كل حسن / لست أشكو إلاَّ إليك افتقارا
سائلينا يا ميّ ما صنع الحبّ / فقد جاور الحدود وجارا
في سبيل الهوى حشاشة صبٍّ / صيرتها حرارة الوجد نارا
ملكت رقة الحسان وأضحت / بهواها تستعبد الأحرارا
لا أقرّ الندى عيون ظباءٍ / أعْدَمتْنا يوم الفراق القرارا
من مجيري من لوعة وغرام / تركتني أُعالجُ الأفكارا
ودموعاً يذيلها ألَم البين / وقلباً من بعدهم مستطارا
ساعداني على الغرام فهذا ال / وجد لم أستطع عليه اصطبارا
وأنشدا لي قلباً مضى أثر الرك / ب وقولاً عن ركبهم أين سارا
آل ميّ وللمحبّ حقوق / هل عَرَفْتُم من بعدهن الذمارا
ما رعيتم حق الجوار لصبٍ / ظَلَّ يرعى ذِمامَكم والجوارا
واصطفى قلبه هواكم ولإنْ كا / ن كما قيل صفوُهُ أكدارا
كم دموع قد أطلق الوجد منّا / وقلوب بالرقمتين أسارى
باكرتها الصّبا صباحاً فجاءت / تحمل الزند عنهم والعرارا
بَلِّغينا يا ريحُ أنفاس أرضٍ / طالما قد خَلَعْتُ فيها العذارا
ووهبنا منه العقول عقاراً / أدركتْ من حوادث الدهر ثارا
أطلعت أكؤس السقاة شموساً / يستحيل الظلام منا نهارا
تحسب الكأس والحباب عليه / فلكاً في نجومه دوّارا
كم تبدّت لنا بوجه مليح / جنّةً تدخل المحبَّ النارا
وكأنَّ النجوم طرف حسود / قد رأى طلعة الصباح فغارا
إذ تجلّى كأنّه ظُلمة الشّعر / تبدّى على نحور العذارى
وعلى هذه اللذائذ مرّت / واستمرَّت أوقاتها استمرارا
أفيقضى لها بردٍ فأقضي / من ليالي أيّامها أوطارا
قوضّي للمسير أيّتها النوق / وجوبي مهامهاً وقفارا
أهبوب النسيم ذكّرك الحيّ / وأذكى منك الجوى تذكارا
وادكرتِ الأطلال حياً فأرسل / ت عليه من الدموع الغزارا
والهوى للنفوس لا زال كالريح / يذيع الأشجان والأسرارا
وكأنّي أرى هواك وإن لم / تظهريه إلى الحمى إقرارا
لا سقاك الحيا إذا أنت حاولت / سوى ربع محمود دارا
آية الله يفحم الله فيه / كلّ من كانَ فاجراً كفارا
يذهل الفكر بالمعاني وبالخطّ / يروق العيون والأبصارا
راكب من سوابق العزم خيلاً / أمِنَتْ في سباقهن العثارا
أظهر المعجزات في العلم حتَّى / كانَ منها الحسودُ أنْ يتوارى
حجج تلزم الجحود فما يقدر / يوماً لشمسها إنكارا
قلّد الله ديننا بشهاب ال / دين سيفاً مهنداً بتارا
فحقيق لمثل بغداد أن تفخر / فيه وتفضل الأمصارا
يا أبا عبد الله قد نلت عزاً / كانَ ذلاً على عداك وعارا
كل من نال غير ذاتك فضلاً / كانَ حلياً من غيره مستعارا
كلما زدت بالعلوم اطّلاعاً / زادك الله رفعة ووقارا
وإذا طاولتك أبواعُ قوم / أصبحتْ عن مدى علاك قصارا
أنتَ في العلم واحدٌ لا يسا / ووك مقاماً ورتبة وفخارا
هل تنوب العصيّ عن مضرب / السيف وتغني عن العقاب الحبارى
فإذا قيست الأكابر في عليا / ك كانوا كما عَلِمْتَ صغارا
أعجز الخلق ما صنعتَ إلى أنْ / علموا أنك الَّذي لا يجارى
وبتفسيرك الكتاب الَّذي أوضح / ت فيه من العلوم منارا
قد حلا لفظه وراق فهل / كنت من الشهد لفظه مشتارا
ومبانيه تملك اللبّ في الحسن / بلاغاً وحكمة واختصارا
كم رموزٍ كشفتها بذكاءٍ / كاشف عن دقيقها الأستارا
بتصانيفك الَّتي الهدي فيها / قد ملأت الفجاجَ والأقطارا
فإذا كنت أكبر الناس قدراً / ما لنا لا نرى بك استكبارا
أنت معنىً كُوِّنْتَ في خاطر ال / دهر إلى أن برزَت منه ابتكارا
وكأنَّ الزمان أذنبَ حتَّى / بك قد جاءنا الزمان اعتذارا
فتنقلت في مناصب مجد / وكذا البدر لم يزل سيارا
صرت تاجاً على رؤوس المعالي / وأرى المجدَ حيثما صرت صارا
مالكي في جمال برّ سجايا / أعْوزَتْنا الأشباه والأنظارا
حيث لم أستطع مكافاتك الفض / ل بشيء أنْشَدْتُك الأشعارا
وقليل لك المديح وإنْ كنتُ / بمديحك شاعراً مكثارا
لا عدمنا على دوام الليالي / طلعةً منك تخجل الأقمارا
من أبي الهدى لاح فينا مظهرْ
من أبي الهدى لاح فينا مظهرْ / فَتَجلّى لنا بنورٍ أزهرْ
هو كالبحر إنْ تَرِدْه تراه / معدن الدرّ بل مقرّ الجوهر
عُدم الفضل من تباعد عنه / ذاك في الغيّ قد أبى واستكبر
أيّها الناظر المفكّرُ فيما
أيّها الناظر المفكّرُ فيما / قَصَرَتْ عن نَظيره أنظارُهْ
ما الَّذي أَنْتَ قائل في أمير / من فخارٍ وهذه آثاره
جادَ في حُسنها وأحسنُ منها / في معاليه مجده واقتداره
دارُ عِزّ الأمير جابر فيها / مذ بناها محلُّه وقراره
لتحلّ الضيوف في ما بناه / وترى ما يَسُرُّها زوّاره
شيدَ داراً وعزَّ جاراً فأرِّخْ / بُنِيَتْ بالسرور والعزِّ دارُه