القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : السّيد حَيْدَر الحِلّي الكل
المجموع : 11
حُزتَ بالكاظمينَ شأناً كبيرا
حُزتَ بالكاظمينَ شأناً كبيرا / فابقَ يا صحنُ آهلاً معمورا
فوق هذا البهاءِ تُكسي بهاءً / ولهذي الأنوارِ تزدادُ نورا
إنَّما أنت جنَّةٌ ضرب اللهُ / عليها كجنَّة الخلدِ سورا
إن تكن فُجِّرت بهاتيك عينٌ / وبها يشربُ العباد نَميرا
فلكم فيك من عُيونٍ ولكن / فُجّرت من حواسدٍ تفجيرا
فاخَرت أرضُك السماءَ وقالت / إن يكن مفخرٌ فمنيّ استُعيرا
أتباهينَ بالضُراحِ وعندي / من غدا فيهما الضراحُ فخورا
بمصابيحيَ استضيء فمن شمسي / يبدو فيكِ الصباحُ سَفورا
ولبيتي المعمور ربَّا معالٍ / شرَّفا بيت ربّك المعمورا
لكِ فخرُ المحارةِ انفلقت عن / دُرَّتين استقلَّتا الشمس نورا
وهما قُبَّتان ليست لكلِّ / منهما قبَّةُ السماء نظيرا
صاغ كلتيهما بقدرتِه الصا / ئغُ من نورِه وقال أنيرا
حولَ كلِّ منارة من التبرِ / يجلّي سناهما الديجورا
كبُرت كلُّ قُبَّةٍ بهما شأناً / فأبدت عليهما التكبيرا
فغدت ذاتَ منظرٍ لك تحكي / فيه عذراءَ تستخفُّ الوقورا
كعروسٍ بَدت بقرطي نُضارٍ / فملت قلبَ مجتليها سُرورا
بُوركت من منائرٍ قد أُقيمت / عُمداً تحملُ العظيم الخطيرا
رفعت قبَّةَ الوجودِ ولولا / مُمسكاها لآذنت أن تمورا
يا لك الله ما أجلَّك صَحناً / وكفى بالجلال فيك خفيرا
حَرمٌ آمنٌ به أودَع اللهُ / تعالى حجابه المستورا
طبتَ إمَّا ثراك مِسكٌ وإمَّا / عَبَقُ المسكِ من شذاه استعيرا
بل أراها كافورة حملتها / الريحُ خُلدِيَّةً فطابت مسيرا
كلَّما مرَّت الصبا عرَّفتنا / أنَّها جَددت عليك المرورا
أينَ منها عطرُ الإِمامةِ لولا / أنَّها قبَّلت ثراك العطيرا
كيف تحبيري الثناءَ فقل لي / أنت ماذا لأُحسن التحبيرا
صحنُ دارٍ أم دارةٌ نيّراها / بهما الكونُ قد غدا مستنيرا
إن أقل أرضُك الأثيرُ ثراها / ما أراني مدحتُ إلاّ الأثيرا
أنت طور النورِ الذي مذ تجلَّى / لابن عمران دكَّ ذاك الطورا
أنت بيتٌ برفعه أذِن اللهُ / لفرهادَ فاستهلَّ سرورا
وغدا رافِعاً قواعد بيتٍ / طهَّر اللهُ أهله تطهيرا
خيرُ صرح على يدي خيرِ مَلكٍ / قدَّر اللهُ صنعه تقديرا
تلك ذات العمادِ لو طاوَلته / خرَّ منها ذاك العمادُ كسيرا
أو رأى هذهِ المباني كسرى / لرأى ما ابتناه قدماً حقيرا
ولنادى مُهنِّياً كلَّ من جاءَ / من الفرسِ أوَّلاً وأخيرا
قائلاً حسبكم بفرهاد فخراً / لا تعدُّوا بهرام أو سابورا
قد أقراً العيون منك بصنعٍ / عاد طرفُ الإسلامِ فيه قريرا
وبهذا البنا لكم شادَ مجداً / لم يزل فيه ذكرُكم منشورا
وبعصرٍ سلطانُه ناصر الدين / فأخلق بأن يباهي العُصورا
قد حمى حوزةَ الهدى فيه ربٌّ / قال كن أنت سيفَه المنصورا
مَلِكٌ عن أبٍ وعن حدِّ سيفٍ / ورث الملكَ تاجهُ والسريرا
تحسنُ الشمسُ أن تشبَّه فيه / لو أنارت عشيَّةً أو بكورا
يا مُقيل العِثار تُهنيك بُشرى / تركت جدَّ حاسديك عَثورا
من رأى قبلَ ذا كعمِّك عمًّا / ليس تُغني الملوك عنه نقيرا
وسِعت راحتاه أيامَ عصرٍ / لم يلدن الإنسان إلاَّ قَتورا
بَثَّ أكرومةً تُريك المعالي / ضاحكات الوجودِ تجلو الثغورا
ذَخر الفوز في مبانٍ أرتنا / أنَّه كان كنزَها المذخُورا
ونظرنا في بذلهِ فهتفنا / هكذا تَبذِل الملوك الخطيرا
قد كسى هذهِ المقاصرَ وشياً / فسيُكسى وشياً ويحيى قصورا
صاحِ والطورِ وهوذا وكتاب / فوق جُدرانِه بدا مسطُورا
إنَّما الرقُّ مُهرِقٌ خطَّ وصفي / ذا البنا فيهِ فاغتدى منشورا
لك في دفَّتيه سحرٌ ولكن / خطَّه مذ بَرى البليغَ زبورا
فاروِ عنِّي سحارةَ الحسن واحذر / لافتنانٍ بسحرِها أن تطيرا
وتحدَّث بفضل فرهاد وانظر / كيف منه نشرتَ روضاً نضيرا
مستشارٌ في كلِّ أمرٍ ولكن / لسوى السيفِ لم يكن مُستشيرا
في حجور الحروب شبَّ وكانت / أظهُرُ الصافناتِ تِلك الحجورا
قد حبا في الملا فكان غماماً / واجتبى في العُلى فكان ثَبيرا
مُلأت بُردتاهُ علماً وحلماً / وحجى راسخاً وجُوداً غزيرا
لا تقس جودَ كفِّه بالغوادي / وندى كفِّه يمدُّ البحورا
بل من البحرِ تستمدُّ الغوادي / كم عليهِ تطفَّلت كي تميرا
قَلَّ في عصرنا الكرامُ وفي فر / هادَ ذاك القليلُ صار كثيرا
كم رقابٍ أرقَّها ورقابٍ / حرَّرتها هباتُه تحريرا
إن رأينا نهر المجرَّةِ قدماً / عَبرته الشِعرى وكان صغيرا
فهي اليوم دونَهُ وقفت من / دونِ بحرٍ فلا تُسمَّى العَبورا
فَرش النيّرين كفّ الثريَّا / في سماطي نادي عُلاه وثيرا
وعليه اتكا بأعلى رواقٍ / تخِذَ المكرمات فيه سميرا
وغدا باسطاً به كفَّ جودٍ / نَشرت ميّت الندى المقبورا
ودعا يا رجاءُ هاك بناني / فاحتلبها لبونَ جُودٍ دَرورا
وتشطَّر ضروعها حافلاتٍ / لا ثلوثاً ولا نزوراً شطورا
واترك غيرها فتلك زَبون / تدع القعبَ في يديك كسيرا
وعلى العصبِ لا تدرَّ فأولى / لو جعلتَ العصاب عضباً طريرا
سعدُ قرِّط مسامعَ الدهر إنشادَ / ك تُسمِع من شئت حتَّى الصخورا
وعلى بلدة الجوادين عرِّج / بالقوافي مُهنّياً وبشيرا
قل لها لا برحتِ فردوس أُنسٍ / فيك تلقى الناسُ الهنا والحُبورا
ما نزلنا حِماك إلاَّ وجدنا / بلداً طيباً وربًّا غفورا
وإمامين يُنقذان من النار / لمن فيهما غدا مُستجيرا
وعليماً غدا أباً لبني العلم / وأكرِم به أبيًّا غيورا
وأغرًّا أذيالُ تقواهُ للنا / س نفضن الدنيا وكانت غَرورا
كم بسطنا الخطوب أيدٍ أرتنا / أخذل الناس من أعدَّ نصيرا
وطواها محمدُ الحسنُ الفعل / فلا زالَ فضلهُ مشهورا
فهو في الحقِّ شيخُ طائفةِ الحقِّ / ومن قال غير ذا قال زُورا
طبتِ أهلاً وتربةً وهواءً / كم نشقنا بجوِّه كافُورا
قد حماكِ المهديُّ عن أن تضامي / وكفاكِ المخشيَّ والمحذورا
ومن الأمنِ مدَّ فوقك ظِلاًّ / ومن الفخرِ قد كساكِ حَبيرا
من يُسامي عُلاهُ شيخاً كبيراً / وله دانت القُرومُ صغيرا
لم نجد ثانياً له كان بالفخرِ / خليقاً وبالثناءِ جديرا
غير عبد الهادي أخيه أخي ال / سيفِ مقالاً فصلاً وعزماً مبيرا
وأخي الشمس طلعةً تُبهِت الشم / سَ إذا وجههُ استهلَّ منيرا
وأخي الغيثِ راحةً تخج / ل الغيثَ ولو ساجلته نوءً غزيرا
قمرا سُؤددٍ وفرعا معالٍ / أثمرا أنجماً زهَت وبدورا
حفظا فيكَ حوزة الدين إذ كم / عنكَ ردَّا باعَ الزمان قصيرا
واستطالا بهمَّةٍ يأسرانِ ال / خطبَ فيها ويُطلقانِ الأسيرا
فبها شيَّدا معاً طورَ مُوسى / من رأى همَّةً تُشيد الطورا
ومقاصيرَ لو تكلَّفها الدهرُ / لأعيى عجزاً وأبدى القصورا
محكماتِ البناءِ تنهدمُ الدنيا / ويبقى بناؤهن دُهورا
باشرا ذاك البناءَ بخُبر / لم يريدا إلاَّ اللطيفَ الخبيرا
فيه كانا أعفَّ في اللهِ كفًّا / ووراءَ الغيوبِ أنقى ضميرا
أجهداها في خدمة الدين نفساً / شكرَ اللهُ سعيَها المشكورا
أتعباها لتستريحَ بيومٍ / فيه تلقى جزاءها موفورا
يَعدِلُ الحجَّ ذلك العملُ الصالحُ / إذ كان مثلُه مبرورا
وعدَ اللهُ أن يُعِدَّ لكلٍّ / منهما فيه جنَّةً وحريرا
أيها الصحنُ لم تزل للمُصلَّى / ومن الذنبِ مسجداً وطهورا
دُمتَ ما أرستِ الجبالُ وباني / كَ ليومِ يُدعى بها أن تسيرا
واستطبها مِعطارةَ النظمِ منها / تَحسبُ اللفظَ لؤلؤاً منثورا
خُتِمت كافتتاحها فيك لا تعلم / أيًّا شذاهُ أذكى عَبيرا
طربَ الدهر فاستهلَّ منيرا
طربَ الدهر فاستهلَّ منيرا / يملأ الكون بهجةً وسرورا
وسرت نفحةٌ من البِشر فيه / ضمَّخت خيمةَ السماءِ عبيرا
عُدنَ أوقاته رِقاق الحواشي / لك تَهدي بشاشةً وحبورا
كلّ وقتٍ يمرُّ منه تراه / باردَ الظلِّ طيباً مستنيرا
فكأَنَّ الهجيرَ كانَ أصيلاً / وكأَنَّ العشيَّ كلنَ بكورا
بوركت من صبيحةٍ في ضُحاها / وَفَدَ اليمنُ بالسعود بشيرا
وإلى طلعةٍ جلت كلَّ همٍّ / ببنان الإِقبال أضحى مشيرا
فتأمل عقودَ هذي التهاني / كيف زانت بها الليالي النحورا
وتصفَّح أيَّامها الغرّ وانظر / كيف قد وشحت بهنَّ الخصورا
فرحٌ من شعاعه اقتبسَ النورَ / محيَّا الدنيا فشعَّ منيرا
فاقتبل عمرها جديداً وأَيَّامك / عيداً والعيشَ غضًّا نضيرا
طاب نشر الأفراح في بِشرِ قومٍ / لهم الفضلُ أوَّلاً وأَخيرا
عترة المجد أُسرة الشرف المحض / زكوا محتداً وطابوا حجورا
شرعٌ في العُلى وغير عجيبٍ / فلها رشّح الكبيرُ الصغيرا
معهم يولد النهى فترى اليا / فعَ كهلاً والكهلَ شيخاً كبيرا
خاطروا في العُلى فناهيك فيهم / شرفاً باذخاً ومجداً خطيرا
منهم يستضاءُ شرقاً وغرباً / بوجوهٍ تكسو الكواكب نورا
فمع الشمس يشرقون شموساً / ومع البدر يُشرقون بدورا
أيها العصر لا أرى لكَ مِثلاً / زانك المصطفى فباهي العصورا
قبله هل مسحت غرّة صبحٍ / عن لثام الإِسفار أبدت سفورا
شخصت نحوه العيونُ ولكن / عاد بعض يَقذى وبعضٌ قريرا
فبعينٍ شعاعهُ كان ناراً / وبعينٍ شُعاعه كان نورا
بلّغته الرضا عزيمةُ نفسٍ / كبرت أن ترى الخطيرَ خطيرا
كم طوى البيدَ باسطاً كفَّ جودٍ / نشرت مَيّتَ الندى المقبورا
واستقلَّ البحورَ جوداً فأجرى / من أسارير راحتيه بحورا
ما نحا بلدةً بمسراه إلاَّ / وأَبت نحو غيرها أن يسيرا
وإذا ذكره أطافَ بأُخرى / كاد شوقاً فؤادها أن يطيرا
فأتى مشهداً لمن طافَ فيه / قد أعدَّ الإِله أجراً كبيرا
فيه لطف الله الذي من يزره / زار في عرشه اللطيف الخبيرا
حاز أجراً لو الورى اقتسمه / لغدا فيه كلّهم مأجورا
وبتلك الديار أبقى مزاياً / تستقلُّ المنظومَ والمنثورا
وانثنى راجعاً بأحشاء قومٍ / معه سافرت وعفنَ الصدورا
يا نديمي على الهنا زانك الله / ولقّاك نظرةً وسرورا
قل لعبد الكريم بُشراكَ يا مَن / شاد بيتَ المكارم المعمورا
قد أقرَّ الإِله عينيك فيمن / كان في غرّة لعينيك نورا
زارَ بغدادَ من بها ركز اليومَ / لواءَ المفاخر المنشورا
راقها منه طلعةً بدرُ مجدٍ / لا رأت للغروب فيه نذيرا
ما تجلَّى بباهر الضوء إلاَّ / عادَ طرفُ الحسود عنه حسيرا
حسدتها السما عليه وقالت / لمجلّيكِ ما حويتُ نظيرا
لو قبلتِ التعويضَ عنه لقايض / تك حتَّى هلاليَ المستنيرا
فهو يغني عمَّن سواه ولكن / ليس يُغني سواه عنه نقيرا
من رآه يقري الضيوف ويسعى / للمعالي ويطلق المأسورا
قال هذا محمدٌ ذلك الصا / لحُ قد عادَ شخصه منشورا
ونعم لا تقل طوى الموت مَن لم / تفتقد منه سعيَهُ المشكورا
وكذا الشمس إن تغب فابنها البد / ر يجلّي بنورها الديجورا
يابن من قد أتى على الجود حينٌ / فيه لولاه لم يكن مذكورا
بك قرَّت عينا أخيك كما طَر / فُك قد عاد في أخيك قريرا
فلمن منكما أُهنِّي تساوى / فيكما البشر زائراً ومزورا
إنَّما أنت للمعالي يمينٌ / وهو قد كان سيفَها المشهورا
فإذا ما هَزَزتهُ يوم فخرٍ / جاءَك الدهر مُذعناً مستجيرا
فرويداً مُراهنيه رويداً / لن تشقُّوا غبارَه المستطيرا
خلفكم عن مدًى يشقّ عليكم / ما ركبتم إليه إلاَّ الغرورا
ما لعليا محمدٍ حسنِ الأخلاق / تلقى الشعرى العبور عبورا
ماجدُ النفس في اقتبال صباه / يلبس الفخر كلّ آن حبيرا
مستطيلٌ كم ابتدا مكرماتٍ / عاد باع الكرام عنها قصيرا
رفَّ نبت المُنى بجانب جدوا / هُ فكانا خميلةً وغديرا
كان تأريخ بيْته أوَّل الدهر / على جبهة العُلى مسطورا
عن أبيه عن جدّه المصطفى ير / وي حديثَ المكارم المأثورا
قد بنى في السماءِ قبَّة مجدٍ / تخذ النيِّرات فيها سميرا
من كرامٍ قد استرقُّوا لباس ال / حمد والناس تسترقّ الحريرا
لعلاها محمدٌ قد أعدَّته / جواداً على الثناء مُغيرا
كم جرى والصبا بحلبة جودٍ / فغدا عنه شأوها محسورا
وجلا أُفقها محمدٌ الها / دي لمن نصَّ في الظلام المسيرا
كوكبٌ عزّ أن يرى فلك المجد / منيراً بمثله مستديرا
ولها من محمَّدٍ بأمينٍ / حفظت كنز فخرها المذخورا
قد رقى حيثُ ليس ترقى الثريَّا / وسقى الوافدينَ نوءاً غزيرا
وبعبد الحسين قد فاخروا الشم / س فودَّت في الأُفق أن لن تُنيرا
هم بنو السؤدد القديم كما هم / إخوة المجد واحداً وعشيرا
فادع غرّيد أُنسهم ثم أرِّخ / رجعة المصطفى بها اسجع دهورا
حيّ تحتَ الدجى مُحيًّا أنارا
حيّ تحتَ الدجى مُحيًّا أنارا / فأحالَ الليلَ البهيمَ نهارا
واعتنق كاللُّجينِ ناظرَ قدٍّ / لا يجيل الوشاحَ إلاَّ نُضارا
وارتشف كالسُلاف ريقَةَ ساقٍ / خلت منها أدار لي ما أدارا
سحراً زارنا وأرخى جُعوداً / ذات نشر تعطّر الأسحارا
وجلاها ورديَّةَ اللون فيها / خلتُ أن قد أذاب لي جُلَّنارا
ما أنارت من جانب الكأس إلاَّ / قال قلبي الكليم آنست نارا
يا نديمي على الطِلى عاطنيها / أُخت خدَّيك رقَّةً واحمرارا
هاتها تُطلق النفوس من الأسر / كما تترك العقولَ أُسارى
وبها يابن نشوة الكأس صرفاً / داوِ شوقي فقد مرضت انتظارا
وعلى الرشف قرّط السمعَ منِّي / نغماتٍ تحرّك الأوتارا
غنّني باسم ناعمٍ حضنته / في ظلال النعيمِ بيضُ العَذارى
وغريرٍ حلا بعيني ومنها / قد حمى الجفنَ أن يذوق غِرارا
زار سرًّا وكان صدَّ جهاراً / فأراني نجومَ ليلي نَهارا
كم تعاطيتُ من مقبّله العذبِ / على ورد وجنتيه عُقارا
في رياضٍ جلت عرائسَ زهرٍ / كان طلّ الأنداء فيها نثارا
واكتستها ديباجة أَلحمَ القطرُ / وسدّى في نسجها وأنارا
كلَّما زرَّ نورُها الغضّ جيباً / عنه حلَّت يد الصَبا الأزرارا
خلعةٌ من بهاءِ عرس غنيّ / كان حسناً بهاؤُها مستعارا
ماجدٌ قرَّت العُلى فيه عيناً / واستهلَّت بسعده استبشارا
وغنيّ بفخرها أطلعته / كوكباً في سمائها سيَّارا
عُرسه غادر الحواسدَ بالأم / س سكارى وما هم بسكارى
وعلى قُطب دارة المجد زهواً / فلكُ اليمن بالسعود استنارا
ذلك المصطفى الذي للمعالي / إن جرى قيل سابقٌ لا يُجارى
رقَّ طبعاً وراق خَلقاً وخُلقاً / وزكى شيمةً وطابَ نِجارا
قد حمى حوزةَ العُلى في زمانٍ / غيره فيه ليس يحمي ذمارا
واستطالت به على الدهر كبراً / هممٌ تبذل الخطير احتقارا
بيته كعبةُ الندى وحماه / لبني الدهر لم يزل مُستجارا
من أُناس بذكرهم أنجد المد / حُ على أوَّل الزمان وغارا
هم أطالوا عمرَ السماح وأعما / رَ المواعيد قدَّروها قصارا
كلهم ينتمي لدوحةِ مجدٍ / شرفاً أَثمرت عُلاً وفَخارا
تلك أَقمارُ سؤددٍ بل شموسٌ / وَلدت في سما العُلى أقمارا
فإذا باهلوا السما بأبي ال / هادي وقد أشرقت ترومُ افتخارا
رأت الأرض تستنير بوجهٍ / حسنٍ مثله بها ما استنارا
ودعت يا رفيعة القدرِ من أن / جمي الزهرِ خفِّضي الأقدارا
لستِ إلاَّ فدًى لوجه كريمٍ / ليس يرضى بدارة الشمس دارا
ذو يمينٍ مبسوطةٍ بالعطايا / لا تغبّ الوفَّاد منها اليسارا
فلكم حرّرت أرقَّاءَ دهرٍ / واسترقَّت من الورى أحرارا
مستشارٌ وهل لعقدٍ وحلٍّ / يجد القومُ مثله مُستشارا
هو أنكى رأياً لطارقة الخطب / وأذكى لطارق الضيف نارا
لستُ أدري إذا احتبى ناطقاً بال / كلمِ الفصلِ ناهياً أمَّارا
أبصدر النادي توقّر رضوى / أم هو احتلَّه فأرسى وَقارا
حصَّ قومٌ حرّ القريض فأضحى / واقعاً لا يرى لأُفقٍ مطارا
وهو قد راشه فرفَّ بجنحيه / اشتياقاً ونحو علياه طارا
يا بني المصطفى كفى نظراً للمج / د منكم بأن تهينوا النضارا
والمعالي ليُهنها أن تُقضّوا / طرباً في وِصالها الأوطارا
وليزوّد ربع المكارم زهواً / إنَّكم تعمرون منه الديارا
قد كُفيتم من غارة البخل لمَّا / أن نهضتم مشمّرين غيارى
وهي لولاكم لطلّت دمَ الجود / وقالت قد ضعت فاذهب جُبارا
أينعت روضةُ الهنا فاجتنينا / لكم التهنياتِ منها ثِمارا
وغفرنا ذنبَ الزمان وقلنا / قد أقلناكَ يا زمان العثارا
وأزرنا عقيلة الفكر ترخي / طرباً للنشيد منها الإزارا
يمّمتكم عَطرى البرود بذكرا / كم فناهيكم بها مِعطارا
إن جلت من عرائس اللفظ عُوناً / فالمعالي تزفّها أبكارا
هي غيظُ الحسود لم تجل إلاَّ / زادَ أهلُ الكمالِ فيها ابتهارا
وغدت تكثر القيام لإِعجاب / بها والحسود يبدي ازورارا
كلَّما أُنشدت دعى المجد قامَ / القومُ إلاَّ وللحسود أشارا
فأَقيموا على السرور بعصرٍ / هو فيكم يفاخر الأعصارا
عش مُهنًّا فكلّ يومٍ يمرُّ
عش مُهنًّا فكلّ يومٍ يمرُّ / لك عيدٌ وللحواسد نحر
في سرورٍ جميعه لك لكِن / هو شطرٌ لنا وللدين شطر
إنَّما العيد أن نراكَ مُطاعاً / لك نهيٌ على الزمان وأمر
ونرى الوجهَ منكَ يلمعُ بِشراً / منك للدهر ملأ عينيه بدر
يرجع الطرفُ أن أراك عدوًّا / وكأنَّ مرّ بين جفنيه جمر
فلشمل السرور عندك نظمٌ / وعلى حاسديك للسوء نثر
أنت يا كعبةَ الهدى مشعرُ الحقّ / على رغم أنف مَن لا يقرّ
لك فكرٌ يطالع الغيب حتَّى / ليس من دونه عن الغيب ستر
وإليك الرياسة انتهت اليومَ / وفيها للدين عزّ ونصر
قمت فيها على التقى فتمنَّى / كلُّ عصرٍ بأنَّه لك عصر
مَن تُرى في ولائنا منك أَولى / ولك الودّ للرياسة أجر
أنت بحرٌ لكنَّ جدواك مدّ / كلّ آن والبحر مدّ وجزر
أنت غيثٌ لكنَّ جودك من أولا / ه سكب وأوَّل الغيث قطر
ذو بنانٍ بموضع الجود تسمى / وهي من مَرضع الغمامِ أدرّ
أتملاتٌ ما أتعبتها العطايا / ومتى أتعبَ الغمائمَ قطر
فاخرت أرضَها السماءُ فقلنا / لكِ لولا بيتٌ على الأرضِ فخر
فيه شمسُ الهدى وأربعةٌ منه / بدور وفيكِ شمس وبدر
هم به للسماح خمسة أنهار / وذا فيك للمجرَّة نهر
حرم باب عزّه مُستجارٌ / وهو دون اللاجي على الدهر حجر
لم يقع في حماه حجرٌ على صيدٍ / ولا طارَ نحو علياه نَسر
ومُعارٍ بغلطة الحظّ عزًّا / قد ثنى العِطفَ منه زهوٌ وكبر
ظنَّ أنَّ الفخار قصرٌ منيف / وثياب عليه حمر وصفر
فتعاطى عُلاك وهو ابن خفضٍ / يزن الطود ضلّة وهو ذر
ثم أعيى وحطَّه النقص عجزاً / أن يساوي بقدره لك قدر
قلت أقصر وحشو ثوبك خزيٌ / عن عُلاً ملء برده منه فخر
جلَّ قدراً فقبله ما رأينا / بَشَراً وِلدُهُ ملائكُ غرّ
هو بدر النهى وهم في علاه / أنجمٌ في مطالع الفضل زُهر
كلّ كاسٍ من الجميل ففخراً / نسجُ بردي علاه حمد وشكر
ماجد النفس في الخليقة حلوٌ / إن تذقه وفي الحفيظة مرّ
حفظوا حوزة العُلى في زمان / بين أنيابه دم المجد هدر
فهم إخوة المكارم فيهم / لا رأت عينها سوى ما يسر
عينُ فتّانةٍ لها القلبُ خدرُ
عينُ فتّانةٍ لها القلبُ خدرُ / سَحرتني وأعينُ الغيدِ سحرُ
طفلةُ الحيِّ شأنُها اللهو لكن / حالتا لهوِها خضابٌ وعطر
أقرأتني الجمال حرفاً فحرفاً / وهو في صدرِها المطرَّزِ سفر
وجلت لي وما سوى الثغر كأسٌ / وسقتني وما سوى الريقِ خمر
وهدتني بوجهِها وهو بدرٌ / تحت ليلٍ أظلَّني وهو شعر
نَشرتهُ دلاٍّ عليَّ ولفّت / ني عناقاً فلذَّ لفٌّ ونشر
يا سقى عهدَها حياً من ثنايا / ها ودمعي لها وميضٌ وقطر
جرحتني بلحظِها ثمَّ قالت / هل لجُرح الهوى بقلبكَ سبرُ
لا وكأسي محمد حسن الفخرِ / بقلبي جُرح الهوى مُستمر
حيِّ في مطلع السماحِ هِلالاً / عن عُيونِ الراجينَ لا يستسر
وَلدَته العلياءُ أنجبَ مَن قد / حملاه للمجد بطنٌ وظهر
مُستهلاٍّ على يد اليمنِ فيه / بارِكِ السعدَ وهو طهرٌ أغرُّ
ونَما في العلاء غصنُ صِباه / وهو من ريّق المحاسنِ نَضر
ما نضا بُردةَ الشبابِ ومنه / ملءُ بُردِ الزمانِ مجدٌ وفخر
خلفكم يا مشايخَ الحزمِ عجزاً / فاتَ سبقاً كهلُ التجارب غِرُّ
مَن إذا حلبةُ الخَطابةِ فيها / ضمَّه والخصومَ سبقٌ وحضر
قال بالفصلِ ناطقاً فأرّموا / وادّعى الفضلَ سابقاً فأقرّوا
وروى نثرَهُ الفريد فقالوا / أكلامٌ بفيه أم فيه درُّ
يدُه ليس تألف الدرهم المضرو / بَ مكثاً لكن عليها يمرُّ
كرهَ البخلَ مذ ترعرع حتَّى / سمعُه عن سماع لا فيه وقر
وإلى الآن ليس يدري سوى قول / بلى منذ قالها وهو ذرُّ
سل به الأرضَ بالوقارِ وبالأط / وادِ أيًّا على قراها أقرُّ
وعلى وجهِها إذا اغبرَّ جدباً / أنداهُ أم الغمامِ أدرُّ
ذو محيًّا يكادُ يقطرُ ماء ال / بِشر منه لو كانَ للبِشر قَطر
وسجاياً كالروضِ باكرَه الطلُّ / نسيمُ الصَبا عليه يمرُّ
ومزاياً تُكاثرُ الشهبَ عدًّا / وبها لا يُحيطُ نظمٌ ونثر
فهو والمكرُمات روحٌ وجسمٌ / ووشاحٌ يُزينها وهو خَصر
وبإيداعها لهُ السرَّ لطفٌ / وبتفويضها لهُ الأمر جبرُ
يا أخا المكرُمات وهو نِداءٌ / أجدُ المكرماتِ فيه تسرُّ
هاك سيّارةً مع الريح لكن / تلك شهرٌ رواحُها وهي دهر
بنتُ فكرٍ على النوى لك أمّت / لم يَلد مثلَها لمثلك فكر
كلَّما أثقلَ الحيا من خُطاها / خفَّ فيها هوىً إليك مبرُّ
ذاتُ علمٍ مهما يطل ليلُ همٍّ / كلُّ ليلٍ يأتي بعُقباه فجر
وعناءُ المسرى يزولُ إذا طا / بَ لها بعده لديكَ المقرُّ
حيِّها خير ما اجتليتَ عَروساً / بنت يومٍ لها قَبولك مهر
أختُ عذرٍ جاءَت على العتب تسعى / ألها إذ تأخرت عنك عذر
أَأُهنِّيك قائلاً لك بشرى
أَأُهنِّيك قائلاً لك بشرى / أو أُعزِّيك قائلاً لك صبرا
فرحة أردفت بترحة ثكلٍ / ساءَ فيها الزمانُ ساعةَ سرَّا
شفعت فيه أوبةٌ بذهابٍ / فمنحنا سجلين نفعاً وضرَّا
ملأا بالسرور للمجدِ شطراً / من حشاه وبالكآبة شطرا
زمنٌ آبَ بالسعود حميداً / بعدما أقلقَ الركائب عصرا
قلت ألقى العصا وما كنتُ أدري / أنَّ فيها له مآربَ أُخرى
بينما تكتسي وجوهُ الليالي / رونقاً للسرور إذ عدن غبرا
خيرُ يومٍ بدا بحلَّةِ زهوٍ / ما له تحتها تأبَّط شرَّا
يا خليليَّ والحديثُ شجونٌ / فأجيلا معي إلى الحزم فكرا
خبراني عن الصواب برشدٍ / إن تكونا أحطتما فيه خبرا
كانَ لي في الأُمور قلبٌ ولكن / بمقاديم دهشتي طارَ ذعرا
قد وفدنا لكي نهنِّي المعالي / فوجدنا العيونَ منهنَّ عبرى
فبماذا أُواجهُ الفخرَ أم في / أيِّ شيءٍ أُخاطبُ المجدَ جهرا
أبنعيٍ فأنثرُ الشجوَ دمعاً / أم أُحيِّي فأنظم السعدَ شعرا
فالليالي أقررن للجودِ عيناً / وعلى النعيِّ منه أقذين أُخرى
ومن المكرمات أبكين جفناً / بعدما للسعودِ أضحكن ثغرا
طبت يا أرضُ بينَ حيٍّ وميتٍ / بالشذا عطَّراك بطناً وظهرا
فعزاءً لمصطفى المجد عن مَن / خلت بالمصطفى أهنِّيه بشرى
رحلت بالجواد أيامُ دهرٍ / أين مرَّت من بعده قيل عقرا
كانَ بالأمسِ أنظرَ الناس ربعاً / وهو اليوم أطيبُ الناس قبرا
يا بني المصطفى وبيتُ نداكم / قد بنى طائرُ الرجا فيه وكرا
شدتموه على التقى يهدمُ الدهرَ / ويبقى بناؤه مشمخرَّا
لستُ أدري أَأودعَ المجدُ منكم / بشراً فيه أم ملائك غرَّا
خلَّد المصطفى به لكم الفخرَ / وزدتم بالمصطفى اليومَ فخرا
أرجُ المجد لو تجسَّم نشراً / من شذاه لعطَّر الأرضَ نشرا
ولودَّت أترابُها الغيدُ أن قد / جعلته على الترائبِ عطرا
بسط الكفَّ بالسماح فقلنا / أرسلت نوءها الثريَّا فدرَّا
ملكٌ في يديه عشرُ بنانٍ / نشأت للورى سحائبَ عشرا
زاد في قدره التواضعُ حتَّى / عاد منه الزمانُ يصعر قدرا
فهو قلبُ العُلى وأيُّ مكانٍ / حلَّ فيه تواضعاً كانَ صدرا
بل هو العقدُ زانها وكذا العق / دُ يزين الفتاةَ جيداً ونحرا
لو تحكُّ النجومُ في عاتقيها / أخمصيه لقيل حسبُك فخرا
أطبقت ظلمةُ الخطوب ولكن / بأخيه من ليلها شقَّ فجرا
فأرانا شمساً بوجه أبي الها / دي وشمنا به ولا ليلَ بدرا
ذاك مَن أزهرت مزايا علاهُ / فبدت والكواكبُ الزهر زهرا
جاءَ محضَ النجار أملسَ عرضٍ / فيها طابت حواضنُ المجد حجرا
عبقَ الجيب طاهرَ الردن والأذ / يال عفّ الأزار سرًّا وجهرا
قد حلتْ لي أخلاقه في زمانٍ / قلتُ لمَّا طعمته ما أمرَّا
علمتني هي النظام إلى أن / قيلَ لي أنتَ أشعرُ الناس طرا
وأداروا لي المدامة منها / ثم قالوا تحبُّها قلتُ بهرا
ماجدٌ تطرب المسامعُ منه / من رقيق الثناء ما كانَ حرا
وإذا مرَّ في العطا ودَّ فيه / مجلسُ الجود لم يزل مستمرَّا
لا كمن إن تكلَّف الرفدَ يوماً / أكلتْ كفَّه الندامةُ دهرا
ففداءاً لشبره باع قومٍ / لم تقس في ذراعها منه فترا
مدَّ لكن يداً صناع العطايا / طرّزت بردتيه حمداً وشكرا
لا تفاخر به المجرَّة إلاَّ / إن ترد تكسب المجرةَ فخرا
فهو بحرٌ ويقذف الدرَّ جوداً / وهي نهرٌ وليس يقذف درَّا
وهو والمصطفى بنادي العُلى شف / عٌ وكلٌّ يقوم في القوم وترا
حفظا حوزةَ السماح وكلٌّ / دونها للعذول كم سدَّ ثغرا
فدمُ المكرمات لو لم يجيئا / لنعته يتائم الشعر هدرا
قد غرسنا فأثمر النظمُ حمداً / وسقيتم فأينع الجودُ وفرا
لسواه يا عاصراً حلبَ الفكر / بكفِّ الخسار تعصر خمرا
أيُّها الطيّبون معقدَ أزرٍ / لكم اللهُ شدَّ بالنصر أزرا
ذكركم بالجميل سارَ ولكن / كمسير الرياح برًّا وبحرا
قرَّت الأرضُ بالجبال وكانت / هي والراسياتُ فيكم أقرَّا
هاكموها بكرَ القريض وعنها / سائلاها هل مثلها افتضَّ بكرا
بسوى السحر لن تعب أي وعي / ب البابليات إنَّه كانَ سحرا
مزجت راحةَ السرور بضرٍّ / فأذاقت طعمين حلواً ومرَّا
همت في عفرها وما كلُّ من ها / مَ بوادي القريض يصطاد عفرا
زانَ تحبيرُها الطروسَ ففتّش / ما عداها تجده طرساً وحبرا
لا أرى للزمان يا صاح عذرا
لا أرى للزمان يا صاح عذرا / أفيدري لمن تأبَّط شرَّا
ولمن بغتةً ألمَّ بخطبٍ / ساءَ فيه الأنامُ عبداً وحرَّا
ردَّ فيه حزناً نواصي الليالي / ووجوهُ الأنام شعثاً وغبرا
وحشا المكرمات حرَّى وعينُ ال / مجد عبرى ومهجة الفضل حرَّى
جذَّ من دوحة المكارم غصناً / فذوى بغتةً وقد كانَ نضرا
قد نعته العلياءُ وهو بقبرٍ / مذ حواه لصبرها صارَ قبرا
يا هلالاً رجوتُ يكمل بدراً / محقته يدُ الردى فاستسرَّا
مَن عذيري من لائمٍ فيك لا أق / بل عذلاً وليس يقبل عذرا
لامَ حتَّى بلومه ضقتُ ذرعاً / مثل ما ضقتُ في مصابكَ صدرا
قلتُ دعني ومقلةً لي عبرى / ببكاها ومهجة لي حرَّى
لا تسمني قرارَ عيني فهذا / ضوؤها في ثرى اللحود استقرَّا
هو منِّي شطرُ الحشا أوَأسلو / بعدما من حشاي فارقتُ شطرا
عجباً صرتُ فيه أسمح للترب / ومنه عليه أطرح وقرا
بعد ظنِّي على العيونِ جميعاً / أن ترى ذلك المحيَّا الأغرَّا
كانَ لي في حياته العيشُ حلواً / وهو اليوم بعده قد أمرَّا
وبحسبي ما عشتُ داءً لنفسي / أنا أبقى ويسكن اللحدُ قسرا
كيف ما متُّ إنَّني لجليدٌ / وبه أنشبت يدُ الموت ظفرا
أستجدُّ الثيابَ حياً لجسمي / وهو يبلى في التربِ ميتاً معرَّى
لم أخلني كذا أكون صبوراً / وفؤادي بسهمه قد تفرَّى
رمتُ رفعَ الآلام عنه بجهدي / شفقاً لا لأبلغ الناسَ عذرا
وبذلت الطريفَ من جلِّ مالي / مع بذل التليد منه ليبرا
وبودِّي لو كانَ يبقى وأملقتُ / إذاً كانَ ذا لعيني أقرَّا
سوءةٌ للزمانِ مالي أراه / ساءَ مَن أحسنوا لأبناه طرَّا
هم بنو المصطفى ومَن في البرايا / كبني المصطفى سماحاً وبرَّا
فئةُ المجد معشرُ الشرف المحض / قبيل العليا وناهيك فخرا
قد أرَّق الحرصُ الأنامَ ولكن / لم يكن غيرُهم على الأرض حرَّا
قد كساهم محمدٌ صالحَ الأفعال / بُرداً من فخره طابَ نشرا
ورعٌ من رآه قالَ لعمري / إن لله في معانيكَ سرَّا
ملكيُّ الصفات لكن تراه / بشريّ الأعضاء قد جلَّ قدرا
لك نفسٌ قدسيَّةٌ قد تمحَّض / ت بها للإله سرًّا وجهرا
هي تلكَ النفسُ التي بين جنبي / ذي المعالي أخيك ليست بأُخرى
شرعاً قد سموتما للمعالي / وإليها ركبتما النجمَ ظهرا
تمَّ فيه ما كانَ ساءَ وسرَّا / فهو ملء الزمان نفعاً وضرَّا
ذو يسارٍ يزري بيمنى سواه / ويمينٍ كانت لراجيه يسرا
هي أجرى من البحار نوالاً / ومن الغاديات أغزرُ دَرَّا
تخصب الأرض في نداه إذا الجد / بُ أديمُ الصعيد فيه اقشعرَّا
وعلى الأرضِ إن مشتْ ودَّت / الشهبُ عليها أذيالَ علياه جرَّا
كيف لا تحسد النجومُ ثراه / وبه قد سما على الشهبِ فخرا
قد جرى سابقاً وصلَّى أمينُ ال / فضل يتلوه لاحقاً واستمرَّا
ثمَّ حلاَّ معاً بأرفع مجدٍ / طلعا في سماه شمساً وبدرا
فغدا كلُّ نيِّرٍ بهما هادٍ / لمن رامَ للمكارمِ مسرى
يا بني المصطفى رسختم حلوماً / فغدوتم على النوائبِ صبرا
ذا الجزا أنتُم حريُّون فيه / لكن الصبرُ أنتم فيه أحرى
ومصاب الماضي يهون إذا ما / كنتَ أنتَ الباقي وإن عزَّ قدرا
طرقت فالأنامُ منها سكارى
طرقت فالأنامُ منها سكارى / تملأُ الكونَ دهشةً وانذعارا
بكرُ خطبٍ لا ينشدُ الصبرُ فيها / قد أتانا بها الزمانُ ابتكارا
في حديثِ الأحقاب لم يأتِ فيها / وقديماً لمثلها ما أشارا
بردت سائرُ القلوب ردًى من / ها وعادت من الغليلِ سكارى
ولها كانت المدامع لولا / حرُّ أنفاسنا تكون بحارا
وقليلٌ بها وإن ليس يجدي / ترسل العينُ دمعَها مدرارا
نكبةٌ تملأ الوجودَ مصاباً / يملأ الأرضَ والسما استعبارا
يا نفوسَ الَّلاجين طيري شعاعاً / أدرك الدهرُ عندك الأوتارا
وابردي يا حشاشة الشرك أمناً / ماتَ من كانَ بين جنبيك نارا
فبمن يغتدي الهوى مستجيراً / فقدتْ كعبةُ الهُدى المستجارا
وله أصبحَ الحطيمُ حطيماً / يتوارى في الترب حيت توارى
ودجا الأُفق في دجى غيهب الحز / نِ وهبَّت ريحُ الصبا إعصارا
سوِّمي يا خطوبُ خيلك فينا / تغنمي أين ما قصدت المغارا
وارتعي في حمى الورى فالمنايا / أنشبت في هزبرها الأظفارا
مَن حماها عن أن تُراعَ وقسراً / ردَّ أيدي الأيام عنها قصارا
هممٌ حيثُ لا يُرى البدرُ سيراً / مصعداتٌ لا تعرف الانحدارا
كيف تخلو له من الحزن دارٌ / والندى منه لم يفت ديّارا
ملكَ الناسَ بالسماحِ عبيداً / فغدوا بعد فقده أحرارا
يا بغاة الإِسلام لا تتناجوا / بانتقاص الدين الحنيف سرارا
لا تخالوا محمداً لم يخلِّف / للورى ناهياً ولا أمَّارا
فالإِمامُ المهديُّ قد قام فيهم / علماً يرشد الورى ومنارا
ما بنى اللهُ من سماء علومٍ / وهو بدرٌ في أُفقها قد أنارا
لازم الحقَّ في هداه فأضحى / معه الحقُّ حيثما دارَ دارا
منه ملءُ الأبراد عدلٌ وتوحي / دٌ وفخرٌ من هاشمٍ لا يجارى
والحُبا في النديِّ تضمن منه / ركنَ رضوى حلماً وأرسى وقارا
فترى الناس هيبةً منه خرساً / يتناجون في الحديثِ سرارا
يا أجلَّ الورى علاءً وقدراً / وأعزّ الأنام نفساً وجارا
عقد العيُّ منطقي أن أُعزِّيك / ومنك العزا غدا مستعارا
وقبيحٌ منِّي إذا قلتُ صبراً / للذي علَّم الورى الاصطبارا
يا رواق العُلى فقدت وقورا
يا رواق العُلى فقدت وقورا / ألف الحلمَ واصطفاه سميرا
فيكَ قد أسكت الردى منه فحلاً / طالما قد ملأ النديَّ هديرا
وأرانا الفتورَ في جفن صلٍّ / حين أرخى الجفونَ منه فتورا
إنَّما أنت غابُ عزٍّ أصابت / أسهمُ الحتف منك ليثاً هصورا
قد تخلَّى سرادقُ المجد ممَّن / تخذ العزَّ حاجباً وخفيرا
قبروا منه في الصعيد أخا السي / ف لساناً عضباً وعزماً طريرا
وغدأ ينشرون منه مزاياً / كلُّ نادٍ بها يضوع عبيرا
يا لها عثرة جنتْها الليالي / عادَ جدُّ الفيحاء فيها عثورا
نكبةٌ صغَّرت جميعَ الرزايا / كانَ ذنب الزمان فيها كبيرا
قلْ لفيحاء بابلٍ كابديها / لوعةً في القلوب تبقى دهورا
وأطيلي العويلَ حزناً على مَن / ردَّ باعَ الأيام عنكِ قصيرا
كانَ فيه بك الهجيرُ أصيلاً / فأعيدي له الأصيلَ هجيرا
بزفيرٍ يُحمى به التربُ حتَّى / تطأ التربُ من لظاهُ سعيرا
يا دفيناً على ثراه المعالي / تركت قلبَها يكوس عقيرا
وسَّدوا خدَّك الكريم بلحدٍ / عادَ في طيبه ثراه عطيرا
حقَّ لي فيكَ أن أعزِّي القصورا / وأهنِّي بك الثرى والقبورا
هذه أظلمتْ لفقدك حزناً / وغدت تلك فيك تشرق نورا
قد عددناك في الجبال ولكن / لم نخل قبل سيرها أن تسيرا
بك لم يرفعوا سريرَك إلاَّ / ولك الحورُ قد نصبن السريرا
لم أخل قبل أن أراك دفيناً / أن ملحودةً تواري ثبيرا
إن تفرغت للبلى فلعمري / من أعاديك قد ملأت الصدورا
أو طواكَ الردى فذكرك باقٍ / ليس ينفكُّ طيباً منشورا
لك لولا محمدٌ أيُّ ثلمٍ / في العُلى سدُّه يكونُ عسيرا
قطبُ كجدٍ كفاه إنَّ رحى الحمد / على غير قطبها لن تدورا
كم جلا للعيون طلعة وجدٍ / طبعت في السما الهلالَ المنيرا
أسر الحلمُ نفسه وسواه / لهوى النفس لا يزالُ أسيرا
ماجدٌ ينقل المكارمَ لكنْ / وارث لا كغيره مستعيرا
فهو يروي مرشحاً لبنيه / عن أبيه حديثها المأثورا
ألمعيٌّ بغوره سبر الده / رَ وما كانَ غورُه مسبورا
ولكم راض صعبةً لو سواه / راضها رأيه لزادت نفورا
حلَّ داراً للمجدِ لم تلد العلياءُ / فيها إلاَّ الأبيَّ الغيورا
لكِ يا دار ما وجدنا نظيراً / زدتِ فضلاً على الديارِ كثيرا
شادكِ الماجدُ الأغرُّ شبيبٌ / للمعالي وفيك أسنى الحبورا
بك استودع النهى من بنيه / أرحب الناس في الخطوبِ صدورا
فاخري الزهرَ كلَّها بوجوهٍ / زهرت في العُلى فكانت بدورا
واستطيلي على الأثيرِ بقومٍ / شرفاً صيَّروا ثراك الأثيرا
معشرٌ كلُّهم عرانين مجدٍ / ينشر الحيُّ منهم المقبورا
فلهم من محمدٍ شمسُ فخرٍ / كلما استحجبت تزيد سفورا
يا قريع الزمان عزماً وحزماً / وذكا المجد بهجةً وسفورا
عُجْ لنادي التقى وحيِّ البشيرا
عُجْ لنادي التقى وحيِّ البشيرا / إنَّ فيه الزوراء تزهو سرورا
قد حباها يا سعد بشراكَ سعداً / كلُّ قطرٍ لنوره شعَّ نورا
إذ بإقبال أزهريها من الكع / بة قد جاءها يبثُّ الحبورا
برضاها النقيِّ وابن أبيه / مصطفاها يدعو وردتُ سفيرا
وجه بغداد حين أما لإنسا / ن الحجى فيهما وصلتُ بشيرا
فغدا حينَ صبَّحاه بهيًّا / بل حديث الهنا حلا منشورا
أنتَ قطبُ التقى عليك لدأباً / فلكُ العزِّ قد يُرى مستديرا
بل جوادُ العليا وربُّ فخارٍ / طيبه ضاع بالنديِّ عبيرا
وقرينُ السخاء مَن جادَ طفلاً / بنداه وسادَ شيخاً كبيرا
عشْ بطرفٍ ما زال زهواً قريراً / يا أبا المصطفى فتحوي الحبورا
كم عامٍ كذا لداركَ طلقاً / يُوفدُ السعدُ بالتهاني بشيرا
بل ومغناكَ طيباً كلَّ يومٍ / تجتليه به سبيًّا منيرا
وكذا فليرقْ نديُّكَ مُبدٍ / من بهاءٍ ما يخجل البدر نورا
بل كذا اعقدْ رواق جدّك حاوٍ / كلَّ وقتٍ جلالة محبورا
هاك ألقيتَ معجزاً فانتحى يل / قفُ عفواً ما زبرجوا تسطيرا
حيّ منه مؤرِّخاً عام ردّا / كلّ شطرٍ أبدى فعدَّ الشطورا
يا أبا الفضل كلَّما قلتَ شعرا
يا أبا الفضل كلَّما قلتَ شعرا / فيه أودعتَ من بيانك سحرا
وإذا ما بعثتَ غائصَ فكرٍ / في بحور القريض أبرزتَ درَّا
كم تعاطيتَ غايةً جئتَ فيها / سابق الحلبتين نظماً ونثرا
لكَ حرٌّ من النظامِ رقيقٌ / ورقيق النظام ما كانَ حرَّا
إن تصفَّحته تجد كلَّ شطرٍ / فيه يحوي من المحاسن شطرا
لفَّ في نشره بديع القوافي / ببديع ترويه لفًّا ونشرا
كلِمٌ كلّه سبائكُ تبرٍ / ما سبكنَ الأفكار شرواه تبرا
صغته باهرَ المعاني فقلنا / إنَّ للهِ في معانيك سرَّا
قد تجلَّى بدرُ نظمك عصرٌ / جئتَ فرداً به فناهيكَ عصرا
وهدت قالة القريض نجومٌ / طلعت في سماءِ طرسكَ زُهرا
ذكرتنا ذكرى حبيبٍ فقلنا / إنَّ في هذه القوافي لذكرى
وسقتنا غيث الوليد فقلنا / أنت بالانسجام يا غيث أحرى
وتلت مُعجزاً لأحمد يدعو / مَن وعاه آمنتُ سرًّا وجهرا
فاجتنينا للأُنسِ زهرة روضٍ / واجتلينا كالشمس عذراء بكرا
ينثني العقلُ حين تتلى كأَنَّ ال / لفظ كأسٌ والسمع يرتاح سكرا
فأرى الخضر أنت لكن لديه / عين ماء الحياة تنبع خمرا
هي آياتُ مرسلٍ بالقوافي / ربُّها قد أحاطَ بالنظم خبرا
قد قرأنا عزائم الشعر منها / وسجدنا لله حمداً وشكرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025