المجموع : 5
نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ
نَسِيَ الطينُ ساعَةً أَنَّهُ طينٌ / حَقيرٌ فَصالَ تيها وَعَربَد
وَكَسى الخَزُّ جِسمَهُ فَتَباهى / وَحَوى المالَ كيسُهُ فَتَمَرَّد
يا أَخي لا تَمِل بِوَجهِكَ عَنّي / ما أَنا فَحمَة وَلا أَنتَ فَرقَد
أَنتَ لَم تَصنَعِ الحَريرَ الَّذي / تَلبَس وَاللُؤلُؤَ الَّذي تَتَقَلَّد
أَنتَ لا تَأكُلُ النُضارَ إِذا جِع / ت وَلا تَشرَبُ الجُمانَ المُنَضَّد
أَنتَ في البُردَةِ المُوَشّاةِ مِثلي / في كِسائي الرَديمِ تَشقى وَتُسعَد
لَكَ في عالَمِ النَهارِ أَماني / وَرُأى وَالظَلامُ فَوقَكَ مُمتَد
وَلِقَلبي كَما لِقَلبِكَ أَحلا / مٌ حِسانٌ فَإِنَّهُ غَيرُ جَلمَد
أَأَمانِيَّ كُلَّها مِن تُرابٍ / وَأَمانيكَ كُلَّها مِن عَسجَد
وَأَمانِيَّ كُلُّها لِلتَلاشي / وَأَمانيكَ لِلخُلودِ المُؤَكَّد
لا فَهَذي وَتِلكَ تَأتي وَتَمضي / كَذَويها وَأَيُّ شَيءٍ يُؤَبَّد
أَيُّها المُزدَهي إِذا مَسَّكَ السُقــ / ـمُ أَلا تَشتَكي أَلا تَتَنَهَّد
وَإِذا راعَكَ الحَبيبُ بِهَجرٍ / وَدَعَتكَ الذِكرى أَلا تَتَوَجَّد
أَنتَ مِثلي يَبَشُّ وَجهُكَ لِلنُعمى / وَفي حالَةِ المَصيبَةِ يَكمَد
أَدُموعي خِل وَدَمعُكَ شَهدٌ / وَبُكائي زُل وَنَوحُكَ سُؤدُد
وَاِبتِسامي السَرابُ لا رَيَّ فيهِ / وَاِبتِساماتُكَ اللَآلي الخَرَّد
فَلَكٌ واحِدٌ يُظِلُّ كِلَينا / حارَ طَرفي بِه وَطَرفُكَ أَرمَد
قَمَرٌ واحِدٌ يُطِلُّ عَلَينا / وَعَلى الكوخ وَالبِناءِ المُوَطَّد
إِن يَكُن مُشرِقاً لِعَينَيكَ إِنّي / لا أَراهُ مِن كُوَّةِ الكوخِ أَسوَد
النُجومُ الَّتي تَراها أَراها / حينَ تَخفى وَعِندَما تَتَوَقَّد
لَستَ أَدنى عَلى غِناكَ إِلَيها / وَأَنا مَعَ خَصاصَتي لَستُ أُبعَد
أَنتَ مِثلي مِنَ الثَرى وَإِلَيهِ / فَلِماذا يا صاحِبي التيه وَالصَد
كُنتَ طِفلاً إِذ كُنتُ طِفلا وَتَغدو / حينَ أَغدو شَيخاً كَبيراً أَدرَد
لَستُ أَدري مِن أَينَ جِئت وَلا ما / كُنتُ أَو ما أَكونُ يا صاحِ في غَد
أَفَتَدري إِذَن فَخَبِّر وَإِلّا / فَلِماذا تَظُنُّ أَنَّكَ أَوحَد
أَلَكَ القَصرُ دونَهُ الحَرَسُ الشا / كي وَمِن حَولِهِ الجِدارُ المُشَيَّد
فَاِمنَعِ اللَيلَ أَن يَمُدَّ رَواقاً / فَوقَه وَالضَبابَ أَن يَتَلَبَّد
وَاِنظُرِ النورَ كَيفَ يَدخُلُ لا يَط / لُبُ أُذناً فَما لَهُ لَيسَ يُطرَد
مرقَدٌ واحِدٌ نَصيبُكَ مِنهُ / أَفَتَدري كَم فيكَ لِلذَرِّ مَرقَد
ذُدتَني عَنه وَالعَواصِفُ تَعدو / في طِلابي وَالجَوُّ أَقتَمَ أَربَد
بَينَما الكَلبُ واجِدٌ فيهِ مَأوىً / وَطَعاما وَالهُرُّ كَالكَلبِ يُرفَد
فَسَمِعتُ الحَياةَ تَضحَكُ مِنّي / أَتَرَجّى مِنك وَتَأبى وَتُجحِد
أَلَكَ الرَوضَةُ الجَميلَةُ فيها / الماء وَالطَير وَالأَزاهِر وَالنَد
فَاِزجِرِ الريحَ أَن تَهُز وَتَلوي / شَجَرَ الرَوضِ إِنَهُ يَتَأَوَّد
وَاِلجُمِ الماءَ في الغَدير وَمُرهُ / لا يُصَفِّق إِلّا وَأَنتَ بِمَشهَد
إِنَّ طَيرَ الأَراكِ لَيسَ يُبالي / أَنتَ أَصغَيتَ أَم أَنا إِن غَرَّد
وَالأَزاهيرُ لَيسَ تَسخَرُ مِن فَق / ري وَلا فيكَ لِلغِنى تَتَوَدَّد
أَلَكَ النَهرُ إِنَّهُ لِلنَسيمِ الرَط / بِ دَرب وَلِلعَصافيرِ مَورِد
وَهوَ لِلشُهبِ تَستَحِمُّ بِهِ في الصَي / فِ لَيلاً كَأَنَّها تَتَبَرَّد
تَدَّعيهِ فَهَل بِأَمرِكَ تَجري / في عُروقِ الأَشجارِ أَو يَتَجَعَّد
كانَ مِن قَبلُ أَن تَجيء وَتَمضي / وَهوَ باقٍ في الأَرضِ لِلجَزر وَالمَد
أَلَكَ الحَقلُ هَذِهِ النَحلُ تَجني / الشَهدَ مِن زَهرِه وَلا تَتَرَدَّد
وَأَرى لِلنِمالِ مُلكاً كَبيراً / قَد بَنَتهُ بِالكَدحِ فيه وَبِالكَد
أَنتَ في شَرعِها دَخيلٌ عَلى الحَق / ل وَلِصٌّ جَنى عَلَيها فَأَفسَد
لَو مَلَكتَ الحُقولَ في الأَرضِ طُرّاً / لَم تَكُن مِن فَراشَةِ الحَقلِ أَسعَد
أَجَميلٌ ما أَنتَ أَبهى مِنَ الوَر / دَةِ ذاتِ الشَذى وَلا أَنتَ أَجوَد
أَم عَزيز وَلِلبَعوضَةِ مِن خَدَّي / كَ قوت وَفي يَدَيكَ المُهَنَّد
أَم غَنِيٌّ هَيهاتِ تَختالُ لَولا / دودَةُ القَزِّ بِالحَباءِ المُبَجَّد
أَم قَوِيٌّ إِذَن مُرِ النَومَ إِذ يَغـ / ـشاك وَاللَيلُ عَن جُفونِكَ يَرتَد
وَاِمنَعِ الشَيبَ أَن يَلِمَّ بِفَو / دَيك وَمُر تَلبُثِ النَضارَةُ في الخَد
أَعَليمٌ فَما الخَيالُ الَّذي يَطـ / ـرُقُ لَيلاً في أَيِّ دُنيا يولَد
ما الحَياةُ الَّتي تَبين وَتَخفى / ما الزَمانُ الَّذي يُذَم وَيُحمَد
أَيُّها الطينُ لَستَ أَنقى وَأَسمى / مِن تُرابٍ تَدوسُ أَو تَتَوَسَّد
سُدتَ أَو لَم رَسُد فَما أَنتَ إِلّا / حَيَوانٌ مُسَيَّرٌ مُستَعبَد
إِنَّ قَصراً سَمَكتُهُ سَوفَ يَندَكُّ / وَثَوباً حَبَكتَهُ سَوفَ يَنقَد
لا يَكُن لِلخِصامِ قَلبَكَ مَأوىً / إِنَّ قَلبي لِلحَبيبِ أَصبَحَ مَعبَد
أَنا أَولى بِالحُبِّ مِنك وَأَحرى / مِن كِساءٍ يَبلى وَمالٍ يَنفَد
لَوعَةٌ في الضُلوعِ مِثلَ جَهَنَّمِ
لَوعَةٌ في الضُلوعِ مِثلَ جَهَنَّمِ / تَرَكَت هَذِهِ الضُلوعَ رَمادا
بِتُّ مَرمى لِلدَهرِ بي يَتَعَلَّم / كَيفَ يُصمي القُلوب وَالأكبادا
كَيفَ يَنجو فُؤادُهُ أَو يَسلَم / مَن تَمادى بِهِ الأَسى فَتَمادى
أَنا لَولا الشُعورُ لَم أَتَأَلَّم / لَيتَ هذا الفُؤادَ كانَ جَمادا
كَيفَ لا أَبكي وَفي العَينِ دُموع / كَيفَ لا ئشكو وَفي القَلبِ صُدوع
قَلَّ في الناسِ مَن صَبَر / مُخـــــــــــــــــــــــــــتارا
لَحظَةٌ ثُمَّ صارَ ضِحكي وَجيبا / وَنَشيجا وَالنَومُ صارَ سُهادا
رَبِّ لَمّا خَلَقتَ هَذي الخُطوبا / لِمَ لَم تَخلُقِ الحَشا فولادا
كُلَّما قُلتُ قَد وَجَدتُ حَبيبا / طَلَعَ المَوتُ بَينَنا يَتَهادى
صِرتُ في هَذِهِ الحَياةِ غَريبا / لَيتَ سُهدي الطَويلَ كانَ رُقادا
فَتَجَلَّد أَيُّها القَلبُ الجَزوع / أَو تَدَفَّق كُلَّما شاءَ الوَلوع
عَندَماً أَو دَماً هُدِر / أَو نـــــــــــــــــــــــــــارا
مَن كانَ بَينَ الكَرى وَبَينِيَ صُلُحُ / فَأَرادَ القَضاءَ أَن نَتعادى
لَم أَكَد أَخلَعُ السَواد وَأَصحو / مِن ذُهولي حَتّى لَبِستُ السَوادا
في فُؤادي لَو يَعلَمُ الناسُ جُرحٌ / لا يُلاشى حَتّى يُلاشى الفُؤادا
يا خَليلي هَيهاتَ يَنفَعُ نُصحُ / بَعدَما ضَيَّعَ الحَزينُ الرَشادا
أَنتَ لا تَستَطيعُ إِحياءَ الصَريع / وَأَنا حَملَ الأَسى لا أَستَطيع
ذا الَّذي صَيَّرَ الكَدَر / إِكـــــــــــــــــــــــــــــــــدارا
يا ضَريحاً عَلى ضِفافِ الوادي / جادَ مِن أَجلِكَ الغَمامُ البِلادا
فيكَ أَودَعتُ مُنذُ سِتٍّ فُؤادي / وَبِرَغمي أَطَلتُ عَنكَ البِعادا
غَيرَ أَنّي وَإِن عَدَتني العَوادي / ما عَدَتني بِالروحِ أَن أَرتادا
أَنبَتَت حَولَكَ الزُهورُ الغَوادي / وَاللَيالي أَنبَتنَ حَولي القَتادا
وَذُبولُ الغُصنِ في فَصلِ الرَبيع / لَو رَآهُ شَجَرُ الرَوضِ المَريع
جَمَدَ الماءُ في الشَجَر / مُحـــــــــــــــــــــــــــــــــتارا
كَيفَ لا يَتَّقي الكَرى أَجفاني / وَجُفوني قَدِ اِستَحَلنَ صِعادا
وَدُموعي بِلَونِها الأُرجُواني / مَنهَلٌَ لَيسَ يُعجِبُ الوُرّادا
وَالَّذي في الضُلوعِ مِن نيرانِ / صارَ ثَوبا وَمَقعَدا وَوِسادا
كَيفَ يَقوى عَلى الشَدائِدِ عانِ / أَكَلَ السُقمُ جِسمَهُ أَو كادا
فَإِذا ما غَشِيَ الطَرفَ النَجيع / فَتَذَكَّر أَنَّهُ القَلبُ الصَديع
كَظَّهُ الحُزنُ فَاِنفَجَر / اِنفِجـــــــــــــــــــــــــــــــارا
طائِرٌ كانَ في الرُبى يَتَغَنّى / أَصبَحَ اليَومَ يَحمِلُ الأَصفادا
غُصنٌ كان وَالصِبا يَتَثَنّى / هَصَرَتهُ يَدُ الرَدى فَاِنآدا
نالَ مِنّي الزَمانُ ما يَتَمَنّى / وَأَبى أَن أَنالَ مِنهُ مُرادا
وَتَجَنّى ما شاءَ أَن يَتَجَنّى / وَاِستَبَدَّت صُروفُهُ اِستِبدادا
حَطَّمَ السَيف وَما أَبقى الدُروع / وَتَداعى دونَهُ السورُ المَنيع
وَأَراني مِنَ العِبَر / أَطــــــــــــــــــــــــــــــــــوارا
ما لِهَذي النُجومِ تَأبى الشُروقا / أَتَخافُ الكَواكِبُ الأَرصادا
فَرطَ البَينُ عِقدَها المَنسوقا / أَم لِما بي أَرى البَياضَ سَوادا
أَم فَقِدنَ كَما فَقَدتُ شَقيقا / فَلَبِسنَ الدُجى عَلَيهِ حِدادا
ما لِعَيني لا تُبصِرُ العَيّوقا / وَلَقَد كانَ ساطِعاً وَقّادا
سافِراً يَختالُ في هَذا الرَقيع / هَل أَتاهُ نَبَءُ الخَطبِ الفَظيع
أَم رَأى مَصرَعَ القَمَر / فَتَـــــــــــــــــــــــــــــــــوارى
سَدَّدَ الدَهرُ قَوسَه وَرَماني / لَم تَحُد مُهجَتي وَلا السَهمُ حادا
هَكَذا أَسكَتَت صُروفُ الزَمانِ / بُلبُلاً كانَ نَوحُهُ إِنشادا
فَهوَ اليَومَ في يَدِ السَجّانِ / يَشتَهي كُلَّ ساعَةٍ أَن يُصادا
فَاِحسِبوني أُدرِجتُ في الأَكفانِ / إِن أَنَفتُم أَن تَحسِبوا القَولَ بادا
لَيسَ في هَذي وَلا تِلكَ الرُبوع / ما يُسَلّي النَفسَ عَن ذاكَ الضَجيع
قَبرَهُ جادَكَ المَطَر / مِـــــــــــــــــــــــــــــــــــــدرارا
ما لِهِندٍ وَكُلُّ حَسناءَ هِندٌ
ما لِهِندٍ وَكُلُّ حَسناءَ هِندٌ / كُلَّ يَومٍ تَبدو بِزِيٍّ جَديدِ
تَلبِسُ الثَوبَ يَومَها وَهيَ تَطريـ / ـه وَتَطريهِ عِندَها كُلُّ خَودِ
فَإِذا جاءَ غَيرُهُ أَنكَرَتهُ / فَرَأَينا الحَميدَ غَيرَ حَميدِ
أَولَعَت نَفسَها بِكُلِّ طَريفٍ / لَيتَها أَولَعَت بِبَعضِ التَليدِ
أَصبَحَت تَعشَقُ المِشَد وَلَم أُبـ / ـصِر طَليقاً مُتَيَّماً بَِلقُيودِ
رَحمَةً بِالخُصورِ أَيَّتُها الغيـ / ـد وَرِفقاً رِفقاً بِتِلكَ القُدودِ
ما جَنَتهُ الزُنودُ حَتّى يَنالَ الـ / ـعُريُ مِنها يا عارِياتِ الزُنودِ
لَهَفَ نَفسي عَلى المَعاصِمِ تَغدو / غَرَضَ الحَرِّ عُرضَةً لِلجَليدِ
عَلامَ الأَذيالُ أَمسَت طِوالاً / كَلَيالي الصُدودِ أَو كَالبُنودِ
لَو تَكونُ الذُيولُ أَعمارَ قَومٍ / لَضَمِنّا لَهُم نَوالَ الخُلودِ
قَصَرَت هَمَّها الحِسانُ عَلى اللَه / و وَيا لَيتَ لَهوَها بِالمُفيدِ
ساءَ حالُ الأَزواجِ في عَصرِنا هَـ / ـذا وَساءَت أَحوالُ كُلِّ وَليدِ
كُلُّ زَوجٍ شاك وَكُلُّ صَغيرٍ / دامِعِ الطَرفِ كارِهٍ لِلوُجودِ
يَظلُمُ الدَهرُ حينَ يَعزو إِلَيهِ / البُؤس وَالبُؤسُ كُلُّ أُمٍّ كَنودِ
لا رَعى اللَهُ زَوجَةً تُنفِقُ الأَمـ / ـوال وَالعُمرَ في اِقتِناءِ البُرودِ
لَيسَ في اللَهو وَالبَطالَةِ فَخرٌ / إِنَّما الفَخرُ كُلُّ عُرسٍ كَدودِ
مِن أُسودٍ تَسَربَلَت بِالحَديدِ
مِن أُسودٍ تَسَربَلَت بِالحَديدِ / وَمِنَ الجِنِّ في رَواءِ الجُنودِ
يُنشِدونَ الوَغى وَما يُنشِدُ / الحَسناءَ غَيرُ المُتَيَّمِ المَعمودِ
كُلُّ قِرمٍ عَلَيهِ دِرعٌ مِنَ الصَبرِ / وَدِرعٌ مَسرودَةٌ مِن حَديدِ
تَحتَهُ أَجرَدُ أَشَدُّ حنيناً / وَاِشتِياقاً إِلى الوَغى مِن نَجيدِ
سابِحٌ عِندَهُ العَسيرُ يَسيرٌ / وَالقَصِيُّ القَصِيُّ غَيرُ بَعيدِ
وَصَبا لِلنُجومِ مَن قَد عَلاهُ / أَصبَحَ الجَوُّ تَحتَهُ كَالصَعيدِ
تَحسَبُ الأَرضُ قَد جَرَت حينَ يَجر / وَتَراهُ كَأَنَّهُ في رُكودِ
إِنَّما يَركَبُ الجَوادُ جَوادٌ / وَيَصونُ الذَمّارَ غَيرُ بَليدِ
وَخَميسٍ يَحكي النُجومَ اِنتِظاماً / عَجَباً مِن كَواكِبٍ في بيدِ
أَوقَعَ الرُعبَ في قُلوبِ الضَواري / فَاِستَكانَت كَأَنَّها في قُيودِ
أَصبَحَت تَهجُرُ المِياه وَكانَت / لا تَرى الماءَ غَيرَ ماءِ الوَريدِ
خافِقاتٍ أَعلامُهُ أَرَأَيتُم / كَقُلوبِ العُشّاقِ عِندَ الصُدودِ
قادَهُ ذَلِكَ الغَضَنفَرُ نوجي / وَيُناطُ الحُسامُ بِالصِنديدِ
رَجُلٌ دونَهُ الرِجالُ مَقاماً / مُشبِهٌ في الأَنامِ بَيتَ القَصيدِ
كُلُّ سَيفٍ في غَيرِ قَبضَةِ نوجي / فَهوَ عِندَ السُيوفِ غَيرُ سَعيدِ
يا يَراعي سَل بورتَ آرثور عَنهُ / إِنَّ تِلكَ الحُصونِ خَيرُ شَهيدِ
مَعقِلٌ أَصبَحَت جَحافِلُ هيتو / حَولَهُ كَالعُقودِ حَولَ الجيدِ
هَجَموا هَجمَةَ الضَراغِمِ لَمّا / هَسَبوها فَريسَةً لِلأُسودِ
وَتَعالى الضَجيجُ لِلأُفقِ حَتّى / كادَ ذاكَ الضَجيجُ بِالأُفقِ يودي
وَتَوالى هُجومُهُم وَالمَنايا / ضاحِكاتٌ فَيا لَها مِن صُيودِ
كَم جَريحٍ مُضَرَّجٍ بِدِماهُ / وَقَتيلٍ عَلى الثَرى مَمدودِ
وَأَسيرٍ إِلى أَسيرٍ يُساقونَ / تِباعاً إِلى الشَقاءِ العَتيدِ
أَسطَرَتهُم مَدافِعُ الروسِ ناراً / أَصبَحوا بَعدَها بِغَيرِ جُلودِ
دامَتِ الحَربُ أَشهُراً كُلَّما قيلَ / خَبَت نارُها ذَكَت مِن جَديدِ
وَالمَنايا تَحومُ حَولَ الَرايا / حَومَةَ العاشِقينَ حَولَ الغيدِ
حَيثُ حَظُّ المِقدامِ مِثلُ سِواهُ / وَكَحَظِّ الكَبيرِ حَظُّ الوَليدِ
صَبَرَ الروسُ صَبرَ أَيّوبٍ لِلبَلوى / وَعَلى ذَلِكَ العَدُوِّ العَنيدِ
غَيرَ أَنَّ الأَيّامَ طالَت وِستوسَل / يُمني أَجفانَهُ بِالهُجودِ
فَتَوَلّاهُمُ القُنوطُ مِنَ النَصرِ / فَرَدّوا أَسيافَهُم لِلغُمودِ
كانَ هَذا لِلصُفرِ عيدا وَعِندَ / الروسِ ضَرباً مِنَ اللَيالي السودِ
قَلعَةٌ صانَها الزَمانُ فَلَولا / كَيدُ نوجي لَبَشَّرتُ بِالخُلودِ
أَنت وَالكَأسُ في يَدي
أَنت وَالكَأسُ في يَدي / فَلِمَن أَنتِ في غَدِ
فَاِستَشاطَت لِقَولَتي / غَضَباً في تَمَرُّدِ
وَأَشاحَت بِوَجهِها / وَاِدَّعَت أَنَّني رَدي
كاذِبٌ في صَبابَتي / ماذِقٌ في تَوَدُّدي
قُلتُ عَفواً فَإِنَّها / سَورَةٌ مِن مُعَربِدِ
وَجَرى الصُلح وَاِلتَقى / ثَغرَها ثَغرِيَ الصَدي
أَذعَنَ القَلبُ طائِعاً / بَعدَ ذاكَ التَمَرُّدِ
فَنَعِمنا هُنَيهَةً / بِالوَلاءِ المُجَدَّدِ
بَينَ ماءٍ مُصَفِّقٍ / وَهَزارٍ مُغَرِّدِ
ثُمَّ عادَت وَساوِسي / فَأَنا في تَرَدُّدِ
راعَها مِنِّيَ الحُبُّ السُكو / تُ فَذَمَّت تَبَلُّدي
قالَتِ الحُبُّ سَرمَدٌ / قُلتُ لا شَيءَ سَرمَدي
أَتُحِبّينَني إِذا / زالَ مَجدي وَسُؤدُدي
فَأَجابَت لِفَورِها / أَنتَ لا المَجَدَ مَقصَدي
قُلتُ هَل تَحفَظينَ عَه / دي إِذا صاغَ عَسجَدي
فَأَجابَت بِرِقَّةٍ / أَنتَ ما عِشتُ سَيِّدي
كُنتَ كَالشَمسِ في الغِنى / أَم فَقيراً كَجَدجَدِ
حَسَناً قُلتُ ضاحِكاً / يا مَلاكي وَفَرقَدي
إِنَّما هَل يَدومُ لي / حُبُّكِ المُشرِقُ النَدي
إِن حَنى الدَهرُ قامَتي / وَمَحا الشَيبُ أَسوَدي
وَاِنطَوى رَونَقُ الصِبا / مِثلَ بَرقٍ بِفَدفَدِ
قالَتِ الشَكُّ آفَةُ الحُب / بِ فَاِنبُذهُ تَسعَدِ
لَيسَ حُبّيكَ لِلصِبا / لَستَ فيهِ بِأَوحَدِ
بَل لِما فيكَ مِن صِفا / ت وَمِن طيبِ مُحتَدِ
قُلت وَالشَكُّ رائِحٌ / في ضَميري وَمُغتَدِ
وَإِذا غالَني الحَما / م وَأَصبَحتُ في غَدِ
جَنَّةً لَفَّها الثَرى / بَِلظَلامِ المُؤَبَّدِ
لَيسَ فيها لِصاحِبٍ / أَرَبٌ أَو لِحُسَّدِ
وَسَرى الدودُ حَولَها / يَتَغَذّى وَيَعتَدي
وَمَرَرتِ الغَداةَ بي / فَمَرَرتِ بِجامِدِ
وَنَظَرتِ فَلَم تَرَي / غَيرَ عَظمٍ مُجَرَّدِ
بَعثَرَتهُ يَدُ البِلى / كَنافِياتِ مَوقِدِ
هَل تُحِبّينَني إِذَن / لِخِلالي وَمَحتَدي
وَيكَ صاحَت وَدَمعُها / كَجُمانٍ مُبَدَّدِ
كَم تَظُنُّ الظُنونَ بي / أَيُّها الزائِغُ اِهتَدِ
أَشهِدُ الصُبحَ فائِضاً / في مُروجِ الزَبَرجَدِ
أَشهِدُ اللَيلَ لابِساً / طَيلَسانَ التَمَرُّدِ
أُشهِدُ الغَيثَ مُعطِياً / أُشهِدُ الحَقلَ يَجتَدي
وَذَواتِ الجَناحِ مِن / باغِمٍ أَو مُغَرِّدِ
وَالأَزاهير وَالشَذى / في وِهاد وَأَنجُدِ
أُشهِدُ الأَرض وَالسَما / أُشهِدُ اللَهَ موجِدي
سَوفَ أَحيا كَما تَرى / لِلهَوى وَالتَوَجُّدِ
فَأُناجيكَ في الضُحى / وَهوَ أَمراسُ عَسجَدِ
وَأُناجيكَ في المَسا / وَالأَصيلِ المُوَرَّدِ
في الرُبى تَخلَعُ الجَما / لَ بُرودا وَتَرتَدي
وَالسَواقي لَها غِنا / ءٌ كَأَلحانِ مَعبَدِ
وَالعَصافيرِ أَقبَلَت / نَحوَها لِلتَبَرُّدِ
أَسهَرُ اللَيلَ وَحشَةً / بِفُؤادٍ مُشَدَّدِ
وَإِذا نُمتُ كَي / يَطرُقَ الطَيفُ مَرقَدي
فَيَظَلَّ الهِيامُ بي / يَنتَهي حَيثُ يَبتَدي
وَبِحُزنٍ تَنَهَّدتُ / فَاِستَجاشَت تَنَهُّدي
فَاِعتَنَقنا سُوَيعَةً / مِثلَ جَفنِيَ مُسَهَّدِ
أَفلَتَ الأَمسَ هارِباً / وَغدٌ لَيسَ مِن غَدِ
وَصُرتُ وَحدي وَلَيسَ لي / أَرَبٌ في التَوَحُّدِ
يا نَديمي إِلى الكُؤو / س وَيا مِنشِدَ اِنشُدِ
زِد لِيَ الشَمرَ كُلَّما / قُلتُ يا صاحِبي زِدِ
لا تَقُل أَيُّ مَوسِمٍ / ذا فَذا يَومُ مَولِدي
أَنا ما زِلتُ في الحَيا / ةِ لي شَبابي وَسُؤدُدي
وَلُجَيني وَعَسجَدي / وَخِلالي وَمَحتَدي
إِنَّما تِلكُ أَخلَفَت / قَبلَ لَيلَينِ مَوعِدي
لَم تَمُت لا وَإِنَّما / أَصبَحَت في سِوى يَدي
آفَةُ الحُبِّ أَنَّهُ / في قُلوب وَأَكبُدِ
فَهوَ كَالنارِ لَم تَدُم / في هَشيمٍ لِمَوقِدِ