أَيُّها الظبي كنت غير بَعيد
أَيُّها الظبي كنت غير بَعيد / تقضم الشيح من بطوح زرود
تتسنى الرَبيع والعيش غض / صفوه لا يشاب بالتنكيد
لست تنفك بين غض ورود / تَتَهادى وبين عذب برود
وَبتلك الشعاب سقيا ورعيا / طالما نلت غاية المقصود
يا لِقَومي لذي سوالف بيض / وَلحاظ مثل المحابر سود
البسته الرياض حلة ملك / ثم زرت جيوبها بالورود
يتخطى مشي النَزيف اذا ما / ميلت رأسه ابنة العنقود
وَغَزال امضى من السهم روقا / كاد يفري القلوب قبل الجلود
ما اِلتَقى والسرحان في القفر الا / كان ذا عزة وبطش شديد
حذرا يشرئب من غيلة القانص / يَرعاه مشرفا كالسيد
يسلك الغور منجدا فاذا / غور يعدو محقوقفا في النجود
واذا كاده العدو اغتيالا / نشق الريح من مكان بعيد
لم يرد موردا من الماء الا / آخر الليل خيفة البارود
فاذا ما تغورت انجم الليل / نحا الماء ممنعا في الورود
حبذا ذلك الغزال المفدى / من غزال ما مثله في الوجود
ناعم الخد والاديم نحيل الخصر / ضخم الصلا صقيل الجيد
شاق قَلبي وليته كان يرعى / من سويداه مثل حب الحصيد
يا عشيق الملوك اذ كل ملك / بات منه بليلة المعمود
لم يزل في طلابه ساهر الليل / وحيدا وكان جم العديد
فاذا ما اِنثَنى وصفت له الخيل / رأَيت المَليك بين الجنود
حالف الكلب في هواه وعاف / الصحب وانثال هائما في البيد
فهو طاوى الحشى ضئيل من / الجوع وصاد شرابه من صديد
يتحراه في الظهيرة لا يعرف / ما الموت مستظلا بعود
ايُّها الشادن الَّذي ظل يأوى / لحمى كل اريحي مجيد
هو من جملة الوحوش ولكن / انست نفسه بعفراء خود
ذات عز وسؤدد فاذا ما / حددوها جلت عن التَحديد
ظل يأوى لدارها فهو منها / ابدا لم يزل بعيش رَغيد
أي دار على المكارم شيدت / وكذا اربع الكرام الصيد
فهو طورا في ساحة الدار يختال / وَطورا من فوق قصر مشيد
انست نفسه بها فهو يعطو / عندها في مخصر املود
يتحرى القصور قصرا فقصرا / ليس شيء عليه بالمرصود
لا طفته ابنة النبي فامسى / وهو في حجرها مثال الوَليد
والى جنبها يروح ويغدو / لم ترعه بجفوة وصدود
تتحراه بكرة وعشيا / غير مأمورة بريف وجود
فهو منها في منعة وامان / لم يخف كيد مارق وعنيد
فاذا سامه القَريب هوانا / نال منها القَريب ذل البَعيد
مستطيلا على بنيها مدلا / فالموالي لديه مثل العَبيد
لهف نفسي عليه حين رآها / تسبل الدمع فوق صحن الخدود
ضاق ذرعا مِمّا رآه فاهوى / لاطما في يديه وجه الصَعيد
فَقَضى نحبه الغداة شهيدا / مستضاما على الحسين الشَهيد
ايُّها الظَبي لا رأَيت هوانا / بعد ذا اليوم يانقي العود
انتَ لا شك من سلالة ظَبي / فضله قط ليس بالمجحود
قد عرفنا به ضريح علي / وَهدينا به الى الملحود
اوحشت يوم فقده الدار حزنا / حر قَلبي عليه من مفقود
ساورته عين الحسود فاردته / صريعا عمى لعين الحسود
لست ارضى سوى الجوانح قبرا / لك يا خير من ثوى في اللحود
وَلَقَد عز ان تقطع ايديك / جهارا من بعد حز الوَريد
سلخوا جلده فما ظل قوم / حَرموا في القديم طعم الجلود
اكلوا لحمه وكان شواء / لاعدت آكليه ذات الوقود
كسروا عظمه ألا ان قوما / كسروه قلوبهم من حديد
قطعوا صلبه الا ان قوما / قطعوه اقسى من الجلمود
فلقوا رأسه فبعدا لقوم / فلقوا ام رأسه بعمود
ضيعوا عهده وقد حفظته / حرة من بَني الاماجد صيد
حفظت عهده وان كثيرا / من رجال تنسى قديم العهود
لم تزل تدريه حيا وميتا / شيمة ليس بعدها من مَزيد
عكس الامر للجميل نساء / وَرجال لقصمة وَثَريد