كُلُّ مَيتٍ مَهما عَلا في حَياتِهِ
كُلُّ مَيتٍ مَهما عَلا في حَياتِهِ / كُلُّ ثاوٍ تَحتَ الثَرى مِن لِداتِه
لا حُدود وَلا مَقايِّسُ في المَوتِ / تَساوى الجَميعُ في ساحاتِه
حاصِدٌ حَقلَهُ الوجود وَما الأَحياءُ / إِلّا كَشَوكِه وَنَباتِه
مَن نَجا مِنه وَهوَ في رَوحاتِهِ / إِنَّما قَد نَجا إِلى غُدواتِه
لَيسَ زَرعُ الغَصّاتِ مِنهُ لِثَأرٍ / لَيسَ حَصدُ اللَذاتِ مِن لَذّاتِه
إِنَّهُ يَسلُبُ الغِوايَةَ كَالرُشدِ / فَلَيسَ التَميِّزُ مِن عاداتِه
لا تَقُل ما رَأوهُ ذاكَ سِرٌّ / خَبَأَتهُ الحَياةُ في ظُلُماتِه
رُبَّ قَبرٍ نَمشي عَلَيه وَفيهِ / شَهَواتٌ تُربي عَلى ذَراتِه
كُلُّ ذي رَغبَةٍ دَنَت أَو تَسامَت / سَوفَ يَمضي يَوماً بِلا رَغَباتِه
لَيسَ عُمرُ الفَتى وَإِن طالَ إِلّا / ما حَوَتهُ الحَياةُ مِن مَكرُماتِه
يَعيظُ النابِغُ الخَلائِقَ حَيّاً / إِنَّما مَوتُهُ أَجَلُّ عِظاتِه
ظَهَرَ المَوتُ لِلعُيونِ جَديداً / أَمسُ في بَطشِه وَفي فَتَكاتِه
وَهوَ تُربُ الإِنسانِ مُنذُ اِستَ / وى في الأَرضِ حَيّاً يَمشي عَلى خُطُواتِه
وَما الرَدى بِالحَديثِ في الناسِ لَكِن / نُكتَةُ العِلمِ ضاعَفَت رَوعاتِه
فَقَدَ الخَلقُ واحِداً مِن بَينِهِ / وَأَضاعَ القَريضُ خَيرَ حِماتِه
شاعِرٌ كانَ يَرقُصُ الدَهرُ أَحياناً / وَيَبكي حيناً عَلى نَغَماتِه
ذَهَب الساحِرون وَالسِحرُ باقٍ / في عُيونِ المَهى وَفي كَلِماتِه
مُنشِئٌ رَقَّ لَفظُهُ كَسَجاياهُ / وَرَفَّ الجَمالُ في جَنَباتِه
تَوَّجَ الضادَ بِالمَلاحَةِ حَتّى / خالَها القَومُ بَعضَ مُختَرعاتِه
نَقَلَ الأَعصُرَ الخَوالي إِلَينا / في كِتابٍ لِلَّهِ مِن مُعجِزاتِه
فَرَأَينا هوميرُ يُنشِدُ فينا / شِعرُهُ مِثلُ واحِدٍ مِن رُواتِه
كانَ في دَولَةِ السُيوف وَزيراً / أَلمَعِيّا وَدَولَةً في ذاتِه
ما بَكَينا الرُفاتَ لَمّا بَكَينا / كَم رُفاتٍ في الأَرضِ مِثلُ رُفاتِه
بَل بَكَينا لِأَنَّنا قَد حُرِمنا / بِالمَنونِ المَزيدَ مِن آياتِه
راعَنا أَن يَزولَ عَنّا وَإِنّا / لَم نُطِق أَن نُطيلُ جيلَ حَياتِه
قَد أَرَدنا حَملَ البَشائِرِ لِلعِلمِ / فَكُنّا لِأَهلِهِ مِن نُعاتِه
إِنَّ في مِصر وَالشَآمِ دَوِيّاً / ما سَمِعناهُ قَبلَ يَومِ وَفاتِه
وَأَحَسَّ العِراقُ حينَ أَتاهُ / النَعيُ طَعمَ الرَدى بِماءِ فُراتِه
وَبِلُبنانَ رَجفَةٌ تَتَمَشّى / في يَنابيعِه وَفي نَسَماتِه
فَتَّحَ المَوتُ حينَ أَغمَضَ عَينَيهِ / عُيونَ الوَرى عَلى حَسَناتِه
فَهوَ ماضٍ لَهُ جَلالَةُ آتٍ / مِن فُتوحاتِه وَمِن غَزَواتِه
وَالفَتى العَبقَرِيُّ يولَدُ إِذ يولَدُ / في مَهدِه وَيَومَ مَماتِه