بأبي شخصك الذي لا يغيب
بأبي شخصك الذي لا يغيب / عن عياني وهو البعيد القريب
يا مقيماً في الصدر قد خِفت / أن يؤذيك للقلب حرقة ووجيب
وأرى الدمع ليس يطفيء حرَّ الوجد / إن جاد غيثه المسكوب
كل يوم لنا رشوقِيَ ما بين / ضلوعي بماء جفني لهيب
وكذا الصَّب يحسن الجور في / الحبِّ لديه ويعذب التعذيب
لا يهاب الأسود في حومة / الحرب ويقتاده الغزال الربيب
ويجازى عن النفار من / الأحباب بالقرب إنَّ ذا لعجيب
يا مليح القوام عطفاً فقد يعطف / من لينه القضيب الرطيب
لك قلب أقسى علينا من الصخر / وما هكذا تكون القلوب
وبحكم العدو تحكم ألحاظك / في قلبنا وأنت الحبيب
أنت عندي مثل ابن سبراي منه / الداء يردي النفوس وهو الطبيب
ما لدمعي يسقى به ورد خديك / ومرعاه فوق خدَّي جديب
ولأهل الصفاء ما منهم الآن / خليل إذا دعوت يجيب
ما ظننَّا نفوسهم بانصداع الشمل / يوماً ولا الفراق تطيب
يا أخلاي بالشآم لئن غبتم / فشوقي إليكمُ لا يغيب
غصبتنا الأيام قربكم منَّا / ولا بد أن تردُّ الغصوب
ولكم إن نشطتم عندنا الإكرام / والرفد والمحل الخصيب
قد علمتم بأن غيث أيادينا / على الناس بالنضار سكوب
وبنا يدرك المؤمل ما يرجوه / قدماً وينقذ المكروب
نحن كالسحب بالبوارق والرعد / لدينا الترغيب والترهيب
تارة نسعر الحروب على الناس / وطوراً بالمكرمات نصوب
كره الشام أهله فهو محقوق / بألا يقيم فيه لبيب
إن تجلَّت عنه الحروب قليلاً / خلفتها زلازل وخطوب
رقصت أرضه عشية غنَّى الرعد / في الجو والكريم طروب
وتثنت حيطانه فأمالتها / شمال بزمرها وجنوب
لا هبوب لنائم من أمانيه / وللعاصفات فيها هبوب
وأرى البرق شامتاً ضاحك السن / وللجو بالغيوم قطوب
ذكروا أنه تذوب به السحب / فما للصخور أيضاً تذوب
أبذنب أصابها قدر اللّه / فللأرض كالأنام ذنوب
إنَّ ظني والظن مثل سهام الرمي / منها المخطي ومنها المصيب
إنَّ هذا لان غدت ساحة القدس / وما للاسلام فيها نصيب
منزل الوحي قبل بعث رسول / اللّه فهو المحجوج والمحجوب
نزلت وسطه الخنازير والخمر / وبارى الناقوس فيها الصليب
لو رآه المسيح لم يرض فعلاً / زعموا أنه له منسوب
أبعد الناس عن عبادة ربِّ / الناس قوم إلههم مصلوب
لهف نفسي على ديار من السكان / أقوت فليس فيها عريب
ولكن حلتُّها فأنسته أوطان صباه / والأهل يوماً غريب
فاحتسب ما أصاب قومك مجد / الدين واصبر فالحادثات ضروب
هكذا الدهر حكمه الجور والقصد / وفيه المكروه والمحبوب
إن تخصصكم نوائب ما زالت / لكم دون من سواكم تنوب
فكذاك القناة يكسر يوم الروع / منها صدر وتبقى كعوب
ولعمري إن المناصح في الدين / على اللّه أجره محسوب
وجهاد العدو بالفعل والقول / على كل مسلم مكتوب
ولك الرتبة العلية في الأمرين / مذ كنتَ إذ تشبُّ الحروب
أنت فيها الشجاع مالك في الطعن / ولا في الضراب يوماً ضريب
وإذا ما حرضت فالشاعر / المفلق فيما تقوله والخطيب
وإذا ما أشرت فالحزم لا ين / كر أن التدبير منك مصيب
لك رأي يقظان إن ضعف الرأي / على حاملي الصليب صليب
فانهض الآن مسرعاً فبأمثالك / ما زال يدرك المطلوب
والق عنَّا رسالة عند نور الدين / ما في القائها ما يريب
قل له دام ملكه وعليه / من لباس الإقبال برد قشيب
أيها العادل الذي هو للدين / شباب وللحروب شبيب
والذي لم يزل قديماً عن الاسلام / بالعزم منه تجلى الكروب
وغدا منه للفرنج إذا لاقوه / يوم من الزمان عصيب
إن يرم نزف حقدهم فلأشطان / قناة في كل قلب قليب
غيرنا من يقول ما ليس يمضيه / بفعل وغيرك المكذوب
قد كتبنا إليك فأوضح لنا / الآن بماذا عن الكتاب تجيب
قصدنا أن يكون منَّا ومنكم / أجل في مسيرنا مضروب
فلدينا من العساكر ما ضاق / بأدناهم الفضاء الرحيب
وعلينا أن يستهل على الشام / مكان الغيوث مال صبيب
أو تراها مثل العروس تراها / كلَّه من دم العدا مخضوب
لطنين السيوف في فلق الص / بح على هام أهلها تطريب
ولجمع الحشود من كلِّ حصن / سلب مهمل لهم ونهوب
وبحول الإِله ذاك ومن / غالب ربي فإِنه مغلوب