المجموع : 3
إملأي الأرضَ من حدادٍ وغيهبْ
إملأي الأرضَ من حدادٍ وغيهبْ / مالَ نجمُ البيان عنكِ وغرَّبْ
وخبا من مصابحِ الفكر نورٌ / كان أمضى من الشهاب وأثقبْ
وطوى الموتُ هالةً كان يُنْمَى / كلُّ أفقٍ إلى سناها ويُنْسَبْ
يا سماءَ الخيالِ ما كلّ يومٍ / من بني الشعر تظفرينَ بكوكبْ
ذهبَ الشاعرُ الذي ردَّدَ الشر / قُ صدى شعره الجميلِ المحبّبْ
ومضى الناثرُ الذي صوَّرَ النفسَ / وجلّى سرّ الضميرِ المحجّبْ
الأديبُ العريقُ في لغة الضّا / د وقاموسُها الصحيحُ المرتَّبْ
لم يكن شاعرَ القديم ولا كا / ن لآداب عصرِهِ يتعصّبْ
كان يُعْنَى بكل فذٍ من القو / لِ ويُزْهى بِكلِّ حسنٍ ويعجبْ
شاعرُ الحبِّ والجمالِ وربُّ ال / منطقِ الحقِّ واليراعِ المؤدّبْ
شعرُه من ينابع السحر ينسا / بُ وفي عالم الحقيقة ينصبْ
عاطفيُّ القصيدِ يعبثُ بالأل / بابِ أسلوبهُ الرشيقُ ويلعبْ
وخيالٌ يسمو إلى ما وراءِ ال / كون من عالم اليقين ويذهبْ
يُنْفِذُ الفكر في مجاهل دنيا / هُ فيبدو له الخفيُّ المغيّبْ
ومعانٍ أرقُّ من نسمة الفجرِ / ولفظٌ من سلسل الخمرِ أعذبْ
وبيانٌ يسيلُ في كل نفسٍ / فعلهُ من غرائبِ السحر أغربْ
وقوافٍ كأنها نغماتٌ / هاجها الشجوُ في يراعٍ مثقّبْ
وكأنَّ الأوزانَ شتَّى مثانٍ / ترقص النفسُ وفقهن فتطربْ
بؤساءَ الحياةِ من لكمو اليو / مَ على الحادثات والعيشُ أخطبْ
ضاقت الأرضُ بالحنانِ وفاضتْ / بالأذى أبحراً تضجُّ وتصخبْ
فابحثوا في شعابها عن مقيلٍ / وانشدوا من منافِذ النَّجم مهربْ
قد فقدتم نصيرَكم وسُلبتم / عَضُداً شَدّ أن يُغال ويُسلبْ
عَقَلَ الموتُ مِقولاً منه عضباً / وطوى مهجةً وأطبق هيدبْ
وخلا اليومَ مِنْ شجاكم فؤادٌ / ذابَ من رحمةٍ لكم وتصبَّبْ
وغَفَتْ أعينٌ بكتكم بدمعٍ / لم تدَعْ منه ما يُراق ويُسكبْ
الرفيقُ الحاني على كلّ قلبٍ / أنشبَ البؤسُ فيه ناباً ومخلبْ
والخفيفُ الخطى إلى كل نفسٍ / مال عنها نصرُها وتنكَّبْ
فاذكروه على الليالي إذا ما / زحمَ الدهرُ ركنَكم وتألَّبْ
منْ لصرعى الهمومِ بعدَك يا حا / فظُ من للحزينِ من للمعذّبْ
كنتَ براً بهم وأحنى عليهم / من فؤاد الأب الشفيقِ وأحدبْ
عَجَبٌ صبرُهم على خطبك الدَّا / وي وصبرُ البأساءِ من ذاك أعجبْ
قُمْ وشاهد مآتمَ الشرقِ وانظرْ / كيف يُبكى البيانُ فيك ويُندبْ
قَسَماً لو يُرَدُّ هيجو إلى العي / شِ لألقى لكَ الزمامَ وقرَّبْ
ومشى في يمينه غارُ باري / سَ إلى رأسكَ الكريمِ وعصّبْ
وتمنّى الذي كتبتَ عن البؤ / س وردّ الأصيلَ دون المعرّبْ
فُجِعَتْ نهضةُ البلاد ببانٍ / شدّ من ركنها وشادَ وطنَّبْ
وحباها من شعرهِ وحجاهُ / ما أفادَ الجهادَ فخراً وأكسبْ
هزّ أشبالها الكماةَ وأحيا / أملاً في صدورهم يتوثبْ
لو شهِدتم غداةَ ثورتها الكب / رى لجَاجَ النفوسِ وهي تلهّبْ
لرأيتم في ثورةِ النفسِ منه / مُحنقاً من قساورِ الغيل مُغْضَبْ
لم يَزَل منه في المسامع صوتٌ / تتوقّى الظُّبى صداهُ وترهبْ
نافذٌ في الصميم من باطلِ القو / م كما ينفذُ السِّنانُ المذرّبْ
حافظَ الودِّ والذمامِ سلاماً / لم يَعُدْ بعدُ من يُوَدُّ ويُصحَبْ
كنت نعم الصديقِ في كل آنٍ / حين يُرجى الصديقُ أو حينُ يُطلبْ
لم تغَيِّرْكَ من زمانِكَ دنيا / وحياةٌ بأهلها تتقلّبْ
خُلُقٌ رضته على شرعةِ الصد / قِ وإن خانكَ الرجاءُ وكذّبْ
وإباءٌ حميتَهُ من صغارٍ / وبريق من المواعد خُلّبْ
وفؤادٌ لغير عاطفة الوج / دان لا يدَّني ولا يتقرّبْ
وضميرٌ لا يبلغُ المالُ منه / وبلوغُ النجومِ من ذاك أقربْ
ولسانٌ حفظته من سؤالٍ / لا يَمينُ الكلامَ أو يتذبذبْ
يلفظُ الروحَ صادياً وإذا لم / يَصف للماء موردٌ ليس يشرب
صفحاتٌ نقيةٌ بمدادِ السحق / في مجتلى العظائم تُكتبْ
خانني فيك منطقي وعصاني / قلَمٌ طالما أفاضَ وأسهبْ
آب بالشعر من مصابكَ يبكي / رزءَه فيك والرجاءَ المخيَّبْ
أنتَ من أمةٍ بهم بعثَ الله / هداهُ إلى الشعوبِ فثوّبْ
لم يزَلْ منكمو على الأرض ظِلٌ / وشعاعٌ هادٍ وغيثٌ مُصوّبْ
ويجوبُ الحياة في كل آنٍ / هاتفٌ منكمو وطيفٌ تأوَّبْ
حُضَّر في القلوب أنتم وإن كن / تُم على ملتقى النواظر غيَّبْ
قفْ من الليل مصغياً والعبابِ
قفْ من الليل مصغياً والعبابِ / وتأملْ في المزبداتِ الغضابِ
صاعداتٍ تلوك في شدقها الصخر / وترمي به صدورَ الشعابِ
هابطاتٍ تئنُّ في قبضةِ الري / حِ وتُرغي على الصخورِ الصلابِ
ذلك البحرُ هل تشاهدُ فيه / غيرَ ليلٍ من وحشةٍ واكتئابِ
ظلماتٌ من فوقها ظلماتٌ / تترامى بالمائجِ الصخَّابِ
لا ترى تحتهنَّ غير وجود / من عبابٍ وعالم من ضبابِ
أيها البحر كيف تنجو من الليْ / لِ وأين المنجي بتلك الرحابِ
هو بحرٌ أطمُّ لجّاً وأطغى / منك موجاً في جيئةٍ وذهابِ
أوَ ما تبصرُ الكواكبَ غرقى / في دياجيه كاسفاتٍ خوابي
وترى الأرضَ في نواحيه حيرى / تسألُ السحبَ عن وميض شهابِ
ويك يا بحرُ ما أنينك في ال / لَيل أنينَ المرَّوع الهيّابِ
إمضِ حتى ترى المدائنَ غرقى / وترى الكونَ زخرةً من عُبابِ
إمض عبر السماءِ واطغ على الأف / لاكِ واغمرْ في الجوِّ مسرى العقابِ
ذاك أو يهتكَ الظلامُ دياجيه / وينضو ذاك السوادَ الكابي
وترى الشمس في مياهكَ تُلقي / خالصَ التبر واللجين المذابِ
أقبلَ الفجرُ في شفوفٍ رقاقٍ / يتهادى في منظرٍ خلابِ
حُللٌ من وشائعِ النور زُهْرٌ / يتماوجن في حواشي السحابِ
وإذا الشَّاطىءُ الضحوك تغنى / حوله الطير بالأغاني العذابِ
ونسيمُ الصباح يعبث بالغا / بِ ويثني ذوائبَ الأعشابِ
ومن الشمس جمرة في ثنايا ال / موجِ يذكو ضرامُها غيرَ خابي
ومن البحر جانب مطمئنٌ / قُزَحيُّ الأديمِ غضُّ الإهابِ
نزلت فيه تستحمُّ عذارى / الضوءِ من كل بضةٍ وكعابِ
عارياتٍ يسبحن في اليم لكنْ / لفَّها الرغو في رقيقِ الثيابِ
خفراتٌ من الأشعة خودٌ / نسَّقتها أنامل الأربابِ
فإذا البحر يرقصُ الموج فيه / وإذا الطير صُدَّحٌ في الروابي
راقصاتِ الأمواج علِّمْنَ قلبي / رقصاتِ المغرِّدِ المطرابِ
وأفيضي عليه من سلسل الوح / يِ نميراً كالجدول المنسابِ
واستثيري عواطفي ودعيني / أسمعُ البحرَ أغنيات الشبابِ
لي وراءَ الأمواج يا بحرُ قلبٌ / نازحُ الدار ما له من مآبِ
نزعته مِنّي الليالي فأمسى / وهو مُلقىً في وحشة واغترابِ
ذكرياتٌ تُدني القصيَّ ولكنْ / أين مني منازل الأحبابِ
أنا وحدي هيمانُ في لجك الطا / مي غريقٌ في حيرتي وارتيابي
أرمق الشاطىء البعيدَ بعينٍ / عكفت في الدجى على التسكابِ
فسواءٌ في مسمعي من ذَراهُ / صدحةُ الطير أو نعيقُ الغرابِ
وسواءٌ في العين شارقةُ ال / فجرِ أو الليل أسودُ الجلبابِ
بيد أني أحسُّ فيكَ شفاءً / من سقامي ورحمةً من عذابي
أنت مهد الميلادِ والموتِ يا بحر / ومثوى الهموم والأوصابِ
فأنا فيك أطرحُ الآن آلا / مي وعبءَ الحياة والأحقابِ
ذكِّريني فقدْ نسيتُ ويا
ذكِّريني فقدْ نسيتُ ويا / رُبَّ ذكرى تعيدُ لي طَربي
وارفعي وَجهكِ الجميلَ أرى / كيفَ هذا الحياءُ لَمْ يَذُبِ
واسندي رأسَكِ الصغيرَ إلى / ثائرٍ في الضلوع مُضطربِ
ذلك الطفلُ هَدْهديهِ فما / ثابَ من ثورةٍ ومن صَخَبِ
وامنحي عينيَ النُّعاسَ على / خُصَلاتٍ من شعركِ الذَّهبي
ظمأي قاتلي فما حَذري / مَوردي منكِ مَوْردَ العَطَبِ
ثرْثِري واصنعي الدموعَ ولا / تحفِلي إنْ هَمَمْتِ بالكذبِ
بي نزوعٌ إلى الخيال وبي / للتمنِّي حنينُ مُغتربِ
وا عَجَبي منكِ إنْ نسيتِ وما / أسفي نافعٌ ولا عَجَبي
لم أزَلْ أرقبُ السماءَ إلى / أن أطَلَّ الشتاءُ بالسُّحُبِ
موعِدُنا كانَ في أصائلِهِ / ضِفَّة سُندسيَّةُ العُشُبِ
نرقبُ النيلَ تحت زورقنا / وخفوقَ الشِّراعِ عن كثبِ
وظلالَ النخيل في شَفَقٍ / سالَ فوق الرمالِ كاللَّهبِ
كأسُنا مترَعٌ وليلتُنا / غادةٌ من مضارِبِ العربِ
ويكِ لا تنظري إلى قدَحي / نظرَاتِ الغريبِ واقتربي
شفتاكِ النَّديتانِ بهِ / فيهما رُوحُ ذلك الحَببِ
شَهِدَ المنتَشِي بخمرهما / أنَّ هذا الرحيقَ من عِنبي