القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 4
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي / يا سُهولاً تَدَثَّرَتْ بالهِضابِ
غسَلَ البحرُ أخْمَصَيْها ورشَّتْ / عبِقاتُ النَّدى جِباهَ الرَّوابي
واحتواها " صِنّينُ " بينَ ذِراعيه / عجوزاً له رُواءُ الشَّباب
كلَّلتْ رأسَهُ " الثّلوجُ " ومسَّتْهُ / بأذيِالها مُتونُ السَّحاب
وانثنى " كالاطار " يحتضِنُ الصّورةَ / تُزْهَى أو جَدْولٍ في كتاب
كلَّما غامَ كُربةً من ضَبابٍ / فرَّجَتْ عنه قُبْلةٌ من شِهاب
وبدَتْ عندَ سفحِه خاشِعاتُ / الدور مثل " الزٍّميت " في مِحراب
وحواليَهِ من ذَراريهِ أنماطٌ / لِطافٌ من مُسْتَقِلٍّ وكابي
و " القُرَيَّاتُ " كالعرائس تُجْلى / كلَّ آنٍ تلوحُ في جِلباب
منْ رقيقِ الغُيوم تحتَ نِقابِ / ومِنَ الشَّمسِ طلقةً في إهاب
وهي في الحالتين فِتنةُ راءٍ / بينَ لونينِ من مُشِعٍّ وخابي
والبيوتُ المُبَعْثراتُ " نَثارُ " / العُرس مبثوثةً بدونِ حساب
وتراها بينَ الخمائلِ تلتفُّ / عليها عمارةً في غاب
وتماسَكْنَ – والطبيعةُ شِعرٌ - / كقوافٍ يَلْمَعْنَ غيرَ نوابي
زهوُ حُمْرِ القبِاب في الجبَلِ الأخضرِ / يَسبي كزهو أهلِ القباب
و " الكرومُ " المُعرِّشاتُ حُبالى / مُرضِعاتٌ كرائمَ الأعناب
حانياتٌ على " الدوالي " تُحَلِّينَ / عناقيدَ زينةً للكعاب
رافعاتُ الرءوسِ شُكْراً وأُخرى / ساجداتٌ شُكْراً على الأعتاب
سِلْنَ في الحَقْل مثلَ رُوحٍ لجسمٍ / وتمدَّدْنَ فيهِ كالأعصاب
وتصايَحْنَ: أين .أينَ النَّدامى ؟ / وتغامَزْنَ ثَمَّ للأكواب
وتخازَرْنَ والمَعاصِرُ أبصاراً / حِداداً مَلِيئةً بالسّباب
نَظَراتٍ كانت خِطاباً بليغاً / ولدى " العاصرينَ " فحوى الخطاب
إنَّ خيرَ الشُهورِ إرثاً لشهرٍ / ما تَلقَّى " أيلولُ " من شهرِ " آب"
كيفَ لا ترقصُ الطبيعةُ في أرضٍ / ثراها مُخَضَّبٌ بالشراب
غاضَ " نبعُ " النَّهارِ يُؤْذنُ ضوء البدرِ / قد فاضَ نبعهُ بانسِكاب
وانزوَتْ تلكُمُ الخليعهُ ! طولَ اليومِ / " عُريانةً " وراءَ حجاب
وأتتْ في غَيابةِ " الشَّفَقِ "الأحمرِ / ما تشتهي مِنَ الألعاب
أي لونٍ ألقتْ على الأرضِ حَلَّى / كلَّ ما فوقَها وأيَّ خِضاب
هدأ الحَقْلُ والمدينةُ والغابُ / ودوَّى الصَّدى ورَجْعُ الجواب
ثمَّ سدَّ الدُروبَ جيشُ " الكَدودين " / طَوالَ النَّهارِ في أتعاب
حبَّذا منظرُ " الفؤوس " استراحتْ / في " نِطاقِ " الفلاَّحِ والحطَّاب
واستقلَّ الجبالَ " راعي " غُنَيْماتٍ / يُدَوّي " بزجلَةٍ " و " عتاب"
يا مَثارَ الأحلامِ يا عالَمَ الشّعر / طريّاً يا جَنَّةً من تراب
يا خيالاً لولا الحقيقةُ تُنبي / عنه كنَّا من أمرهِ في ارتياب
حسبُ نفسي من كلِّ ما يأسِرُ النَّفْسَ / اغتِراراً من الأماني العِذاب
هجعةٌ في ظِلال " أرزِكِ" تَنفي / مِن هُمومي ووَحشتي واكتئابي
وصديقي وحشٌ أعزُّ وأوفى / من حسودٍ ومن صديقٍ محابي
لا أقولُ " العدوُّ " إنَّ عِداتي / " نَسَبٌ " واضحٌ من الأنساب؟!
كلَّما شاقني التأملُ لفتَّني مجاري / المياهِ بينَ الشِّعاب
بينَ صفَّيْ " صَنَوْبرٍ " كشُعورِ الغيد / لُمَّتْ على قُدودٍ رِطاب
آيةُ اللهِ عندَ لُبنانً َ هذا الحسنُ / في عامرٍ له وخراب
رُبَّ " وادٍ " بادي المقاتِلِ تعلوهُ / الأخاديدُ كالجروح الرِّغاب
كانَ في سِحرهِ كآخَرَ زاهٍ / مستفيضِ المياهِ والأعشاب
وفِجاجٍ مَغْبَرّةٍ كُنَّ أبهى / روعةً من مُفَيَّحاتٍ رِحاب
قلتُ إذ حِرتُ : أيُّ أرض لها الفضلُ / على غيرها وحارَ صِحابي !
أدْخُلوا " جنَّةَ " النَّعيم تُلاقوا / ألفَ " رضوانَ " فاتحاً ألفَ باب
غيرَ أنّي أنكرتُ في جنَّةِ الفِردوسِ / "ربّاً " مُوَكَّلاً بعذاب!
إيهِ " لُبنانُ " والحديثُ شجونٌ / هل يُطيقُ البيانُ دَفعاً لما بي ؟
حارَ طيَّ الَّلهاةِ مّني سؤالٌ / أنا أدرى بردِّهِ والجواب!
ما تقولونَ في أديبٍ " حريبٍ! / مُسْتَقلٍّ " يلوذُ ب " الانتداب" ؟
خلتُ أني فررْتُ مِن " جوِّ بغدادَ " / وطُغيانِ " جَوْرها " الَّلَّهاب
ومِنَ البغيِ والتَّعَسّفِ والذُّلِّ / فظيعاً مُحَكَّماً في الرّقاب
ومِنَ الزّاحفينَ كالدُودِ " هُوناً " / تحتَ رِجليْ " مسْتَعْمِرٍ " غَلَّاب
ومنَ" الصَّائلينَ " في الحُكْمِ زُوراً / كخيولٍ " مُسوَّماتٍ " عراب
خِلْتُ أنّي نجوتُ مِنْ ذا ومن / بَطشةِ عاتٍ وخائنٍ كذّاب
غانماً " سَفرتي " وها أنا في حالٍ / تُريني غنيمتي في الإياب
أفيَبْقَى " الأحرارُ " مِنَّا ومِنكُم / بينَ سَوْطِ " الغريبِ " والإرهاب؟
أنا مذ همتُ فيكمُ كانَ دأبي
أنا مذ همتُ فيكمُ كانَ دأبي / أنَّ ما ترتَضون يحمله قلبي
إن تزيدوا الجوى فأهلاً وإلا / حَسبُكُم ما لقيتُ منكم وحسبي
وبحسبي من الأحبةِ ظُلماً / ان يُعَدَّ الغُلُوُّ في الحبِّ ذنبي
يعلم الناسُ ما لأكابدُ منكمْ / في سبيل الهَوى ويعلَمُ ربي
يا أبا صادقٍ أُحبُّك حُباً / ليس يبقي على اصطبار المُحِّب
إن عتَبنْا فلم يكن عن مَلال / أحسَنُ الوُدِّ ما يشاب بعَتْب
لستُ أدري عَقَقْتُ صَحبيَ لما / هِمتُ أم عَقَّني لأجلك صَحْبي
غير أني أراكَ وافقتَ طَبْعي / دونَ هذا الوَرَى وجانَسْتَ لُبي
واراني صَبّاً بأخلاقك الغُرِّ / وما كنتُ قبل ذاك بصَب
ولعَمري لقد تربيَّتُ حتى / عَرَفَ الناسُ فيكَ فضل المربي
ايُّ عيشٍ لي في العمارة رَغْدٌ / وزَمَانٌ مَضىَ هنالِك عَذْب
وأحاديثُ لا تُمَل من الوجدِ / بلَفظٍ كاللؤلؤ الرَطَبِ رَطْب
حبذا دجلةٌ وعن جانبيها / تَتَمشّى الظلالُ جَنباً لجنب
ان تَسَلْني عن الزَّمان وأهليهِ / فاني طِبٌّ بهم ايَّ طِب
عِش كما تشتهي اذا كنت خِبّاً / والزَم البيتَ إن تكنْ غيرَ خِب
ليت مولى " حَمدان " يُنشَرُ حياً / ليرى كيفَ حالهُ " المتنبي "
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو / ضةِ لطفٌ من السَّما مسكوبُ
ما أرقَّ الأصيلَ سال بشفَّافِ / شعاعٍ منه الفضاءُ الرحيب
كلُّ شيءٍ تحت السماء بلونٍ / شفقيًّ مورَّدٍ مخضوب
وكأن الآفاقَ تَحْتَضِنُ الأرضَ / بآصالِها إطارٌ ذهيب
مَتّعِ العينَ إنَّ حُسناً تراهُ / الآنَ من بعدِ ساعةٍ منهوب
والذي يخلَعُ الأصيلُ على الأرض / بكفِّ الدُّجى أخِيذٌ سليب
منظرٌ للحقولِ إذ تُشرقُ الشمسُ / جميلٌ وإذ يَحيِنُ الغروب
ولقد هزّني مسيلُ غديرٍ / مِنْ على جانبيهِ روضٌ عشيب
يُظهِر الشيءَ ضدُّه وتُجارى / بسواها محاسنٌ وعيوب
وكذاكَ المرعى الخصيبُ يُحلّيه / إلى الناظرينَ مرعىً جديب
ثمَّ دبَّ المَساءُ تَقْدمُه الأطيارُ / مرعوبةً وريحٌ جَنوب
وغناءٌ يتلو غناءً ورُعيانٌ / بقُطْعانِهم تَضيقُ الدروب
يَحْبِسُ العينَ لانتشار الدياجي / في السَّما منظرٌ لطيفٌ مَهيب
شفَقٌ رائعٌ رويداً رويداً / تحتَ جُنحٍ من الظلام يذوب
وترى السُحبَ طيَّةً تِلوَ أُخرى / قد أُجيد التنسيقُ والترتيب
وتراها وشعلةً الشفقِ الأحمرِ / تبدو أثناءها وتغيب
كرَمادٍ خلاَّهُ وانزاحَ عنه / قبسٌ وسْطَ غابةٍ مشبوب
ثمَّ سدَّ الأفقَ الدُّخانُ تعالى / من بيوتٍ للنارِ فيها شُبوب
منظرٌ يبعثُ الفراهة والأنسَ لقلبِ / الفلاّح حين يئوب
يعرفُ اللقمةَ الهنيئةَ في البيتِ / مُجدٌّ طولَ النهار دَءوب
بُرهةً ريثما انقضى سمرٌ / تقطرُ لطفاُ أطرافُه وتَطيب
واستقلَّ السريرَ أو حُزمةَ القشِّ / أريبٌ نِضْوٌ حريبٌ تَريب
سكنَتْ كلُّ نأمةٍ واستقرَّتْ / واستفزَّ الأسماعَ حتَّى الدَّبيب
واحتواهمْ كالموتِ نومٌ عميق / وتغشَّاهُمُ سكونٌ رهيب
ولقد تَخرِقُ الهدوءَ شُويهاتٌ / وديكٌ يدعو وديكٌ يُجيب
أو نداءاتُ حارسٍ وهو في الأشباح / لاحتْ لعينه مستريب
أو صدَى " طَلقةٍ " يبيتُ عليها / أحدُ الجانبينِ وهو حريب
تركَ الزارعُ المَزارعَ للكلب / فأضحى خلالَهنَّ يجوب
شامخٌ كالذي يُناطُ به الحكمُ / له جَيئةٌ بها وذُهوب
كانَ جُهدُ الفلاّحِ خفَّف عنه / جَهدهُ فهو مُستكِنٌّ أديب
وهو في الميلِ غيرهُ الصبحَ وحشٌ / هائجٌ ضيِّق الفؤادِ غَضوب
فاحصٌ ظُفْرَه ونابيهِ أحلى / ما لديهِ أظفارهُ والنُيوب
إنَّه عن رِعاية الحَقلِ مسئول / على ترك أمره معتوب
وكثيراً ما سرَّه أنَّه بات / جريحاً ورأسًه مشجوب
ليرى السيّدُ الذي ناب عنه / أنَّ حيوانَه شُجاعٌ أريب
ولكيلا يرى مُسامحةً / يَعدِلُ منها لغيره ويُنيب
للقُريَّاتِ عالَمٌ مُستقلٌّ / هو عن عالَمٍ سواه غريب
يتساوى غروبُهم وركودُ النفس / منهم وفجرهُم والهبُوب
كطيور السماءِ همّهُمُ الأوحدُ / زرعٌ يرَعْونه وحبوب
يلحظون السماءَ آناً فآناً / ضحكُهم طوعُ أمرها والقُطوب
أتُرى الجوَّ هادئاً أمْ عَصوفاً / أتصوبُ السماء أمْ لا تصوب
إن يومَ الفلاّحِ مهما اكتسى حُسناً / بغير الغيومِ يومٌ عصيب
وهو بالغيمِ يخنقُ القلب والأفقَ / جميلٌ في عينه محبوب
للقُرى روعةٌ وللقرويِّين / إذا صابَ أرضهم شُؤبوب
تُبْصِرُ الكلَّ ثمَّ حتى الصَّبايا / فوقَ سِيمائهم هناءٌ وطِيب
يُفرِح البيتَ أنَّه سوف تُمسي / بقراتٌ فيه وعنزٌ حَلوب
ويرى الطفلُ أنَّ حصتَّه إذْ / يُخصبُ الوالدان ثوبٌ قشيب
أذكياءٌ عيونُهم تسبقُ الألسُنَ / عمَّا ترومه وتنوب
والذي يَستمدُّ من عالم القريةِ / وَحياً وعيشةً لَلبيب
مطمئنونَ يحلُمونَ بأنَّ الخيرَ / والشرَّ كُلّهُ مكتوب
لا يطيرونَ من سرورٍ ولا حزنٍ / شَعاعاً لأنه محسوب
ولقد يغضَبون إذ ينزلُ الغيثُ / شحيحاً .والأرضُ عطشى تلوب
أتُرى كانَ يعوِز اللهَ ماءٌ / لو أتتْ دِيمةٌ علينا سَكوب
ثمَّ يستفظعون إثمَ الذي قالوا / فينوونَ عندهُ أنْ يتوبوا
فإذا الشمسُ فوقهم فيقولون / أعُقبى إنابةٍ تعذيب
أفإيمانُنا بعيدٌ عنِ الخيرِ / وُكفراننا إليه قريب
هكذا يَرجِعُ التقيُّ أمامَ / العقلِ وهو المشكِّكُ المغلوب
قلتُ إذ رِيعَ خاطري من مُحيطٍ / كلُّ ما فيه موحشٌ وكئيب
ليس عدلاً تشاؤمُ المرءِ في الدنيا / وفيها هذا المحيط الطَروب
مِلءُ عينيكَ خضرة تَستسرٌّ / النفسُ منها وتُستطار القلوب
عندَهم مثلَ غيرِهم رغباتٌ / وعليهمْ كما عليه خطوب
غير أنّ الحياةَ حيثُ / تكونُ المدنيَّاتُ جُلّها تعذيب
كلَّما استُحدثتْ ضروبُ أمانٍ / أعقبتها من البلايا ضروب
وكأنَّ السرورَ يُومِض برقاً / من خِلال الغيومِ ثمَّ يَغيب
لا ترى ثَمَّ – غيرَ أن يتركَ الحبُّ / شحوباً – وجهاً علاهُ الشحوب
ثمّ لاشيء عن سنا الشمس ممنوعٌ / ولا عن طلاقةٍ محجوب
الهواءُ الهبَّابُ والنورُ / والخضرةُ تأتي ما ليس يأتي الطبيب
ثمّ باسمِ الحصادِ في كلّ حقلٍ / تتناجى حبيبةٌ وحبيب
قال فردٌ منهمْ لأخرى وقد / هَيَّجَ نفسيهما ربيعٌ خصيب
طابَ مَنشا زروعِنا فأجابت : / إنَّ نشءاً يرعاهُ كْفءٌ يطيب
قال ما أصبرَ الحقولَ على الناسِ / فقالتْ ومثلُهنَّ القلوب
إنّ ما تفعلُ المناجلُ فيها / دونَ ما يفعلُ الشجا والوجيب
ينهضُ الزرعُ بعدَ حصدٍ وقد / يُجتثُّ من أصله فؤادٌ كئيب
يا فؤادي المكروبُ بعثرَكَ الهمُّ / كما بُعثِرَ الثرى المكروب
وعيوني هلاّ نَضبتِ وقد ينضبُ / من فرطِ ما يسيل القليب
عندَهم منطقٌ هنالكَ للحبِّ / جميلٌ وعندَهم أُسلوب
ولهم في الغرامِ أَكْثَر ممّا / لسواهمْ مضايقٌ ودروب
مُلَحٌ خُصصِّتْ لهم ونِكاتٌ / ملؤهنَّ الإبداعُ والتهذيب
ثَمَّ تحتَ الستارِ ممتَلكٌ بالحبِّ / عفواً ومثلُه مغصوب
إنهمْ يُذنبونَ . ثم يقولون: / محالٌ أنْ لا تكونَ ذُنوب
نحنُ نبتُ الطبيعةِ البِكرِ فينا / حسناتٌ منها وفينا عيوب
بنتُنا وابنُنا معاً يرقُبانِ الزرعَ / والضرعَ والضمير رقيب
ليس ندري ما يفعلانِ ولا نعلمُ / عمَّا زُرّتْ عليه الجيوب
ما علينا ما غابَ عنَّا فعندَ / اللهِ تُحصى مظاهرٌ وغيوب
غيرَ أنَّا ندري وكنَّا شباباً / نتصابى أنَّ الجمالَ جَذوب
والفتى ما استطاعَ مُندفِعٌ نحو / الصباباتِ والفتاةُ لَعوب
بالتصابي يُذكي الشبابُ ويغتُّر / كما بالرِّياح يُذكى اللهيب
ثمّ عندَ اللقاء يُعرفُ إن كان / هنلكم " نجيبةٌ ! " أو نجيب
إنّ بعضَ الرجال يبدو أمامَ الحبِّ / صُلباً والأكثرون يذوب
والتجاريبُ علَّمتنا بأنّ المرءَ / غِرٌّ يُقيمه التجريب
ليس بِدعاً أن نَستريبَ ولكن / نتمنىَّ ألاّ نرى ما يُريب
ليس فينا والحمدُ للهِ حتى الآنَ / بيتٌ " إناؤهُ مقلوب "
فإذا كانَ ما نخافُ فهرقُ الدّمِ / سهلٌ كما تُراقُ ذَنوب
منطقٌ للعقولِ أقربُ ممَّا / يدَّعيه أخو عَفافٍ مُريب
ولقد يرمزونَ " عنَّا " بأنَّا / كلُّ ما في محيطنا مَثلوب
فيقولون: قد تطيحُ من العارِ / بيوتٌ وقد تثورُ حروب
والخَناسبَّةٌ علينا ولكن / في القُرى كلُّ ناقصٍ مسبوب
عندنا كالفتى " الخفيفِ " لئيمٌ / وجبانٌ وغادرٌ وكذوب
يُخجِلُ الناسَ في القُرى أنَّ فرداً / من أُلاءٍ عليهمُ محسوب
إنَّه من خصائص المدنيَّاتِ / إليها شنارهُم منسوب
في القُرى يوسعوننا وصماتٍ / مُخجِلٍ أمرها " البداةَ " مَعيب
فيقولونَ : كلُّ شيءٍ صريحٍ / عندنا – عندكم خليطٌ مَشوب
شُوّشَتْ منكم وسيطتْ سِماتٌ / ولُغاتٌ ولهجةٌ وحليب
إنَّكم من نماذجِ العَربِ الساطينَ / ظُلماً عليهم تعريب!
كجليبٍ من البضائعِ يأتيكم من / العالمينَ وجةٌ جليب
هو منكمْ كالأهلِ في كلِّ شيءٍ / وهو فينا عن كلِّ شيءٍ جنيب
إنَّكم تمدحونَ خُبثاً وعدواناً / وغدراً كأنما المرءُ ذيب
أنا إنْ كنت مُرهقاً في شبابي
أنا إنْ كنت مُرهقاً في شبابي / مُثقلاً بالهموم والأوصابِ
فمتى أعرف الطلاقةَ والأنسَ / ألمَّا أكونُ تحت التراب؟
خبَّروني فانني من لُباناتي / وعيشي رهينُ أمرٍ عُجاب
أيُّ حالٍ هذي وما السرُّ في تكوين / خلقٍ بهذه الأعصاب
أبداً ينظرُ الحوداثَ والعالمَ / والناسَ من وراءِ ضَباب
ليس شيءٌ من التجانس في نفسٍ / نواسيَّةٍ وعيشٍ صَحابي
شمتتْ بي رجعيَّةٌ ألهبتها / فكرةٌ حرَّة بسوطِ عذاب
وشكتني مسرَّةٌ وارتياحٌ / وبكتني مُجانةٌ وتصابي
تدَّعيني لِما وراء ثيابِ البعض / نفسٌ سريعةُ الاِلتهاب
فتَراني وقد حُرِمت أُسلّي / النفس عنها بلمس تلك الثياب
فإذا لم تكنْ تعوَّضْتُ عنها / صُوراً من تخيّلاتٍ عِذاب
ولقد تخطر " المباذل " في بالي / بشكلٍ يدعو إلى الاِضطراب
أو بشكل يدعو إلى استحياء / أو بشكل يدعو إلى الاعجاب
فتُراني مفكراً هل مواتاة التراضي / أحلى من الاغتصاب ؟
وهل " الفَعلةُ " التي خنتُ فيها / خَلَّتي والتي دعت لاجتنابي
والتي جِئتُها أُكفّر عنها / بكتابٍ أردفته بكتاب
كنت عينَ المصيب فيها وكانت / فَعلةٌ مثلَ تلك عينَ الصواب؟
بشر جاش بالعواطف حتى / جذبتهُ جريمةُ الاِرتكاب
أم تُراني لبست فيها على حين / اندفاع مني لباسَ ذئاب ؟
أتُراها نتيجة الشرب أم أنيَ / ظلماً ألصقتها بالشراب ؟

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025