المجموع : 4
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي / يا سُهولاً تَدَثَّرَتْ بالهِضابِ
غسَلَ البحرُ أخْمَصَيْها ورشَّتْ / عبِقاتُ النَّدى جِباهَ الرَّوابي
واحتواها " صِنّينُ " بينَ ذِراعيه / عجوزاً له رُواءُ الشَّباب
كلَّلتْ رأسَهُ " الثّلوجُ " ومسَّتْهُ / بأذيِالها مُتونُ السَّحاب
وانثنى " كالاطار " يحتضِنُ الصّورةَ / تُزْهَى أو جَدْولٍ في كتاب
كلَّما غامَ كُربةً من ضَبابٍ / فرَّجَتْ عنه قُبْلةٌ من شِهاب
وبدَتْ عندَ سفحِه خاشِعاتُ / الدور مثل " الزٍّميت " في مِحراب
وحواليَهِ من ذَراريهِ أنماطٌ / لِطافٌ من مُسْتَقِلٍّ وكابي
و " القُرَيَّاتُ " كالعرائس تُجْلى / كلَّ آنٍ تلوحُ في جِلباب
منْ رقيقِ الغُيوم تحتَ نِقابِ / ومِنَ الشَّمسِ طلقةً في إهاب
وهي في الحالتين فِتنةُ راءٍ / بينَ لونينِ من مُشِعٍّ وخابي
والبيوتُ المُبَعْثراتُ " نَثارُ " / العُرس مبثوثةً بدونِ حساب
وتراها بينَ الخمائلِ تلتفُّ / عليها عمارةً في غاب
وتماسَكْنَ – والطبيعةُ شِعرٌ - / كقوافٍ يَلْمَعْنَ غيرَ نوابي
زهوُ حُمْرِ القبِاب في الجبَلِ الأخضرِ / يَسبي كزهو أهلِ القباب
و " الكرومُ " المُعرِّشاتُ حُبالى / مُرضِعاتٌ كرائمَ الأعناب
حانياتٌ على " الدوالي " تُحَلِّينَ / عناقيدَ زينةً للكعاب
رافعاتُ الرءوسِ شُكْراً وأُخرى / ساجداتٌ شُكْراً على الأعتاب
سِلْنَ في الحَقْل مثلَ رُوحٍ لجسمٍ / وتمدَّدْنَ فيهِ كالأعصاب
وتصايَحْنَ: أين .أينَ النَّدامى ؟ / وتغامَزْنَ ثَمَّ للأكواب
وتخازَرْنَ والمَعاصِرُ أبصاراً / حِداداً مَلِيئةً بالسّباب
نَظَراتٍ كانت خِطاباً بليغاً / ولدى " العاصرينَ " فحوى الخطاب
إنَّ خيرَ الشُهورِ إرثاً لشهرٍ / ما تَلقَّى " أيلولُ " من شهرِ " آب"
كيفَ لا ترقصُ الطبيعةُ في أرضٍ / ثراها مُخَضَّبٌ بالشراب
غاضَ " نبعُ " النَّهارِ يُؤْذنُ ضوء البدرِ / قد فاضَ نبعهُ بانسِكاب
وانزوَتْ تلكُمُ الخليعهُ ! طولَ اليومِ / " عُريانةً " وراءَ حجاب
وأتتْ في غَيابةِ " الشَّفَقِ "الأحمرِ / ما تشتهي مِنَ الألعاب
أي لونٍ ألقتْ على الأرضِ حَلَّى / كلَّ ما فوقَها وأيَّ خِضاب
هدأ الحَقْلُ والمدينةُ والغابُ / ودوَّى الصَّدى ورَجْعُ الجواب
ثمَّ سدَّ الدُروبَ جيشُ " الكَدودين " / طَوالَ النَّهارِ في أتعاب
حبَّذا منظرُ " الفؤوس " استراحتْ / في " نِطاقِ " الفلاَّحِ والحطَّاب
واستقلَّ الجبالَ " راعي " غُنَيْماتٍ / يُدَوّي " بزجلَةٍ " و " عتاب"
يا مَثارَ الأحلامِ يا عالَمَ الشّعر / طريّاً يا جَنَّةً من تراب
يا خيالاً لولا الحقيقةُ تُنبي / عنه كنَّا من أمرهِ في ارتياب
حسبُ نفسي من كلِّ ما يأسِرُ النَّفْسَ / اغتِراراً من الأماني العِذاب
هجعةٌ في ظِلال " أرزِكِ" تَنفي / مِن هُمومي ووَحشتي واكتئابي
وصديقي وحشٌ أعزُّ وأوفى / من حسودٍ ومن صديقٍ محابي
لا أقولُ " العدوُّ " إنَّ عِداتي / " نَسَبٌ " واضحٌ من الأنساب؟!
كلَّما شاقني التأملُ لفتَّني مجاري / المياهِ بينَ الشِّعاب
بينَ صفَّيْ " صَنَوْبرٍ " كشُعورِ الغيد / لُمَّتْ على قُدودٍ رِطاب
آيةُ اللهِ عندَ لُبنانً َ هذا الحسنُ / في عامرٍ له وخراب
رُبَّ " وادٍ " بادي المقاتِلِ تعلوهُ / الأخاديدُ كالجروح الرِّغاب
كانَ في سِحرهِ كآخَرَ زاهٍ / مستفيضِ المياهِ والأعشاب
وفِجاجٍ مَغْبَرّةٍ كُنَّ أبهى / روعةً من مُفَيَّحاتٍ رِحاب
قلتُ إذ حِرتُ : أيُّ أرض لها الفضلُ / على غيرها وحارَ صِحابي !
أدْخُلوا " جنَّةَ " النَّعيم تُلاقوا / ألفَ " رضوانَ " فاتحاً ألفَ باب
غيرَ أنّي أنكرتُ في جنَّةِ الفِردوسِ / "ربّاً " مُوَكَّلاً بعذاب!
إيهِ " لُبنانُ " والحديثُ شجونٌ / هل يُطيقُ البيانُ دَفعاً لما بي ؟
حارَ طيَّ الَّلهاةِ مّني سؤالٌ / أنا أدرى بردِّهِ والجواب!
ما تقولونَ في أديبٍ " حريبٍ! / مُسْتَقلٍّ " يلوذُ ب " الانتداب" ؟
خلتُ أني فررْتُ مِن " جوِّ بغدادَ " / وطُغيانِ " جَوْرها " الَّلَّهاب
ومِنَ البغيِ والتَّعَسّفِ والذُّلِّ / فظيعاً مُحَكَّماً في الرّقاب
ومِنَ الزّاحفينَ كالدُودِ " هُوناً " / تحتَ رِجليْ " مسْتَعْمِرٍ " غَلَّاب
ومنَ" الصَّائلينَ " في الحُكْمِ زُوراً / كخيولٍ " مُسوَّماتٍ " عراب
خِلْتُ أنّي نجوتُ مِنْ ذا ومن / بَطشةِ عاتٍ وخائنٍ كذّاب
غانماً " سَفرتي " وها أنا في حالٍ / تُريني غنيمتي في الإياب
أفيَبْقَى " الأحرارُ " مِنَّا ومِنكُم / بينَ سَوْطِ " الغريبِ " والإرهاب؟
أنا مذ همتُ فيكمُ كانَ دأبي
أنا مذ همتُ فيكمُ كانَ دأبي / أنَّ ما ترتَضون يحمله قلبي
إن تزيدوا الجوى فأهلاً وإلا / حَسبُكُم ما لقيتُ منكم وحسبي
وبحسبي من الأحبةِ ظُلماً / ان يُعَدَّ الغُلُوُّ في الحبِّ ذنبي
يعلم الناسُ ما لأكابدُ منكمْ / في سبيل الهَوى ويعلَمُ ربي
يا أبا صادقٍ أُحبُّك حُباً / ليس يبقي على اصطبار المُحِّب
إن عتَبنْا فلم يكن عن مَلال / أحسَنُ الوُدِّ ما يشاب بعَتْب
لستُ أدري عَقَقْتُ صَحبيَ لما / هِمتُ أم عَقَّني لأجلك صَحْبي
غير أني أراكَ وافقتَ طَبْعي / دونَ هذا الوَرَى وجانَسْتَ لُبي
واراني صَبّاً بأخلاقك الغُرِّ / وما كنتُ قبل ذاك بصَب
ولعَمري لقد تربيَّتُ حتى / عَرَفَ الناسُ فيكَ فضل المربي
ايُّ عيشٍ لي في العمارة رَغْدٌ / وزَمَانٌ مَضىَ هنالِك عَذْب
وأحاديثُ لا تُمَل من الوجدِ / بلَفظٍ كاللؤلؤ الرَطَبِ رَطْب
حبذا دجلةٌ وعن جانبيها / تَتَمشّى الظلالُ جَنباً لجنب
ان تَسَلْني عن الزَّمان وأهليهِ / فاني طِبٌّ بهم ايَّ طِب
عِش كما تشتهي اذا كنت خِبّاً / والزَم البيتَ إن تكنْ غيرَ خِب
ليت مولى " حَمدان " يُنشَرُ حياً / ليرى كيفَ حالهُ " المتنبي "
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو / ضةِ لطفٌ من السَّما مسكوبُ
ما أرقَّ الأصيلَ سال بشفَّافِ / شعاعٍ منه الفضاءُ الرحيب
كلُّ شيءٍ تحت السماء بلونٍ / شفقيًّ مورَّدٍ مخضوب
وكأن الآفاقَ تَحْتَضِنُ الأرضَ / بآصالِها إطارٌ ذهيب
مَتّعِ العينَ إنَّ حُسناً تراهُ / الآنَ من بعدِ ساعةٍ منهوب
والذي يخلَعُ الأصيلُ على الأرض / بكفِّ الدُّجى أخِيذٌ سليب
منظرٌ للحقولِ إذ تُشرقُ الشمسُ / جميلٌ وإذ يَحيِنُ الغروب
ولقد هزّني مسيلُ غديرٍ / مِنْ على جانبيهِ روضٌ عشيب
يُظهِر الشيءَ ضدُّه وتُجارى / بسواها محاسنٌ وعيوب
وكذاكَ المرعى الخصيبُ يُحلّيه / إلى الناظرينَ مرعىً جديب
ثمَّ دبَّ المَساءُ تَقْدمُه الأطيارُ / مرعوبةً وريحٌ جَنوب
وغناءٌ يتلو غناءً ورُعيانٌ / بقُطْعانِهم تَضيقُ الدروب
يَحْبِسُ العينَ لانتشار الدياجي / في السَّما منظرٌ لطيفٌ مَهيب
شفَقٌ رائعٌ رويداً رويداً / تحتَ جُنحٍ من الظلام يذوب
وترى السُحبَ طيَّةً تِلوَ أُخرى / قد أُجيد التنسيقُ والترتيب
وتراها وشعلةً الشفقِ الأحمرِ / تبدو أثناءها وتغيب
كرَمادٍ خلاَّهُ وانزاحَ عنه / قبسٌ وسْطَ غابةٍ مشبوب
ثمَّ سدَّ الأفقَ الدُّخانُ تعالى / من بيوتٍ للنارِ فيها شُبوب
منظرٌ يبعثُ الفراهة والأنسَ لقلبِ / الفلاّح حين يئوب
يعرفُ اللقمةَ الهنيئةَ في البيتِ / مُجدٌّ طولَ النهار دَءوب
بُرهةً ريثما انقضى سمرٌ / تقطرُ لطفاُ أطرافُه وتَطيب
واستقلَّ السريرَ أو حُزمةَ القشِّ / أريبٌ نِضْوٌ حريبٌ تَريب
سكنَتْ كلُّ نأمةٍ واستقرَّتْ / واستفزَّ الأسماعَ حتَّى الدَّبيب
واحتواهمْ كالموتِ نومٌ عميق / وتغشَّاهُمُ سكونٌ رهيب
ولقد تَخرِقُ الهدوءَ شُويهاتٌ / وديكٌ يدعو وديكٌ يُجيب
أو نداءاتُ حارسٍ وهو في الأشباح / لاحتْ لعينه مستريب
أو صدَى " طَلقةٍ " يبيتُ عليها / أحدُ الجانبينِ وهو حريب
تركَ الزارعُ المَزارعَ للكلب / فأضحى خلالَهنَّ يجوب
شامخٌ كالذي يُناطُ به الحكمُ / له جَيئةٌ بها وذُهوب
كانَ جُهدُ الفلاّحِ خفَّف عنه / جَهدهُ فهو مُستكِنٌّ أديب
وهو في الميلِ غيرهُ الصبحَ وحشٌ / هائجٌ ضيِّق الفؤادِ غَضوب
فاحصٌ ظُفْرَه ونابيهِ أحلى / ما لديهِ أظفارهُ والنُيوب
إنَّه عن رِعاية الحَقلِ مسئول / على ترك أمره معتوب
وكثيراً ما سرَّه أنَّه بات / جريحاً ورأسًه مشجوب
ليرى السيّدُ الذي ناب عنه / أنَّ حيوانَه شُجاعٌ أريب
ولكيلا يرى مُسامحةً / يَعدِلُ منها لغيره ويُنيب
للقُريَّاتِ عالَمٌ مُستقلٌّ / هو عن عالَمٍ سواه غريب
يتساوى غروبُهم وركودُ النفس / منهم وفجرهُم والهبُوب
كطيور السماءِ همّهُمُ الأوحدُ / زرعٌ يرَعْونه وحبوب
يلحظون السماءَ آناً فآناً / ضحكُهم طوعُ أمرها والقُطوب
أتُرى الجوَّ هادئاً أمْ عَصوفاً / أتصوبُ السماء أمْ لا تصوب
إن يومَ الفلاّحِ مهما اكتسى حُسناً / بغير الغيومِ يومٌ عصيب
وهو بالغيمِ يخنقُ القلب والأفقَ / جميلٌ في عينه محبوب
للقُرى روعةٌ وللقرويِّين / إذا صابَ أرضهم شُؤبوب
تُبْصِرُ الكلَّ ثمَّ حتى الصَّبايا / فوقَ سِيمائهم هناءٌ وطِيب
يُفرِح البيتَ أنَّه سوف تُمسي / بقراتٌ فيه وعنزٌ حَلوب
ويرى الطفلُ أنَّ حصتَّه إذْ / يُخصبُ الوالدان ثوبٌ قشيب
أذكياءٌ عيونُهم تسبقُ الألسُنَ / عمَّا ترومه وتنوب
والذي يَستمدُّ من عالم القريةِ / وَحياً وعيشةً لَلبيب
مطمئنونَ يحلُمونَ بأنَّ الخيرَ / والشرَّ كُلّهُ مكتوب
لا يطيرونَ من سرورٍ ولا حزنٍ / شَعاعاً لأنه محسوب
ولقد يغضَبون إذ ينزلُ الغيثُ / شحيحاً .والأرضُ عطشى تلوب
أتُرى كانَ يعوِز اللهَ ماءٌ / لو أتتْ دِيمةٌ علينا سَكوب
ثمَّ يستفظعون إثمَ الذي قالوا / فينوونَ عندهُ أنْ يتوبوا
فإذا الشمسُ فوقهم فيقولون / أعُقبى إنابةٍ تعذيب
أفإيمانُنا بعيدٌ عنِ الخيرِ / وُكفراننا إليه قريب
هكذا يَرجِعُ التقيُّ أمامَ / العقلِ وهو المشكِّكُ المغلوب
قلتُ إذ رِيعَ خاطري من مُحيطٍ / كلُّ ما فيه موحشٌ وكئيب
ليس عدلاً تشاؤمُ المرءِ في الدنيا / وفيها هذا المحيط الطَروب
مِلءُ عينيكَ خضرة تَستسرٌّ / النفسُ منها وتُستطار القلوب
عندَهم مثلَ غيرِهم رغباتٌ / وعليهمْ كما عليه خطوب
غير أنّ الحياةَ حيثُ / تكونُ المدنيَّاتُ جُلّها تعذيب
كلَّما استُحدثتْ ضروبُ أمانٍ / أعقبتها من البلايا ضروب
وكأنَّ السرورَ يُومِض برقاً / من خِلال الغيومِ ثمَّ يَغيب
لا ترى ثَمَّ – غيرَ أن يتركَ الحبُّ / شحوباً – وجهاً علاهُ الشحوب
ثمّ لاشيء عن سنا الشمس ممنوعٌ / ولا عن طلاقةٍ محجوب
الهواءُ الهبَّابُ والنورُ / والخضرةُ تأتي ما ليس يأتي الطبيب
ثمّ باسمِ الحصادِ في كلّ حقلٍ / تتناجى حبيبةٌ وحبيب
قال فردٌ منهمْ لأخرى وقد / هَيَّجَ نفسيهما ربيعٌ خصيب
طابَ مَنشا زروعِنا فأجابت : / إنَّ نشءاً يرعاهُ كْفءٌ يطيب
قال ما أصبرَ الحقولَ على الناسِ / فقالتْ ومثلُهنَّ القلوب
إنّ ما تفعلُ المناجلُ فيها / دونَ ما يفعلُ الشجا والوجيب
ينهضُ الزرعُ بعدَ حصدٍ وقد / يُجتثُّ من أصله فؤادٌ كئيب
يا فؤادي المكروبُ بعثرَكَ الهمُّ / كما بُعثِرَ الثرى المكروب
وعيوني هلاّ نَضبتِ وقد ينضبُ / من فرطِ ما يسيل القليب
عندَهم منطقٌ هنالكَ للحبِّ / جميلٌ وعندَهم أُسلوب
ولهم في الغرامِ أَكْثَر ممّا / لسواهمْ مضايقٌ ودروب
مُلَحٌ خُصصِّتْ لهم ونِكاتٌ / ملؤهنَّ الإبداعُ والتهذيب
ثَمَّ تحتَ الستارِ ممتَلكٌ بالحبِّ / عفواً ومثلُه مغصوب
إنهمْ يُذنبونَ . ثم يقولون: / محالٌ أنْ لا تكونَ ذُنوب
نحنُ نبتُ الطبيعةِ البِكرِ فينا / حسناتٌ منها وفينا عيوب
بنتُنا وابنُنا معاً يرقُبانِ الزرعَ / والضرعَ والضمير رقيب
ليس ندري ما يفعلانِ ولا نعلمُ / عمَّا زُرّتْ عليه الجيوب
ما علينا ما غابَ عنَّا فعندَ / اللهِ تُحصى مظاهرٌ وغيوب
غيرَ أنَّا ندري وكنَّا شباباً / نتصابى أنَّ الجمالَ جَذوب
والفتى ما استطاعَ مُندفِعٌ نحو / الصباباتِ والفتاةُ لَعوب
بالتصابي يُذكي الشبابُ ويغتُّر / كما بالرِّياح يُذكى اللهيب
ثمّ عندَ اللقاء يُعرفُ إن كان / هنلكم " نجيبةٌ ! " أو نجيب
إنّ بعضَ الرجال يبدو أمامَ الحبِّ / صُلباً والأكثرون يذوب
والتجاريبُ علَّمتنا بأنّ المرءَ / غِرٌّ يُقيمه التجريب
ليس بِدعاً أن نَستريبَ ولكن / نتمنىَّ ألاّ نرى ما يُريب
ليس فينا والحمدُ للهِ حتى الآنَ / بيتٌ " إناؤهُ مقلوب "
فإذا كانَ ما نخافُ فهرقُ الدّمِ / سهلٌ كما تُراقُ ذَنوب
منطقٌ للعقولِ أقربُ ممَّا / يدَّعيه أخو عَفافٍ مُريب
ولقد يرمزونَ " عنَّا " بأنَّا / كلُّ ما في محيطنا مَثلوب
فيقولون: قد تطيحُ من العارِ / بيوتٌ وقد تثورُ حروب
والخَناسبَّةٌ علينا ولكن / في القُرى كلُّ ناقصٍ مسبوب
عندنا كالفتى " الخفيفِ " لئيمٌ / وجبانٌ وغادرٌ وكذوب
يُخجِلُ الناسَ في القُرى أنَّ فرداً / من أُلاءٍ عليهمُ محسوب
إنَّه من خصائص المدنيَّاتِ / إليها شنارهُم منسوب
في القُرى يوسعوننا وصماتٍ / مُخجِلٍ أمرها " البداةَ " مَعيب
فيقولونَ : كلُّ شيءٍ صريحٍ / عندنا – عندكم خليطٌ مَشوب
شُوّشَتْ منكم وسيطتْ سِماتٌ / ولُغاتٌ ولهجةٌ وحليب
إنَّكم من نماذجِ العَربِ الساطينَ / ظُلماً عليهم تعريب!
كجليبٍ من البضائعِ يأتيكم من / العالمينَ وجةٌ جليب
هو منكمْ كالأهلِ في كلِّ شيءٍ / وهو فينا عن كلِّ شيءٍ جنيب
إنَّكم تمدحونَ خُبثاً وعدواناً / وغدراً كأنما المرءُ ذيب
أنا إنْ كنت مُرهقاً في شبابي
أنا إنْ كنت مُرهقاً في شبابي / مُثقلاً بالهموم والأوصابِ
فمتى أعرف الطلاقةَ والأنسَ / ألمَّا أكونُ تحت التراب؟
خبَّروني فانني من لُباناتي / وعيشي رهينُ أمرٍ عُجاب
أيُّ حالٍ هذي وما السرُّ في تكوين / خلقٍ بهذه الأعصاب
أبداً ينظرُ الحوداثَ والعالمَ / والناسَ من وراءِ ضَباب
ليس شيءٌ من التجانس في نفسٍ / نواسيَّةٍ وعيشٍ صَحابي
شمتتْ بي رجعيَّةٌ ألهبتها / فكرةٌ حرَّة بسوطِ عذاب
وشكتني مسرَّةٌ وارتياحٌ / وبكتني مُجانةٌ وتصابي
تدَّعيني لِما وراء ثيابِ البعض / نفسٌ سريعةُ الاِلتهاب
فتَراني وقد حُرِمت أُسلّي / النفس عنها بلمس تلك الثياب
فإذا لم تكنْ تعوَّضْتُ عنها / صُوراً من تخيّلاتٍ عِذاب
ولقد تخطر " المباذل " في بالي / بشكلٍ يدعو إلى الاِضطراب
أو بشكل يدعو إلى استحياء / أو بشكل يدعو إلى الاعجاب
فتُراني مفكراً هل مواتاة التراضي / أحلى من الاغتصاب ؟
وهل " الفَعلةُ " التي خنتُ فيها / خَلَّتي والتي دعت لاجتنابي
والتي جِئتُها أُكفّر عنها / بكتابٍ أردفته بكتاب
كنت عينَ المصيب فيها وكانت / فَعلةٌ مثلَ تلك عينَ الصواب؟
بشر جاش بالعواطف حتى / جذبتهُ جريمةُ الاِرتكاب
أم تُراني لبست فيها على حين / اندفاع مني لباسَ ذئاب ؟
أتُراها نتيجة الشرب أم أنيَ / ظلماً ألصقتها بالشراب ؟