القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : حافِظ إِبراهِيم الكل
المجموع : 6
بَكِّرا صاحِبَيَّ يَومَ الإِيابِ
بَكِّرا صاحِبَيَّ يَومَ الإِيابِ / وَقِفا بي بِعَينِ شَمسٍ قِفا بي
إِنَّني وَالَّذي يَرى ما بِنَفسي / لَمَشوقٌ لِظِلِّ تِلكَ الرِحابِ
يا أَميناً عَلى الحَقيقَةِ وَالإِف / تاءِ وَالشَرعِ وَالهُدى وَالكِتابِ
أَنتَ نِعمَ الإِمامُ في مَوطِنِ الرَأ / يِ وَنِعمَ الإِمامُ في المِحرابِ
خَشَعَ البَحرُ إِذ رَكِبتَ جَواري / هِ خُشوعَ القُلوبِ يَومَ الحِسابِ
وَبَدا ماؤُهُ كَخاطِرِكَ المَص / قولِ أَو كَالفِرِندِ أَو كَالسَرابِ
يَتَجَلّى كَأَنَّهُ صُحُفُ الأَب / رارِ مَنشورَةً بِيَومِ المَآبِ
عَلِمَت مَن تُقِلُّ فَاِنبَعَثَت لِل / قَصدِ مِثلَ اِنبِعاثِهِ لِلثَوابِ
فَهِيَ تَسري كَأَنَّها دَعوَةُ المُض / طَرِّ في مَسبَحِ الدُعاءِ المُجابِ
وَضِياءُ الإِمامِ يوضِحُ لِلرُب / بانِ سُبلَ النَجاةِ فَوقَ العُبابِ
باتَ يُغنيهِ عَن مُكافَحَةِ البَح / رِ وَرُقبى النُجومِ وَالأَقطابِ
وَسَرى البَرقُ لِلجَزائِرِ بِالبُش / رى بِقُربِ المُطَهَّرِ الأَوّابِ
فَسَعى أَهلُها إِلى شاطِئِ البَح / رِ وُفوداً بِالبِشرِ وَالتِرحابِ
أَدرَكوا قَدرَ ضَيفِهِم فَأَقاموا / يَرقُبونَ الإِمامَ فَوقَ السَحابِ
لَيتَ مِصراً كَغَيرِها تَعرِفُ الفَض / لَ لِذي الفَضلِ مِن ذَوي الأَلبابِ
إِنَّها لَو دَرَت مَكانَكَ في المَج / دِ وَمَرماكَ في صُدورِ الصِعابِ
وَتَفانيكَ في سَبيلِ أَبي حَف / صٍ وَمَسعاكَ عِندَ دَفعِ المُصابِ
لَأَظَلَّتكَ بِالقُلوبِ مِنَ الشَم / سِ وَوارَت عِداكَ تَحتَ التُرابِ
أَنتَ عَلَّمتَنا الرُجوعَ إِلى الحَق / قِ وَرَدَّ الأُمورِ لِلأَسبابِ
ثُمَّ أَشرَقتَ في المَنارِ عَلَينا / بَينَ نورِ الهُدى وَنورِ الصَوابِ
فَقَرَأنا عَلى ضِيائِكَ فيهِ / كَلِماتِ المُهَيمِنِ الوَهّابِ
وَسَكَنّا إِلى الَّذي أَنزَلَ اللَ / هُ وَكُنّا مِن قَبلِهِ في اِرتِيابِ
أَيُّهَذا الإِمامُ أَكثَرتَ حُسّا / دي فَباتَت نُفوسُهُم في اِلتِهابِ
أَبصَروا مَوقِفي فَعَزَّ عَلَيهِم / مِنكَ قُربي وَمِن عُلاكَ اِنتِسابي
أَجمَعوا أَمرَهُم عِشاءً وَباتوا / يُسمِعونَ الوَرى طَنينَ الذُبابِ
وَنَسوا رَبَّهُم وَقالوا ضَمِنّا / بُعدَهُ عَن رِحابِ ذاكَ الجَنابِ
قُل لِجَمعِ المُنافِقينَ وَمِنهُم / خُصَّ بِالقَولِ عَبدَ أُمِّ الحَبابِ
عَبدَ تِلكَ الَّتي يُحَرِّمُها اللَ / هُ إِزاءَ الأَزلامِ وَالأَنصابِ
إِنَّ نَفسَ الإِمامِ فَوقَ مُناهُم / ما تَمَنَّوا وَإِنَّني غَيرُ صابي
شابَ فيهِم وَلاؤُهُم حينَ شابوا / وَوَلائي في عُنفُوانِ الشَبابِ
أَخرِقُ الدُفَّ لَو رَأَيتُ شَكيبا
أَخرِقُ الدُفَّ لَو رَأَيتُ شَكيبا / وَأَفُضُّ الأَذكارَ حَتّى يَغيبا
هُوَ ذِكري وَقِبلَتي وَإِمامي / وَطَبيبي إِذا دَعَوتُ الطَبيبا
لَو تَراني وَقَد تَعَمَّدتَ قَتلي / بِالتَنائي رَأَيتَ شَيخاً حَريبا
كانَ لا يَنحَني لِغَيرِكَ إِجلا / لاً وَلا يَشتَهي سِواكَ حَبيبا
لا تَعيبَنَّ يا شَكيبُ دَبيبي / إِنَّما الشَيخُ مَن يَدِبُّ دَبيبا
كَم شَرِبتَ المُدامَ في حَضرَةِ الشَي / خِ جِهاراً وَكَم سُقيتَ الحَليبا
فَسَلوا سُبحَتي فَهَل كانَ تَسبي / حِيَ فيها إِلّا شَكيباً شَكيبا
وَإِذا أَدنَفَ الشُيوخَ غَرامٌ / كُنتُ في حَلبَةِ الشُيوخِ نَقيبا
عُد إِلَينا فَقَد أَطَلتَ التَجافي / وَاِركَبِ البَرقَ إِن أَطَقتَ الرُكوبا
وَإِذا خِفتَ ما يُخافُ مِنَ اليَم / مِ فَرَشنا لِأَخمَصَيكَ القُلوبا
وَدَعَونا بِساطَ صاحِبِ بِلقي / سَ فَلَبّى دُعاءَنا مُستَجيبا
وَأَمَرنا الرِياحَ تَجري بِأَمرٍ / مِنكَ حَتّى نَراكَ مِنّا قَريبا
عَجِبَ الناسُ مِنكَ يا اِبنَ سُلَيما
عَجِبَ الناسُ مِنكَ يا اِبنَ سُلَيما / نَ وَقَد أَبصَروا لَدَيكَ عَجيبا
أَبصَروا في حِماكَ غَيثاً وَناراً / ذاكَ يَهمي وَتِلكَ تَذكو لَهيبا
وَنَسوا أَنَّ جودَ كَفِّكَ غَيثٌ / ظَلَّ لِلمُرتَجى الوُرودَ قَريبا
وَهيَ ضَيفٌ أَصابَهُ عَنَتُ الدَه / رِ وَأَلفى هَذا الفَناءِ رَحيبا
فَأَتى يُبرِدُ الغَليلَ بِقَطرٍ / مِن نَدى سَيِّدٍ يُواسي الغَريبا
سَكَنَ الفَيلَسوفُ بَعدَ اِضطِرابِ
سَكَنَ الفَيلَسوفُ بَعدَ اِضطِرابِ / إِنَّ ذاكَ السُكونَ فَصلُ الخِطابِ
لَقِيَ اللَهَ رَبَّهُ فَاِترُكوا المَر / ءَ لِدَيّانِهِ فَسيحِ الرِحابِ
حَزِنَ العِلمُ يَومَ مِتَّ وَلَكِن / أَمِنَ الدينُ صَيحَةَ المُرتابِ
كُنتَ تَبغي بَردَ اليَقينِ عَلى الأَر / ضِ وَتَسعى وَراءَ لُبِّ اللُبابِ
فَاِستَرِح أَيُّها المُجاهِدُ وَاِهدَأ / قَد بَلَغتَ المُرادَ تَحتَ التُرابِ
وَعَرَفتَ اليَقينَ وَاِنبَلَجَ الحَق / قُ لِعَينَيكَ ساطِعاً كَالشِهابِ
لَيتَ شِعري وَقَد قَضَيتَ حَياةً / بَينَ شَكٍّ وَحَيرَةٍ وَاِرتِيابِ
هَل أَتاكَ اليَقينُ مِن طُرُقِ الشَك / كِ فَشَكُّ الحَكيمِ بَدءُ الصَوابِ
كَم سَمِعنا مُسائِلاً قَبلَ شِبلي / عاشَ في البَحثِ طارِقاً كُلَّ بابِ
أَطلَقَ الفِكرَ في العَوالِمِ حُرّاً / مُستَطيراً يُريغُ هَتكَ الحِجابِ
يَقرَعُ النَجمَ سائِلاً ثُمَّ يَرتَد / دُ إِلى الأَرضِ باحِثاً عَن جَوابِ
أَعجَزَتهُ مِن قُدرَةِ اللَهِ أَسبا / بٌ طَواها مُسَبِّبُ الأَسبابِ
وَقَفَت دونَها العُقولُ حَيارى / وَاِنثَنى هِبرِزِيُّها وَهوَ كابي
لَم يَكُن مُلحِداً وَلَكِن تَصَدّى / لِشُؤونِ المُهَيمِنِ الوَهّابِ
رامَ إِدراكَ كُنهِ ما أَعجَزَ النا / سَ قَديماً فَلَم يَفُز بِالطِلابِ
إيهِ شِبلي قَد أَكثَرَ الناسُ فيكَ ال / قَولَ حَتّى تَفَنَّنوا في عِتابي
قيلَ تَرثي ذاكَ الَّذي يُنكِرُ النو / رَ وَلا يَهتَدي بِهَديِ الكِتابِ
قُلتُ كُفّوا فَإِنَّما قُمتُ أَرثي / مِنهُ خِلّاً أَمسى طَويلَ الغِيابِ
أَنا وَاللَهِ لا أُحابيهِ في القَو / لِ فَقَد كانَ صاحِبي لا يُحابي
أَنا أَرثى شَمائِلاً مِنهُ عِندي / كُنَّ أَحلى مِنَ الشِهادِ المُذابِ
كانَ حُرَّ الآراءِ لا يَعرِفُ الخَت / لَ وَلا يَستَبيحُ غَيبَ الصِحابِ
مُفضِلاً مُحسِناً عَلى العُسرِ وَاليُس / رِ جَميعَ الفُؤادِ رَحبَ الجَنابِ
عاشَ ما عاشَ لا يُليقُ عَلى الأَي / يامِ لا وَلَم يَلِن لِلصِعابِ
كانَ في الوُدِّ مَوضِعَ الثِقَةِ الكُب / رى وَفي العِلمِ مَوضِعَ الإِعجابِ
نُكِبَ الطِبُّ فيهِ يَومَ تَوَلّى / وَأُصيبَت رَوائِعُ الآدابِ
وَخَلا ذَلِكَ النَدِيُّ مِنَ الأُن / سِ وَقَد كانَ مَرتَعَ الكُتّابِ
وَبَكَت فَقدَهُ الشَآمُ وَناءَت / فَوقَ ما نابَها بِهَذا المُصابِ
كُلَّ يَومٍ يُهَدُّ رُكنٌ مِنَ الشَأ / مِ لَقَد آذَنَت إِذاً بِالخَرابِ
فَهيَ بِاليازِجي وَجُرجي وَشِبلي / فُجِعَت بِالثَلاثَةِ الأَقطابِ
فَعَلى الراحِلِ الكَريمِ سَلامٌ / كُلَّما غَيَّبَ الثَرى لَيثَ غابِ
إيهِ يا لَيلُ هَل شَهِدتَ المُصابا
إيهِ يا لَيلُ هَل شَهِدتَ المُصابا / كَيفَ يَنصَبُّ في النُفوسِ اِنصِبابا
بَلِّغِ المَشرِقَينِ قَبلَ اِنبِلاجِ ال / صُبحِ أَنَّ الرَئيسَ وَلّى وَغابا
وَاِنعَ لِلنَيِّراتِ سَعداً فَسَعدٌ / كانَ أَمضى في الأَرضِ مِنها شِهابا
قُدَّ يا لَيلُ مِن سَوادِكَ ثَوباً / لِلدَراري وَلِلضُحى جِلبابا
اُنسُجِ الحالِكاتِ مِنكَ نِقاباً / وَاِحبُ شَمسَ النَهارِ ذاكَ النِقابا
قُل لَها غابَ كَوكَبُ الأَرضِ في الأَر / ضِ فَغيبي عَنِ السَماءِ اِحتِجابا
وَاِلبَسيني عَلَيهِ ثَوبَ حِدادٍ / وَاِجلِسي لِلعَزاءِ فَالحُزنُ طابا
أَينَ سَعدٌ فَذاكَ أَوَّلُ حَفلٍ / غابَ عَن صَدرِهِ وَعافَ الخِطابا
لَم يُعَوِّد جُنودَهُ يَومَ خَطبٍ / أَن يُنادى فَلا يَرُدُّ الجَوابا
عَلَّ أَمراً قَد عاقَهُ عَلَّ سُقماً / قَد عَراهُ لَقَد أَطالَ الغِيابا
أَي جُنودَ الرَئيسِ نادوا جِهاراً / فَإِذا لَم يُجِب فَشُقّوا الثِيابا
إِنَّها النَكبَةُ الَّتي كُنتُ أَخشى / إِنَّها الساعَةُ الَّتي كُنتُ آبى
إِنَّها اللَفظَةُ الَّتي تَنسِفُ الأَن / فُسَ نَسفاً وَتَفقُرُ الأَصلابا
ماتَ سَعدٌ لا كُنتِ يا ماتَ سَعدٌ / أَسِهاماً مَسمومَةً أَم حِرابا
كَيفَ أَقصَدتِ كُلَّ حَيٍّ عَلى الأَر / ضِ وَأَحدَثتِ في الوُجودِ اِنقِلابا
حَسرَةٌ عِندَ أَنَّةٍ عِندَ آهٍ / تَحتَها زَفرَةٌ تُذيبُ الصِلابا
قُل لِمَن باتَ في فِلِسطينَ يَبكي / إِنَّ زِلزالَنا أَجَلُّ مُصابا
قَد دُهيتُم في دورِكُم وَدُهينا / في نُفوسٍ أَبَينَ إِلّا اِحتِسابا
فَفَقَدتُم عَلى الحَوادِثِ جَفناً / وَفَقَدنا المُهَنَّدَ القِرضابا
سَلَّهُ رَبُّهُ زَماناً فَأَبلى / ثُمَّ ناداهُ رَبُّهُ فَأَجابا
قَدَرٌ شاءَ أَن يُزَلزِلَ مِصراً / فَتَغالى فَزَلزَلَ الأَلبابا
طاحَ بِالرَأسِ مِن رِجالاتِ مِصرٍ / وَتَخَطّى التُحوتَ وَالأَوشابا
وَالمَقاديرُ إِن رَمَت لا تُبالي / أَرُؤوساً تُصيبُ أَم أَذنابا
خَرَجَت أُمَّةٌ تُشَيِّعُ نَعشاً / قَد حَوى أُمَّةً وَبَحراً عُبابا
حَمَلوهُ عَلى المَدافِعِ لَمّا / أَعجَزَ الهامَ حَملُهُ وَالرِقابا
حالَ لَونُ الأَصيلِ وَالدَمعُ يَجري / شَفَقاً سائِلاً وَصُبحاً مُذابا
وَسَها النيلُ عَن سُراهُ ذُهولاً / حينَ أَلفى الجُموعَ تَبكي اِنتِحابا
ظَنَّ يا سَعدُ أَن يَرى مِهرَجاناً / فَرَأى مَأتَماً وَحَشداً عُجابا
لَم تَسُق مِثلَهُ فَراعينُ مِصرٍ / يَومَ كانوا لِأَهلِها أَربابا
خَضَبَ الشيبُ شَيبَهُم بِسَوادٍ / وَمَحا البيضُ يَومَ مِتَّ الخِضابا
وَاِستَهَلَّت سُحبُ البُكاءِ عَلى الوا / دي فَغَطَّت خَضراءَهُ وَاليَبابا
ساقَت التَيمِسُ العَزاءَ إِلَينا / وَتَوَخَّت في مَدحِكَ الإِسهابا
لَم يَنُح جازِعٌ عَلَيكَ كَما نا / حَت وَلا أَطنَبَ المُحِبُّ وَحابى
وَاِعتِرافُ التاميزِ يا سَعدُ مِقيا / سٌ لِما نالَ نيلَنا وَأَصابا
يا كَبيرَ الفُؤادِ وَالنَفسِ وَالآ / مالِ أَينَ اِعتَزَمتَ عَنّا الذَهابا
كَيفَ نَنسى مَواقِفاً لَكَ فينا / كُنتَ فيها المَهيبَ لا الهَيّابا
كُنتَ في مَيعَةِ الشَبابِ حُساماً / زادَ صَقلاً فِرِندُهُ حينَ شابا
لَم يُنازِلكَ قارِحُ القَومِ إِلّا / كُنتَ أَقوى يَداً وَأَعلى جَنابا
عِظَمٌ لَو حَواهُ كِسرى أَنوشَر / وانَ يَوماً لَضاقَ عَنهُ إِهابا
وَمَضاءٌ يُريكَ حَدَّ قَضاءِ اللَ / هِ يَفري مَتناً وَيَحطِمُ نابا
قَد تَحَدَّيتَ قُوَّةً تَملَأُ المَع / مورَ مِن هَولِ بَطشِها إِرهابا
تَملِكُ البَرَّ وَالبِحارَ وَتَمشي / فَوقَ هامِ الوَرى وَتَجبي السَحابا
لَم يُنَهنِه مِن عَزمِكَ السِجنُ وَالنَف / سُ وَساجَلتَها بِمِصرَ الضِرابا
سائِلوا سيشِلاً أَأَوجَسَ خَوفاً / وَسَلوا طارِقاً أَرامَ اِنسِحابا
عَزمَةٌ لا يَصُدُّها عَن مَداها / ما يَصُدُّ السُيولَ تَغشى الهِضابا
لَيتَ سَعداً أَقامَ حَتّى يَرانا / كَيفَ نُعلي عَلى الأَساسِ القِبابا
قَد كَشَفنا بِهَديِهِ كُلَّ خافٍ / وَحَسِبنا لِكُلِّ شَيءٍ حِسابا
حُجَجُ المُبطِلينَ تَمضي سِراعاً / مِثلَما تُطلِعُ الكُؤوسُ الحَبابا
حينَ قالَ اِنتَهَيتُ قُلنا بَدَأنا / نَحمِلُ العِبءَ وَحدَنا وَالصِعابا
فَاِحجُبوا الشَمسَ وَاِحبِسوا الرَوحَ عَنّا / وَاِمنَعونا طَعامَنا وَالشَرابا
وَاِستَشِفّوا يَقينَنا رَغمَ ما نَل / قى فَهَل تَلمَحونَ فيهِ اِرتِيابا
قَد مَلَكتُم فَمَ السَبيلِ عَلَينا / وَفَتَحتُم لِكُلِّ شَعواءَ بابا
وَأَتَيتُم بِالحائِماتِ تَرامى / تَحمِلُ المَوتَ جاثِماً وَالخَرابا
وَمَلَأتُم جَوانِبَ النيلِ وَعداً / وَوَعيداً وَرَحمَةً وَعَذابا
هَل ظَفِرتُم مِنّا بِقَلبٍ أَبِيٍّ / أَو رَأَيتُم مِنّا إِلَيكُم مَثابا
لا تَقولوا خَلا العَرينُ فَفيهِ / أَلفُ لَيثٍ إِذا العَرينُ أَهابا
فَاِجمَعوا كَيدَكُم وَروعوا حِماها / إِنَّ عِندَ العَرينِ أُسداً غِضابا
جَزِعَ الشَرقُ كُلُّهُ لِعَظيمٍ / مَلَأَ الشَرقَ كُلَّهُ إِعجابا
عَلَّمَ الشامَ وَالعِراقَ وَنَجداً / كَيفَ يُحمى الحِمى إِذا الخَطبُ نابا
جَمَعَ الحَقَّ كُلَّهُ في كِتابٍ / وَاِستَثارَ الأُسودَ غاباً فَغابا
وَمَشى يَحمِلُ اللِواءَ إِلى الحَق / قِ وَيَتلو في الناسِ ذاكَ الكِتابا
كُلَّما أَسدَلوا عَلَيهِ حِجاباً / مِن ظَلامٍ أَزالَ ذاكَ الحِجابا
واقِفٌ في سَبيلِهِم أَينَ ساروا / عالِمٌ بِاِحتِيالِهِم أَينَ جابا
أَيُّ مَكرٍ يَدِقُّ عَن ذِهنِ سَعدٍ / أَيُّ خَتلٍ يُريغُ مِنهُ اِضطِرابا
شاعَ في نَفسِهِ اليَقينُ فَوَقّا / هُ بِهِ اللَهُ عَثرَةً أَو تَبابا
عَجَزَت حيلَةُ الشِباكِ وَكانَ ال / شَرقُ لِلصَيدِ مَغنَماً مُستَطابا
كُلَّما أَحكَموا بِأَرضِكَ فَخّاً / مِن فِخاخِ الدَهاءِ خابوا وَخابا
أَو أَطاروا الحَمامَ يَوماً لِزَجلٍ / قابَلوا مِنكَ في السَماءِ عُقابا
تَقتُلُ الدَسَّ بِالصَراحَةِ قَتلاً / وَتُسَقّي مُنافِقَ القَومِ صابا
وَتَرى الصِدقَ وَالصَراحَةَ ديناً / لا يَراهُ المُخالِفونَ صَوابا
تَعشَقُ الجَوَّ صافي اللَونِ صَحواً / وَالمُضِلّونَ يَعشَقونَ الضَبابا
أَنتَ أَورَدتَنا مِنَ الماءِ عَذباً / وَأَراهُم قَد أَورَدونا السَرابا
قَد جَمَعتَ الأَحزابَ حَولَكَ صَفّاً / وَنَظَمتَ الشُيوخَ وَالنُوّابا
وَمَلَكتَ الزِمامَ وَاِحتَطتَ لِلغَي / بِ وَأَدرَكتَ بِالأَناةِ الطِلابا
ثُمَّ خَلَّفتَ بِالكِنانَةِ أَبطا / لاً كُهولاً أَعِزَّةً وَشَبابا
قَد مَشى جَمعُهُم إِلى المَقصِدِ الأَس / مى يُغِذّونَ لِلوُصولِ الرِكابا
يَبتَنونَ العُلا يَشيدونَ مَجداً / يُسعِدونَ البَنينَ وَالأَعقابا
قَد بَلَوناكَ قاضِياً وَوَزيراً / وَرَئيساً وَمِدرَهاً خَلّابا
فَوَجَدناكَ مِن جَميعِ نَواحي / كَ عَظيماً مُوَفَّقاً غَلّابا
لَم يَنَل حاسِدوكَ مِنكَ مُناهُم / لا وَلَم يُلصِقوا بِعَلياكَ عابا
نَم هَنيئاً فَقَد سَهِدتَ طَويلاً / وَسَئِمتَ السَقامَ وَالأَوصابا
كَم شَكَوتَ السُهادَ لي يَومَ كُنّا / بِالبَساتينِ نَستَعيدُ الشَبابا
نَنهَبُ اللَهوَ غافِلَينَ وَكُنّا / نَحسَبُ الدَهرَ قَد أَنابَ وَتابا
فَإِذا الرُزءُ كانَ مِنّا بِمَرمىً / وَإِذا حائِمُ الرَدى كانَ قابا
حَرَمَتنا المَنونُ ذَيّالِكَ الوَج / هَ وَذاكَ الحِمى وَتِلكَ الرِحابا
وَسَجايا لَهُنَّ في النَفسِ رَوحٌ / يَعدِلُ الفَوزَ وَالدُعاءَ المُجابا
كَم وَرَدنا مَوارِدَ الأُنسِ مِنها / وَرَشَفنا سُلافَها وَالرُضابا
وَمَرَحنا في ساحِها فَنَسينا ال / أَهلَ وَالأَصدِقاءَ وَالأَحبابا
ثُمَّ وَلَّت بَشاشَةُ العَيشِ عَنّا / حينَ ساروا فَوَسَّدوكَ التُرابا
خِفتَ فينا مَقامَ رَبِّكَ حَيّاً / فَتَنَظَّر بِجَنَّتَيهِ الثَوابا
دَمعَةٌ مِن دُموعِ عَهدِ الشَبابِ
دَمعَةٌ مِن دُموعِ عَهدِ الشَبابِ / كُنتُ خَبَّأتُها لِيَومِ المُصابِ
لَبَّتِ اليَومَ يا مُحَمَّدُ لَمّا / راعَني نَعيُ أَكتَبِ الكُتّابِ
هَدَّأَت لَوعَتي وَسَرَّت قَليلاً / عَن فُؤادي وَلَطَّفَت بَعضَ ما بي
مَوكِبُ الدَفنِ خَلفَ نَعشِكَ يَمشي / في اِحتِسابٍ وَحَسرَةٍ وَاِنتِحابِ
لَم يُجاوِز مَنازِلَ البَدرِ عَدّاً / مِن بَقايا الصَديقِ وَالأَحبابِ
لَم يَسِر فيهِ مَن يُحاوِلُ أَجراً / عِندَ حَيٍّ مُؤَمَّلٍ أَو يُحابي
مَوكِبٌ ماجَ جانِباهُ بِحَفلٍ / مِن وُفودِ الأَخلاقِ وَالأَحسابِ
شاعَ فيهِ الوَفاءُ وَالحُزنُ حَتّى / ضاقَ عَن حَشدِهِ فَسيحُ الرِحابِ
فَكَأَنَّ السَماءَ وَالأَرضَ تَمشي / فيهِ مِن هَيبَةٍ وَعِزِّ جَنابِ
تَتَمَنّى قَياصِرُ الأَرضِ لَو فا / زَت لَدى مَوتِها بِهَذا الرِكابِ
رُبَّ نَعشٍ قَد شَيَّعَتهُ أُلوفٌ / مِن سَوادٍ تَعلوهُ سودُ الثِيابِ
لَيسَ فيهِم مِن جازِعٍ أَو حَزينٍ / صادِقِ السَعيِ أَو أَليفٍ مُصابِ
كُنتَ لا تَرتَضي النُجومَ مَحَلّاً / فَلِماذا رَضيتَ سُكنى التُرابِ
كُنتَ راحَ النُفوسِ في مَجلِسِ الأُن / سِ وَراحَ العُقولِ عِندَ الخِطابِ
كُنتَ لا تُرهِقُ الصَديقَ بِلَومٍ / لا وَلا تَستَبيحُ غَيبَ الصِحابِ
وَلَئِن بِتَّ عاتِباً أَو غَضوباً / لِقَريبُ الرِضا كَريمُ العِتابِ
جُزتَ سَبعينَ حِجَّةً لا تُبالي / بِشِهادٍ تَعاقَبَت أَم بِصابِ
وَسَواءٌ لَدَيكَ وَالرَأيُ حُرٌّ / رَوحُ نَيسانَ أَو لَوافِحُ آبِ
يا شُجاعاً وَما الشَجاعَةُ إِلّا ال / صَبرُ لا الخَوضُ في صُدورِ الصِعابِ
كُنتَ نِعمَ الصَبورُ إِن حَزَبَ الأَم / رُ وَسُدَّت مَسارِحُ الأَسبابِ
كَم تَجَمَّلتَ وَالأَمانِيُّ صَرعى / وَتَماسَكتَ وَالحُظوظُ كَوابي
عِشتَ ما عِشتَ كَالجِبالِ الرَواسي / فَوقَ نارٍ تُذيبُ صُمَّ الصِلابِ
مُؤثِرَ البُؤسِ وَالشَقاءِ عَلى الشَك / وى وَإِن عَضَّكَ الزَمانُ بِنابِ
كُنتَ تَخلو بِالنَفسِ وَالنَفسُ تُشوى / مِن كُؤوسِ الهُمومِ وَالأَوصابِ
فَتُسَرّي بِالذِكرِ عَنها وَتَنفي / ما عَراها مِن غُضَّةٍ وَاِكتِئابِ
وَتَرى وَحشَةَ اِنفِرادِكَ أُنساً / بِحَديثِ النُفوسِ وَالأَلبابِ
بِنتَ عَنها وَما جَنَيتَ وَقَد كا / بَدتَ بَأساءَها عَلى الأَحقابِ
وَنَبَذتَ الثَراءَ تَبذُلُ فيهِ / مِن إِباءٍ في بَذلِهِ شَرُّ عابِ
لَو شَهِدتُم مُحَمَّداً وَهوَ يُملي / آيَ عيسى وَمُعجِزاتِ الكِتابِ
وَقَفَت حَولَهُ صُفوفُ المَعاني / وَصُفوفُ الأَلفاظِ مِن كُلِّ بابِ
لَعَلِمتُم بِأَنَّ عَهدَ اِبنِ بَحرٍ / عاوَدَ الشَرقَ بَعدَ طولِ اِحتِجابِ
أَدَبٌ مُستَوٍ وَقَلبٌ جَميعٌ / وَذَكاءٌ يُريكَ ضَوءَ الشِهابِ
عِندَ رَأيٍ مُوَفَّقٍ عِندَ حَزمٍ / عِندَ عِلمٍ يَفيضُ فَيضَ السَحابِ
جَلَّ أُسلوبُهُ النَقِيُّ المُصَفّى / عَن غُموضٍ وَنَفرَةٍ وَاِضطِرابِ
وَسَما نَقدُهُ النَزيهُ عَنِ الهُج / رِ فَما شيبَ مَرَّةً بِالسِبابِ
ذُقتَ في غُربَةِ الحَياةِ عَناءً / فَذُقِ اليَومَ راحَةً في الإِيابِ
بَلِّغِ البابِلِيَّ عَنّي سَلاماً / كَعَبيرِ الرِياضِ أَو كَالمَلابِ
كانَ تِربي وَكانَ مِن نِعَمِ المُب / دِعِ سُبحانَهُ عَلى الأَترابِ
فارِسٌ في النَدى إِذا قَصَّرَ الفُر / سانُ عَنهُ وَفارِسٌ في الجَوابِ
يُرسِلُ النُكتَةَ الطَريفَةَ تَمشي / في رَقيقِ الشُعورِ مَشيَ الشَرابِ
قَد أَثارَ المُحَمَّدانِ دَفيناً / في فُؤادي وَقَد أَطارا صَوابي
خَلَّفاني بَينَ الرِفاقِ وَحيداً / مُستَكيناً وَأَمعَنا في الغِيابِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025