المجموع : 13
ابنَتي قد تَرَعرَعَت فَهيَ تلعبْ
ابنَتي قد تَرَعرَعَت فَهيَ تلعبْ / كطلىً في جنبي وَتأتي وَتذهبْ
تتنزى من النشاط أَمامي / فَهي تحكي حَمامةً تتقلب
وَهيَ مثل الغَزال تشدو وَرائي / ببغام له فؤادي يطرب
خفة تطرب النفوس وَصوت / يستَبي حسنُه العقول وَينهب
وَعيون تَرنو العيون إليها / شاخصات ووجنة تتلهب
وَرواء في الخد منها جَميل / فهو ماء مصفق لَيسَ ينضب
تلع الجيد فوق قدٍّ رَشيقٍ / زانه الشعر مرسلاً يتذبذب
وإذا ما مشت مَعي في طَريق / سأَلتني عَن كل شيء وَمطلب
ابنتي هذه خلاصة نَفسي / فَهي مني مثل الحَياة وأَطيَب
رب صنها حتى تَكون فَتاة / ثم أمّاً تَرعى ابنها ليُهذَّب
ليست الحرب غير نار تشبُّ
ليست الحرب غير نار تشبُّ / حيث يَشقى شعبٌ وَيسعد شعبُ
إنها قبل أن تشب لظاها / عاصفٌ بين أُمتين تهب
أترى أَفزع الغزالة ذيبُ
أترى أَفزع الغزالة ذيبُ / فَهي تَسعى شَريدة وَتغيبُ
وقد اصفر وجهها كفتاة / قلبها من وشك الفراق كَئيب
أَم أَتَت نصف دورةٍ هَذه الأر / ض دَنا فيه من ذكاء غروب
وَعَلاها السحاب فاحمرَّ منها / إذ توارَت ذوائِبٌ وَجيوب
صاح ما هذه الدماء أراها / بعيوني أَفي السماء حروب
أَم ترى في يد الطَبيعة لوحاً / نظر الروح نحوه مجلوب
تقف العين عنده وَهي حيرى / يستبيها جماله المحبوب
حار في وصفه الأديب فَلا يَع / لم ماذا عَسى يَقول الأديب
وانظر البر إن مشهده بع / دَ غروبٍ لها شجيٌّ مهيب
بقر الحي من مراتعها تر / جع في مشية خطاها قَريب
وَقَطيع الأغنام من وجهة الشر / قِ إلى جانب الخيام يؤوب
وَصغار الحملان مَربوطة تص / بو إِلى أمّهاتها وَتَلوب
تسمع الأمهات وَهي إليها / مسرعات بغامها فَتُجيب
مشهد للغروب في البر شاج / فَتَكاد القلوب منه تَذوب
مشهد يعجز المصوِّرُ وَالشا / عرُ عَن رسمه وَيعيا الخَطيب
وكأني بالقوم قد سمعوا ما قلته
وكأني بالقوم قد سمعوا ما قلته / موضحاً فثاروا غضابا
وأتوا ينبشون قبراً حواني / بعد موتي وأوسعوني سبابا
فليجيئوا ما قد ارادوه أني / لم أقل يوم قلت إلا صوابا
أخطأ العلم بالإله
أخطأ العلم بالإله / جميع المذاهب
وهو سر مكتم / في ضمير الكواكب
رقدت ههنا فتاة لبيبه
رقدت ههنا فتاة لبيبه / ذات حسن في عنفوان الشبيبه
قصفت غصنها المنايا رطيباً / فأَطالت بكاء أمٍّ كئيبه
ودعت أهلها وقالت بحزن / رحلتي عن دنياي هذي قريبه
هي والشمس غابتا في زمانٍ / واحدٍ آه آه يا للمصيبه
فابك ما شئت يا يراعي وأرخ / في شباب الحياة أودت نجيبه
قد طغى يطفح الفرات وعبا
قد طغى يطفح الفرات وعبا / يملأ الانفس الجريئة رعبا
ساعة ثم طبق الارض ماءاً / فكأن الاتي قد جاء وثبا
ان ذاك الذي حسبناه نهراً ضيقاً / امسى اليوم كالبحر رحبا
غمر الجانبين منه وانحجى / يتسامى الى التلاع فاربى
اغرق الزرع والمساكن والشا / ء مطافيل والبساتين غلبا
كذبتنا الحياة في كل شيء / ولعل الآمال اكثر كذبا
انت ما ان تخففين مصابي
انت ما ان تخففين مصابي / دمعتي فارجعي على الاعقاب
انت لا تدرئين عني دائي / انت لا تصلحين منه خرابي
انت لا تنجديني في شقائي / انت لا تنقذينني من عذابي
انت لا تدفعين وطأة شيبي / انت لا ترجعين عهد شبابي
انت لا تقدرين ان تهبيني / راحة او تسكني اعصابي
انما انت قطرة ستبلين اذا / سلت بقعة من ثيابي
او تضيعين بين لحيتي ال / بيضاء او تنضبين فوق التراب
وسيمتصك الرغام لدى او / ول مس كظامئ ذي لهاب
ولقد تسقطين من حرف عيني / كالندى فوق كالئٍ معشاب
ارجعي فالحياة ليست تساوي / ان تخري من حالق كالشهاب
لا تخري وان قضى ان تخري / سبب قاهر من الاسباب
ان نفسي لا ترتضي ان تهوني / لشجوني وان ملأن اهابي
ليس محمودا ان تقيمي طويلا / بين حملاق العين والاهداب
يا ابنة الهم ان غرفتك القل / ب فلا تخرجي الى الابواب
دمعتي لا تعولي في رزايا / ك على وعد دهرك الكذّاب
فارجعي في مهل الى القلب مني / انت لا تخلقين بالتسكاب
اتريدين من مقرك في نف / سي راراً ينجيك من حرّ مابي
انا لم أسأل العيون بكاء / لتكوني عن السؤال جوابي
ليس من عار في الرجوع على من / ضلّ في سيره طريق الصواب
واذا ما هبطت بالرغم عني / طال يا دمعتي عليك عتابي
انني ان بكيت ابكي شعري / ولقد أهديه الى الاحقاب
كل بيت منه اذا عصروه / دمعة ثرّة على الاداب
بين شعري وما يجيش بصدري / من شعور وشائج الانساب
انا عنه محدّث وهو عني / وكلانا في القول غير محاب
وعسى ان بث شعري شعوري / وعسى ان ينوب شعري منابي
اذكري إذ كنا صغيرين نلعب
اذكري إذ كنا صغيرين نلعب / وعلى انغام الطبيعة نطرب
او نغني معا اناشيد قد طا / بت بلحن مشج وصوت مكهرب
او على ناعم الثرى نتنزى / والثرى للصبيان اقرب ملعب
تارة نعدو مبعدين واخرى / فوق ميثاء رملة نتقلب
وعلى نشز فوق دجلة نستلقي / ابتغاء لراحة حين نتعب
ثم نمضي إلى الحدائق نجني / ما نلاقي من كل زهر محبب
الازاهير تحتنا تتلوى / والعصافير فوقنا تتوثب
واذا ما طار الفراش ركضنا / خلفه في لباقة نتعقب
واذا ما جاء المراقب يرغو / ويداه على الهراوة نهرب
واذا آذت شوكة احداً من / ا اخذنا معاً نصيح وننحب
ولقد كنا في وفاق معاً نر / ضى عن الشيء او معاً نتغضب
واذا ما اردت ان تقرضيني / قبلة في براءة اتجنب
واذا ما بعد الخلاف اجتمعنا / في غد ضحوة فلا نتعتب
واذا ما آباؤنا سألونا / كيف نقضي ساعاتنا نتكذب
ولقد آثرت التأخير يوما / غير دار عليه ما يترتب
واذا عينك الجميلة شكرى / واذا الدمع دافق يتصبب
فتعانقنا مقسمين على انا / على الحفظ للمواعيد ندأب
ثم انا معا شببنا وشب / الحب فينا حتى طغى وتغلب
كلما مستني يداك لداع / او تلاقت لحاظنا اتكهرب
يوم كنا نسير جنباً لجنب / في طريق الهوى ولا نتنكب
واخذنا نصيبنا من دروس / لا غنى عنها للذي يتهذب
وتحدثنا في مواضيع شتى / وتقلدنا مذهباً بعد مذهب
نقرأ الآراء الجريئة في الدين / فلا نلحوها ولا نتحزب
ولقد راعني باخر عهد / منك في زورتي الجبين المقطب
كنت مخدوعا بالاماني حتى / كان ما لم اكن له اترقب
لم اكن اذ بنيتها اتظنى / انها بعد ساعة تتخرب
بقيت لي مما مضى ذكريات / وستبقى حتى بي الموت ينشب
لست ادري ماذا جرى فافترقنا / انني من هذا الفراق لا عجب
انما هذه القطيعة آذتنا / فمن ذا سعى بنا وتسبب
اينا في جنانه كان يدري / اننا بعد برهة نتشعب
ويطول الفراق والحزن حتى / يصبح الموت وحده كل مأرب
ارحميني فانني لست اسطيع / على برح البين ان اتغلب
ايها الحب انت لي كل شيء / بك احيا وفي سبيلك اعطب
وهو الدهر قد تعسف لكن / ما على الدهر ان تعسف معتب
شتت الدهر شملنا لشقائي / بعد جمع له ودهري قلب
منشبا في قساوة بفؤادي / مخلبا من صروفه اثر مخلب
انا لا ادري ما يحس به قل / بك اما قلبي فقد كان يلهب
فاذا كان القلب منك كقلبي / فتعالى نذل ما قد تصعب
وتعالي نجدد العهد فيما / بيننا فهو كالربيع المذهب
فكلانا من البعاد شقي / وكلانا من الجفاء معذب
اننا يا ليلى بغير ترو / قد ركبنا من النوى شر مركب
واذا كنت لي ترين جناحا / فاذكريه يغسله دمعي فيذهب
واذات صح وعدهم لك بالما / ل فما المال كل ما هو يطلب
لا يغرنك العيشة برق / وامضُ في سحابه فهو خلب
احذري الدهر حين يبدي سلاما / فهو نشال السعادة ينهب
انني شاعر وغيري مثر / فانظري اينا الى المجد اقرب
انني شاعر ولكنني في / كل عمري بالشعر لم اتكسب
حسب شعري ان قد اضاء بمصر / في ظلام من الشكوك ككوكب
خمسة طاروا من عيون الشباب
خمسة طاروا من عيون الشباب / فوق طيارة كمثل العقاب
اخذت في الجو الرفيع تعالى / ثم خرت من اوجها كالشهاب
ان ذاك الصعود في الجو منهم / كان للمجد والعلا والغلاب
صدمة في هبوطها اهلكتهم / بعد ان حلقت بمجرى السحاب
لا ترى بعدها على الارض منهم / غير اشلاء او دم منساب
انما اوقف المحرك فيها / سبب قاهر من الاسباب
هلكوا في شرخ الشباب فيا / للرزء لما عرا وياللمصاب
فتية طارت تبتغي المجد ذخرا / ولاوطانها تخلد ذكرا
فوق طيارة تطوف بهم في / الجو هدارة فتشبه نسرا
كلما استذكرت الفجيعة احسست / من الحزن في فؤادي جمرا
ليس عندي ما استقى منه شعري / غير عين من الكآبة عبرى
انا في الحزن ارسل الشعر دمعا / ساخنا ثم ارسل الدمع شعرا
حسب من مات عند خدمته اوطانه / انه بها كان برا
عاش من بر بالمواطن محمو / داً فان مات فهو بالحمد احرى
فتية صرعى فارقتها الحياة / فبكتها الآباء والامهات
وبكاها العراق حزنا عليها / وبنوه ودجلة والفرات
اينما التفت اشاهد شحوبا / في وجوه عيونها خضلات
شيعتها الى مقابر شتى / عبرات وراءها عبرات
انما المجد لا يموت وان كا / ن ذووه لحادث قد ماتوا
ايها الشعب لا يثبطك يأس / انما في الموت الملم حياة
ايها النسر ما دهاك وقد كنت / اذا طرت لم يخنك الثبات
هي دنيا كثيرة الامتاع / ودعوها ولات حين وداع
وهو المجد بالمساعي اقتنوعها / حبذا المجد يقتني بالمساعي
قد اضعناهم خمسة ليس فيهم / من به رعدة فيا للضياع
مشهد للحياة والموت يشجى / ما به من تنازع وصراع
لهف نفسي على شباب تردوا / فنعاهم الي في الصبح ناع
شاع ذاك النعي حول الفراتين / فاثقل به على الاسماع
جنحت للغروب شمس نهاري / ثم منها لم يبق غير شعاع
وقف الموت للانام رصيدا / كل يوم يريد منهم شهيدا
شطت الدار بالاحبة عنا / وعسى من ناى بهم ان يعيدا
فتية كادتها صروف الليالي / والليالي من شأنها ان تكيدا
انا لو لا شيخوختي ثم دائي / كل يوم نظمت فيهم قصيدا
حبذا الليل والنهار لو انا / فيهما نستطيع ان لا نبيدا
قد ظننت الذي ثوى يسكن القبر / قريبا مني فكان بعيدا
فات من قد رأى السلام رغيبا / ان يرى في الاخطار موتاً حميدا
حل يودي بخمسة اطهار / قدر نازل من الاقدار
بنسور قد حلقت قبل ان يؤذن / ضوء الصباح بالاسفار
خطر كله الظلام ولاكن / لا تبالي النسور بالاخطار
ركبوها طيارة لم تخنهم / في تمارينهم وفي التكرار
ما دهاها حتى هوت كشهاب / خر من جوه بلا انذار
ثم دارت بهم على نفسها بالرغم / عن كل حيلة الطيار
ثم كان الذي به جرت الاقدار / من سقطة لهم وبوار
كل يوم تعطى الحياة ضحايا / تبتغي ارضاء بها للمنايا
ان هذا الجميل الذي نحن منه / هو من هاتيك الضحايا بقايا
نبتغي تخفيف الرزايا بلهو / نرتضيه فلا تخف الرزايا
لا اظن الحياة تلقى سلاما / من بلايا وراءهن بلايا
ان من اعطانا العقول اذا ما / شاء ان نردى يسترد العطايا
والذي انشأ البرايا من الموت / معيد الى البوار البرايا
كبر شفني فلم يبق عندي / غير قلب يئن تحت الحنايا
أنصتوا أنصتوا فقد طاف بالور
أنصتوا أنصتوا فقد طاف بالور / د صباحاً يغرّد العندليب
واذا العندليب غرد فالاس / ماع تنصاع والنفوس تطيب
انما العندليب والصوت منه / حين يشدوكلاهما لي حبيب
ملك الطير كلها في الاغاني / فله التاجه وحده والقضيب
هو ان صاح فالجوانح تهفو / واذا نادى فالقلوب تجيب
وكأن الاشجار جمع غفير / تسمع العندليب وهو خطيب
وكأن الازهار عند تغنيه / قلوب لها اليه وثوب
شاعر الروض العبقري فما ان / شعره نقليد ولا مكذوب
شدوه يطرب النفوس جميعا / ولكل الاسماع منه نصيب
هو شعر يهز مستمعيه / وهو سحر يحار فيه اللبيب
وهو نار من لوعة القلب يبقى / صاعدا في الفضاء منها اللهيب
وهو للقوم الرافهين هتاف / وهو للناس البائسين نحيب
الم فيه لذة وسرور / فيه حزن بالقلب منه ندوب
استطابته الطير من كل صنف / غير ان الغراب لا يستطيب
وجميل من العنادل شدو / وقبيح من الغراب النعيب
أحمد كان مثل بحر رحيب
أحمد كان مثل بحر رحيب / موجه فوق لجه كالكثيب
شغل الناس منذ كان بشعر / قاله معجزا لكل أديب
ان يكن أحمد تنبأ في القو / م فما ان عليه من تثريب
فلقد كان الشعر يوحي اليه / سوراً للاصلاح والتهذيب
انما معجزاته في معانيه / وفي لفظه وفي الاسلوب
كم له من معنى تراه قريبا / وهو في نفس الأمر غير قريب
ومن اللفظ ما يكاد من الرقة / يجري الى صميم القلوب
أحمد كان شاعراً وحكيما / وباسرار النفس كان عليما
أحمد لا يفنى وان كان في قبر / عفته الايام عظماً رميما
أحمد كان في الزعامة للشعر / وفي العلم بالحياة عظيما
قد أراد الحساد للحر هضما / فابى الحر ان يكون هضيما
جعل الشعر كالنهار مضيئا / بعد ان كان الشعر ليلا بهيما
وكأن الديوان في جمعه ما / قاله كان للنجوم سديما
قتلوا الشاعر العظيم اغتيالا / وفشا قتله فكان اليما
ايها الشاعر الحفي القدير / باسمك اليوم يهتف الجمهور
اكبر الفضل ما تقدره الاجيال / من بعد اهله والدهور
انما قد اصاب شاكلة الامة / لما اصابك المقدور
ذم دنيا غرارة ليس تخلو / من رزايا يسوء فيها المصير
افجع الحادثات في الغرب والشر / ق على النابه الاديب تدور
قائل الشعر قد يبور مصابا / بملم وشعره لا يبور
حبذا الشعر آتيا من شعور / انما يلمس الشعور الشعور
يا قتيل الآداب انك باق / وستحيا في انفس العشاق
كل بيت قد قلته فيك أرثي / آهة لي جاءت من الاعماق
حرم القاتلوك امتهم من / كلم ملء الدهر والآفاق
ولقد صارعت الخطوب الى ان / اطفأت منك كوكبا ذا ائتلاق
شاعر العقل شاعر المجد والفخر / الاثيلين شاعر الاخلاق
والذي آمنت ببعثته النا / س على خلفة من الاذواق
جاءت الخيل وهي تنحط اعياء / ء وراء المحجل السباق
انما انت للقريب الجديد / مثلما انت للقديم البعيد
لست ممن يقلون كل قديم / غير اني احب كل جديد
انت في الدولتين كنت رسولا / ذا كتاب تدعو الى التوحيد
ولقد صاغوا الشعر قبلك من لفظ / ووزن وصغته من حديد
واحد أنت من عباقرة ما / توا على الارض غيلة للخلود
انت ممن جنى القريض عليهم / قُتل الشعر كم له من شهيد
كنت حيناً كالليث يزأر للبطش / وحينا كالبلبل الغريد
انت بالشعر اذ هززت الشعوبا / كنت ترضي النهى وترضي القلوبا
حكم الذي اراد صوابا / ونسيب لمن اراد النسيبا
تلك نار اذا خبت فهي تبقي / من جديد للمصطلين لهيبا
يتعب الدهر في التخير حتى / يهب الناس شاعرا او اديبا
قد دعاك العلا فسرت اليه / ودعوت العلا فكان مجيبا
انه وحده الحبيب الذي قد / كنت منه وكان منك قريبا
ولئن كنت للغبي بغيضا / فلقد كنت للذكي حبيبا
انت فرد يا احمدج المتنبي / في قريض نظمته أي وربي
ما دعوت القوافي الغر الا / وهي عند الدعاء جاءت تلبي
كثر الناقدو قريضك بالباطل / سترا لصدقه بالكذب
رب بنت للشعر قد وأدوها / في ربيع الصبا على غير ذنب
غير ان لايام قد ضربتهم / بعد حرب تأججت أي ضرب
شاعر انت للعروبة جمعا / ء برغم الحساد في كل حقب
ولقد قالوا ما لاحمد قبر / كذبوا ان قبر احمد قلبي
لك في الشعر عزة قعساء / عجزت عن بلوغها الشعراء
انهم ضلوا في ظلام الليالي / وهدتك المجرّة البيضاء
انما قالة القريض كثير / وقليل من بينها النبغاء
بين من راضوا الشعر او قرضوه / ليس الا الاسم الزعيم البقاء
القريض الشريف ممن اهانو / ه بما اسندوا اليه براء
ليس من حظ العبقري اذا / برّز الا العداء والبغضاء
ليس بالشعر ما خلا من شعور / وان احلولى لفظه والبناء
فاق شعر به نطقت مبينا / غرر الاولين والآخرينا
كان يحكي اليراع منك حساما / كلما احتل من يديك اليمينا
كنت تسطو به فيبدي زئيرا / ثم تشكو به فيبدي انينا
ضحكوا غرة فاسبلت دمعا / كنت تبكي به على الضاحكينا
ضم ديوانك الذي هو فردو / س من الشعر البكر حوراً عيهنا
انني كلما له جئت اتلو / اقرأ الحسن والهدى واليقينا
ولقد ابصر الكماة امامي / وارى قسطلا فاغضى العيونا
كان ليل يدجو وكان صباح / تتغذى بضوئه الارواح
انت في بحر كنت تسبح والبا / قون في حوض ماؤه ضحضاح
بك ليل القريض بعد ظلام / لاح للعين صبحه الوضاح
ثم زاد المقصرون صناعا / ت اليها الاديب لا يرتاح
ثم كان الغواة فيه فريقين / لكل عتاده والسلاح
ففريق مقلد لسواه / وفريق اباح ما لا يباح
ثم شبت بين الفريقين حرب / كثرت في الغمار منها الجراح
واحد انت من ملوك المعاني / ما له في سلطانه من ثان
شاعر العقل والعواطف في النفس / وما في قرارها من اماني
لا يدانيك ناقد قد تحدى / انه هادم وانت الباني
ما لهم في البلاغة اليوم ارض / ولك المشرفان والمغربان
انت ما كنت ترسل الشعر الا / بعد نضج في العقل او في الجنان
بعد الف من السنين تقضى / اكبرتك الاقوام في مهرجان
تعترى السامعي قريضك منهم / هزة في الارواح والابدان
انما جاءت الوفود ترامى / لتحييك ركعا وقياما
انهم يكبرون منك زعيما / اقعد الناس شعره واقاما
انهم لبوا دعوة الشعب لما / قدموا افواجا فكانوا كراما
لك يا احمد الامامة في المو / ت كما كنت في الحياة اماما
حبذا ابيات بها كنت تشدو / فجرت امثالا تزين الكلاما
سكت البلبل الذي كان يشدو / كل صبح فيوقظ النواما
محسن للتجديد احمد في البد / ء فمن ذا سيحسن الاتماما
حال بيني وبين شكري التراب
حال بيني وبين شكري التراب / إذ قضى نحبه فجل المصاب
مات شكري فلا تحف بشكري / بعد هذا رفاقه والصحاب
مات شكري فأنت إن تدعه اليوم / لأمر لم يأت منه جواب
مات شكري فما لشكري على الأرض / كما كان جيئته وذهاب
جر شكري من بين أهل وصحب / قدر من داء به غلاب
فاض قبل الوداع أوان نراه / مثلما في النهار يهوى شهاب
قد بكته الأقلام منكسرات / وبكته الأخلاق والآداب
لا أرى في جو الحياة صفاء / أعلى وجهه الجميل ضباب
قد أتاني نعيه باغتا فان / تَفضت في جثماني الأعصاب
فكأني هناك قد صعقني / كهرباء أو مزقتني حراب
اشرب الدمع بعده من لهابي / ثم ما أن يزول عني اللهاب
تتدانى من جو نفسي هموم / عند ذكراه ثم لا تنجاب
لم يكن ما أصوبه بدموع / إنها حزن في عيوني مذاب
أيها الموت قد أسأت ولكن / أيها الموت ما عليك عتاب
رحب القبر في الغداة بشكري / وعسى أن يسره الترحاب
ما انتفاع الأديب في الشرق يحيا / من حياة جميعها أتعاب
حملوه وبعد أن حملوه / دفنوه في حضرة ثم آبوا
أخذوا يحثون التراب عليه / أعلى ذلك الوجه يحثى التراب
لم أعب منه خلة في حياتي / ولقد قل صاحب لا يعاب
ليس ناس في الأرض طابوا فماتوا / مثل ناس في الأرض ماتوا فطابوا
أترى من فات المحاريب سبقا / كبطيء يفوته المحراب
ولقد كان كاتبا عبقريا / وأديبا مصرحا لا يهاب
آخذا في الشعر التجدد دينا / وهو فيما يدين لا يرتاب
كم له في نصر الجديد من / الشعر براهين دونهن الحراب
ضرب الصبح الليل والليل عات / بحسام فانشق منه الأهاب
إن للشعر في العراق لأذنا / با طوالا لو تبتر الأذناب
وإذا الشعر لم يمارسه ناس / نبغوا لا يكون فيه انقلاب
إنما هذه الحياة كنهر / صاخب في طريقه ينساب
فإذا ما البحر خالط يوما / فهو لا سائب ولا صخاب
وكأن الزمان بحر خضم / وكأن الإنسان فيه حباب
وسيبقى سر الزمان خفيا / عن بنيها حق يحاط الحجاب
ولها أسباب تقيها المنايا / فإذا اختلت تقتل الأسباب
إنما هذه الطبيعة سفر / تتهجى عنوانه الألباب
لا تثق بالعباب قد فاض يرغى / فإذا غاض البحر غاض العباب
ليس في العيش ما أسبح بال / حمد له غير أنه خلاب
ليس بعد الحياة إلا بوار / ليس بعد العمران إلا الخراب
ليست الأرض غير مقبرة / للناس منها بدوا وفيها غابوا
تدرك الشيوخ المنايا / مات فيهم فابنوه الشباب
لست أدري إذا قضى الدهر فينا / أثواب فيه الردى أم عتاب
ترى أنها وليدة أجادلنا / مكتوب عليها التباب
أم تراها تطير في الموت عنا / مثل أسراب خلفها أسراب
ولها في انطلاقها طائرات / سبل في هذا الفضاء رحاب