القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 13
ابنَتي قد تَرَعرَعَت فَهيَ تلعبْ
ابنَتي قد تَرَعرَعَت فَهيَ تلعبْ / كطلىً في جنبي وَتأتي وَتذهبْ
تتنزى من النشاط أَمامي / فَهي تحكي حَمامةً تتقلب
وَهيَ مثل الغَزال تشدو وَرائي / ببغام له فؤادي يطرب
خفة تطرب النفوس وَصوت / يستَبي حسنُه العقول وَينهب
وَعيون تَرنو العيون إليها / شاخصات ووجنة تتلهب
وَرواء في الخد منها جَميل / فهو ماء مصفق لَيسَ ينضب
تلع الجيد فوق قدٍّ رَشيقٍ / زانه الشعر مرسلاً يتذبذب
وإذا ما مشت مَعي في طَريق / سأَلتني عَن كل شيء وَمطلب
ابنتي هذه خلاصة نَفسي / فَهي مني مثل الحَياة وأَطيَب
رب صنها حتى تَكون فَتاة / ثم أمّاً تَرعى ابنها ليُهذَّب
ليست الحرب غير نار تشبُّ
ليست الحرب غير نار تشبُّ / حيث يَشقى شعبٌ وَيسعد شعبُ
إنها قبل أن تشب لظاها / عاصفٌ بين أُمتين تهب
أترى أَفزع الغزالة ذيبُ
أترى أَفزع الغزالة ذيبُ / فَهي تَسعى شَريدة وَتغيبُ
وقد اصفر وجهها كفتاة / قلبها من وشك الفراق كَئيب
أَم أَتَت نصف دورةٍ هَذه الأر / ض دَنا فيه من ذكاء غروب
وَعَلاها السحاب فاحمرَّ منها / إذ توارَت ذوائِبٌ وَجيوب
صاح ما هذه الدماء أراها / بعيوني أَفي السماء حروب
أَم ترى في يد الطَبيعة لوحاً / نظر الروح نحوه مجلوب
تقف العين عنده وَهي حيرى / يستبيها جماله المحبوب
حار في وصفه الأديب فَلا يَع / لم ماذا عَسى يَقول الأديب
وانظر البر إن مشهده بع / دَ غروبٍ لها شجيٌّ مهيب
بقر الحي من مراتعها تر / جع في مشية خطاها قَريب
وَقَطيع الأغنام من وجهة الشر / قِ إلى جانب الخيام يؤوب
وَصغار الحملان مَربوطة تص / بو إِلى أمّهاتها وَتَلوب
تسمع الأمهات وَهي إليها / مسرعات بغامها فَتُجيب
مشهد للغروب في البر شاج / فَتَكاد القلوب منه تَذوب
مشهد يعجز المصوِّرُ وَالشا / عرُ عَن رسمه وَيعيا الخَطيب
وكأني بالقوم قد سمعوا ما قلته
وكأني بالقوم قد سمعوا ما قلته / موضحاً فثاروا غضابا
وأتوا ينبشون قبراً حواني / بعد موتي وأوسعوني سبابا
فليجيئوا ما قد ارادوه أني / لم أقل يوم قلت إلا صوابا
أخطأ العلم بالإله
أخطأ العلم بالإله / جميع المذاهب
وهو سر مكتم / في ضمير الكواكب
رقدت ههنا فتاة لبيبه
رقدت ههنا فتاة لبيبه / ذات حسن في عنفوان الشبيبه
قصفت غصنها المنايا رطيباً / فأَطالت بكاء أمٍّ كئيبه
ودعت أهلها وقالت بحزن / رحلتي عن دنياي هذي قريبه
هي والشمس غابتا في زمانٍ / واحدٍ آه آه يا للمصيبه
فابك ما شئت يا يراعي وأرخ / في شباب الحياة أودت نجيبه
قد طغى يطفح الفرات وعبا
قد طغى يطفح الفرات وعبا / يملأ الانفس الجريئة رعبا
ساعة ثم طبق الارض ماءاً / فكأن الاتي قد جاء وثبا
ان ذاك الذي حسبناه نهراً ضيقاً / امسى اليوم كالبحر رحبا
غمر الجانبين منه وانحجى / يتسامى الى التلاع فاربى
اغرق الزرع والمساكن والشا / ء مطافيل والبساتين غلبا
كذبتنا الحياة في كل شيء / ولعل الآمال اكثر كذبا
انت ما ان تخففين مصابي
انت ما ان تخففين مصابي / دمعتي فارجعي على الاعقاب
انت لا تدرئين عني دائي / انت لا تصلحين منه خرابي
انت لا تنجديني في شقائي / انت لا تنقذينني من عذابي
انت لا تدفعين وطأة شيبي / انت لا ترجعين عهد شبابي
انت لا تقدرين ان تهبيني / راحة او تسكني اعصابي
انما انت قطرة ستبلين اذا / سلت بقعة من ثيابي
او تضيعين بين لحيتي ال / بيضاء او تنضبين فوق التراب
وسيمتصك الرغام لدى او / ول مس كظامئ ذي لهاب
ولقد تسقطين من حرف عيني / كالندى فوق كالئٍ معشاب
ارجعي فالحياة ليست تساوي / ان تخري من حالق كالشهاب
لا تخري وان قضى ان تخري / سبب قاهر من الاسباب
ان نفسي لا ترتضي ان تهوني / لشجوني وان ملأن اهابي
ليس محمودا ان تقيمي طويلا / بين حملاق العين والاهداب
يا ابنة الهم ان غرفتك القل / ب فلا تخرجي الى الابواب
دمعتي لا تعولي في رزايا / ك على وعد دهرك الكذّاب
فارجعي في مهل الى القلب مني / انت لا تخلقين بالتسكاب
اتريدين من مقرك في نف / سي راراً ينجيك من حرّ مابي
انا لم أسأل العيون بكاء / لتكوني عن السؤال جوابي
ليس من عار في الرجوع على من / ضلّ في سيره طريق الصواب
واذا ما هبطت بالرغم عني / طال يا دمعتي عليك عتابي
انني ان بكيت ابكي شعري / ولقد أهديه الى الاحقاب
كل بيت منه اذا عصروه / دمعة ثرّة على الاداب
بين شعري وما يجيش بصدري / من شعور وشائج الانساب
انا عنه محدّث وهو عني / وكلانا في القول غير محاب
وعسى ان بث شعري شعوري / وعسى ان ينوب شعري منابي
اذكري إذ كنا صغيرين نلعب
اذكري إذ كنا صغيرين نلعب / وعلى انغام الطبيعة نطرب
او نغني معا اناشيد قد طا / بت بلحن مشج وصوت مكهرب
او على ناعم الثرى نتنزى / والثرى للصبيان اقرب ملعب
تارة نعدو مبعدين واخرى / فوق ميثاء رملة نتقلب
وعلى نشز فوق دجلة نستلقي / ابتغاء لراحة حين نتعب
ثم نمضي إلى الحدائق نجني / ما نلاقي من كل زهر محبب
الازاهير تحتنا تتلوى / والعصافير فوقنا تتوثب
واذا ما طار الفراش ركضنا / خلفه في لباقة نتعقب
واذا ما جاء المراقب يرغو / ويداه على الهراوة نهرب
واذا آذت شوكة احداً من / ا اخذنا معاً نصيح وننحب
ولقد كنا في وفاق معاً نر / ضى عن الشيء او معاً نتغضب
واذا ما اردت ان تقرضيني / قبلة في براءة اتجنب
واذا ما بعد الخلاف اجتمعنا / في غد ضحوة فلا نتعتب
واذا ما آباؤنا سألونا / كيف نقضي ساعاتنا نتكذب
ولقد آثرت التأخير يوما / غير دار عليه ما يترتب
واذا عينك الجميلة شكرى / واذا الدمع دافق يتصبب
فتعانقنا مقسمين على انا / على الحفظ للمواعيد ندأب
ثم انا معا شببنا وشب / الحب فينا حتى طغى وتغلب
كلما مستني يداك لداع / او تلاقت لحاظنا اتكهرب
يوم كنا نسير جنباً لجنب / في طريق الهوى ولا نتنكب
واخذنا نصيبنا من دروس / لا غنى عنها للذي يتهذب
وتحدثنا في مواضيع شتى / وتقلدنا مذهباً بعد مذهب
نقرأ الآراء الجريئة في الدين / فلا نلحوها ولا نتحزب
ولقد راعني باخر عهد / منك في زورتي الجبين المقطب
كنت مخدوعا بالاماني حتى / كان ما لم اكن له اترقب
لم اكن اذ بنيتها اتظنى / انها بعد ساعة تتخرب
بقيت لي مما مضى ذكريات / وستبقى حتى بي الموت ينشب
لست ادري ماذا جرى فافترقنا / انني من هذا الفراق لا عجب
انما هذه القطيعة آذتنا / فمن ذا سعى بنا وتسبب
اينا في جنانه كان يدري / اننا بعد برهة نتشعب
ويطول الفراق والحزن حتى / يصبح الموت وحده كل مأرب
ارحميني فانني لست اسطيع / على برح البين ان اتغلب
ايها الحب انت لي كل شيء / بك احيا وفي سبيلك اعطب
وهو الدهر قد تعسف لكن / ما على الدهر ان تعسف معتب
شتت الدهر شملنا لشقائي / بعد جمع له ودهري قلب
منشبا في قساوة بفؤادي / مخلبا من صروفه اثر مخلب
انا لا ادري ما يحس به قل / بك اما قلبي فقد كان يلهب
فاذا كان القلب منك كقلبي / فتعالى نذل ما قد تصعب
وتعالي نجدد العهد فيما / بيننا فهو كالربيع المذهب
فكلانا من البعاد شقي / وكلانا من الجفاء معذب
اننا يا ليلى بغير ترو / قد ركبنا من النوى شر مركب
واذا كنت لي ترين جناحا / فاذكريه يغسله دمعي فيذهب
واذات صح وعدهم لك بالما / ل فما المال كل ما هو يطلب
لا يغرنك العيشة برق / وامضُ في سحابه فهو خلب
احذري الدهر حين يبدي سلاما / فهو نشال السعادة ينهب
انني شاعر وغيري مثر / فانظري اينا الى المجد اقرب
انني شاعر ولكنني في / كل عمري بالشعر لم اتكسب
حسب شعري ان قد اضاء بمصر / في ظلام من الشكوك ككوكب
خمسة طاروا من عيون الشباب
خمسة طاروا من عيون الشباب / فوق طيارة كمثل العقاب
اخذت في الجو الرفيع تعالى / ثم خرت من اوجها كالشهاب
ان ذاك الصعود في الجو منهم / كان للمجد والعلا والغلاب
صدمة في هبوطها اهلكتهم / بعد ان حلقت بمجرى السحاب
لا ترى بعدها على الارض منهم / غير اشلاء او دم منساب
انما اوقف المحرك فيها / سبب قاهر من الاسباب
هلكوا في شرخ الشباب فيا / للرزء لما عرا وياللمصاب
فتية طارت تبتغي المجد ذخرا / ولاوطانها تخلد ذكرا
فوق طيارة تطوف بهم في / الجو هدارة فتشبه نسرا
كلما استذكرت الفجيعة احسست / من الحزن في فؤادي جمرا
ليس عندي ما استقى منه شعري / غير عين من الكآبة عبرى
انا في الحزن ارسل الشعر دمعا / ساخنا ثم ارسل الدمع شعرا
حسب من مات عند خدمته اوطانه / انه بها كان برا
عاش من بر بالمواطن محمو / داً فان مات فهو بالحمد احرى
فتية صرعى فارقتها الحياة / فبكتها الآباء والامهات
وبكاها العراق حزنا عليها / وبنوه ودجلة والفرات
اينما التفت اشاهد شحوبا / في وجوه عيونها خضلات
شيعتها الى مقابر شتى / عبرات وراءها عبرات
انما المجد لا يموت وان كا / ن ذووه لحادث قد ماتوا
ايها الشعب لا يثبطك يأس / انما في الموت الملم حياة
ايها النسر ما دهاك وقد كنت / اذا طرت لم يخنك الثبات
هي دنيا كثيرة الامتاع / ودعوها ولات حين وداع
وهو المجد بالمساعي اقتنوعها / حبذا المجد يقتني بالمساعي
قد اضعناهم خمسة ليس فيهم / من به رعدة فيا للضياع
مشهد للحياة والموت يشجى / ما به من تنازع وصراع
لهف نفسي على شباب تردوا / فنعاهم الي في الصبح ناع
شاع ذاك النعي حول الفراتين / فاثقل به على الاسماع
جنحت للغروب شمس نهاري / ثم منها لم يبق غير شعاع
وقف الموت للانام رصيدا / كل يوم يريد منهم شهيدا
شطت الدار بالاحبة عنا / وعسى من ناى بهم ان يعيدا
فتية كادتها صروف الليالي / والليالي من شأنها ان تكيدا
انا لو لا شيخوختي ثم دائي / كل يوم نظمت فيهم قصيدا
حبذا الليل والنهار لو انا / فيهما نستطيع ان لا نبيدا
قد ظننت الذي ثوى يسكن القبر / قريبا مني فكان بعيدا
فات من قد رأى السلام رغيبا / ان يرى في الاخطار موتاً حميدا
حل يودي بخمسة اطهار / قدر نازل من الاقدار
بنسور قد حلقت قبل ان يؤذن / ضوء الصباح بالاسفار
خطر كله الظلام ولاكن / لا تبالي النسور بالاخطار
ركبوها طيارة لم تخنهم / في تمارينهم وفي التكرار
ما دهاها حتى هوت كشهاب / خر من جوه بلا انذار
ثم دارت بهم على نفسها بالرغم / عن كل حيلة الطيار
ثم كان الذي به جرت الاقدار / من سقطة لهم وبوار
كل يوم تعطى الحياة ضحايا / تبتغي ارضاء بها للمنايا
ان هذا الجميل الذي نحن منه / هو من هاتيك الضحايا بقايا
نبتغي تخفيف الرزايا بلهو / نرتضيه فلا تخف الرزايا
لا اظن الحياة تلقى سلاما / من بلايا وراءهن بلايا
ان من اعطانا العقول اذا ما / شاء ان نردى يسترد العطايا
والذي انشأ البرايا من الموت / معيد الى البوار البرايا
كبر شفني فلم يبق عندي / غير قلب يئن تحت الحنايا
أنصتوا أنصتوا فقد طاف بالور
أنصتوا أنصتوا فقد طاف بالور / د صباحاً يغرّد العندليب
واذا العندليب غرد فالاس / ماع تنصاع والنفوس تطيب
انما العندليب والصوت منه / حين يشدوكلاهما لي حبيب
ملك الطير كلها في الاغاني / فله التاجه وحده والقضيب
هو ان صاح فالجوانح تهفو / واذا نادى فالقلوب تجيب
وكأن الاشجار جمع غفير / تسمع العندليب وهو خطيب
وكأن الازهار عند تغنيه / قلوب لها اليه وثوب
شاعر الروض العبقري فما ان / شعره نقليد ولا مكذوب
شدوه يطرب النفوس جميعا / ولكل الاسماع منه نصيب
هو شعر يهز مستمعيه / وهو سحر يحار فيه اللبيب
وهو نار من لوعة القلب يبقى / صاعدا في الفضاء منها اللهيب
وهو للقوم الرافهين هتاف / وهو للناس البائسين نحيب
الم فيه لذة وسرور / فيه حزن بالقلب منه ندوب
استطابته الطير من كل صنف / غير ان الغراب لا يستطيب
وجميل من العنادل شدو / وقبيح من الغراب النعيب
أحمد كان مثل بحر رحيب
أحمد كان مثل بحر رحيب / موجه فوق لجه كالكثيب
شغل الناس منذ كان بشعر / قاله معجزا لكل أديب
ان يكن أحمد تنبأ في القو / م فما ان عليه من تثريب
فلقد كان الشعر يوحي اليه / سوراً للاصلاح والتهذيب
انما معجزاته في معانيه / وفي لفظه وفي الاسلوب
كم له من معنى تراه قريبا / وهو في نفس الأمر غير قريب
ومن اللفظ ما يكاد من الرقة / يجري الى صميم القلوب
أحمد كان شاعراً وحكيما / وباسرار النفس كان عليما
أحمد لا يفنى وان كان في قبر / عفته الايام عظماً رميما
أحمد كان في الزعامة للشعر / وفي العلم بالحياة عظيما
قد أراد الحساد للحر هضما / فابى الحر ان يكون هضيما
جعل الشعر كالنهار مضيئا / بعد ان كان الشعر ليلا بهيما
وكأن الديوان في جمعه ما / قاله كان للنجوم سديما
قتلوا الشاعر العظيم اغتيالا / وفشا قتله فكان اليما
ايها الشاعر الحفي القدير / باسمك اليوم يهتف الجمهور
اكبر الفضل ما تقدره الاجيال / من بعد اهله والدهور
انما قد اصاب شاكلة الامة / لما اصابك المقدور
ذم دنيا غرارة ليس تخلو / من رزايا يسوء فيها المصير
افجع الحادثات في الغرب والشر / ق على النابه الاديب تدور
قائل الشعر قد يبور مصابا / بملم وشعره لا يبور
حبذا الشعر آتيا من شعور / انما يلمس الشعور الشعور
يا قتيل الآداب انك باق / وستحيا في انفس العشاق
كل بيت قد قلته فيك أرثي / آهة لي جاءت من الاعماق
حرم القاتلوك امتهم من / كلم ملء الدهر والآفاق
ولقد صارعت الخطوب الى ان / اطفأت منك كوكبا ذا ائتلاق
شاعر العقل شاعر المجد والفخر / الاثيلين شاعر الاخلاق
والذي آمنت ببعثته النا / س على خلفة من الاذواق
جاءت الخيل وهي تنحط اعياء / ء وراء المحجل السباق
انما انت للقريب الجديد / مثلما انت للقديم البعيد
لست ممن يقلون كل قديم / غير اني احب كل جديد
انت في الدولتين كنت رسولا / ذا كتاب تدعو الى التوحيد
ولقد صاغوا الشعر قبلك من لفظ / ووزن وصغته من حديد
واحد أنت من عباقرة ما / توا على الارض غيلة للخلود
انت ممن جنى القريض عليهم / قُتل الشعر كم له من شهيد
كنت حيناً كالليث يزأر للبطش / وحينا كالبلبل الغريد
انت بالشعر اذ هززت الشعوبا / كنت ترضي النهى وترضي القلوبا
حكم الذي اراد صوابا / ونسيب لمن اراد النسيبا
تلك نار اذا خبت فهي تبقي / من جديد للمصطلين لهيبا
يتعب الدهر في التخير حتى / يهب الناس شاعرا او اديبا
قد دعاك العلا فسرت اليه / ودعوت العلا فكان مجيبا
انه وحده الحبيب الذي قد / كنت منه وكان منك قريبا
ولئن كنت للغبي بغيضا / فلقد كنت للذكي حبيبا
انت فرد يا احمدج المتنبي / في قريض نظمته أي وربي
ما دعوت القوافي الغر الا / وهي عند الدعاء جاءت تلبي
كثر الناقدو قريضك بالباطل / سترا لصدقه بالكذب
رب بنت للشعر قد وأدوها / في ربيع الصبا على غير ذنب
غير ان لايام قد ضربتهم / بعد حرب تأججت أي ضرب
شاعر انت للعروبة جمعا / ء برغم الحساد في كل حقب
ولقد قالوا ما لاحمد قبر / كذبوا ان قبر احمد قلبي
لك في الشعر عزة قعساء / عجزت عن بلوغها الشعراء
انهم ضلوا في ظلام الليالي / وهدتك المجرّة البيضاء
انما قالة القريض كثير / وقليل من بينها النبغاء
بين من راضوا الشعر او قرضوه / ليس الا الاسم الزعيم البقاء
القريض الشريف ممن اهانو / ه بما اسندوا اليه براء
ليس من حظ العبقري اذا / برّ‍ز الا العداء والبغضاء
ليس بالشعر ما خلا من شعور / وان احلولى لفظه والبناء
فاق شعر به نطقت مبينا / غرر الاولين والآخرينا
كان يحكي اليراع منك حساما / كلما احتل من يديك اليمينا
كنت تسطو به فيبدي زئيرا / ثم تشكو به فيبدي انينا
ضحكوا غرة فاسبلت دمعا / كنت تبكي به على الضاحكينا
ضم ديوانك الذي هو فردو / س من الشعر البكر حوراً عيهنا
انني كلما له جئت اتلو / اقرأ الحسن والهدى واليقينا
ولقد ابصر الكماة امامي / وارى قسطلا فاغضى العيونا
كان ليل يدجو وكان صباح / تتغذى بضوئه الارواح
انت في بحر كنت تسبح والبا / قون في حوض ماؤه ضحضاح
بك ليل القريض بعد ظلام / لاح للعين صبحه الوضاح
ثم زاد المقصرون صناعا / ت اليها الاديب لا يرتاح
ثم كان الغواة فيه فريقين / لكل عتاده والسلاح
ففريق مقلد لسواه / وفريق اباح ما لا يباح
ثم شبت بين الفريقين حرب / كثرت في الغمار منها الجراح
واحد انت من ملوك المعاني / ما له في سلطانه من ثان
شاعر العقل والعواطف في النفس / وما في قرارها من اماني
لا يدانيك ناقد قد تحدى / انه هادم وانت الباني
ما لهم في البلاغة اليوم ارض / ولك المشرفان والمغربان
انت ما كنت ترسل الشعر الا / بعد نضج في العقل او في الجنان
بعد الف من السنين تقضى / اكبرتك الاقوام في مهرجان
تعترى السامعي قريضك منهم / هزة في الارواح والابدان
انما جاءت الوفود ترامى / لتحييك ركعا وقياما
انهم يكبرون منك زعيما / اقعد الناس شعره واقاما
انهم لبوا دعوة الشعب لما / قدموا افواجا فكانوا كراما
لك يا احمد الامامة في المو / ت كما كنت في الحياة اماما
حبذا ابيات بها كنت تشدو / فجرت امثالا تزين الكلاما
سكت البلبل الذي كان يشدو / كل صبح فيوقظ النواما
محسن للتجديد احمد في البد / ء فمن ذا سيحسن الاتماما
حال بيني وبين شكري التراب
حال بيني وبين شكري التراب / إذ قضى نحبه فجل المصاب
مات شكري فلا تحف بشكري / بعد هذا رفاقه والصحاب
مات شكري فأنت إن تدعه اليوم / لأمر لم يأت منه جواب
مات شكري فما لشكري على الأرض / كما كان جيئته وذهاب
جر شكري من بين أهل وصحب / قدر من داء به غلاب
فاض قبل الوداع أوان نراه / مثلما في النهار يهوى شهاب
قد بكته الأقلام منكسرات / وبكته الأخلاق والآداب
لا أرى في جو الحياة صفاء / أعلى وجهه الجميل ضباب
قد أتاني نعيه باغتا فان / تَفضت في جثماني الأعصاب
فكأني هناك قد صعقني / كهرباء أو مزقتني حراب
اشرب الدمع بعده من لهابي / ثم ما أن يزول عني اللهاب
تتدانى من جو نفسي هموم / عند ذكراه ثم لا تنجاب
لم يكن ما أصوبه بدموع / إنها حزن في عيوني مذاب
أيها الموت قد أسأت ولكن / أيها الموت ما عليك عتاب
رحب القبر في الغداة بشكري / وعسى أن يسره الترحاب
ما انتفاع الأديب في الشرق يحيا / من حياة جميعها أتعاب
حملوه وبعد أن حملوه / دفنوه في حضرة ثم آبوا
أخذوا يحثون التراب عليه / أعلى ذلك الوجه يحثى التراب
لم أعب منه خلة في حياتي / ولقد قل صاحب لا يعاب
ليس ناس في الأرض طابوا فماتوا / مثل ناس في الأرض ماتوا فطابوا
أترى من فات المحاريب سبقا / كبطيء يفوته المحراب
ولقد كان كاتبا عبقريا / وأديبا مصرحا لا يهاب
آخذا في الشعر التجدد دينا / وهو فيما يدين لا يرتاب
كم له في نصر الجديد من / الشعر براهين دونهن الحراب
ضرب الصبح الليل والليل عات / بحسام فانشق منه الأهاب
إن للشعر في العراق لأذنا / با طوالا لو تبتر الأذناب
وإذا الشعر لم يمارسه ناس / نبغوا لا يكون فيه انقلاب
إنما هذه الحياة كنهر / صاخب في طريقه ينساب
فإذا ما البحر خالط يوما / فهو لا سائب ولا صخاب
وكأن الزمان بحر خضم / وكأن الإنسان فيه حباب
وسيبقى سر الزمان خفيا / عن بنيها حق يحاط الحجاب
ولها أسباب تقيها المنايا / فإذا اختلت تقتل الأسباب
إنما هذه الطبيعة سفر / تتهجى عنوانه الألباب
لا تثق بالعباب قد فاض يرغى / فإذا غاض البحر غاض العباب
ليس في العيش ما أسبح بال / حمد له غير أنه خلاب
ليس بعد الحياة إلا بوار / ليس بعد العمران إلا الخراب
ليست الأرض غير مقبرة / للناس منها بدوا وفيها غابوا
تدرك الشيوخ المنايا / مات فيهم فابنوه الشباب
لست أدري إذا قضى الدهر فينا / أثواب فيه الردى أم عتاب
ترى أنها وليدة أجادلنا / مكتوب عليها التباب
أم تراها تطير في الموت عنا / مثل أسراب خلفها أسراب
ولها في انطلاقها طائرات / سبل في هذا الفضاء رحاب

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025