أيَّ قدس يضُمَ هذا البناء
أيَّ قدس يضُمَ هذا البناء / حسدت أرضه عليه السماء
أن يكن فوق هذه الأرض شيء / فيه قدسيّةٌ فهذا البناء
هو من هذه البَنيّات لكن / شرُفت بالمقاصد الأشياء
كلما جئته مُلمّاً تجلّت / لي من تحت أسّه العلياء
هو بِكر في ذي البلاد وللأط / فال فيه حماية عذراء
لم نكن قبل ذا نُفكّر فيما / فكّرت فيه قبلنا الرُحماء
كان للبُؤس في المواطن لفح / من سَموم تذوي به الرضعاء
ربّ طفل أودت به قِلّة الدَرّ / على أن أمّه ثَدياء
أمّه من أبيه آمت فأمست / ينهك البؤس جسمها والشقاء
فحكى شخصها الخَيالة إذ لا / ح ذبول بجسمها وأرتخاء
وأرتمى ثديها وفيه جَفاف / لم يكن للرضيع فيهِ غذاء
فهو أن لم يعِش فموت مُريح / وهو أن عاش عاش فيه الداء
هكذا كانت المواليد تحيا / ولها من حياتها افناء
ومن اللؤم أن نرى عندنا الأط / فال تفنى لأنهم فقراء
لا غذاء في جَوفهم لا كساء / لا غطاء من فوقهم لا ِوطاء
علّ ميتاً لو عاش منهم لأضحى / فيه للناس مأمل ورجاء
ربّ من مات منهِم مات معه / شرف باذخ لنا وعَلاء
ليس موت الأطفال هيناً فقد ين / بُغ منهم نوابغٌ أذكياء
إنما هم كمثل أصداف بحر / لست تدري دُرّ بها أم خلاء
فلعلّ الطفل الذي مات منهم / مات عقل بموته ودهاء
أنه مثل وردة قطفتها / قبل ما فتحها يدٌ عسراء
جلّ هذا البناء حسناً وقدراً / فهو فيه فخامة ورُواء
وعلا في معارج الحمد حتى / لم تُطاوله في العُلا الجوزاء
كلّما جال في مبانيه طرفي / لمعت لي من جُدره العلياء
ولقد دلّ أنّ مَن شيّدوه / سادة في طباعهم كُرَماء
شكر اللّه سعيهم من كرام / بلغوا من فَخارهم ما شاءوا
سوف يبقى لهم على الدهر ذكر / فيه حمد لهم وفيه ثناء
فاز مَن شيّدوه بالحمد وأسوَدّ / ت وجوهاً بخزيها البخلاء
لا تُرَع أيها البناء المُعلّى / فلمرضى الأطفال فيك شفاء
ولهم فيك مرضعات حوانٍ / ولهم فيك طبّهم والدواء
ولهم فيك مأمن وملاذ / ولهم فيك صحّة ونماء
في عَلاليك من فنون المعالي / ما بفحواه عَيَّت الشعراء
كلّمتنا منك المباني كلاماً / فيه منها فصاحة خرساء
إنما أنت غرّة الدهر تُتلى / فيك منّي قصيدة غرّاء