ما عَناءُ الكَبيرِ بِالحَسناءِ
ما عَناءُ الكَبيرِ بِالحَسناءِ / وَهوَ مِثلُ الحَبابِ فَوقَ الماءِ
يَتصابى وَلاتَ حينَ تَصابٍ / بِعُيونِ المَها وَسِربِ الظِباءِ
وَلَعَمري لَمّا تُحِبُّ فَتاةٌ / يَفَناً لَو غَدا مِنَ الخُلَفاءِ
وَتُحِبُّ الفَتى الرَقيقَ الحَواشي / حُبَّ ذي الجَدبِ صادِقَ الأَنواءِ
كَيفَ لا وَهوَ يَهنَأ النَقبَ مِنها / بِهَناءٍ يَزيدُ في البُرَحاءِ
لَحَكاها لَطافَةً وَحَكَتهُ / فَهُما في الهَوى كَمَزجِ الهَواءِ
لا كَصادٍ أَناخَ عِندَ قَليبِ / دونَ دَلوٍ يُدلي بِهِ وَرِشاءِ
يَلحَظُ الماءَ حَسرَةً وَهُوَ مِنهُ / مُتَدانٍ في حالَةِ المُتَنائي
كُلُّ قِرنٍ يُعِدُّ سَيفاً كَليلاً / لِلِقاءٍ يَخونُهُ في اللِقاءِ
فَمِنَ الرَأيِ أَن تَكونَ جَباناً / سامِريّاً يَدينُ بِالإِنزِواءِ
عَجَباً كَم رَأَيتُ مالاً مَصوناً / وَفُؤاداً نَهباً بِأَيدي النِساءِ
وَإِذا حازِمٌ عَلى المالِ أَبقى / فَقُواهُ أَحَقُّ بِالإِبقاءِ
فَتَساوى الرِجالُ في مِثلِ هَذا / فَالمَجانينُ فيهِ كَالعُقَلاءِ
أَيُّ خَيرٍ لِوالِدٍ في بَنيهِ / وَهُوَ عَنهُم يَفِرُّ يَومَ الجَزاءِ
وَالتَقيُّ المُوَفَّقُ البَرُّ مِنهُم / عَدَمٌ كَالسَماعِ بِالعَنقاءِ
وَإِذا ما الأَديبُ شُبِّهَ فيهِم / جَرَّ أَذيالَهُ مِنَ الخُيَلاءِ
وَاِزدَرَى بِالشُيوخِ وَاِعتَرَضَ الدَأ / ماءَ جَهلاً بِنَفثَةِ الرَقّاءِ
ذَنبٌ أَبتَرٌ لَعَمرُكَ خَيرٌ / مِن طَويلٍ يُجَرُّ في الأَقذاءِ
وَمِنَ الغَبنِ هَجرُ دارِ خُلودٍ / وَبَقاءٍ وَوَصلُ دارِ الفَناءِ
وَاِشتِغالٌ بِفَرتَنَى وَبِلُبنى / وَبِدَعدٍ عَن خِطبَةِ الحَوراءِ
وَلَئِن عادَ لَيلُ رَأسِيَ صُبحاً / وَوَشَى بي شَيبي إِلى الحَسناءِ
إِنَّ عودي لِعاجِمِيهِ لَصُلبٌ / وَفُؤادي كَصارِمٍ مَضَّاءِ
وَأُقَضّي لُبانَتي وَأُرَوّي / عامِلَ الرُمحِ مِن دَمِ العَذراءِ
وَأَنا قُرَّةٌ لِعَينِ صَديقي / وَقَذَىً في مَحاجِرِ الأَعداءِ
هَذَّبَتني نَوائِبُ الدَهرِ حَتّى / صِرتُ كَالوَصلِ بَعدَ طولِ الجَفاءِ
فَسَفيني تَجري بِأَطيَبِ ريحٍ / لا بِريحٍ ضَعيفَةٍ نَكباءِ
بِعَليِّ بَنِ تَوبَةٍ فازَ قِدحي / وَسَمَت هِمَّتي عَلى الجَوزاءِ
فَهَنيئاً لَنا وَلِلدينِ قاضٍ / مِثلُهُ عالِمٌ بِفَصلِ القَضاءِ
يَحسُمُ الأَمرَ بِالسِياسَةِ وَالعَد / لِ كَحَسمِ الحُسامِ لِلأَعداءِ
لَو إِياسٌ يَلقاهُ قالَ اِعتِرافاً / غَلِطَ الواصِفونَ لي بِالذَكاءِ
وَلَو أَنَّ الدُهاةَ مِن كُلِّ عَصرٍ / خَبَروهُ دانوا لَهُ بِالدَهاءِ
أَو رَأَى أَحنَفٌ أَو أَحلَمُ مِنهُ / حِلمَهُ ما اِنتَمَوا إِلى الحُلَماءِ
لَو رَأَى المُنصِفونَ بَحرَ نَداهُ / جَعَلوا حاتِماً مِنَ البُخَلاءِ
هُوَ أَوفى مِنَ السَمَوأَلِ عَهداً / وَلَما زالَ مُغرَماً بِالوَفاءِ
وَحَيا المُزنِ ذو حَياءٍ إِذا ما / هَمَلَت كَفُّهُ بِوَبلِ العَطاءِ
يَشهَدُ العالِمونَ في كُلِّ فَنٍّ / أَنَّهُ كَالشِهابِ في العُلَماءِ
وَقُضاةُ الزَمانِ أَرضٌ لَدَيهِ / وَهُوَ مِن فَوقِهِم كَأُفُقِ السَماءِ
لَتَعَرَّضتُ مَدحَهُ فَكَأَنّي / رُمتُ بَحراً مُساجِلاً بِالدِلاءِ
فَأَنا مُفحَمٌ عَلى أَنَّ خَيلي / لا تُجارى في حَلبَةِ الشُعَراءِ
لَكَساني بِمَجدِهِ ثَوبَ فَخرٍ / طالَ حَتّى جَرَرتُهُ مِن وَرائي
وَلَو أَنصَفتُهُ وَذاكَ قَليلٌ / كانَ خَدّي لِرِجلِهِ كَالحِذاءِ
فَأَنا عَبدُهُ وَذاكَ فَخاري / وَجَمالي بَينَ الوَرى وَبَهائي
وَثَنائي وَقفٌ عَلَيهِ وَشُكري / وَدُعائي لَهُ بِطولِ البَقاءِ