المجموع : 4
سَمِعَ اللَيلُ ذو النُجومِ أَنيناً
سَمِعَ اللَيلُ ذو النُجومِ أَنيناً / وَهوَ يَغشى المَدينَةَ البَيضاءَ
فَاِنحَنى فَوقَها كَمُستَرِقِ الهَمـ / ـسِ يُطيلُ السُكوتَ وَالإِصغاءَ
فَرَأى أَهلَها نِياماً كَأَهلِ الـ / ـكَهفِ لا جَلبَةً وَلا ضَوضاءَ
وَرَأى السَدَّ خَلفَها مُحكَمَ البُنـ / ـيانِ وَالماءَ يُشبِهُ الصَحراءَ
كانَ ذاكَ الأَنينُ مِن حَجَرٍ في الـ / ـسَدِّ يَشكو المَقادِرَ العَمياءَ
أَيُّ شَأنٍ يَقولُ في الكَونِ شَأني / لَستُ شَيئاً فيهِ وَلَستُ هَباءَ
لا رُخامٌ أَنا فَأَنحَتُ تِمثا / لاً وَلا صَخرَةٌ تَكونُ بِناءَ
لَستُ أَرضاً فَأَرشُفُ الماءَ / أَو ماءً فَأَروي الحَدائِقَ الغَنّاءَ
وَلَستُ دُرّاً تُنافِسُ الغادَةُ الحَس / ناءُ فيهِ المَليحَةَ الحَسناءَ
لا أَنا دَمعَةٌ وَلا أَنا عَينٌ / لَستُ خالاً أَو وَجنَةً حَمراءَ
حَجَرٌ أَغبَرٌ أَنا وَحَقيرٌ / لا جَمالاً لا حِكمَةً لا مَضاءَ
فَلأُغادِر هَذا الوُجودَ وَأَمضي / بِسَلامٍ إِنّي كَرِهتُ البَقاءَ
وَهَوى مِن مَكانِهِ وَهوَ يَشكو الـأ / رضَ وَالشُهبَ وَالدُجى وَالسَماءَ
فَتَحَ الفَجرُ جَفنَهُ فَإِذا الطو / فانُ يَغشى المَدينَةَ البَيضاءَ
لَو رَأى آدَمٌ فَتاهُ لَزالَ الـ
لَو رَأى آدَمٌ فَتاهُ لَزالَ الـ / ـحِقدُ مِن قَلبِهِ عَلى حَوّاءِ
صَيَّرَ الأَرضَ جَنَّةً دونَها الجَنـ / ـنَةُ في الحُسنِ وَالبَها وَالرُواءِ
ما أَظُنُّ النَعيمَ فيهِ الَّذي في الـ / ـأَرضِ مِن بَهجَةٍ وَمِن لَألاءِ
كُلُّ ما في الوُجودِ لِلمَرءِ عَبدٌ / وَهوَ عَبدُ الشَهواتِ وَالأَهواءِ
كائِنٌ كُلُّ كائِنٍ حارَ فيهِ / فَهوَ حُلوٌ مُرٌّ وَدانٍ ناءِ
وَهوَ طَوراً يَكونُ نِصفَ إِلَهٍ / وَهوَ طَوراً أَدنى مِنَ العَجماءِ
عَجَباً كَيفَ طاعَهُ الطينُ وَالما / ءُ وَما كانَ غَيرَ طينٍ وَماءِ
سادَ في الكَونِ مِثلَما سادَ فيهِ / خالِقُ الكَونِ مُبدِعُ الأَشياءِ
فَهوَ في الماءِ سابِحٌ وَعَلى الغَبـ / ـراءِ ماشٍ وَطائِرٌ في الفَضاءِ
تَخِذَ الجَوَّ مَلعَباً ثُمَّ أَمسى / راكِضاً في الهَواءِ رَكضَ الهَواءِ
فَهوَ فَوقَ السَحابِ يَحكيهِ في مَسـ / ـراهُ لَكِنَّهُ أَخو خُيَلاءِ
وَهوَ بَينَ الطُيورِ تَحسَبُهُ العَنـ / ـقاءَ لَولا اِستِحالَةُ العَنقاءِ
أَبصَرَتهُ فَأَكبَرَت أَن تَرى في ال / جَوِّ صَيّادَها عَلى الغَبراءِ
فَاِستَوى في قُلوبِها الذُعرُ حَتّى / كادَ يَحكي البَلاءَ خَوفُ البَلاءِ
وَتَناجَت تَبغي النَجاةَ فِراراً / أَينَ أَينَ المَفَرُّ مِن ذا القَضاءِ
وَيحَ هَذي الطُيورِ تَجني عَلى المَو / تى وَتَرجو سِلماً مِنَ الأَحياءِ
إِهبِطي أَو فَحَلِّقي أَو فَسيري / إِنَّما المُنتَهى إِلى الأَرزاءِ
وَهوَ بَينَ النُجومِ يَستَرِقُ السَم / عَ وَلا يَتَّقي رُجومَ السَماءِ
مَشهَدٌ رَوَّعَ الدَراري فَباتَت / حائِراتٍ في القُبَّةِ الزَرقاءِ
نافِراتٍ كَأَنَّها ظَبَياتٌ / رَأَتِ القانِصينَ في البَيداءِ
سائِلاتٍ أَذا رَسولُ سَلامٍ / مِن بَني الأَرضِ أَم نَذيرُ فَناءِ
هالَها أَن تَرى مِنَ الأُنسِ قَوماً / يَتَهادَونَ مِثلَها في الفَضاءِ
فَرَأَيتَ الجَوزاءَ تَشكو الثُرَيّا / وَالثُرَيّا تَشكو إِلى الجَوزاءِ
لا تُراعي يا شُهبُ مِنّا فَإِنّا / ما حَمَلنا إِلَيكِ غَيرَ الوَلاءِ
قَد كَرِهنا المُقامَ في الأَرضِ لَمّا / قيلَ إِنَّ السَما مَقَرُّ الهَناءِ
إِنَّما شَوقُنا إِلَيكَ الَّذي أَسـ / ـرى بِنا لا الهِيامُ في الإِسراءِ
فَصِلينا نَزدَد غَراماً وَوَجداً / غَيرُ مُستَحسِنٍ كَثيرُ الإِباءِ
نَحنُ يا شُهبُ في حِماكِ ضُيوفٌ / وَجَميلٌ رِعايَةُ الغُرَباءِ
أَكرِمي ذَلِكَ المُحَلِّقِ فَوقَ الـ / ـسُحبِ يُثني عَلَيكِ خَيرَ ثَناءِ
وَأَنيري طَريقَهُ إِن دَجا اللَي / لُ وَدَبَّت عَقارِبُ الظَلماءِ
صاغَكِ اللَهُ شُعلَةً مِن ضِياءٍ / وَبَرا المَرءَ شُعلَةً مِن ذَكاءِ
تَخِذيهِ أَخاً يَكُن لَكِ عَوناً / كُلُّ نَفسٍ مُحتاجَةٌ لِلإِخاءِ
لا تُفاخِر بِالواخِداتِ وَلا بِالـ / ـخَيلِ مِن أَدهَمٍ وَمِن شَهباءِ
هانَ عَصرُ النِياقِ وَالراكِبيها / عِندَ عَصرِ البُخارِ وَالكَهرُباءِ
مَهبَطَ الوَحيِ مَطلَعَ الأَنبِياءِ
مَهبَطَ الوَحيِ مَطلَعَ الأَنبِياءِ / كَيفَ أَمسَيتِ مَهبِطَ الأَرزاءِ
في عُيونِ الأَنامِ عَنكِ نُبوٌّ / لَم يَكُن في العُيونِ لَو لَم تُسائي
أَنتِ كَالحُرَّةِ الَّتي اِنقَلَبَ الدَهـ / ـرُ عَلَيها فَأَصبَحَت في الإِماءِ
أَنتِ كَالبُردَةِ المُوَشّاةِ أَبلى الطـ / ـطَيُّ وَالنَشرُ ما بِها مِن رُواءِ
أَنتِ مِثلُ الخَميلَةِ الغَنّاءِ / عُرِّيَت مِن أَوراقِها الخَضراءِ
أَنتِ كَاللَيثِ قَلَّمَ الدَهرُ ظُفرَي / هِ وَأَحنى عَلَيهِ طولُ الثَواءِ
أَنتِ كَالشاعِرِ الَّذي أَلِفَ الوِح / دَةِ في مَحفَلٍ مِنَ الغَوغاءِ
أَنتِ مِثلُ الجَبّارِ يَرسُفُ في الأَغ / لالِ في مَشهَدٍ مِنَ الأَعداءِ
لَو تَشائينَ كُنتِ أَرفَهَ حالاً / أَوَ لَستِ قَديرَةً أَن تَشائي
أَنا ما زِلتُ ذا رَجاءٍ كَثيرٍ / وَلَئِن كُنتُ لا أَرى ذا رَجاءِ
قَد بَكى التارِكوكِ مِنكِ قُنوطاً / فَبَكى الساكِنوكِ خَوفَ التَنائي
كَثُرَ النائِحونَ حَولَكِ حَتّى / خِلتُ أَنّي في حاجَةٍ لِلعَزاءِ
بَذَلوا دَمعَهُم وَصُنتُ دُموعي / إِنَّما اليائِسونَ أَهلُ البُكاءِ
لَو تُفيدُ الدُموعُ شَيئاً لَأَحيَت / كُلِّ عافٍ مَدامِعُ الشُعَراءِ
أَنتِ في حاجَةٍ إِلى مِثلِ موسى / لَستِ في حاجَةٍ إِلى أَرمِياءِ
مُقلَةَ الشَرقِ كَم عَزيزٌ عَلَينا / أَن تَكوني رَمِيَّةَ الأَقذاءِ
شَرَّدَت أَهلَكِ النَوائِبُ في الأَر / ضِ وَكانوا كَأَنجُمِ الجَوزاءِ
وَإِذا المَرءُ ضاقَ بِالعَيشِ ذَرعاً / رَكِبَ المَوتَ في سَبيلِ البَقاءِ
لا يُبالي مُغَرِّبٌ في ذَويهِ / أَن يَراهُ ذَووهُ في الغُرَباءِ
أَرضَ آبائِنا عَلَيكِ سَلامٌ / وَسَقى اللَهُ أَنفُسَ الآباءِ
ما هَجَرناكِ إِذ هَجَرناكِ طَوعاً / لا تَظُنّي العُقوقَ في الأَبناءِ
يُسأَمُ الخُلدُ وَالحَياةُ نَعيمٌ / أَفَتَرضى الخُلودَ في البَأساءِ
هَذِهِ أَرضُنا بَلاقِعُ تَمشي / فَوقَها كُلُّ عاصِفٍ هَوجاءِ
هَذِهِ دورُنا مَنازِلُ لِلبو / مِ وَكانَت مَنازِلَ الوَرقاءِ
بَدَّلَتها السُنونُ شَوكاً مِنَ الزَهـ / ـرِ وَبِالوَحشِ مِن بَني حَوّاءِ
ما طَوَت كارِثاً يَدُ الصُبحِ إِلّا / نَشَرَتهُ لَنا يَدُ الإِمساءِ
نَحنُ في الأَرضِ تائِهونَ كَأَنّا / قَومُ موسى في اللَيلَةِ اللَيلاءِ
تَتَرامى بِنا الرَكائِبُ في البَي / داءِ طَوراً وَتارَةً في الماءِ
ضُعَفاءٌ مُحَقَّرونَ كَأَنّا / مِن ظَلامٍ وَالناسُ مِن لَألاءِ
وَاِغتِرابُ القَوِيِّ عِزٌّ وَفَخرٌ / وَاِغتِرابُ الضَعيفِ بَدءُ الفَناءِ
عابَنا البيضُ أَنَّنا غَيرُ عُجُمٍ / وَالعِبَدّى بِالسِحنَةِ البَيضاءِ
وَيحَ قَومي قَد أَطمَعَ الدَهرُ فيهِم / كُلَّ قَومٍ حَتّى بَني السَوداءِ
فَإِذا فاتَنا عَدُوٌّ تَجَنّى / فَأَرانا الأَحبابَ في الأَعداءِ
أَطرَبَتنا الأَقلامُ لَمّا تَغَنَّت / بِالمُساواةِ بَينَنا وَالإِخاءِ
فَسَكِرنا بِها فَلَمّا صَحَونا / ما وَجَدنا مِنها سِوى أَسماءِ
نَحنُ في دَولَةٍ تَلاشَت قُواها / كَالنُضارِ المَدفونِ في الغَبراءِ
أَو كَمِثلِ الجَنينِ ماتَت بِهِ الحا / مِلُ حَيّاً يَجولُ في الأَحشاءِ
عَجَباً كَيفَ أَصبَحَ الأَصلُ فَرعاً / وَالضُحى كَيفَ حَلَّ في الظَلماءِ
ما كَفَتنا مَظالِمُ التُركِ حَتّى / زَحَفوا كَالجَرادِ أَو كَالوَباءِ
طُرِدوا مِن رُبوعِهِم فَأَرادوا / طَردَنا مِن رُبوعِنا الحَسناءِ
ما لَنا وَالخُطوبُ تَأخُذُ مِنّا / نَتَلَهّى كَأَنَّنا في رَخاءِ
ضِيمَ أَحرارُنا وَريعَ حِمانا / وَسَكَتنا وَالصَمتُ لِلجُبَناءِ
نَهضَةً تَكشِفُ المَذَلَّةَ عَنّا / فَلَقَد طالَ نَومُنا في الشَقاءِ
نَهضَةً تَلفِتُ العُيونَ إِلَينا / إِنَّ خَوفَ البَلاءِ شَرُّ بَلاءِ
نَهضَةً يَحمِلُ الأَثيرُ صَداها / لِلبَرايا في أَوَّلِ الأَنباءِ
نَهضَةً تَبلُغُ النُفوسُ مُناها / فَهيَ مُشتاقَةٌ إِلى الهَيجاءِ
إِنَّ ذا المُلكَ هَيكَلٌ نَحنُ فيهِ الـ / ـقَلبُ وَالقَلبُ سَيِّدُ الأَعضاءِ
زَعَمَ الخائِنونَ أَنّا بِما نَبغيـ / ـهِ نَبغي الوُصولَ لِلعَنقاءِ
سَوفَ يَدرونَ أَنَّما العُربُ قَومٌ / لا يُبالونَ غَيرَ رَبِّ السَماءِ
يَومَ لا تُنبِتُ السُهولُ سِوى النا / سِ وَغَيرَ الأَسِنَّةِ السَمراءِ
يَومَ تَمشي عَلى جِبالٍ مِنَ الأَش / لاءِ تَمشي في أَبحُرٍ مِن دِماءِ
يَومَ يَستَشعِرُ المُراؤونَ مِنّا / إِنَّما الخاسِرونَ أَهلُ الرِياءِ
لا تَسَلني عَنِ السَماءِ فَما عِندِيَ
لا تَسَلني عَنِ السَماءِ فَما عِندِيَ / إِلّا النُعوتُ وَالأَسماءُ
هِيَ شَيءٌ وَبَعضُ شَيءٍ وَحيناً / كُلُّ شَيءٍ وَعِندَ قَومٍ هَباءُ
فَسَماءُ الراعي كَما يَتَمَنّاها / مُروجٌ فَسيحَةٌ خَضراءُ
تَلبِسُ التِبرَ مِئزَراً وَوِشاحاً / كُلَّما أَشرَقَت وَغابَت ذُكاءُ
أَبَداً في نَضارَةٍ لا يَجُفُّ العُش / بُ فيها وَلا يَغيضُ الماءُ
وَهيَ عِندَ الأُمِّ الَّتي اِختَرَمَ المَو / تُ بَنيها وَضَلَّ عَنها العَزاءُ
مَوضِعٌ لا يَنالَهُم فيهِ ضَيمٌ / لا وَلا يُدرِكُ الشَبابَ الفَناءُ
وَكَذا يولَدُ الرَجاءُ مِنَ اليَأسِ / إِذا ماتَ في القُلوبِ الرَجاءُ
وَهيَ عِندَ الفَقيرِ أَرضٌ وَراءَ الـ / أُفقِ فيها ما يَشتَهي الفُقَراءُ
لا يَخافُ المَثري وَلا كَلبَهُ الضـ / ـضاري وَلا لِاِمرِئٍ بِهِ اِستِهزاءُ
وَهيَ عِندَ المَظلومِ أَرضٌ كَهَذي الـ / أَرضِ لَكِن قَد شاعَ فيها الإِخاءُ
يَجمَعُ العَدلُ أَهلَها في نِظامٍ / مِثلَما يَجمَعُ الخُيوطَ الرِداءُ
لا ضَعيفٌ مُستَعبَدٌ لا قَوِيٌّ / مُستَبِّدٌ بَل كُلُّهُم أَكفاءُ
كُلُّ شَيءٍ لِلكُلِّ مِلكٌ حَلالٌ / كُلُّ شَيءٍ فيها كَما الكُلُّ شاءوا
وَهيَ عِندَ الخَليعِ أَرضٌ تَميسُ الـ / ـحورُ فيها وَتَدفُقُ الصَهباءُ
كُلُّ ما النَفسِ تَشتَهيهِ مُباحٌ / لا صُدودٌ لا جَفوَةٌ لا إِباءُ
أَكبَرُ الإِثمِ قَولَةُ المَرءِ هَ / ذا الأَمرُ إِثمٌ وَهَذِهِ فَحشاءُ
لَيسَ بَينَ الصَلاحِ وَالشَرِّ حَدٌّ / كَالَّذي شاءَ وَضعُهُ الأَنبِياءُ
وَإِذا لَم يَكُن عَفافٌ وَفِسقٌ / لَم تَكُن حِشمَةٌ وَلا اِستِحياءُ
كُلُّ قَلبٍ لَهُ السَماءُ الَّذي يَهوى / وَإِن شِئتَ كُلُّ قَلبٍ سَماءُ
صُوَرٌ في نُفوسِنا كائِناتٌ / تَرتَديها الأَفعالُ وَالأَشياءُ
رُبَّ شَيءٍ كَالجَوهَرِ الفَردِ فَذِّ / عَدَّدَتهُ الأَغراضُ وَالأَهواءُ
كُلُّ ما تَقصُرُ المَدارِكُ عَنهُ / كائِنٌ مِثلَما الظُنونُ تَشاءُ