القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِبْراهيم ناجِي الكل
المجموع : 6
السراب الخؤون والصحراء
السراب الخؤون والصحراء / والحيارى المشردون الظماء
وليالٍ في إثرهن ليالٍ / سنة أقفرَت وأخرى خلاء
قلّ زادي بها وشح الماء / وتولى الرفاق والخلصاء
كيف للنازح الحبيب ارتحالي / وجناحاي السقم والبرحاء
وجراحي المستنزفات الدوامي / وخطاي المقيدات البطاء
ادركي زورقي فقد عبث الي / م به والعواصف الهوجاء
والعباب العريض والأفق المو / حش واللانهاية الخرساء
أفق لا يحد للعين قد ضا / ق فأمسى والسجن هذا الفضاء
سهرت ترقب الصباح وعين الن / جم كلّت وما بها إغفاء
عجبي من ترقبي ما الذي أر / جو ولما يعد لقلبي رجاء
وأنا مرهف المسامع فيه / لي إلى كل طارق إصغاء
التقينا كما التقى بعد تطواف على القفر في السرى انضاء /
قطعوا شَوطهم على الدم والشوك وراحوا على اللهيب وجاءوا /
في ذراعيَّ أو ذراعيك أمن وسلام ورحمة ونجاء /
وعلى صدرك المعذب أو صدريَ حصن وعصمة واحتماء /
كم أناديك في التنائي فترتد بلا مغنم لي الأصداء /
وأناديك في دمائي فتنساب على حسرة لدي الدماء /
وأناديك في التداني وما أطمع إلا أن يستجاب النداء /
باسمك العذب أنه أجمل الأسماء مهما تعددت أسماء /
لفظة لا تبين تنطلق الأقدار عن قوسها ويرمي الفضاء /
وهي بين الشفاه ناي وتغريد وطير وروضة غناء /
وهي في الطرس قصة تذكر الأحباب فيها وتحشد الأنباء /
صدفة ثم وقفة فاتفاق فاشتياق فموعد فلقاء /
فقليل من السعادة لا يكمل فيه ولا يطول الهناء /
فحنين فلوعة فاحتراق فجحيم وقوده الشهداء /
ما بقائي وأجمل العمر ولّى / وانتظاري حتى يحين الشتاء
يطلع الفجر مرهقاً شاحب النور / عليه الكلال والإعياء
وبنفسي دب المساء وحل ال / ليل من قبل أن يحين المساء
زرتني كالربيع في موكب الزهر له روعة وفيه رواء /
ولك الوجه أومض الحسن فيه / والتقى السحر عنده والذكاء
وشحوب كظل خمر وللندمان تجلو شحوبها الصهباء /
ولك الجيد أتلعا أودع الصانع فيه من قدرة ما يشاء /
قدَّ من مرمر وشعشعه الفجر بورد وصب فيه الضياء /
وأنا الطائر الذي تصطبي نفسي السماوات والذرى الشماء /
راشني صائد رماني فأدماني وولّى الجاني وعاش الداء /
مرحباً بالهوى الكبير فإن يبق وإن تسلمي يطب لي البقاء /
فهو القمة التي تهزم الموت ولا يرتقي إليها الفناء /
مرّ يومي كأمسه مسرحاً تعرض فيه الحياة والأحياء /
آدم كالقديم قلباً وتفكيراً ولكن تبدل الأزياء /
لم يحل طبعه ولا ذات يوم / لبست غير نفسها حواء
والنضار المعبود قدس وقربان ورب والشهرة الجوفاء /
والحطام الفاني عليه اقتتال / والأماني بريقها إغراء
وسفين تمر إثر سفين / والرياح للذات والأهواء
والغيوب المحجبات رحاب / تعبت في رموزها الحكماء
عندها المرفأ المؤمل والشطّ المرجّى والصخرة الصماء /
مرّ يومي كأمسه وأتى لَيلٌ بهيج تزف فيه السماء /
قد جلت فيه عرسها كل نجم / قدح يستحم فيه الضياء
لم تزل تسكب السلاف وللأقداح فيها تجدد وامتلاء /
لم تزل حتى هوّم الحان نعسان وأغفى البساط والندماء /
غير نجم في جانب الليل يقظان له روعة بها وجلاء /
ذاك نجم الحبيب مني له الشّوق ومنه الوميض والإيماء /
كم أغنيه بالحنين كما غنت على فرع غصنها الورقاء /
وذراعي في انتظارٍ وصدري / فيه بالضيف فرحة واحتفاء
موقداً للغريب نار ضلوعي / فعسى للغريب فيها اهتداء
لم خليتني وباعدت مسرا / ك ومالي إلى ذراك ارتقاء
بالذي فيك من سنا لا تدعني / فيم هذا المطال والإبطاء
ما تراني وقد ذهبت بحظي / أخطأني من بعدك النعماء
وانتهى بعدك الجميل فلا فض / لٌ لمسد ولا يدٌ بيضاء
ومشى الحسن في ركابك والإح / سان طراً والغرة السمحاء
حسنات كانت يد الدهر عندي / فانطوت بانطوائك الآلاء
أنت فوق التكريم فوق الثناء
أنت فوق التكريم فوق الثناء / جلّ ما قد أسديت عن إطراء
يا عظيم الشؤون جلّت شؤون / أنت منها في الذروة الشماء
يا عظيم الأوقاف جلت أمور / عرّفتنا مواقف العظماء
لم نكرمك للوزارة والمنصب والمجد والسنا والرواء /
نحن قوم نهيم بالرجل الكامل يمضي للأمر دون التواء /
الرحيب الصدر القوي على الخطب السريع الهدم السريع البناء /
قد رأيناك كالمنار المعلى / مثلاً للقوي في الأقوياء
ورأيناك في الرجال فريداً / فاقتفينا خطاك أي اقتفاء
وحببناك ما بنا من نفاق / لا ولا في قلوبنا من رياء
أي وربي لأنتَ من صور الماضي ومجد الجدود والآباء /
وجلال الصعيد والملك في الوادي عزيز البنود ضافي اللواء /
قد ينام التراث جيلاً فجيلا غافياً في مجاهلٍ خرساء /
وتنام الروح العريقة في المجد لتبدو في طلعة سمراء /
فتراها مصرية السمت والقوة والعزم والحجى والمضاء /
قسماً قد غفا الجلال ليصحو / من جديد في وجهك الوضاء
أيها الكوكب الدؤوب على الدهر بلا فترة ولا إبطاء /
تصنع الخير واضحاً شبه نجم / ساكب نوره بعرض الفضاء
وتؤديه خافياً مثل نجم / مستسر خافٍ خلال السماء
غير أن النفوس تعلم مسراه وإن كان ممعنا في الخفاء /
وعظيم الفعال يجمل بالإفصاح عنه كالسيف غب الجلاء /
ما جمال الربيع في الروض إن لم / يشد طير في الروضة الغناء
ما جمال السماء والبدر إن لم / يشدُ سار في اليلة القمراء
واضياع النبوغ في مصر إن لم / تتحدث منابر الخطباء
واضياع النبوغ في مصر إن لم / يَك تخليده على الشعراء
طاقة الشعر طاقة الورد معنى / جلَّ قصداً وقلَّ في الإهداء
لست تجزى به أقل الجزاء / فتقبله آية من وفاء
كيف ننساك والعفاة على بابك حشد يموج بالبأساء /
الشريد الطريد والعامل المرهق يشقى من صبحه للمساء /
وبيوت هي العريقة في الأمجاد صارت عريقة في الشقاء /
لم تطق أن ترى دموع اليتامى تترامى على أكف السخاء /
والأيامى كالكأس بعد الندامى / ذكرت حظها من الصهباء
وقف الدهر دونهم كل باب / طرقوا صم عن ذليل النداء
غير باب من المروءات سمح / لك ما ردّ مرة عن نداء
انظر الحفل داوياً بالدعاء / وانظر البحر زاخراً بالنداء
أنت ورد النبوغ جادت به الدنيا لقوم إلى المعالي ظماء /
كلما أطلعت لهم عبقرياً جعلوا منه معقداً للرجاء /
حمدوا فيك يومهم واطمأنوا / مشرئبين للغد المترائي
كيف ننساك في المحاماة حراً / طاهراً ذيله عفيف الرداء
وقف المجلس المحير يوما / مرهف المسمعين بالإصغاء
إذ يرى فيك نائباً وخطيباً / دامغاً بالحقيقة البيضاء
مفعماً مقحماً قوياً جريئاً / ماحقاً للخصوم والأعداء
أيها الغائبُ العزيزُ النائي
أيها الغائبُ العزيزُ النائي / فَسدت ليلتي وضاع هنائي
قَمَري أنتَ ليسَ لي منك بدٌّ / في اعتكار السحائبِ السّوداء
هذه الشُّرفَةُ التي جَمَعتنا / يا حبيبي بوجهِك الوضَّاء
سألت عنك فالتفتُّ إليها / وبنفسي كوامنُ البُرَحَاء
قائلاً صَه بالله لا تسأليني / فكلانا من دونِها في عناء
أين ذاك الوجهُ الذي يُرسلُ النو / رَ ويُوحِي إشراقُه بالصَّفاء
قلتُ للبحر إذ وقفت مساءَ
قلتُ للبحر إذ وقفت مساءَ / كم أطلت الوقوف والإصغاءَ
وجعلت النسيم زاداً لروحي / وشربت الظلالَ والأضواءَ
لكأنَّ الأضواء مختلفات / جَعَلَت منكَ رَوضَةً غنّاءَ
مَرَّ بي عطرها فأسكَرَ نفسي / وَسرَى في جوانحي كيف شاءَ
نشوة لم تطل صحا القلب منها / مثلَ ما كان أو أشدّ عناءَ
إنما يفهم الشبيه شبيهاً / أيها البحر نحن لسنا سواءَ
أنت باقٍ ونحن حرب الليالي / مَزَّقتنا وصيرتنَا هباءَ
أنت عاتٍ ونحن كالزبد الذا / هبِ يعلو حيناً ويمضي جفاءَ
وعجيبٌ إليك يممتُ وَجهي / إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
أبتغي عندك التأسّي وما تَم / لِك رَدَّاً ولا تجيب نداءَ
كل يومٍ تساؤلٌ ليت شعري / من ينبّي فيحسن الإِنباءَ
ما تقول الأمواج ما آلَم الشم / سَ فولّت حزينة صفراءَ
تركتنا وخلفت ليلَ شكٍّ / أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ
وكأنَّ القضاء يسخر مني / حين أبكى وما عرفتُ البكاءَ
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي / لَم تدع لي أحداثه كبرياءَ
قلتُ للبحرِ إذ وقفتُ مساء
قلتُ للبحرِ إذ وقفتُ مساء / كم أطلتُ الوقوفَ والإصغاءَ
وجعلتُ النسيمَ زاداً لروحي / وشربتُ الظلالَ والأضواءَ
وكأنَّ الأضواءَ مختلفاتٍ / جعلت منكَ روضةً غنَّاءَ
مرَّ بي عطرُهَا فأسكرَ نفسي / وسرى في جوانحي كيفَ شاءَ
فاطَّرحتُ الهمومَ والأعباءَ / ونسيتُ العذابَ والبرحاءَ
وكأني أرى بعين خيالي / ساهرَ المقلتين يغضي حياءَ
وكأن الوجودَ لم يحوِ إلا / حُسنَه والطبيعةَ الحسناءَ
نشوة لم تطل صحا القلبُ منها / مثلَ ما كانَ أو أشدّ عناءَ
إنما يفهم الشبيهُ شبيهاً / أيها البحر نحنُ لسنَا سواءَ
أنتَ باقٍ ونحن حَرب الليالي / مزقتنا وصيرتنا هَباءَ
أنت عاتٍ ونحنُ كالزَّبَدِ الذا / هبِ يعلو حينا ويمضي جفاءَ
وعجيبٌ إليكَ يمَّمتُ وجهي / إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
أبتغي عندك التأسي وما تملكُ / ردَّا ولا تجيبُ نداءَ
كل يوم تساؤلٌ ليت شعري / مَن ينبِّي فيحسنُ الأنباءَ
ما تقولُ الأمواجُ ما آلم الشم / سَ فولَّت حزينةً صفراءَ
تركتنا وخَلَّفَت ليلَ شكٍّ / أبَدِيٍّ والظلمةَ الخرساءَ
يا لهذا الجلالِ والأبدِ المجهولِ / يزدادُ حيرةً وخفاءَ
روعتني ضآلةُ الناسِ فيه / فبكيتُ الحياةَ والأحياءَ
وبكيتُ الغرورَ والأملَ الوا / سعَ والسخطَ والرضا والرياءَ
ما تُرجِّيه ريشةٌ في مهب الريحِ / تَلقى الإعصارَ والأنواءَ
ما يرجيه ذلك القبسُ الخا / بي وشيكاً كأنه ما أضاءَ
والخَيالُ الذي تراءى وولَّى / غيرَ وانٍ كأنه ما تراءى
نحن ألعوبةُ القضاءِ ومن / يملك أمراً ومن يردُّ القضاءَ
ولعلَّ القضاء يسخر مني / حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ
فليدعني القضاءُ أبكي لأشفى / لم تَدَع ذلةُ الهوى كبرياءَ
لاح خلفَ الدموعِ وجهُ حبيبٍ / لا أرى غيرَه لقلبي عزاءَ
قلتُ للقلبِ جاءَ ريك فانهل / كم ظمئنا فما وجدنَا الماءَ
لم تُثِبنَا الحياةُ إلا بهذا / حسبنا وجهُه الجميل جزاءَ
أنتَ حي برغمِ عادِ الفناءِ
أنتَ حي برغمِ عادِ الفناءِ / لا يُصاغُ الرثاءُ للأحياءِ
هذه الهجرةُ التي عَزَّ معنا / ها على الآخرينَ والخلصاءِ
زورةٌ في معارجِ النور تلقى ال / وَحي فيها والشعرَ كالإسراءِ
مَن يقل ماتَ حافظٌ ضلَّ رأياً / البلى لا يكونُ للشعراءِ
لا تقولوا قَضَى ولا تندبوه / هذه رجعةُ الغريبِ النائي
إنما الشاعرُ العظيمُ غريبٌ / في ديارِ الأجدادِ والآباءِ
جَسَدٌ في الثرى وروحٌ شريدٌ / في الأعالي محلِّقٌ في السماءِ
ولقد رُدَّ ذا الغريب عن / الدنيا إلى أصلِه في الجوزاءِ
كيف يفنى من عَطَّرَ الخلدُ / برديه وفي شعرهِ نسيجُ البقاءِ
إيهِ يا خدنَ مصطفى كاملٍ / والعَهدُ عهدُ الخطوبِ والإيذاءِ
وصديقاً لا ينثني ووفياً في / الزمانِ الضنينِ بالأوفياءِ
وشقِيَّا ينسى تَفَاقُمَ بلواه / ويبلَى لغيره في الشقاءِ
وفقيراً يرى الغنَى والأماني / في اعتصامِ النفوس بالكبرياءِ
إذا العبقريُّ رامَ أمراً تَوَخَّى / سُبُلاً فوقَ قدرةِ الأقوياء
ورأى السقمَ علةَ الواهي الخا / ئف والبؤس حجة الضعفاءِ
أتراهم في ذروة الخلدِ فوا / لك عنا الجديدَ في الأنباءِ
حومةُ الموتِ استصرخت / مصطفى الثاني فأبلى بها أجلَّ البلاءِ
واللواءُ الخصيبُ كم زادَ حبَّا / فانثنَى ظافراً عزيزَ اللواءِ
طالعاً مطلعَ الهلالِ إذا ما / لاحَ في جنحِ ليلةٍ قمراءِ
انطوى ذلكَ البساطُ الذي / مُدَّ وفُضَّت مجالسُ الندماءِ
وليالي الصفاء تمضي عجالاً / والمنايا بالموتِ غيرُ بطاءِ
وحبيبٌ يمرُّ إثرَ حبيبٍ / ليتَ شعري ما بعدَ هذا الثناءِ
والنوى كالردَى عذابٌ ولكن / يمسكُ القلبُ حُلمَه باللقاءِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025