هاتف بالنعي سد الفضاءا
هاتف بالنعي سد الفضاءا / وأحال الصبح المنير مساءا
وأضل الوفود ساعة أهدى / بنعي المهدي ذعراً عناءا
وفقيد خص الكرام فأضحى / الناس طراً برزئةٍ شركاءا
أسف الماجدون حزناً عليه / فهم كاظمون فيه العناءا
فكأن كل واحدٍ منهم يع / قوب قد جاءه بنوه عشاءا
كيف بالصبر في رزية ندب / طبق الري والعراق بكاءا
فكأن العراق والري قاما / مأتماً واحداً وناحا سواءا
جاء يقتاده اشتياق مزار / لقبور بها الوجود أضاءا
فمضى وهو زائر في جنان / الخلد منها نفوسها الأزكياءا
وكأنه اختار المنية كيلا / عنهم بعد قربه يتنائى
وهم حين عاينوا مننه قلباً / صادقاً في ودادهم وولاءا
قربوا جسمه إليهم وأدنوا / في الرفيع الأعلى له حوباءا
فغدا وهو فائزٌ في نعيم / ليس يخشى عليه ثم شقاءا
لست أدري أنهنه الوجد فيه / أم بعظم الفراق أزداد داءا
أم ألوم الزمان فيما تجري / وإل المحسنين فيه أساءا
لا أذم الزمان وهو محلىً / بأبي المصطفى علاً وبهاءا
الذي غنت الحداة عليه / حيث حلوا من الفجاج ثناءا
والذي سار ذكره حيث سارت / نيرات السما وأهدت سناءا
والذي يفرج الشدائد حتى / ليس تلقى الزمان إلا رخاءا
فاق فيه العراق فخراً إلى أن / كاد يغدو على السماء سماءا
من يقس نيله بنيلٍ سواه / فلقد قاس بالسراب الماءا
سبق السابقين بالمجد حتى / ترك الأقدمين سبقاً وراءا
ما ابن يحيى ما حاتم ما اب / ن عباد وإن في الأنام فاقوا علاءا
ذاك عصر يدعو بينه إلى ال / جود فلا غرو أن دوا أسخياءا
ربما قلت الوفود على من / قد رأى في العلا له أكفاء
أي الفخر للسخي بعصر / كل أهليه أصبحوا بخلاءا
وهو من بينهم كشمس نهارٍ / لا ترى الخلق من سواها ضياءا
لا تزال الدنيا لديه ذلولاً / آخذاً في زمامها حيث شاءا
مده اللَه بالعطاء كما في / حبه لم يزل يمد العطاءا
وحباه من فضله بالأماني / وكفاه الأهوال والأرزاءا
لم أفه بالعزاء علماً بأني / فيه أهدي إلى البحار الماءا
من يقل للجبال كوني جبالاً / فلقد فاه بالمقال هذاءا
لم يزده العزاء إلا كما قد / زاد ضوء المصباح نوراً ذكاءا
لا أرى صبره سوى سد ذي ال / قرنين قد عاق عن حشاه العناءا
بدر مجدٍ تحوطه من ذويه / شهب عنه ترجم اللئماءا
طهروا عنصراً وطابوا فروعاً / وأمدوا على الورى أفياءا
في بيوت مثل الربيع لدى من / نزلوا ساحها مصيفاً شتاءا
قد أقروا بساحهن شقيقي / مذا غدا لا يرى الفضاء فضاءا
ورأى اليسر نائياً منه حتى / حل في ربعهم رآه أزاءا
وتردى به وأقبل يسعى / في سرور يجر ذاك الرداءا
سكنوا روعة له وأعادوا / فقره بالسماح منهم غناءا
جمعوا شملنا به بعد صدع / جمع اللَه شملهم والعلاءا
كدت أفنى شوقاً إليه إلى أن / قيل بشراً قد حل ذاك الفناءا
وأعادوا لي الحياة أمات اللَ / ه من أصبحوا لهم أعداءا