المجموع : 178
وإذا ثارَت الجماعة يوماً
وإذا ثارَت الجماعة يوماً / فَهي قد لا تَدري لماذا تثورُ
وإذا عمت المعارف قوماً / قلَّ فيهم مَع الزَمان الشرورُ
لا يَعيش امرؤ من الناس ما لَم
لا يَعيش امرؤ من الناس ما لَم / يتدرع لقارعات المحيط
في جهاد الحياة قد كتب الفو / ز على الأرض للقوي النشيط
قد علمنا أنَّ الحقيقة شيء
قد علمنا أنَّ الحقيقة شيء / يتوارى وراء كل اِفتراض
وعلمنا أن الجواهر في الأج / سام مبنية من الأعراض
لا يَفوق الإنسان في كونه الحي
لا يَفوق الإنسان في كونه الحي / وانَ إلا في العقل والأخلاق
أثبت العلم باكتشافاته لل / ناس أن الإنسان قردٌ راقي
إن تمرّ الحياة منا على شك
إن تمرّ الحياة منا على شك / لٍ بسيط فما بها من سرور
لَيسَ طول الحياة في عدد الأع / وام بل في تنوعات الشعور
لست أدري ولا الطَبيعة تدري
لست أدري ولا الطَبيعة تدري / كيف أبدت أُمُّ الحياةِ نتاجا
كَيفَ حاز الإنسان حذقاً ونطقاً / بعد أن كان نطفةً أَمشاجا
كذبوا إنني إلى اليوم ما قَل
كذبوا إنني إلى اليوم ما قَل / لدت غيري ما لي وللتقليدِ
حبذا الليل والنهار بعيني / إنّني مغرمٌ بكلِّ جديدِ
وجديد القريض قرب معاني / هِ وبعدٌ له عن التعقيدِ
وشعورٌ كأنّه فلق الصّب / حِ إذا فاض ضوؤُهُ من بعيدِ
لا تُرِد لِلشعور منّيَ حدّاً / فهو شيءٌ يسمو عن التّحديدِ
أول الحب في القلوب شراره
أول الحب في القلوب شراره / تختفي تارة وتظهر تاره
ثم يرقى حتى يكون سراجاً / لذويه فيه هدىً وإناره
ثم يرقى حتى يكون مع الأي / يام ناراً حمراء ذات حراره
ثم يرقى حتى يكون أتوناً / بحراراته تذوب الحجاره
ثم يرقى حتى يكون حريقاً / فيه هلك لأهله وخساره
ثم يرقى حتى يمثل بركا / ناً يرى الناس من بعيد ناره
ثم يرقى حتى يكون جحيماً / عن تفاصيلها تضيق العباره
بعد أن مت واحتواني الحفيرُ
بعد أن مت واحتواني الحفيرُ / جاءني يبلو مُنكَرٌ ونكيرُ
ملَكان اسطاعا الظهور ولا أد / ري لماذا وكيف كان الظهورُ
لهما وجهان ابتنت فيهما الشر / رةُ عشاً كلاهما قمطريرُ
ولكلٍّ أنفٌ غليظٌ طويلٌ / هو كالقرن بالنطاح جديرُ
وفمٌ مهروتٌ يضاهي فم اللي / ث يريني ناباً هي العنقفيرُ
وبأيديهما أفاعٍ غلاظٌ / تتلوى مخوفةٌ وتدورُ
وإليَّ العيونُ ترسل ناراً / شرُّها من وميضها مستطيرُ
كنت في رقدةٍ بقبري إلى أن / أيقظاني منها وعاد الشعورُ
فبدا القبرُ ضيقاً ذا وخومٍ / ما به للهواء خرقٌ صغيرُ
إنه تحت الأرض إلا قليلاً / منزلُ المرء ذي الطموحِ الأخيرُ
ألمن خابَ حفرةٌ ذات ضيقٍ / ولمن فاز روضةٌ وغديرُ
أتيا للسؤال فَظَّينِ حيث ال / ميتُ بعد استيقاظه مذعورُ
عن أمورٍ كثيرةٍ قد أتاها / يوم في الأرض كان حياً يسيرُ
صيحة تحت الأرض ثُمَّ حوارٌ / بين أقساهما وبيني يدورُ
واقفاً لي كأنما هو نسرٌ / وكأني أمامهُ عصفورُ
خار عزمي ولم أكن أتظنَّى / أن عزمي يوماً لشيءٍ يخورُ
ولقد كنتُ في البداءة أشحى / مثلما يشحى للخشاة الذعورُ
ثم إني ملكت نفسي كأني / لست أخشى شيئاً وإني جسورُ
مظهراً أني كنتُ أحمل نفساً / لم يكن للشكوك فيها خطورُ
غير أني صدعت بالحق في الآ / خر حتى التاثت على الأمورُ
في الأديب الحر النفاق ذميمٌ / وهو ما لا يرضاه منه الضميرُ
فألمَّت بي الرزية حتى / ضجرت من ضجيج قبري القبورُ
قال من أنتَ وهو ينظر شزراً / قلت شيخٌ في لحده مقبورُ
قال ماذا أتيتَ إذ كنت حياً / قلت كل الذي أتيت حقيرُ
ليس في أعمالي التي كنت آتي / ها على وجه الأرض أمرٌ خطيرُ
قال في أيٍّ من ضروب الصناعا / ت تخصصت إنهن كثيرُ
قلت مارست الشعر أرعى به الحق / قَ وقد لا يفوتني التصويرُ
قال ما دينك الذي كنت في الدن / يا عليه وأنت شيخٌ كبيرُ
قلت كان الإسلام دينيَ فيها / وهو دينٌ بالإحترام جديرُ
قال من ذا الذي عبدت فقلت ال / لَهَ ربي وهو السميع البصيرُ
قال مذا كانت حياتك قبلاً / يوم أنت الحر الطليق الغريرُ
قلت لا تسألنَّني عن حياةٍ / لم يكن في غضونها لي حبورُ
كنت عبداً مسيَّراً غير حر / لا خيارٌ له ولا تخييرُ
ما حبوني شيئاً من الحول والقد / رة حتى أدير ما لا يدورُ
كان خيراً مني البهائمُ تثوي / حيث لا آمرٌ ولا مأمورُ
قال هلا كسبت غير المعاصي / قلت إن لم أكسب فربي غفورُ
كان إثمي أني إذا سألوني / لم أقل ما يقوله الجمهورُ
إنهم من أوهامهم في إسارٍ / ولقد لا يرضيهم التحريرُ
وإذا لم يكن هنالك رأيٌ / لي أفضي به فلا أستعيرُ
ربَّ أمرٍ يقول في شأنه العق / لُ نقيض الذي يقول الضميرُ
ثمراتُ الأحراث لا تتساوى / هذه حنطةٌ وهذا شعيرُ
وقشورٌ وما هناك لبابٌ / ولبابٌ وما هناك قشورُ
يتبع الجاهل الغويُّ أخاه / مثلما يتبع الضريرَ الضريرُ
قال هل صدقت النبيين فيما / بلغوه ولم يُعقْكَ الغرورُ
والكتاب الذي من الله قد جا / ء فأدلى به البشير النذيرُ
قلت في خشيةٍ بلى وفؤادي / من شعاع به يكاد يطيرُ
إنه مُنزَلٌ من الله يهدي ال / ناس طرَّاً فهو السراج المنيرُ
قال هل كنت للصلاة مقيماً / قلت عنها ما إن عراني فتورُ
إنما في اقتناء حورٍ حسانٍ / بصلاةٍ تجارةٌ لا تبورُ
قال هل صمت الشهر من رمضان / قلت قد صمته وطاب الفطورُ
قال هل كنت للزكاة بِمُؤتٍ / قلت ما كان بي لها تأخيرُ
قال والحج ما جوابك فيه / قلت قد كان لي بحجي سرورُ
قال هل كنت للجهاد خفيفاً / قلت إني لبالجهادِ فخورُ
قال هل كنت قائلاً بنشورٍ / قلت ربي على النشور قديرُ
فإذا شاء للعباد نشوراً / فمن السهل أن يكون نشورُ
قال ماذا تقول في الحشر والمي / زان ثم الحساب وهو عسير
والسؤال الدقيق عن كل شيء / والصراط الذي عليه العبور
والجنان التي بها العسل الما / ذيُّ قد صفوه وفيها الحور
وبها ألبانٌ تفيضُ ولهوٌ / وأباريقُ ثرةٌ وخمور
وبها رمانٌ ونخلٌ وأعنا / بٌ وطلحٌ تشدو عليه الطيور
ليس فيها أذى ولا موبقاتٌ / ليس فيها شمسٌ ولا زمهرير
والجحيم التي بها النار تذكو / في دهور وراءهنَّ دهور
إنما المهلُ ماؤها فهو يغلي / والهواء الذي يهب الحرور
تلك فيها للمجرمين عذابٌ / تلك فيها للكافرين سعير
إن من كان كافراً فهو فيها / وإن اعتاد أن يبرَّ خسير
هو في نارها الشديدة حرا / ن وفي زمهريرها مقرور
قلت مهلاً يا أيها الملك المُل / حِف مهلاً فإن هذا كثير
كان إيماني في شبابي جمّاً / ما به نزرةٌ ولا تقصير
غير أنَّ الشكوك هبَّت تلاحي / ني فلم يستقرَّ مني الشعور
ثم عادَ الإيمان يقوى إلى أن / سلَّه الشيطان الرجيمُ الغرور
ثم آمنت ثم ألحدتُ حتى / قيل هذا مذبذب ممرور
ثم دافعت عنه بعد يقينٍ / مثلما يفعل الكميُّ الجسور
وتعمَّقتُ في العقائد حتى / قيل هذا علامةٌ نحرير
ثم إني في الوقت هذا لخوفي / لست أدري ماذا اعتقادي الأخير
لم يُربني أمرُ الصراط مقاماً / فوق وادٍ من الجحيم يفور
غير أني أجل ربي من إت / يانِ ما يأباه الحجى والضمير
فإذا صح أنه كغرار ال / سيفِ أو شعرةٍ فكيف العبور
لا تخل أن عبر جسرٍ دقيق / ذرعه آلاف السنين يسير
إنَّ ألفاً منه صعودٌ وألفاً / ذو استواءٍ سمح وألفاً حدور
إنها شقةٌ تطول فلا يق / طعها إلا البهمةُ المحضير
ولعل الذين ضحوا بأكبا / ش عليهم بها يهون المرور
أنا لو كنت بالبعير أضحي / سار بي مرقلاً عليه البعير
ولو اَني ركبت صهوة يعفو / رٍ مضى بي يستعجلُ اليعفور
ولو اَني هويتُ لا سمح الرح / مَن منه فيها لساءَ المصير
لا يطيب الخلود في لجج النا / ر فإن الخلود شيءٌ كثير
ربنا لا ترسل علينا عذاباً / ليس فينا على العذاب صبور
ربنا ارفق بنا فإنا ضعافٌ / ما لنا من حولٍ وأنت القدير
قال ماذا رأيت في الجن قبلاً / ومن الجن صالح وشرير
ثم في جبريل الذي هو بين ال / لَهِ ذي العرش والرسول سفير
ثم في الأبرار الملائك حول ال / عرشِ والعرش قد زهاه النور
فتدوي السماء في السمع من تس / بيحهم مثلما يدوي القفير
ثم في الخناسِ الذي ليس من وس / واسه في الحياة تخلو الصدور
والعفاريت ذاهبين عراةً / تجفل الوحشُ منهمُ والطيور
والشياطين مفسدين بهم قد / ضلَّ ناسٌ هم الفريق الكبير
قلت لله في السماوات والأر / ضِ وما بينهن خلقٌ كثير
غير أني أرتابُ في كل ما قد / عجز العقل عنه والتفكير
لم يكن في الكتاب من خطأٍ كَل / لا ولكن قد أخطأ التفسير
قال هل في السفور نفعٌ يرجَّى / قلت خيرٌ من الحجاب السفور
إنما في الحجاب شلٌّ لشعبٍ / وخفاءٌ وفي السفور ظهور
كيف يسمو إلى الحضارة شعبٌ / منه نصفٌ عن نصفه مستور
ليس يأتي شعب جلائلَ ما لم / تتقدم إناثه والذكور
إنَّ في رونق النهار لناساً / لم يَزُل عن عيونها الديجور
قال هل في الإله عندك شك / قلت لا والذي إليه المصير
قال ماذا هو الإله فهل أن / ت مجيبي كما يجيب الخبير
قلت إنَّ الإله فوق منال ال / عقل منا وهو العزيز الكبير
إنما هذه الطبيعة ذات ال / لاتناهي كتابُهُ المسطور
إنها للإله سفرٌ قديمٌ / ذو فصول والكائناتُ السطور
ولقد قال ناعتوه هو العا / لم منا بما تكنُّ الصدور
إنه في الجبال والبر والبح / ر من الأرض والسماوات نور
فله الأرض ما لها من سكون / والسماوات ما بهنَّ فطور
كل حيٍّ به يعيش ويردى / وكما قد أراد تجري الأمور
إنه واهبُ الوجود فلولا / ه لما كان للوجود ظهور
إنه واجبُ الوجود فقد كا / ن ولا عالمٌ ولا دستور
عرشه في السماء وهو عليه / مستوٍ ما لأمره تغيير
وهو يهتز للمعاصي كما يه / تزُّ في زرقة الصباح السرير
وهو إن قال كن لشيءٍ يكون ال / شيءُ من فوره فلا تأخير
إن هذا ما قد تلقنته وال / قلبُ من شكهِ يكادُ يخور
قلت ما قلت ثم إنك لا تد / ري أحقٌّ ما قلته أم زور
وأرى في الصفات ما هو للَ / هِ تعالت شؤونه تصغير
ما عقابي من بعد ما صح نقلاً / أنَّ ما قد أتيتهُ مقدور
ليس لي في ما جئته من خيارٍ / إنني في جميعه مجبور
وإذا كان منه كفري وإيما / ني فإن الجزاءَ شيءٌ نكير
أللهو والله ليس بلاهٍ / أم لجورٍ والله ليس يجور
أمنَ الحقِّ خَلقُ إبليس وهو ال / مستبدُّ المضلِّلٌ الشرير
إنه يلقي في النفوس شكوكاً / ذات أظفارٍ نزعهنَّ عسير
إنما في الدارين عسفٌ وحيفٌ / غير أنَّ السماءَ ليست تمور
فلناس تعاشةٌ وشقاءٌ / ولناسٍ سعادةٌ وسرور
قال ما ذاته فقلت مجيباً / بلسانٍ قد خانه التفكير
إنني لا أدري من الذات شيئاً / فلقد أسدلت عليها الستور
إنما علمي كله هو أن ال / لَهَ حي وأنه لا يبور
ما لكل الأكوان إلا إلهٌ / واحدٌ لا يزول وهو الأثير
منه هذا الوجود فاضَ عميماً / وإليه بعد البوار يصير
ليس بين الأثير والله فرقٌ / في سوى اللفظ إن هداك الشعور
وبحبسي أني صدعتُ بما أد / ري على علمي أنه سيضير
وإذا لم أرد لأبسط رأيي / في جوابي فإنني معذور
أمن السهل أن أغيرَ قلبي / بعد ما في فَوديَّ بان القتير
قال إني أرى بخدك تصعي / را فهل أنت يزدهيك الغرور
قلت من مات لا يصعِّر خداً / ليس بالموتى يخلق التصعير
إنني أخشى الظالمين فلا أف / ضي إليهم بما برأسي يدور
أي ذي مسكةٍ يقول صريحاً / وعليها سيف الأذى مشهور
لا تكونا عليَّ فظَّين في قب / ري فإني شيخٌ بعطفٍ جدير
إنَّ قول الحقِّ الصراح على الأح / رار حتى في قبرهم محظور
فدعاني في حفرتي مستريحاً / أنا من ضوضاء الحياة نفور
أتعبتني الأيام إذ كنت حيا / فأنا اليوم للسكون فقير
أتركاني وحدي ولا تزعجاني / بزياراتٍ ما بهنَّ سرور
اتركاني ولا تزيدا عنائي / بسؤالٍ فإني موتور
لم تُصَنْ من جراءة المستبدي / نَ عَلى الهالكين حتى القبور
كيف أفضيتما إليَّ بقبري / وعليه جنادلٌ وصخور
قلت لما هبطتُ أعماقَ قبري / ليس خيراً من البطون الظهور
وإذا القبر ضيقٌ بذويه / وإذا القبر فيه كربٌ كثير
إنما الدائراتُ في كل وقتٍ / ومكانٍ على الضعيف تدور
قال هذا هو الهراء وما إن / لاحتجاجٍ تلغو به تأثير
قلت في غصةٍ إذن فاصنعا بي / ما تريدانه فإني أسير
عذَّباني هنا إذا شئتما أو / ألقياني في النار وهي تثور
كنتُ لا أدري يوم كنت على الأر / ض طليقاً أن الحياة غرور
وسأمشي إلى جهنمَ مدفو / عاً وخلفي كالسيل جمٌّ غفير
إنما قد سألتما عن أمورٍ / هي ليست تغني وليست تضير
ولماذا لم تسألا عن ضميري / والفتى من يعف منه الضمير
ولماذا لم تسألا عن جهادي / في سبيل الحقوق وهو شهير
ولماذا لم تسألا عن ذيادي / عن بلادي أيامَ عز النصير
ولماذا لم تسألا عن وفائي / ووفائي لمن صحبت كثير
ولماذا لم تسألا عن مساعي / يَ لإبطال الشرِّ وهو خطير
عن دفاعي عن النساء عليهن / نَ من الشقوة الرجال تجور
وسلاني عما نظمت من الشع / ر فبالشعر يرتقي الجمهور
وسلاني عن نصري الحقَّ وثا / باً به وهو بالسؤال جدير
إنما الشعر سُلَّمٌ للمعالي / ثم فيه لأمةٍ تحرير
إنه تارةً لقومٍ غناءٌ / ليناموا وتارةً تحذير
وسلاني عن جعلي الصّدق كالصخ / ر أساساً تبنى عليه الأمور
إنما الصدق فاسألاني عنه / خيرُ ما تنطوي عليه الصدور
وسلاني عن حفظي الفن من أن / يعتريه قبل التمام الدثور
أسكوتٌ عن كلِّ ما هو حقٌّ / وسؤالٌ عن كلِّ ما هو زور
قال كل الذي عرضت علينا / أيها الشيخ الهِمُّ شيءٌ حقير
نحن لسنا بسائلين سوى ما / كان حول الدين المبين يدور
فأفدنا إن كنت ذا صلةٍ بال / دين واذكر ماذا هو التقدير
ثم زد ما تقول في جبل القا / ف أحقٌّ فحواه أم أسطور
جبلٌ من زمردٍ نصفُ أهلي / ه ذوو إيمان ونصفٌ كفور
جبلٌ إن أرسلت طرفاً إليه / رجع الطرف عنه وهو حسير
وبياجوجَ ثم ماجوج والسد / دِ وإنكارُ كلّ هذا غرور
وبهاروت ثم ماروتَ والسح / ر الذي أسدلت عليه الستور
قلت ما لي بكل ذلك علمٌ / فبجحدي عقلي عليَّ يشير
كنت حياً فمت والموت حقٌّ / شاهداتٌ بما هناك القبور
كنت فوق التراب بالأمس أمشي / وأنا اليوم تحته مقبور
إنما الموت وهو لا بُدَّ منه / سُنَّةُ الله ما لها تغيير
قال دع عنك ذا وقل لي من رب / بكَ من قبل أن يسوءَ المصير
قلت أمهلني في الجواب رويداً / إنني الآن خائفٌ مذعور
لا تكن قاسياً عليَّ كثيراً / أنا شيخ مهدَّمٌ مأطور
كان ظني أنَّ الأثيرَ هوَ الر / بُّ كريماً يمدني ويجير
لم يزل لي عقيدة ذاك حتى / حال من هول القبر فيَّ الشعور
إنك اليوم أنت وحدك ربي / بك أحيا في حفرتي وأبور
إنك الجبارُ الذي سوف تبقى / تحت سلطانك العظيم القبور
قال ما أنت أيها الرجسُ إلا / ملحدٌ قد ضلَّ السبيلَ كفور
ما جزاءُ الذين قد كفروا إل / لا عذابٌ برحٌ وإلا سعير
ثم تلَّاني للجبين وقالا / ليَ ذق أنت الفيلسوف الكبير
قلت صفحاً فكل فلسفتي قد / كان مما يمليه عقلي الصغير
ثم قولي من بعدها أنت ربي / هو مني حماقة وقصور
لم تكن أقوالي الجريئة إلا / نفثاتٍ يرمي بها المصدور
قد أسأتُ التعبير فالله ربي / ما له في كل الوجود نظير
فأجاباني قائلين بصوتٍ / لا يسر الأسماعَ منه الهدير
قضي الأمر فاستعدَّ لضربٍ / منه تدمى بعد البطون الظهور
لا يفيد الإيمان من بعد كفرٍ / وكذا جَد الطائشين عثور
وأمضَّاني بالمقامع ضرباً / كدت منه في أرض قبري أغور
لم يكن فيهما يثير حناناً / جسدٌ لي دام ودمعٌ غزير
ولقد صحتُ للمضاضة أبغي / لي مجيراً وأين مني المجير
ثم صبَّا بقسوةٍ فوق رأسي / قَطِراناً لسوء حظي يفور
فشوى رأسي ثم وجهي حتى / بان مثل المجدور فيه بثور
ثُمَّ أحسست أنَّ رأسي يغلي / مثلما يغلي بالوقود القدور
وقد اشتدت الحرارة في قب / ري حتى كأنه تنور
وأطالا فيه عذابي إلى أن / غاب وعيي وزال عني الشعور
ثم لما انتبهت ألفيت أني / موثقٌ من يدي وحبلي مرير
ثم طارا بي في الفضاء إلى الجن / نَةِ حتى يغري بلومي الضمير
ما أرادا إلا عذاب ضميري / بعد أن إيفَ جسمي المقطور
وأسرَّا في إذن رضوان شيئاً / فأباح الجواز وهو عسير
لمست إذ دخلتها الوجه مني / نفحةٌ فاح عطرها والعبير
أخذتني منها المشاهدُ حتى / خلتُ أني سكرانُ أو مسحور
جنةٌ عرضها السماوات والأر / ض بها من شتى النعيم الكثير
فطعام للآكلين لذيذٌ / وشرابٌ للشاربين طهور
سمكٌ مقليٌّ وطيرٌ شويٌّ / ولذيذ من الشواءِ الطيور
وبها بعد ذلكم ثمراتٌ / وبها أكوابٌ وفيها خمور
وبها دوحةٌ يقال لها الطو / بى لها ظل حيث سرت يسير
تتدلَّى غصونها فوق أرضٍ / عرضها من كل النواحي شهور
وجرت تحتها من العسل المش / تارِ أنهارٌ ما عليها خفير
ومن الخمرة العتيقة أخرى / طعمها الزنجبيلُ والكافور
ومن الألبانِ اللذيذةِ ما يش / ربه خلقٌ وهو بعد غزير
ثم للسلسبيل يطفحُ والتس / نيمِ ماءٌ يجري به التفجير
وجميع الحصباء درٌّ وياقو / تٌ وماسٌ شعاعه مستطير
كل ما يرغبون فيه مباحٌ / كلٌّ ما يشتهونه ميسور
وعلى أرضها زرابيُّ قد بُث / ثت حساناً كأنهن زهور
وعليها أسرَّةٌ وفراشٌ / مثلما يهوى المؤمنون وثير
وعلى تلكم الأسرة حورٌ / في حليٍّ لها ونعمَ الحور
ليس يخشين في المجانة عاراً / وإن اهتزَّ تحتهنَّ السرير
كل من صلى قائماً وتزكى / فمن الحورِ حظُّه موفور
ولقد يعطى المرءُ سبعين حورا / ء عليهن سندسٌ وحرير
يتهادين كالجمان حساناً / فوق صرحٍ كأنه بلور
حبذا أجيادٌ تلعن وأنظا / رٌ بها كل مبصرٍ مسحور
وخصورٌ بها ضمورٌ وأعجا / زٌ ثقالٌ تعيا بهن الخصور
و كأن الولدان حين يطوفو / ن على القوم لؤلؤٌ منثور
ائتِ ما شئته ولا تخشَ بأساً / لا حرامٌ فيها ولا محظور
إنَّ فيها من الحدائق غلباً / تتغنى من فوقهن الطيور
إنّ فيها جميع ما تشتهيه ال / نفس والعين واللها والحجور
فإذا ما اشتهيت طيراً هوى من / غصنه مشوياً وجاء يزور
طينها من فالوذج لا يمل ال / مرء منه فهو اللذيذ الغزير
وإذا رمت أن يحول لك التي / ن دجاجاً أتى إليك يطير
أو إذا شئتَ أن يصير لك الحص / باءُ دراً فإنه ليصير
إنَّ فيها مشيئة المرءِ تأتي / عجباً عنه يعجزُ الإكسير
ليس فيها موتٌ ولا موبقاتٌ / ليس فيها شمسٌ ولا زمهرير
لا شتاءٌ ولا خريفٌ وصيفٌ / أترى أن الأرض ليست تدور
جنة فوق جنةٍ فوق أخرى / درجات في كلهن حبور
وحياضٌ قد أترعت ورياضٌ / قد سقى الطلُّ زهرها وقصور
كل هذا وكل ما فوق هذا / فبه طرفُ القوم فيها قرير
ولقد حُلُّوا فوق ذلك فيها / فضةً في أساور تستنير
ولهم فيها نعمةٌ بعد أخرى / ولهم فيها لذةٌ وسرور
ولقد رمتُ شربةً من نمير / فتيممتُه ففرَّ النمير
وكأنَّ الماء الذي شئت أن أش / ربه بابتعادهِ مأمور
وتذكرت أنني رجلٌ جي / ءَ به كي يراع منه الشعور
أي حقِّ في أن أنالَ شرابي / بعد أن صَحَّ أنني مثبور
قلت عودا من حيث قد جئتما بي / إنما هذه لهمّي تثير
أنا راضٍ من البيوت بقبر / يتساوى عشيُّهُ والبكور
أيها القبرُ ارحم طوالع شيبي / أنا في كربتي إليك فقير
أخرَجاني منها وشدَّا وثاقي / بنسوعٍ كما يشدُّ البعير
ثم قاما فدلَّياني ثلاثاً / في صميم الجحيم وهي تفور
وأخيراً في جوفها قذفا بي / مثلما يقذفُ المتاعُ الحقير
لست أسطيع وصف ما أنا قد قا / سيتُ منها فإنه لعسير
ربي اصرف عني العذاب فإني / إن أكن خاطئاً فأنت الغفور
وكأنَّ الجحيم حفرةُ بركا / ن عظيمٍ له فمٌ مفغور
تدلعُ النارُ منه حمراء تلقي / حمماً راحَ كالشواظ يطير
ثم إني لها سمعتُ حسيساً / فاقشعرت منه برأسي الشعور
خالطته استغاثةُ القوم فيها / كهريرٍ إذا استمرَّ الهرير
إنها في أعماقها طبقاتٌ / بعضها تحت بعضها محفور
وأشدُّ العذاب ما كان في الها / وية السفلى حيث يطغى السعير
حيث لا ينصرُ الهضيمَ أخوهُ / حيث لا ينجِدُ العشيرَ العشير
الطعامُ الزقومُ في كل يومٍ / والشراب اليحمومُ واليحمور
ولقد يسقى الظامئون عصيراً / هو من حنظلٍ وساءَ العصير
ولها من بعد الزفير شهيقٌ / ولها من بعد الشهيق زفير
ولهم فيها كل يوم عذابٌ / ولهم فيها كلَّ يوم ثبور
ثم فيها عقاربٌ وأفاعٍ / ثمَّ فيها ضراغمٌ ونمور
يضرع المجرمون فيها عطاشاً / والضراعات ما لها تأثير
ولهم من غيظٍ تأجَّجَ فيهم / نظراتٌ شَرارُها مستطير
وقدت نارها تئزُّ فتغلي / أنفسٌ فوق جمرها وتخور
ولقد كانت الوجوهُ من الصا / لينَ سوداً كأنهن القير
ولقد كانت الملامح تخفى / ولقد كانت العيونُ تغور
لست أنسى نيرانها مائجات / تتلظَّى كأنهن بحور
ولقد صاح الخاطئون يريدو / ن نصيراً لهم وعزَّ النصير
وتساوى أشرافهم والأداني / وتساوى غنيُّهم والفقير
كنتُ أمشي فيها فصادفت ليلى / بين أترابٍ كالجمانِ تسير
فوق جمرٍ يشوي ونارٍ تلظَّى / وأفاعٍ في نابهنَّ شرور
وعيونُ الحسناء مغروقاتٌ / بدموعٍ فيها الأسى منظور
قلت ماذا يُبكي الجميلةَ قالت / أنا لا يبكيني اللظى والسعير
إنما يبكيني فراقُ حبيبي / وفراقُ الحبيب خطبٌ كبير
هو عني ناءٍ كما أنا عنه / فكلانا عمن أحبَّ شطير
فرقوا بيننا فما إن أرى اليو / مَ سميراً ولا يراني سمير
قذفوه في هوةٍ ليس منها / مخرجٌ للمقذوف فهي قَعور
أوه إن الفراق أصعب من كُل / لِ عذابٍ يشقى به الموزور
ولو اَنَّا كنا جيمعاً لخفَّ ال / خطبُ في قربه وهان العسير
لا أبالي ناراً وعندي حبيبي / كل خطبٍ دون الفراق يسير
قلتُ ماذا جنيتِ في الأرض حتى / كان حتماً عليك هذا المصير
فأجابت قد كان لي وسميراً / قبل أن نردى للجحيم نُكور
جهلنا للجحيم أوجب أنا / بعد أن نردى للجحيم نزور
ولقد أبصرتُ الفرزدقَ نضواً / يتلَّوى ووجهه معصور
وإلى جنبهِ يقاسي اللظى الأخ / طلُ مستعبراً ويشكو جرير
قلت ما شأنكم فقالوا دهانا / من وراء الهجاء ضرٌّ كثير
ولقد كان آخرون حوالَي / هم جثوماً وكلهم موتور
منهم العالم الكبير ورَبُّ ال / فن والفيلسوف والنحرير
لم أشاهد بعد التلفت فيها / جاهلاً ليس عنده تفكير
إنما مثوى الجاهلين جنانٌ / شاهقات القصور فيها الحور
غير قسمٍ هو الأقل سعى يصل / لِحُ حتى اهتدى به الجمهور
ثم حياني أحمدُ المتنبي / والمعريُّ الشيخُ وهو ضرير
وكلا الشاعرين بحرٌ خضمٌّ / وكلا الشاعرين فحلٌ كبير
ولقد كاد يخنقُ الغيظُ بشا / راً وفي وجهه الدميم بثور
وهو الشاعر الذي ظلَّ ما قا / ل طريفاً وإن طوته العصور
ويليهم أبو نواسٍ كئيباً / وهو ذاك الممراحةُ السكير
مثله الخيامُ العظيمُ ودَنْتِي / وإمامُ القريضِ شاكِسبير
ولقد كان لامرئ القيس بين ال / قوم صدرٌ وللملوك الصدور
قلت ماذا بكم فقالوا لقينا / من جزاءٍ ما لا يطيق ثبير
إننا كنا نستخفُّ بأمر ال / دين في شعرنا فساء المصير
وسمعت الخيام في وسط الجم / ع يغني فيطرب الجمهور
منشداً بينهم بصوتٍ شجيٍّ / قطعةً من شعرٍ غذاهُ الشعور
حبذا خمرةٌ تعين على الني / ران حتى إذا ذكت لا تضير
وتسلي من اللهيب فلا يب / قى متى شبَّ منه إلا النور
تشبه الخندريسُ ياقوتةً ذا / بت ففيها للناظرين سرور
وهي مثل النار التي تتلظى / ولها مثلما لهذي زفير
ثم إني بالخندريس لصبُّ / ومن النار والجحيم نفور
اسقني خمرةً لعلي بها أُرْ / جِعُ شيئاً مما سبتني السعير
أنتِ لو كنتِ في الجحيم بجنبي / لم ترعني نارٌ ولا زمهرير
ثم إني سمعت سقراط يلقي / خطبةً في الجحيم وهي تفور
وإلى جنبه على النار أفلا / طون يصغي كأنه مسرور
وأرسطاليسُ الكبيرُ وقد أغر / قَ منه المشاعرَ التفكير
ثم كوبرنيك الذي كان قد أف / همنا أن الأرض جرمٌ يدور
تتبع الشمس أينما هي سارت / وعليها مثل الفراش تطور
ثم دَرْوينُ وهو من قال إنا / نسلُ قردٍ قضت عليه الدهور
ثم هكْلٌ وبُخْنُرٌ وجِسَنْدي / ويليهم سبنْسرُ المشهور
ثم توماسُ ثم فِخْتُ ومنهم / اسبِنوزا وهُلْبَكٌ وجيور
ونيوتونُ الحبرُ ثم رِنانٌ / ثم روسّو ومثله فولتير
وزادشت ثم مزدك يأتي / وجموعٌ إمامهم أبقور
والحكيمُ الكندي ثم ابن سينا / وابنُ رشدٍ وهو الحفيُّ الجسور
ثم هذا أبو دلامةَ منهم / بعده الراوندي ثم نصير
وجماعاتٌ غيرهم كلُّهم جل / دٌ على نارها وكلٌّ صبور
كان سقراط أثبتَ القوم جأشاً / فهو ذو عزمٍ فائقٍ لا يخور
قال من بعد شرحه منشأ النا / ر وفي قوله إليها يشير
سوف يقضي فينا التطوُّرُ أن نق / وى عليها وأن تهونَ الأمور
إن في ذا الوادي السحيق عيوناً / ثرَّةَ للبترول منها يفور
ولقد تنضبُ العيونُ فلا نا / رٌ ولا ساعرٌ ولا مسعور
ثم لما أتمَّ خطبته عَج / جو له هاتفين وهو جدير
ورأيت الحلاجَ يرفع منه ال / طرفَ نحو السماء وهو حسير
قائلاً أنت اللهُ وحدك قيو / ماً وأما الأكوان فهي تبور
أنت من حيثُ الذات لست كثيراً / غير أنَّ التجليات كثير
إنك الواحدُ الذي أنا منه / في حياتي شرارةٌ تستطير
وبه لي بعد الظهور خفاءٌ / وله بي بعد الخفاء ظهور
ثم شئتَ العذاب لي ولماذا / لم تجرني منه وأنت المجير
كان في الدنيا القتل منهم نصيبي / ونصيبي اليوم العذاب العسير
قلت إن المقدور لا بد منه / أوَ حتى إن أخطأ المقدور
مكثوا حتى جاء منهم حكيمٌ / باختراعٍ لم تنتظرهُ الدهور
آلةٌ تطفئ السعيرَ إذا شا / ء فلا تحرقُ الجسومَ السعير
وأتى آخرٌ بخارقة يه / لكُ في مرة بها جمهور
واهتدى غيره إلى ما به الإن / سان يخفى فلا يراه البصير
ولقد قام في الأخير فتى يخ / طب فيهم والصوت منه جهور
فأحاطت به الملايين يصغو / نَ إليه وكلُّهم موتور
قال يا قومنا جهنمُ غصت / بالألى يظلمون منكم فثوروا
قال يا قومنا أرى الأمر من سو / ءٍ إلى الأسوأ الأمضِّ يسير
قال يا قومنا احتملتم من الحي / فِ ثقالاً يعيا بهنَّ البعير
قال يا قوم إن هذا الذي أن / تُمْ تقاسونه لشيءٌ كثير
قال يا قوم إننا قد ظُلمنا / شرَّ ظلم فما لنا لا نثور
ومن الناس من قضى الله أن يك / فر والموتُ منه دانٍ يزور
فهل الحقُّ أن يُخلَّد في النا / ر على كفرِ ساعةٍ مجبور
قال يا قوم لا تخافوا فما فو / ق شرور تكابدونَ شرور
اجسروا أيها الرفاق فما نا / ل بعيدَ الآمال إلا الجسور
إنما فازَ في الجهاد من النا / س بآماله الكبار الكبير
أنتم اليوم في جهنم أسرى / وليكن منكمو لكم تحرير
قاوموا القوة التي غشمت بال / مِثل والدهر للقوي ظهير
أنتم اليوم الأكثرون وأما / عدد الحارسين فهو صغير
أي شيء نخاف منهم وإنا / لو تحديناهم لجمٌّ غفير
أيها الناس دافعوا عن حقوقٍ / غصبوها والكاثرُ المنصور
ألأهل الجحيم بؤسٌ وتعسٌ / ولمن حلَّ في الجنانِ سرور
ألنا أسفلُ الجحيم مقامٌ / ولهم في أعلى الجنانِ قصور
كل ما قد أصابكم من عذابٍ / فله ممن في السماءٍ صدور
إنّ أهل القضاء ما أنصفوكم / فكأنَّ القلوبَ منهم صخور
إنهم قد جاروا عليكم أشدَّ ال / جور منهم وما لهم أن يجوروا
قد خدمنا العلوم شتى بدنيا / نا فهل من حسن الجزاء السعير
كان في تلكم اضطهادٌ وقتلٌ / ثم في هذه العذابُ الدهير
فعلا من أهل الجحيم ضجيجٌ / رجف الوادي منه والساعور
ولقد هاجوا في الجحيم وماجوا / كخضم مرّت عليه الدَّبور
أطفأوا جمرةَ الجحيم فكانت / فتنة ما جرى بها التقدير
ثورةٌ في الجحيم أرجفت العر / شَ وكادت منها السماءُ تمور
لبسوا عدة الكفاح وساروا / في نظامٍ أتمهُ التدبير
زحفوا ثائرين من كل صوبٍ / في صفوفٍ كأنهنَّ سطور
للأناشيد ينشدون بصوتٍ / في النفوس الحرَّى لها تأثير
غصبوا حقكم فيا قوم ثوروا / إنَّ غصبَ الحقوق ظلمٌ كبير
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
لكم الأكواخ المشيدةُ بالنا / رِ وللبلهِ في الجنان القصور
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
إن خضعتم فما لكم من نصيبٍ / في طوال الدهور إلا السعير
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
ما حياةُ الإنسان إلا جهادٌ / إنما تؤثرُ السكون القبور
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
إنما النار للذين لديهم / قد تسامى الإحساسُ بئس المصير
غصبوا حقنا ولم ينصفونا / إنما نحن للحقوق نثور
ولقد أسرعت زبانيةُ النا / ر إليهم وكلهم مذعور
يا لها في الجحيم حرباً ضروساً / ما لها في كل الحروب نظير
ولقد عاضد الذكور إناثٌ / ولقد عاضد الإناثَ الذكور
ولقد كانوا يفتكون ولا يب / صر منهم مهاجمٌ أو مغير
ولقد كانت البطونُ تَفَرَّى / ولقد كانت الرؤوس تطير
ثم جاءتِ الشياطين أنصا / راً وما جيش الماردين حقير
كان إبليس قائداً للشياطي / ن وإبليسُ حيث كان قدير
ولقد جاء من ملائكةِ العر / شِ لإرجاعِ الأمن جمٌّ غفير
والذي قد قاد الملائك منهم / هو عزرائيلُ الذي لا يخور
فهي بين الملائك البيض صفَّاً / والشياطينُ السودُ صفاً تثور
وتلاقى فوق الجحيم الفريقا / ن وهذا نارٌ وهذا نور
فصدامٌ كما تصادمُ أجبا / لٌ رَواس ومثلهنَّ بحور
وصراخُ الجرحى إلى العرش يعلو / وجروح المجندلين تفور
يترامون بالصواعقِ صفَّي / نِ فيشتدُّ القتلُ والتدمير
حارَبوا بالرياح هوجاً وبالإع / صارِ في ناره تذوب الصخور
حاربوا بالبروق تومض والرع / د فيغلي من صوته التامور
حاربوا بالبحار تلقى على الجي / ش بِحولٍ وماؤها مسعور
حاربوا بالجبال تقذفُ بالأي / دي تباعاً كأنهن قشور
بالبراكين ثائرات جرت من / حممٍ فيها أبحرٌ ونهور
وقد اهتزَّ عرشُ ربك من بع / د سكونٍ والدائراتُ تدور
ولقد كادت السموات تهوي / ولقد كادت النجوم تغور
كانت الحرب في البداءِ سجالاً / ما لصبح النصر المبين سفور
ثم للناظرين بان جليّاً / أن جيش الملائك المنصور
هزموهم إلى معاقلهم في ال / ليلِ حتى بدا الصباحُ المنير
ولأهل الجحيم تمَّ بإنجا / د الشياطين في القتال الظهور
فاستراحوا من العذاب الذي كا / نوا يقاسونه وجاء السرور
لم يخوضوا غمارها قبل أن تح / كم فيها الآراء والتدبير
ثم طاروا على ظهور الشياطي / ن خفافاً كما تطيرُ النسور
يطلبون الجنان حتى إذا ما / بلغوها جرى نضالٌ قصير
ثم فازوا بها وقاموا بما يو / جبهُ النصر والنهى والضمير
طردوا من بها من البلهِ واحتَل / لوا القصورَ العليا ونعم القصور
غير من كانوا مصلحين فهذا ال / قسم منهم بالإحترام جدير
فرَّ رضوان للنجاة ومن أت / باعِ رضوان مسرعاً جمهور
وأقاموا لفتحهم حفلةً أع / قبها منهم الهتافُ الكثير
إنه أكبرُ انقلابٍ به جا / دت على كرها الطويلِ الدهور
وتنبهت من مناميَ صبحاً / وإذا الشمس في السماء تنير
وإذا الأمر ليس في الحقِّ إلا / حُلُماً قد أثارَهُ الجرجير
أنا شيخ بذكرياتي أحيا
أنا شيخ بذكرياتي أحيا / فهي إن لم تكن فإني قاض
أنا ماش إلى الوراء كأني / أتحرى مستقبلي في الماضي
قد أقاموا على الجحيم صراطاً
قد أقاموا على الجحيم صراطاً / عرضه شعرة فكيف العبور
ليس أشقى من ابن آدم حي / فهو في كل حالة مضرور
أن يعش يلق منكراً وإذا ما / ت تلقاه منكر ونكير
هذه الدنيا دار كل جزاء / فهي للناس جنة وسعير
ولقد يعقب الظهور خفاء / ثم لا يعقب الخفاء ظهور
وكأني بالقوم قد سمعوا ما قلته
وكأني بالقوم قد سمعوا ما قلته / موضحاً فثاروا غضابا
وأتوا ينبشون قبراً حواني / بعد موتي وأوسعوني سبابا
فليجيئوا ما قد ارادوه أني / لم أقل يوم قلت إلا صوابا
بالذي شاع بينهم
بالذي شاع بينهم / من حديث الخوارق
إن تكن أنت واثقاً / فأنا غير واثق
أسأل العقل وحده / أنا بالعقل واثق
هل لما ليس ينتهي / عمرك اللَه خالق
سبحوا أمس للمؤثر / واليوم للأثر
إنهم يضربون في / كل يوم على وتر
أيها الكفر أنت لي / قبل خلقي مقدر
فسواء أردت أم / لم أرد سوف أكفر
إنما فكرة / من الجهل تنجم
عبد الناس في / معابدهم ما توهموا
لما حبا الناس / من قبل يسلب
وعلى من أتوا هنا / لك ما يشاء يغضب
يقول ما / قاله ثم يخرس
وعلى العرش بعدما / خلق الكون يجلس
أخطأ العلم بالإله
أخطأ العلم بالإله / جميع المذاهب
وهو سر مكتم / في ضمير الكواكب
لا يضر اليقين إن
لا يضر اليقين إن / جحد اللَه جاحد
لا تقولوا ثلاثة / إنما اللَه واحد
تكره الفكر في حقيقة أمر
تكره الفكر في حقيقة أمر / خوف ما للشيطان من نزغات
وتصلى لِلّه في اليوم خمساً / ويك ماذا تريد بالصلوات
قد عبدت الإله ستين عاماً
قد عبدت الإله ستين عاماً / ودعوت الإله في كل عام
ما استجاب الإله مني دعاء / أوليس من أوهامي
إن في أوسع الفضاء نجوماً
إن في أوسع الفضاء نجوماً / لاقتراب تحركت وابتعاد
نثرنها يد الطبيعة جلت / عن شبيه في تلكم الأبعاد
من شموس تبدو وتخفى وتبدو / في طوال الدهور والآباد
أنا لولا خوفي من الناس أن يع / زوا كلامي للكفر والإلحاد
قلت سبحان هذه الزهر من آله / ة الكون وحدها والفساد
بارثات يفعلن غير مريدات / ومفعولهن غير مراد
أيها المؤمنون مالي أراكم
أيها المؤمنون مالي أراكم / قد حنقتم وارين ورى الزناد
قد رأيتم رأياً رأيت سواها / فكأنا كنا من الأضداد
اختلفنا كل اختلاف فما أن / يتساوى اعتقادكم واعتقادي
أيها القوم إن علمي بما ارتبتم / به في الرسوخ كالأطواد
أي شيء يضركم من حيادى / فاتركوني فيما أرى وحيادي
إنما ترتقي الشعوب بعلم / تقتنيه بالدرس لا باضطراد
أيها العلم يا مناي فداء / لك مالي من طارف وتلاد
أنا فيما أبديته من مقال
أنا فيما أبديته من مقال / مخطئ ليس لي أقل استناد
شهد اللَه والملائكة الأبرار / أني ركبت غير السداد
إنني قد أسأت ظني وربي / واقف للمسيء بالمرصاد
إنني قد ندمت غفرانك اللهم / من سوء مذهبي واعتقادي
عن سبيل الرشد حدت فارجعني / إلهي إلى سبيل الرشاد
إنني قد زرعت إثماً فويلي / ثم ويلي إن حان يوم الحصاد
ويح نفسي فقد سلكت طريقاً / ليس فيه إلى الحقيقة هادي
ويح نفسي من روع يوم التقاضي / ويح نفسي من هول يوم التنادي
سوف أبكي ملء العيون على ما / قلت حتى يبل دمعي نجادي
سوف أبكي على حياتي وأبكي / من زمان قضيت في بغداد