المجموع : 39
قل لسلمان بعدما كان حراً
قل لسلمان بعدما كان حراً / كيف قد جاز رقه والأسار
إن ما قلتَه من القول هُجر / مُنكَر لا تقوله الأحرار
وطن المرء عِرضه وهَواه / وعلى العرض كل حرّ يَغار
كل شيء يعار في الناس إِلا ال / عرض منهم فإنه لا يعار
أرذل الناس مَن يقوم عليهم / أجنبيّ في أمرهم يستشار
هو يُدعى بالمستشار ولكن / هو في الحكم آمرٌ قهّار
كيف نسعى إلى العلا في أمور / ليس فيها رَأيٌ لنا واختيار
فبذا ركن عزّنا يتداعي / وبذا صرح مجدنا ينهار
إن للأجنبيّ فينا لحكماً / أسدلت دون جَوره الأستار
فهو يقضي بحكمه عير مسؤو / لٍ قضاءً به الأمور تُدار
إن أدمون في الوزارة باق / يُترجّى في بهوِها ويزار
يملك البت في الأمور ولكن / لا يقولون إنه مستشار
فاعتبرنا الألفاظ دون المعاني / إذ بها خُصّ عندنا الأنكار
وكذاك استقلالنا غِيل معنا / هُ فأضحى للفظه الاعتبار
ولأدمون من ذويه رجال / كلهم في ظهورنا أوزار
قد تَولَّوْا تمويننا عن خِداع / فارتقت في غلائها الأسعار
واستمرّت أقواتنا في انتقاص / وتفشّى في سوقها الاحتكار
ولهم في مدى العراق جيوش / كجرادٍ علينا انتشار
وَلكَمْ شِيد في العراقين حِصن / ومطار لجيشهم فمطار
هم بذا هَيَّئُوا البلاد لحرب / لم تَقِدْ عندنا لها اليوم نار
كيف نُصلى الحرب التي نحن فيها / لاذُ حُول لنا ولا أوتار
كيف نُصلى الحرب التي فصلتنا / عن ذويها مَهامِهٌ وبحار
إن هذا في الحكم منهم لظلم / وهو عار عليهم وشنار
وهو نقض لما جرى من عهود / حكمها من خِداعهم مستعار
فلماذا نراك تدعو إليهم / وهم اليوم ذُلّنا والصَغار
أيّ شيءٍ تريده بعد هذا / أخُنوع أم خَيْبة أم دَمار
فإذا كنت تبتغي المسخ فينا / كي يعيش الإنسان وهو حمار
فسل الله أن نكون حميراً / قد عراها من الهوان نِفار
خرج الناس يهرعون احتفاءً
خرج الناس يهرعون احتفاءً / بقدوم الأمير غير الأمير
ولقد هوَّن الحفاوة منهم / أنهم يحتفون لا عن شعور
ملؤوا الشارع الكبير لأمر / في كبير العقول غير كبير
ليس هذا الضجيج في الطُرق إلاّ / قهقهات التقدير للتدبير
ليس هذا السواد إلاّ سواداً / في رجاء اللبيب ذي التفكير
وسواءٌ أزمرة من رَعاع / لك تبدو أم عانة من حمير
كيف جاء الأمير قبل ائتمار ال / قوم فيما يختصّ بالتأمير
تخذوا منه آلة لأمور / لم تكن من أمورنا بأمور
ثم سمَّوه بالأمير وهذا / من ضروب الخِداع في التعبير
أ أميراً والآمرون سواه / لم يكن عندهم سوى مأمور
يا بني الرافدين مالي أراكم
يا بني الرافدين مالي أراكم / في أباطيلَ كلكم مبغضوها
فعل الإنكَليز فيكم فِعالاً / قد رضُوها لكم ولم ترتضوها
تتشكَّون في السياسة منها / ثم أنتم تأبَون أن تَرفُضوها
وعدوكم من قبل مملكة العُرْ / ب اجتلَوْها بالمَيْن وافترضوها
قبّة زخرفت لكم بالأماني / هم بَنوْها لكم وهم قوّضوها
حرّكوا للقتال منكم عروقاً / بأكاذيب وعدهم أنبضوها
يوم هجتم على ذويكم لضرب / بسيوف ما جاز أن تنتضوها
فلماذا لا تنقضُون عهوداً / بعهودٍ هم قبلكم نقضوها
ما أصحُّوا بلادكم بالمواعي / د ولكن بخُلْفهم أمرضوها
أخسروها بمكرهم كلّ حق / وبغير الوعود ما عوّضوها
هل نسيتم جيوشهم يوم جاءوا / فعثَوْا في البلاد واستنفضوها
تلك والله حالةٌ حار فكراً / في عماها البعيد مستعرضوها
سَعَروها في البحر حرباً ضروساً
سَعَروها في البحر حرباً ضروساً / تأكل المالَ نارُها والنفوسا
قرب توشيما قد تصادم أسطو / لان أردى اليابان فيه الروسا
يوم طوغو دها بأسطوله الرو / س قتالاً وكان يوماً عبوسا
فحَداها بوارجاً تملأ البح / ر وقاراً طوراً وطوراً بُوسا
كل مَخّارة إذا حَرَّكت دُفّ / اعها خضخضت به القاموسا
مذ بنَوها لهم كنيسة حرب / تخذت كل مدفع ناقوسا
عرش بلقيس في المناعة لكن / قد حكت في احتشامها بلقيسا
ألبسوها من الحديد وِشاحاً / فتهادت على العُباب عروسا
وإذا تنشر البُنود النص / رَ فيها تخالها الطاوسا
وإذا جنّها على البحر ليلٌ / أطلع الكهرباء فيها شموسا
قد أبى بأسها الشديد سوى الفُو / لاذ درعاً لجسمها ولَبُوسا
سيّروا البرق بينهنّ رسولاً / صادقاً ليس يعرِف التدليسا
فهو فيها لسان صدق يؤدّي / دون سلك كلامها المأنوسا
إنما ملكه الأثير الذي را / ح بطَيّ اهتزازه مدسوسا
جهَّزوها مدافعاً فغرت أف / واه نار قدِ اْلتَقَمْنَ الشوسا
دلعت ألسناً من النار حُمراً / ويلَ من قد غدا بها مَلحوسا
ترسل الموت في قنابلها كالشُهْ / ب ذريعاً مستأصلاً عِتْريسا
طالما بانفجارها انفلق البح / ر انفلاقاً مذكراً عهد موسى
بَثّ أسطوله فلبّسه طو / غو بأسطول خصمه تلبيسا
حيث قد أجفلت من اللجج الحي / تان تَخشى من اللهيب مسيسا
وعلا البحر مُكفَهِرَ غمام / من دخان همى ولكن بوسى
ثار طرّادهم يجيش بنسّا / فات سُفن لهم سَجرن الوطيسا
كجبال تَرى البراكينَ فيها / تقذف الموت جارفاً والنُحوسا
فأباحوهمُ هنالك قتلاً / واغتناماً نفوسَهم والنُفيسا
فسل اليَمّ كم تضمّن منهم / مُغْرَقاً في عُبابه مغموسا
هاجموه وللهياج سعير / ملأت واسع الخِضَمّ حسيسا
فكَسَوْهم من الهَوان لَبُوسا / وسَقَوْهم من المنون كؤوسا
صرعت في الوغى ليوث من اليا / بان أسطول خصمها مفروسا
فانتضَوْها عزائماً ماضيات / طأطأ الروس دونهنّ الرءوسا
وجلّوْها في الروع بيض فِعال / أقرأتهم كتب الفَخار دروسا
إن يوماً لهم تقضىَ بتوشيما لي / وم بالذكر زان الطروسا
بات طوغو يجني الأماني إذ با / ت قنوطاً عدوُّه ويَؤوسا
قائد لم يَرِدْ لظى الحرب إلاّ / مصدراً رأيه لها جاسوسا
تاه أسطوله على اليَمّ عُجباً / حين أضحى لمثله مرؤسا
إن شهماً تقلّد العقل سيفاً / لحَرِيٌ بأن يكون رئيسا
ومليكاً وَلّى عنهمُ كم سعَوا في / ه خميساً عرمرماً فخميسا
رجلاً يملأ الفضاء وخَيلاً / حملت للوغى الكماة الشُوسا
صوَّبوها بنادقاً تطلق المو / ت رصاصاً به أبادوا النفوسا
فأقاموا بها على الروس حرباً / عبدوا نارها وليسوا مجوسا
هكذا شيّدوا بناء المعالي / هكذا أحسنوا لها التأسيسا
أطربتهم بلحنها الأنغام
أطربتهم بلحنها الأنغام / حين أدمت قلوبنا الآلام
فأقاموا مجالس الإنس حتى / رقص العار بينهم والذام
أضحكوا أوجه السفاهة ضحكاً / قد بكت في خلاله الأحلام
إن في مصر للكريمة عُرساً / سوف تعنى بشرحه الأقلام
أوقدوا فيه للسرور سراجاً / عمّ من نوره البلاد ظلام
ذاك عرس تكشّر اللؤم فيه / عن نيوب كأنهنّ سهام
وتغنّت للقوم فيه قيان / أنكر العهد صوتها والذمام
فلعين الحليم فيه بكاء / ولثغر السفيه فيه ابتسام
أيها المولمون في مصر مهلاً / إن إيلامكم لنا إيلام
أتغنّيكم القيان بيوم / قام في مأتم به الإسلام
لبست هذه البلاد حِداداً / وتحلّت بوشيها الأهرام
وجرت أعين الفرات دموعاً / وجرى النيل ثغره بسّام
أشماتاً بالمسلمين وقد دا / رت عليهم بنحسها الأيام
إذ رمتهم يد الزمان بخطب / جلل ما لنقضه إبرام
فهوت في مصارع الحرب منهم / جثث تملأ الفضاء وهام
وتخلَّوا عن البلاد وأبقَوا / حرمات تدوسها الأقدام
يا بني مصر صغيةً لسؤال / فيه عتب لكم وفيه ملام
أتناط الفتوح في خنصر الك / فِّ ازدياناً إن قطّت الإبهام
أدماء القَتلى لديكم خضاب / أم أنين الجَرحى لكم أنغام
أم تريدون أن تكونوا كقوم / أسكرتهم بين القبور مدام
أم أصختم إلى الأغاريد كي لا / تسموا كيف تنحب الأيتام
لست أدري وقد سمعت بهذا / يقظة ما سمعته أم منام
هي عيني ودمعها نضّاح
هي عيني ودمعها نضّاح / كل حزن لمائها يمتاح
كيف لا أذرف الدموع وعزّي / بيد الذّل هالك مجتاح
قد رمتني يد الزمان بخطبٍ / جللٍ ما لليله أصباح
حيث غمّت عليّ وجهَ سمائي / ظلمات تخفى بها الأشباح
وتواري عن أعيني مضمحلاً / شرف في مواطني وضّاح
يوم أمست لا حماة تذود الضي / م عنّي ولا ظبى ورماح
فأنا اليوم كالسفينة تجري / لا شراع لها ولا ملاح
ضقت ذرعاً بمحنتي فتراءت / قيد شِبر لي الفجاج الفساح
أخرس الحزن منطقي بنحيبٍ / ألسن الدمع فيه ذلق فصاح
انحت حتى رثى العدو لحالي / واعتراني من العويل بحاح
فمياهي هي انسكاب دموعي / وخريري هو البكا والنواح
أوَ ما تُبصر اضطرابي إذا ما / خفقت في جوانبي الأرواح
ليس ذا الموج فيّ موجاً ولكن / هو منّي تنهّد وصياح
إن وجدي هو الجحيم ولولا / أدمعي أحرقتني الأتراح
لو درى منبعي بما أنا فيه / من أسىً جفّ ماؤه الضحضاح
علّه قد درى بذاك فهذا / هو باك ودمعه سفّاح
أين أهل الحِفاظ هل تركوني / نهبةً في يد العدوّ وراحوا
برحوا وادي السلام عجالا / أفجد براحهم أم مزاح
مالهم يبعدون عنّي انتزاحاً / وعزيز منهم عليّ انتزاح
فلئن يبعدوا فإن فؤادي / لا ليهم بودّه طمّاح
تركوني من الفراق أقاسي / ألماً ما تطيقه الأرواح
لو رأوني سبياً بأيدي الأعادي / لبكَوا مثلما بكَيت وناحوا
لا مسائي بعد البعاد مساء / يوم بانوا ولا الصباح صباح
أتمنّى بأن أطير إليهم / بجناح وأين مِنّي الجناح
أنا ادري بأنهم بعد هجري / لم يذوقوا غمضا ولم يرتاحوا
بل هم اليوم عازمون على الزح / ف بجيش به تغصّ البطاح
إن تأنَّوا فربضة الليث تأتي / بعدها وثبة له وكفاح
كيف يغصون عن إغاثة وادٍ / زانه من ودادهم أوضاح
فعليه من فخر عثمان تاج / وله راية الهلال وشاح
أنا باقٍ على الوفاء وإنكا / نت بقلبي ممن أحبّ جراح
فإليهم ومنهم اليوم أشكو / بلّغيهم شكايتي يا رياح
أيها الانكليز لن نتناسى
أيها الانكليز لن نتناسى / بغيكم في مساكن الفلوجه
ذاك بغيٌ لن يشفي الله إلا / بالمواضي جريحه وشجيجه
هو كرب تأبى الحمية أنّا / بسوى السيف نبتغي تفريجه
هو خطب أبكى العراقين والشا / م وركن البَنِيّة المحجوجه
حلّها جيشكم يريد انتقاماً / وهو مُغرٍ بالساكنين عُلوجه
يوم عاثت ذئاب آثور فيها / عَيْثةً تحمل الشَنار سميجه
فاستهنتم بالمسلمين سَفاهاً / واتخذتم من اليهود وليجه
وأدرتم فيها على العُزْل كأساً / من دماء بالغدر كانت مزيجه
واستبحتم أموالها وقطعتم / بين أهل الديار كل وشيجه
أفهذا تمدّن وعلاء / شعبكم يدّعي إليه عروجه
أم سكِرتم لما غلبتم بحرب / لم تكن في انبعاثها بنضيجه
قد نتجنا لقوحها عن خداج / فلذلك انتهت بسوء النتيجه
هل نسيتم جيشاًلكم مُبْذَعِرّاً / شهدت جُبنه سواحل إيجه
وهوى بانهزامه حَصن اقري / ط وأمسى قذىً على عين فيجه
سوفَ ينْأى بخزيه وبعار / عن بلاد تريد منها خروجه
لا تغرّنّكم شِباكٌ كبارٌ / أصبحت لاصطيادنا منسوجه
لستم اليوم في الممالك إلا / جُعَلاً تحت صدره دُحروجه
وطن عشت فيه غير سعيد / عيش حرّ يأبى على الدهر عُوجه
أتمنّى له السعادة لكن / ليس لي فيه ناقة منتوجه
أخصب الله أرضه ولو أنّي / لست أرعى رياضه ومروجه
كل يوم بعزّه أتغنّى / جاعلاً ذكر عزّه أهزوجه
ما حياة الإنسان بالذُلّ إلا / مُرّة عند حَسْوِها ممجوجه
فثناءً للرافدين وشكراً / وسلاماً عليك يا فَلّوجه
صاح إن الخطوب في غليان
صاح إن الخطوب في غليان / فبماذا يَطّرِق المَلَوان
جلّ ربّ الأنام في كل يوم / هو من كبريائه في شان
خالق الكون ذو الجلال قديم / واحد عنده القرون ثوان
كل ما ضمّ ملكه كلماتٌ / وإليه انتهت جميع المعاني
نسمع اليوم للخطوب أزيزاً / كأزيز القدور في الفوران
إنني مبصرٌ تباشير صبح / مستفيض على ظلام الأماني
ليس تلك الدماء في الحرب إلا / شفقاً من ضيائه الأرجواني
إنني أستشف من غِيَر الده / ر انقلاباً يعمّ كل مكان
سيلوح الداني به وهو قاص / ويلوح القاصي به وهو دان
ويكون المُعَزّ غير مّعَزاً / ويكون المُهان غير مهان
وسيغدو الضعيفُ محترَمَ الح / قّ ويمسي الظلوم في خسران
والثريا ستعتلي في أمان / من عِداء العَيّوق والدَبَران
وستبدو أم النجوم رءوماً / يتدانى من نورها الفرقدان
يتجلّى ربّ السموات والأر / ض علينا بعدله والحنان
فيبوء المستعمرون بخُسرٍ / وتضيء البلاد بالعُمران
معشر العرب أين أنتم من القو / م إذا ما تمّ انقلاب الزمان
أنيام والدهر يفتح فيكم / من جديدَيْه مقلَتيْ يقظان
نقض القوم عهدكم قبل هذا / واستخفُوا بحفظه في صوان
واستهانُوا بالوعد إذ أخلفوه / واستغلّوا دفائن الأوطان
وأقاموا بها قواعد جوٍّ / لاحتشاد الجنود والطيران
ثم بثّوا بها العيون يعيثو / ن فساداً في سُوحها والمباني
ثم ساروا في حكمها سير فُلك / هم بها آخذون بالسُكّان
كل هذا وأنت مستقلّو / ن بزعم من عندهم وامتنان
قيّدوكم لنفعهم بعهود / ناطقات من أسركم بلسان
أوثقوكم بها إِساراً وقالوا / ليس هذا لكم سوى إحسان
ليس تلك العهود يا قوم إلا / كعهود الذئاب للحملان
أفلا تذكرون من أوّليكم / أنَفاً من مسيسهم بهوان
يوم سادوا والعز فيهم يُماشي / ضربهم بالمُشَطَّب الهندواني
وتعالت راياتهم خافقاتٍ / في جيوش عنا لها الخافقان
فانهضوا اليوم مستجدّين مجداً / كالذي كان دونه القمران
إن للمجد في المساعي محَلاً / عالياً لا يحلّه المتواني
قل لمن رام صدعنا بشقاق / أنت كالوعل ناطح الصفوان
ويك إن الإسلام أوجد فينا / وحدة مثل وحدة الرحمن
فاعتصمنا منها بحبلٍ وثيقٍ / هو حبل الإخاء والأيمان
ليس معنى توحيدِنا اللهَ في الملّ / ة إلا اتحادَنا في الكيان
فلهذا نعم لهذا لهذا / نحن دَنّا بوحدة الديّان
وحدة لا يَفُلّها المتوالي / من صروف الدهور والأزمان
وحدة جاءنا من الله فيها / مرسل بالكتاب والفرقان
فهدانا بها إله قديم / واحد عنده القرون ثوان
ما نرى سلطة علينا لخلقٍ / غير سلطان خالق الأكوان
أرى الشعر أحياناً بجيش بخاطري
أرى الشعر أحياناً بجيش بخاطري / ويبذل ما قد عزّ لي من مصونه
ويسكن أحياناً فاشجى وإنما / تحرّك شجوي ناشيٌ من سكونه
وقد أتوخّى الهزل منه مجارياً / لدهر أراه مُوغلاً في مجونه
ولكنّ نفسي وهي نفس حزينة / تميل إلى المشجي لها من حزينه
وقد علم الراوون شعري بأنهم / إذا أنشدوه أطربوا بلحونه
وإِنّي إذا استنبطته من قريحتي / شفيت صدى الراوي ببرد معينه
وإني على علم طويت سهوله / ولم أتحيّر خابطاً حزونه
وإني لمحّاص له بسليقة / أبت غثّه واستوثقت من سمينه
وهل يخطر الشعر الركيك بخاطري / إذا كان في طوعي اختشاب متينه
ألا لا اهتدت للشعر يوماً هواجسي / إذا هي لم تنزع إلى مسبيه
ولا غصت في بحر القريض مخاطراً / إذا لم أفز من درّه بثمينه
على أن لي طبعاً لبيقاً بوشيه / نزوعاً إلى أبكاره دون عونه
إذا انتظمت أبياته في قصائدي / ترى كل بيت ممسكاً بقرينه
وما كن دوح الشعر يوماً لتجتنى / بغير اليد الطولى ثمار غصونه
ولم يستقد إِلاّ لذي المعيّة / يكون كرأي العين رجم ظنونه
وإنّيَ قد مارسته بفطانة / يلوح سناها غرّةً في جبينه
لعمري أن الشعر صمصام حكمة / وأن النهي معدودة من قيونه
إذا جنّني ليل الشكوك سللته / عليه ففّراه بفجر يقينه
وما الشعر إلا مؤنسي عند وحشتي / ومسلي فؤادي عند وري شجونه
تقوم مقام الدمع لي نفثائه / إذا الدهر أبكاني بريب منونه
وأجعله للكون مرآة عبرةٍ / فيظهر لي فيها خيال شؤونه
فأبصر أسرار الزمان التي انطوت / بما دار في الأحقاب من منجنونه
وللشعر عين لو نظرت بنورها / إلى الغيب لاستشفيت ما في بطونه
وأذن لو اسصغيتها نحو كاتم / سمعت بها منه حديث قرونه
وليل إلى شعراه أرسلت فكرتي / رسولاً بشعري حاملاً لرقينه
سل الليل عنَي سره وسماكه / ونجم سهاه والجديّ خدينه
فكم بتّ في نهرة المجرّة في الدجى / من الشعر اجري منشآت سفينه
هو الشعر لا أعتاض عنه بغيره / ولا عن قوافيه ولا عن فنونه
ولو سلبتنيه الحوادث في الدنى / لما عشت أو مارمت عيشاًبدونه
إذا كان من معنى الشعور اشتقاقه / فما بعده للمرء غير جنونه
طرب الشعر أن يكون نسيبا
طرب الشعر أن يكون نسيبا / مذ أجالت لنا القوام الرطيبا
وتجلّت في مسرح الرقص حتى / أرقصت بالغرام منّا القلوبا
أقبلت تنثني بقدٍّ رشيقٍ / ألبسته البرد القصير قشيبا
قصّرت منه كمّه عن يديها / وأطالت إلى النهود الجيوبا
حبس الخصر حيث ضاق ولكن / أطلق النحر بادياً والتريبا
هو زيّ يزيد في الحسن حسناً / من تزيّا به وفي الطيب طيبا
خطرت والجمال يخطر منها / في حشا القوم جيئةً وذهوبا
وعلى رؤس الأصابع قامت / تتخطّى تبختراً ووثوبا
يعبس الأنس أن تروح ذهاباً / ويعيد ابتسامه أن تؤوبا
فهي أن أقبلت رأيت ابتساماً / وهي أن أدبرت رأيت قطوبا
نحن منها في الحالتين ترانا / نرقب الشمس مطلعاً ومغيبا
تضحك الجوّ في الصباح طلوعاً / ثم تبكيه في المساء غروبا
أظهرت في المجال من كل عضو / لعباً كان بالقلوب لعوبا
حيّرتنا لما أرتنا عجيباً / فعجيباً من رقصها فعجيبا
شابهت عظفة الغصون انثناءً / وحكت خطرة النسيم هبوبا
تلفت الجيد للرجوع انصياعاً / كفطيم رأى على البعد ذيبا
تثب الوثبة الخفيفة كالبر / ق صعوداً في رقصها وصبوبا
حركات خلالها سكنات / يقف العقل بينهنّ سليبا
وخطاً تفضح العقود اتساقاً / نظمتها تسرعاً ودبيبا
بسمت كوكباً ومرّت نسيماً / وشدت بليلاً وفاهت خطيبا
لو غدا الشعر ناطقاً لسان / لتغنّى بوصفها عندليبا
أو غدا الحسن شاعراً ينظم الحبّ / قريضاً أبدى بها التشبيبا
هي كالشمس في البعاد وأن كا / ن إلينا منها الشعاع قريبا
عمّت الناس بالغرام فكلّ / قد غدا عاشقاً لها ورقيبا
زهرة تبهج النواظر حسناً / ورواءً وتنعش الروح طيبا
هي دائي إذا شكوت من الدا / ء وطبّي إذا أردت طبيبا
وأتت بعدها من الغيد أخرى / يقتفى أثرها الجمال جنيبا
فأرتنا من الجبين صباحاً / ومن الخدّ كوكباً مشبوبا
حملت بندقيّة صوّبتها / نحو مستهدفٍ لها تصويبا
واستمرّت رمياً بها عن بنان / لطفه ضامن له أن يصيبا
تحشن الرميَ تارةً مستقيما / وإلى الخلف تارة مقلوبا
وانكباباً إلى الأمام واقعا / ساً كثيراً إلى الوراء عجيبا
وهي في كل ذا تصيب الرمايا / مثلما طرفها يصيب القلوبا
لو أردات رميَ الغيوب وأغضت / لأصابت خفيّها المحجوبا
مشهد فيه للحياة حياة / تترك الواله الحزين طروبا
قد شهدناه ليلة جعلتنا / نحمد الدهر غافرين الذنوبا
بين رهطٍ شمّ العرانين ينفى ال / همّ عنّي حديثهم والكروبا
كرُموا أنفساً وطابوا فعالا / وسمَوا محتداً وعفّوا جيوبا
تلك والله ليلة لست أدري / في بلادي قضيتها غريبا
كدى أنسى بها العراق وأن أب / قى ندوباً بمهجتي فندوبا
يا سواد العراق بيّضك الده / ر فأشبهت مقلتي يعقوبا
شملت ريحك العقيم وقد كا / نت لقوحاً تهبّ فيك جنوبا
أين أنهارك التي تملأ الأر / ض غلالا بسيحها وحبوبا
إذ حكت أرضك السماء نجوماً / ما حياتٍ أنوارهنّ الجدوبا
لهف نفسي على نضارة بغدا / د استحالت كدورةً وشحوبا
أين بغداد وهي تزهو علوماً / وزروعاً وأربعا ودروبا
أقفرت أرضها وحاق بها الجه / ل فجاشت دواهياً وخطوبا
حيّ هل يا أخا مصر
حيّ هل يا أخا مصر / ندّكر خير مدّكر
ندّكر شاعر البشر / خير من قال وافتكر
حيّ هل أيها الملا / نحي ذكرى أبي العلا
شاعر شعره اجتلى / صوراً كلها غرر
شاعر يملأ الفضا / نفسه صعبة الرضى
دونه كلّ من مضى / دونه كل من غبر
هو بالفكر مذ سما / كان من نوره العمى
شاعر الأرض والسما / شارف الشمس والقمر
حلّ في ذروة الأدب / آتياً منه بالعجب
لا تقل شاعر العرب / أنه شاعر البشر
جعل الصدق ديدنا / تاركاً هذه الدنى
أن تناءى أو ادّنى / فهو للحق ينتصر
عبقريّ بشعره / عالميّ بفكره
يعربيّ بنجره / تشرف العرب أن ذكر
جعل الشعر وحيه / موقظاً فيه وعيه
ما ورى فيه وريه / قبله كلّ من شعر
خطّ سفراً به ابتغى / غنية الروح بالرغى
جامعاً أفصح اللغى / حاوياً أكبر العبر
حكّم العقل واجتهد / وتعالى عن الفند
هو في القول ما اعتمد / غير ما ذاق واختبر
شعره شفّ عن دها / ما له فيه منتهى
بنظام هو النهى / وحروف هي الدرر
شعره شعر متقن / فيه شك لموقن
فيه كفر لمؤمن / فيه إيمان من كفر
نفسه وهي ثائره / تركت غير خاسره
كل دنياً وآخره / ونفت كل ما استقر
جعل الحق ذوقه / باذلاً فيه طوقه
شاعر ليس فوقه / شاعر من بني البشر
شاعر الأرض والسما / هو بالفكر مذ سما
أبصر الحق بالعمى / لم يضره عمى البصر
هو بالشعر أن شدا / يتجلّى لك الهدى
مدركاً أبعد المدى / بالمعاني التي ابتكر
جانب الناس واعتزل / قائلاً أنهم همل
شرّهم غير محتمل / خيرهم غير منتظر
دينهم من ريائهم / وهو في أغبيائهم
ليس في أذكيائهم / غير من مان أو مكر
ما بهم غير حاسد / دائب في المكايد
مبتغى كل واحد / منهم الجور أن قدر
كوكب قد توقّدا / في سماء من الهدى
عند ما غمّه الردى / أظلم الجوّ واعتكر
ليس للموت عنده / من تقاريع بعده
أن عرا الحيّ ردّه / فاقد الحسّ كالحجر
فيه يأمن الفتى / كل ما راع أو عتا
لا مصيف ولا شتا / لا نعيم ولا سقر
تجن أسرى ذواتنا / خشية من مماتنا
كم وكم في حساتنا / مبتدأ ماله خبر
كيف قد حاولوا اغتيالك غدرا
كيف قد حاولوا اغتيالك غدرا / خاب من دسّهم إليك وأغرى
يوم جاءوك في المطاف ببيت الل / ه تسعى وتذكر اللّه جهرا
حرم اللّه وهو ساحة أمن / ضجّ منهم إذ أحدثوا فيه ذعرا
أن هذا في الجاهليّة والإس / لام فعل يعدّ نكراً وكفرا
أيّ أشدّ من كفر قوم / جعلوا الحجّ للجنايات سترا
يا إمام الهدى وربّ المعالي
يا إمام الهدى وربّ المعالي / ومليكاً تطيعه العرب طرّا
لست ممن بالقتل يردى ويفنى / لك خلد الحياة دنياً وأخرى
لو أطاقوا أن يقتلوا منك جسماً / ما أطاقوا أن يقتلوا منك ذكرا
فإذا عشت عشت ملكاً مطاعاً / مالكاً في البلاد نهياً وأمرا
وإذا متّ لا رأيناك ميتاً / عاش بعد الممات ذكرك دهرا
أنت الجيش مذ زحفت إليهم / علناً جئتهم وجاءوك خترا
مثلهم تفعل اللئام ويأبى / مثلك الغدر كل من كان حرّا
عجزوا عن لقاك بالجيش حرباً / فاستجاشوا العدوان كيداً ومكرا
أنهم أقصر الورى عنك باعاً / وأقلّ الأنام عقلاً وفكرا
أين هم منك قدروة وفعالاً / حين جاءوا وأين هم منك قدرا
إنهم حين هاجموك لقتل / كذباب غدا يهاجم نسرا
ليس هذا الزيديّ إلا ابن آوى / جاء يغتال منك ليثاً هزبرا
ليس بِدعا تجاة ليث هصور / من كليب عدا عليه وهّرا
لافتضاح العدوّ لا لنجاة / سجد الناس عنك للّه شكرا
دمت عبد العزيز للعرب ذخراً / ولأهل الإسلام عزاً وفخرا
حارساً أربع العروبة بالسي / ف معيداً لها الزمان الأغرّا
وإماماً تبلّج الحق فيه / بعد أن كان كالحاً مكفهرّا
فبك اليوم بعد طول اضطراب / أصبح الأمر ثابتاً مستقرّا
كلما زدت أنت نصراً لدين الل / ه بالحق زادك اللّه نصرا
كم رأيناك جاهداً تتسامى / بفعال غدت له الناس أسرى
فبيوم الوغى تأجّجت ناراً / وبيوم الندى تدفقت بحرا
فتقبّل مني تهانئ حرّ / لا يداجي الورى إذا قال شعرا
أم كلثوم في فنون الأغاني
أم كلثوم في فنون الأغاني / أمةٌ وحدها بهذا الزمان
هي في الشرق وحدها ربّة الفّن / فما أن للفنّ ربّ ثان
ذاع من صوتها لها اليوم صيت / عمّ كلّ الأمصار والبلدان
ما تغنّت إلا وقد سحرتنا / بافتنان لها وأيّ افتنان
في الأغاني تمثّل الحبّ تمثي / لاً صريحاً بصوتها الفتّان
يتجلّى في لحنها مشهد الحبّ / أوان الوصال والهجران
فتريك المحبّ عند التنائي / وتريك المحبّ عند التداني
وتريك الحبيب عند افتراق / وتريك الحبيب عند اقتران
كل هذا في صوتها يتجلّى / من خلال الأنغام والألحام
صفحات من الغرام تراها / ظاهراتٍ في صوتها للعيان
تنشد الشعر في الغناء فتأتي / بلحون مطابقات المعاني
فإذا أنشدت عن الوصل أبدت / فيه لحن المسرور والجذلان
وإذا أنشدت عن الهجر جاءت / بلحون تدعو إلى الأحزان
كم سقتنا كأس السرور بلحنٍ / وبلحن كأساً من الأشجان
تفهم الروح منطق الحبّ مما / تتغنّى به بلا ترجمان
فكأنّ الأنغام في الصوت منها / ناطقات لنا بغير لسان
قد سمعنا غناءها فعرفنا / كيف فعل الغناء في الإنسان
حسن صوت يزينه حسن لحن / فيه للسامعين حسن بيان
نبرات في صوتها مشجيات / تترك السامعين في هيجان
تسترق القلوب منا بصوت / نعبد الحسن منه بالآذان
كل لحن إذا سمعناه منها / دبّ فينا دبيب بنت الحان
في وقار الحليم تجعلنا طو / راً وطوراً في خفّة النشوان
نتفانى في الاستماع إليها / ونرى لذّة لنا في التفاني
وترانا نهتز حين تغنّي / فكأنها في حالة الطيران
وكأن الأرواح إذا تتعالى / طرباً جردت من الأبدان
هي في مرتقى الأغاريد تعلو / حين تشدو ونحن في خطران
يشعر المرء حين يصغي إليها / بغرام من صوتها روحاني
بنت فنّ غنّت لنا فسقتنا / من فنون الغناء بنت دنان
هكذا فلتكن يد الفن عليا / هكذا فليكن علا الفنّان
زهرة قد بدت من الأكمام
زهرة قد بدت من الأكمام / فتجلّى مها الجمال السامي
وتراءت فيها الحقيقة حسناً / لم يدنّسه طائف الأوهام
أن تجريدها من الثوب يحكي / أنفساً جُرّدت من الآثام
هي كانت قبل التجرّد منه / كوكباً غمّ نوره بغمام
أن قدس القداس يغضب من أن / تتوارى وسامة الأجسام
وأشدّ الكفر الذي هو رجز / كفر هذا الجمال بالأهدام
ضلّة جاهلية أنكرتها / رسل الفنّ في هدى الإسلام
أنظر الصورة التي انتزعتها / من يد العري ريشة الرسَام
تلق فيها الجمال يضحك ضحكاً / يمتري الدمع من عيون الغرام
وترى نفسك الكئيبة منها / في سرور مهاجم مترام
أنت منها في نشوة المتحسّي / بنت كرم ولوعة المستهام
منظر يترك الجوانح منّا / في هياج من الهوى وهيام
ويردّ الوجوه مستبشراتٍ / ويرد الثغور ذات ابتسام
يبهج النفس إذ يحرّك منها / وتر الشعر مطرب الأنغام
خلعت ثوبها وأغضت حياءً / فأرتنا خلاعة في احتشام
جلست جلسة الحييّ وأبدت / بالتعرّي بداعة في الوسام
ما احيلى اغضاءة جعلتها / كغريق في لجّة الأحلام
يتعامى عنها الحياء حياءً / ليراها بحيلة المتعامي
لسقوط الرداء عن منكبيها / نهض الفنّ قائماً باحترام
وغدا الحبّ راقصاً بابتهاج / وجرى الشعر شادياً بانسجام
أن هذا الجمال شيء عجيب / حيرة في العقول والأفهام
بين ألوانه وبين قلوب الن / اس جذب ذو مرّة وعرام
هو في الناس صاحب الأمر والنه / ي مطاع في النقض والإبرام
هو نور يضيء في أوجه الحبّ / ويهدي نفوسهم للغرام
أن يشأ فالصغار غير صغار / وعظام الرجال غير عظام
نكّب الشارع الكبير ببغدا
نكّب الشارع الكبير ببغدا / د ولا تمش فيه إلا اضطرارا
شارع إن ركبت متنيه يوماً / تلق فيه السهول والأوعارا
تترامى سنابك الخيل فيه / أن تقحّمن وعثه والخبارا
فهي تحثو التراب فيه على الأو / جه حثواً وتقذف الأحجارا
لو ركبت البراق فيه أو البر / ق نهاراً لما أمنت العثارا
تحسب العسابرين فيه سكارى / من هواء تنسّسموه غبارا
ساطعاً يملأ الفضا مستطيراً / حاملاً في ذرّاته الأقذرارا
مستجيشاً من الجراثيم جيشاً / مسبطرّاً عرمرهاً جرّارا
هو أن رشّ جاش وحلاً وإلاّ / جاش نقعاً على الوجوه مثارا
تصهر الشمس فيه أدمغة القو / م إذا هم تخبّطوه نهارا
وإذا ما مشيت في جانبيه / فتجنّب رصيفه المنهارا
وإذا ما أرسلت فيه إلى الأط / راف لحظاً أنكرته انكارا
لا ترى فيه ما يسرّك بالصن / عة حسناً ويبهج الأبصارا
بل ترى العين فيه كل جدار / تكره العين أن تراه جدارا
فجدار عال وفي الجنب منه / متدانٍ تقيسه أشبارا
ودكاكين كالأفاحيص تمتدّ / يميناً بطوله ويسارا
أين هذا من الشوارع في الأم / صار زانت بحسنها الأمصارا
عبّدوها ومهّدوها فجاءت / لا اعوجاجاً بها ولا ازويرارا
وأعدّوا بهنّ كل رصيف / يحمد السير فوقه من سارا
وأقاموا لهم لها كلّ صرح / مشمخرّ بناؤه اشمخرارا
فعلى الجانبين كل بناء / خيل في الحسن كوكباً قد أنارا
ثم لم يكتفوا بذلك حتى / غرسوا في ضفافها الأشجارا
فوقتهم طلالها وهج الشم / س وسرّ اخضرارها الأنظارا
هكذا فلتكن شوارعنا اليو / م وإلاّ فما عمرنا الديارا
أسمعي لي قبل الرحيل كلاما
أسمعي لي قبل الرحيل كلاما / ودعيني أموت فيك غراما
هاك صبري خذيه تذكرة لي / وأمنحي جسمي الضني والسقاما
لست ممن يرجو الحياة إذا فا / رق أحبابه ويخشى الحماما
لك يا ظبية الصريمة طرف / شدّ ما أوسع القلوب غراما
حُبَّ ماءُ الحياة منك بثغر / طائر القلب حول سمطَيه حاما
شغل الكاتبين وصفك حتى / لا دويّاً أبقوا ولا أقلاما
كلما زاد عاذلي فيك عذلاً / زدت في حسنك البديع هياما
أفاحظي بزَورة منك تشفي / صدع قلبي ولو تكون مناما
ربّ ليل بالوصل كان ضياءً / ونهارٍ بالهجر كان ظلاما
قد شربت السهاد فيه مداماً / وتخذت النجوم فيه ندامى
ما لقبي إذا ذكرتك يهفو / ولعيني تُذري الدموع سجاما
أن شكوت الهوى تلعثمت حتى / خلتني في تكلّمي تمتاما
هل سمعتم منيرة مذ أفاضت
هل سمعتم منيرة مذ أفاضت / من بديع الغناء في كلّ فنّ
مذ أقرّت برقصها كل عين / واسترقّت بصوتها كل أذن
رقصها يرقص القلوب على أنّ / غناها عن المزامير يُغني
هي أن أقبلت بثنية عطف / أقبلت بالمهفهف المطمئنّ
وهي أن أدبرت بهزّة ردف / أدبرت بالمرجرج المرجحنّ
خلق اللّه صوتها العذب كيما / يعرف الناس كيف حسن التغنّي
وبراها ممشوقة القد كيما / يعرف الناس كيف حسن التثنّي
بنت فنّ غنّت لنا فسقتنا / من أفانين لحنها بنت دنّ
سحرتني مذ أقبلت تتثنّى / فكأني مذ أقبلت لست منّي
مثلت في دلالها عريانه
مثلت في دلالها عريانه / فأرتني محاسناً فتّانه
حيث طارحتها الغرام ببيت / بالمرايا قد زوّقوا جدارنه
فكأني وقد نظرت لمعرا / ها من النور مبصر اسطوانه
وتجلّى خيالها في المرايا / حاكياً من جمالها أعيانه
فتأمّلت في تقاطيع جسم / جعل الحسن كلّه عنوانه
ظلت أرنو إلى الجمال بعين / تشتهيه وتتّقي هجرانه
فأريها من الغرام فنوناً / وتريني من حسنها أفنانه
ثم أسلمت للمليحة قلباً / أوجب الحسن بالهوى إيمانه
وتقحّمت مَوهج الحبّ حتى / أصبح القلب صالياً معمعانه
هاك من وصفها وإن شئت فاعذر / أو فلم مملك الغرام عنانه
هي غمّازة اللحاظ لعوب / ذات دلّ ظريفة لحّانه
بضّة فعمة لميس رداح / غادة أحوريّة بهنانه
ناهد النَودلَين محطوطة المت / نَين خود رجراجة وركانه
خدلة ساقها مهفهفة الخًص / ر كعاب براقة سيفانه
ذات وجه كأنهبدر تمٍّ / وقوام كأنّه خوط بانه
لو رآها كسرى الملوك لخلّى / ملكه تاركاً لها إيوانه
عقصت شعرها وقد زيّنته / بحلّى من نقارس مزدانه
فحكى شعرها على الرأس تاجاً / وحكت في جلالها خاقانه
وتدلّى قرط بسالفتَيها / رصّعت فيه ماسةٌ بجمانه
فحكى قرطها بقرب المحيّا / زهرة الجوّ قارنت زبرقانه
وأظلّت جبينها وهو صبح / طرّةٌ غَيهبيّة فينانه
فكأن الجبين باقة نسري / نٍ تدلّت من فوقها ريحانه
وقفت لي عريانة فتقدّم / ت إِليها بذلّة واستكانه
فتمشّت تخلّعاً وتثنّت / وتلوّت كأنها خيزرانه
ثم صدّت فأدبرت عن دلال / ثم عادت فأقبلت عن مجانه
ولقد راعني وزاد فؤادي / ولها ما رأيت تحت المانه
ركباً كعثباً عضوضاً مصوصاً / ناشزاً ذا بضاضةٍ ورزانه
مشرف السطح رابئاً ذا انتصاب / حامي الجوف ضنكه ريّانه
قد حكى كومة من اللؤلؤ الرَط / ب وإن كان فائقاً أثمانه
نعمة العيش أترفَته وأخلت / اسكتَيه من الأذى وعجانه
عطر الريح قد تشمّمت منه / إذ تشمّمته شذا اقحوانه
وشربت الرحيق وهو تجاهي / حاثم فاتخذته فنجانه
لو رآه العنّين يوماً لأمسى / مبرأً من رخاوة وعنانه
شغفتني تلك المليحة حتى / علّمتني بكر الهوى وعوانه
سلست في انقيادها بعد أن قد / أظهرت لي تمنّعاً وحصانه
فدعتني إلى الكفِاح بغمزٍ / كرّرته من عينها الوسنانه
فتعرّيت مثلها ثم أشرع / ت إلى الطعن صعدة مرّانه
فرمت كفّها على ذلك الدَو / سر كيما تشوصه بالبنانه
وغدت في تجضّم وامتلاج / بشفاهٍ ورديّه غَيسانه
ثم أضجعتها على الأرض واعرَو / رَيت منها مطيّةً خيفانه
فنبطّنتها وقد أخذ الش / قول من ذلك المحلّ مكانه
واضعاً فأي فوق فيها وكلٌّ / قد أمصّ الضجيع منه لسانه
فالتصقنا صدراً بصدر وبطناً / فوق بطن وعانةً فوق عانه
فغدت في ارتهازها تتلكّا / بكلام لا تستتّم بيانه
ثم قالت وقد ذوت مقلتاها / وشكت من فؤادها خفقانه
أطعن الطاعنين للضاد من بالضّ / اد قد أنطق الاله لسانه