القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 31
أُرْقُصي يا نجومُ في الليلِ حولي
أُرْقُصي يا نجومُ في الليلِ حولي / واتبعي يا جبالُ في الأرضِ ظِلِّي
واصْدَحِي يا جنادلَ النهر تحتي / بأناشيدِ مائكِ المُنْهَلِّ
وارفعي يا رُبى إليَّ وأدني / زَهَرَاتٍ من عُشْبكِ المخضَلِّ
ضَمِّخي من عبيرها ونداها / قَدَماً لمْ تطأكِ يوماً بذُلِّ
هَزَأتْ بالجراحِ من مِخلب الْ / ليثِ وأنياب كل أفعى وصلِّ
واحملي يا رياحُ صوتي إلى الوا / دي وضِجِّي بكلِّ حزنٍ وسهلِ
وانسمي بالغرام يا نسمةَ الْ / ليلِ وكوني إلى الأحبة رُسْلي
إنَّ في حومةِ القبيلةِ ناراً / ضَوَّأتْ لي على مَضاربِ أهلي
رقصتْ حولها الصبايا وغَنَّتْ / بأغاني شَبابها المستهِلِّ
صوتُ إفريقيا ووحيُ صباها / ونداءُ القرونِ بعدي وقبْلي
باسمِها الخالدِ امتشقتُ حُسامي / بيدٍ تخفضُ الحظوظَ وتُعلي
وشربتُ الحميمَ من كلِّ شمسٍ / نارُها تُنضِجُ الصخورَ وتُبلي
وقهرتُ الحياةَ حتى كأني / قَدَرٌ تكتبُ الحتوفُ وأُملي
يا عذارى القبيل أنتنَّ للْ / مَجدِ على عِفَّةٍ صواحبُ بَذْلِ
حسبُ روحي الظامي وحسب جراحي / رَشفَةٌ من عيونِكنَّ النُّجْلِ
وابتساماتكنَّ فوق شفاهٍ / بمعاني الحياةِ كم أومأتْ لي
حين ألقى زوجي على بابِ كوخي / وأُناغي على ذراعيَّ طفلي
وأنامُ الليلَ القصيرَ لأجلو / صارمي في سَنى الصباحِ المطلِّ
ذكِّريني فقدْ نسيتُ ويا
ذكِّريني فقدْ نسيتُ ويا / رُبَّ ذكرى تعيدُ لي طَربي
وارفعي وَجهكِ الجميلَ أرى / كيفَ هذا الحياءُ لَمْ يَذُبِ
واسندي رأسَكِ الصغيرَ إلى / ثائرٍ في الضلوع مُضطربِ
ذلك الطفلُ هَدْهديهِ فما / ثابَ من ثورةٍ ومن صَخَبِ
وامنحي عينيَ النُّعاسَ على / خُصَلاتٍ من شعركِ الذَّهبي
ظمأي قاتلي فما حَذري / مَوردي منكِ مَوْردَ العَطَبِ
ثرْثِري واصنعي الدموعَ ولا / تحفِلي إنْ هَمَمْتِ بالكذبِ
بي نزوعٌ إلى الخيال وبي / للتمنِّي حنينُ مُغتربِ
وا عَجَبي منكِ إنْ نسيتِ وما / أسفي نافعٌ ولا عَجَبي
لم أزَلْ أرقبُ السماءَ إلى / أن أطَلَّ الشتاءُ بالسُّحُبِ
موعِدُنا كانَ في أصائلِهِ / ضِفَّة سُندسيَّةُ العُشُبِ
نرقبُ النيلَ تحت زورقنا / وخفوقَ الشِّراعِ عن كثبِ
وظلالَ النخيل في شَفَقٍ / سالَ فوق الرمالِ كاللَّهبِ
كأسُنا مترَعٌ وليلتُنا / غادةٌ من مضارِبِ العربِ
ويكِ لا تنظري إلى قدَحي / نظرَاتِ الغريبِ واقتربي
شفتاكِ النَّديتانِ بهِ / فيهما رُوحُ ذلك الحَببِ
شَهِدَ المنتَشِي بخمرهما / أنَّ هذا الرحيقَ من عِنبي
هيِّئي الكأس والوَتَرْ
هيِّئي الكأس والوَتَرْ / تلك كومو مدى النظَرْ
واصدحي يا خواطري / طُويَتْ شُقَّة السَّفَرْ
ودَنَتْ جَنَّةُ المنى / وحلا عندها المقَرْ
قد بُعِثْنا بها على / موعدٍ غيرِ منتظَرْ
في مساءٍ كأنه / حُلُمُ الشيْخِ بالصغَرْ
البحيراتُ والجبالُ / توشَّحْنَ بالشجَرْ
وتنَقَّبْنَ بالغما / مِ وأسفرنَ يا للقمَرْ
والبروناتُ غادةٌ / لبسَتْ حُلَّةَ السهَرْ
نُثِرَتْ فوقها الديا / رُ كما يُنثر الزَّهَرْ
وعَبَرْنا رحابها / فأشارتْ لمن عَبَرْ
هاكَها قُبْلَةً فمنْ / رامَ فليركبِ الخطَرْ
فسمونا لخدْرها / زُمراً تلْوها زُمَرْ
في زجاج مُحلِّقٍ / لا دخانٌ ولا شرَرْ
يتخطَّى بنا الفضا / ءَ على السُّنْدسِ النَّضِرْ
سُلَّم يُشبهُ الصرا / طَ تسامى على البصَرْ
فإلى النجْمِ مُرتقىً / وإلى السُّحْبِ منحدَرْ
وحللنا بقمَّةٍ / دونها قِمَّة الفِكَرْ
بَهَجٌ في كنوزها / للمحبِّينَ مُدّخَرْ
بابلٌ أم بحيرةٌ / أم قصورٌ من الدُّرَرْ
أم رؤَى الخلدِ في الْ / حَياةِ تَمثَّلْنَ للبشَرْ
حبَّذا أُمسياتُها / وحنيناً إلى البُكَرْ
ونزوعاً إلى السفي / نِ تهيأنَ للسَّفَرْ
نسِيَتْ شُغْلَها القلو / بُ وهلَّلنَ للسَّمَرْ
أوجُهٌ مثلما رَنتْ / زهرةُ الصيف للمطَرْ
أضحيانية السِّما / تِ هلاليةُ الطُّرَرْ
يَتَوَهَّجْنَ بالشبا / بِ ويَندينَ بالخفَرْ
طلعةٌ تسعِدُ الشَقي / يَ وتعطي له العمرْ
تمنح الحظّ من تشا / ءُ وتبقي ولا تَذَرْ
إنما تنظرُ السما / ءُ إلى هذه الصوَرْ
لترى اللَّهَ خالقاً / مُبدِعاً مُعجزَ الأثَرْ
شاعرَ النيلِ طُفْ بها / غَنِّها كلَّ مبتكَرْ
الثلاثون قد مَضَتْ / في النفاهاتِ والهذَرْ
فتزوّدْ من النَّعي / مِ لأيامِك الأُخَرْ
أين وادي النخيلِ أم / قاهريَّاتُه الغُرَرْ
لا تَقُلْ أخصبَ الثرى / فهنا أوْرقَ الحجَرْ
ههُنا يَشعُرُ الجما / دُ ويوحي لمن شعَرْ
آهِ لولا أحبةٌ / نزلوا شاطئَ النهَرْ
ورُفاتٌ مُطَهَّرٌ / وكريمٌ من السِّيَرْ
لتمنّيتُ شُرْفَةً / ليَ في هذه الحُجَرْ
أقطعُ العمرَ عندها / غيرَ وانٍ عن النظَرْ
فلقد فاز من رأى / ولقد عاشَ من ظفِرْ
يا ابنةَ العالمِ الجدي / دِ صِلي عالماً غَبَرْ
في دَمي من تُراثه / نفحةُ البدوِ والحضَرْ
وأغانٍ لمن شدا / ومعانٍ لمن فخَرْ
ما تُسِرِّينَ أفصِحي / إنّ في عينكِ الخبَرْ
الغريبانِ ههنا / ليس يُجديهما الحذَرْ
نحن رُوحانِ عاصفا / نِ وجسمان من سقَرْ
فاعذري الروحَ إن طغى / واعذري الجسمَ إن ثأَرْ
نضَبَتْ خمْرُ بابلٍ / وهوى الكأسُ وانكسَرْ
وهُنا كرمةُ الخلو / دِ فطوبى لمن عَصَرْ
فيمَ والنبعُ دافِقٌ / يشتكي الظامئُ الصَّدرْ
ولمن هذه العيونُ / تغمَّرْنَ بالحوَرْ
بتنَ يَلعبن بالنُّهى / لعِبَ الطفلِ بالأُكَرْ
هنَّ أصفى من الشُّعا / عِ وأخفى مِن القدَرْ
ولمن توشكُ الثُّدَى / وثبَةَ الطيرِ في السَّحَرْ
كلُّ إلفٍ لإِلفهِ / هَمَّ بالصّدْرِ وابتدَرْ
عضَّ في الثوبِ واشتَكى / وطأةَ الخزِّ والوبَرْ
سِمَةُ الطائرِ المُعَذْ / ذَبِ في قيْدِهِ نقَرْ
ولمن رفَّتِ المبا / سِمُ واسترسل الشَّعَرْ
ثمرٌ ناضجُ الجني / كيف لا نقطُفُ الثَّمَرْ
ما أبى الخلدَ آدمٌ / أو غوى فيه أو عثَرْ
زلَّةٌ تورِثُ الحِجى / وتُرِي اللَّهَ من كفَرْ
كأسنا ضاحِكُ الحبَا / بِ مُصَفَّى من الكدَرْ
فاسكبي الخمر وارشفي / هِ على رَنّةِ الوتَرْ
وإذا شئت فاسقِني / هِ على نغْمَةِ المطَرْ
فغداً يذْهبُ الشبا / بُ وتبقى لنا الذِّكَرْ
با بشيرَ المنى أحُلْمُ شبابٍ
با بشيرَ المنى أحُلْمُ شبابٍ / مَرَّ بالنهر أمْ غرامٌ جديدُ
أم شدا الأنبياءُ بالضِّفة الخَضْ / راءِ أم قامَ للملائكِ عيدُ
مهرجانٌ ممالكُ الشرقِ فيهِ / دعواتٌ وفرحةٌ ونشيدُ
وهتافٌ بالشاطئين صداه / تَتناجى بهِ الملوكُ الصيدُ
اسلمي يا أميرةَ الشرقِ واحكم / مَلِكَ الشرقِ ما يشاءُ الخلودُ
يوم نادتكَ باسمكَ العذبِ فريا / لُ أبي هللَ الزمانُ السعيدُ
دُمتَ أيامُكَ الحسانُ شبابٌ / ولياليكَ كلهنَّ سعودُ
أقبلَ الليلُ واتخذتُ طريقي
أقبلَ الليلُ واتخذتُ طريقي / لكَ والنجمُ مؤنِسي ورفيقي
وتوارى النهارُ خلف ستارٍ / شفقيٍّ من الغمام رقيقِ
مدّ طيرُ المساء فيه جناحاً / كشراعٍ في لُجةٍ من عقيقِ
هو مثلي حيرانُ يضربُ في ال / ليل ويجتاز كل واد سحيقِ
عادَ من رحلةِ الحياة كما عد / تُ وكلّ لِوكره في طريقِ
أيهذا التمثالُ هأنذا جئتُ / لألقاكَ في السكونِ العميقِ
حاملاً من غرائب البرِّ وال / بَحرِ ومن كل محدَثٍ وعريقِ
ذاك صيدي الذي أعودُ به لَي / لاً وأمضي إليه عند الشروقِ
جئت ألقي به على قدميكَ الآ / نَ في لهفةِ الغريب المشُوقِ
عاقداً منهُ حول رأسِكَ تاجاً / ووشاحاً لقدِّكَ الممشوقِ
صورةٌ أنتَ من بدائعَ شتّى / ومثالٌ من كلِّ فنٍّ رشيقِ
بيدي هذه جبَلتُكَ من قلبي / ومن رونقِ الشبابِ الأنيقِ
كلما شمتُ بارقاً من جمالٍ / طِرتُ في أثرهِ أشقُّ طريقي
شهِدَ النجمُ كم أخذتُ من الر / رَوعةِ عنهُ ومن صفاءِ البريقِ
شهِدَ الطير كم سكبتُ أغاني / هِ على مسمعيكَ سكبَ الرحيقِ
شهِدَ الكرمُ كم عصرتُ جَناهُ / وملأتُ الكؤوسَ من إبريقي
شهِدَ البرُّ ما تركتُ من الغا / رِ على معطفِ الربيعِ الوريقِ
شهد البحرُ لم أدَعْ فيه من دُر / رٍ جديرٍ بمفرقيكَ خليقِ
ولقد حيَّرَ الطبيعةَ إسرا / ئي لها كلَّ ليلةٍ وطروقي
واقتحامي الضُّحى عليها كراعٍ / أسيويٍّ أو صائدٍ إفريقي
أو إلهٍ مُجنَّحٍ يتراءى / في أساطيرِ شاعرٍ إغريقي
قلتُ لا تعجبي فما أنا إلَّا / شبَحٌ لجَّ في الخفاءِ الوثيقِ
أنا يا أمُّ صانعُ الأملِ الضا / حِكِ في صورة الغد المرموقِ
صُغْتُهُ صوغَ خالقٍ يعشق الْ / فَنَّ ويسمو لكل معنى دقيقِ
وتنظّرتُه حياةً فأعياني / دبيبُ الحياة في مخلوقي
كلَّ يوم أقولُ في الغدِ لكنْ / لستُ ألقاهُ في غدٍ بالمفيقِ
ضاع عمري وما بلغتُ طريقي / وشكا القلبُ من عذابٍ وضيقِ
معبدي معبدي دجا الليلُ إلا / رعشة الضوءِ في السراج الخفوقِ
زأرتْ حولك العواصفُ لما / قهقه الرعدُ لالتماعِ البروقِ
لطمتْ في الدُّجى نوافذَكَ الصّم / ودقَّتْ بكل سيلٍ دفوقِ
يا لتمثاليَ الجميلِ احتواهُ / ساربُ الماء كالشهيد الغريقِ
لم أعُدْ ذلك القويَّ فأحمي / هِ من الويلِ والبلاءِ المحيقِ
ليلتي ليلتي جنيت من الآ / ثامِ حتى حملتِ ما لم تطيقي
فاطربي واشربي صُبابةَ كاسٍ / خمرها سالَ من صميمِ عروقي
مرّ نورُ الضحى على آدميٍّ / مُطرقٍ في اختلاجةِ المصعوقِ
في يديه حُطامةُ الأمل الذا / هبِ في ميعة الصبا الموموقِ
واجماً أطبقَ الأسى شفتيهِ / غيرَ صوتٍ عبرَ الحياة طليقِ
صاح بالشمس لا يُرعْكِ عذابي / فاسكبي النارَ في دمي وأريقي
نارك المشتهاةُ أندى على ال / قلب وأحنى من الفؤاد الشفيقِ
فخذي الجسمَ حفنة من رمادٍ / وخذي الروحَ شعلةً من حريقِ
جُنَّ قلبي فما يرى دَمَهُ القا / ني على خَنجرِ القضاء الرقيقِ
شعراء الشباب خرَّ عن ال
شعراء الشباب خرَّ عن ال / أيكةِ شادٍ مخضباً بجراحهْ
مات في ثغرهِ النشيدُ وجفَّتْ / خمرةُ الملهَمين في أقداحِهْ
ضِفَّةُ النيلِ وهي بعض مغاني / هِ صحت تسأل الربى عن صداحهْ
أين منها صداه في ذروةِ الفجْ / رِ وهمس الأنداءِ حول جناحهْ
بُوغِتتْ بالصباحِ أخرسَ إلَّا / جهشةَ الشعرِ أو شجيّ نواحهْ
نبأٌ جاءني فأسلم عقلي / لضلالٍ هدَّدْتُهُ بافتضاحِهْ
لو رماهُ فَمُ القضاءِ بسمعي / خِلْتُهُ بعضَ لهوه ومزاحِهْ
فلسفتكَ الحياةُ يا حامل المصبا / حِ والأفقُ مائجٌ بصَباحِهْ
صف لنا صرعة الذّبال وماذا / قد أصاب الحكيم في مصباحِهْ
شاطئٌ فوق صدره يفهقُ المو / جُ وتهوي الصخور تحت رياحِهْ
ضلَّ في جنحِ ليلهِ زورقي الطا / في وضاع المجدافُ من ملَّاحِهْ
جزتَهُ أنت في خطى العاشق / الباسمِ يهفو الحنين ملءَ وشاحِهْ
قم فقد أقبلَ الشتاءُ وأومتْ / سنبلاتُ الوادي إلى أشباحِهْ
أَلَهُ في هُتافِكَ العذابِ داعٍ / يُنطِقُ الواجماتِ من أدواحِهْ
عَبرَ النهرَ والنخيلَ إلى أنْ / جاء مثوىً رقدتَ في صُفَّاحِهْ
حملَ العهدَ عن قلوبِ الحزانى / فدعا المعولاتِ من أرواحِهْ
الثلاثون لم تكن عمرَكَ السَّا / دِرِ في فتنةِ الصِّبا ومراحِهْ
إنها خفقة الفؤادِ وسهد الْ / عَينِ في حومة العلا وكفاحِهْ
إنها قِصةُ الصديقِ ومأسا / ةُ شهيدٍ مكلَّلٍ بنجاحِهْ
عبقريٌّ من النَّغمْ
عبقريٌّ من النَّغمْ / رَجْعُه الحبُّ والألمْ
نبْعُهُ قلبُ شاعرٍ / شارفَ النُّورَ في القممْ
ورأى مولدَ الحيا / ةِ على شاطئِ العدمْ
في رفيفٍ من النَّدى / وحفيفٍ من النسمْ
وإطارٍ من السَّنى / جمع الكون وانتظمْ
ورآها وقد بَدَتْ / مِثلَ حوريّة الحُلُمْ
هيَ سَكرى تجرّدتْ / من ثيابٍ ومن عِصَمْ
وهو لاهٍ بخدرها / ثَمِلٌ بالذي غَنِمْ
تعصر الكرمَ راحتا / هُ لها وهي تبتسمْ
فشدا أوَّلَ الرعا / ةِ بشبّابة القِدَمْ
قبل أن يُسْعِد الغنا / ءُ بها راعيَ الغنمْ
خطرةٌ من شبابهِ / ومضَتْ فاشتكى السأمْ
وإذا الشاعر المدلْ / لَهُ يقظانُ لم ينمْ
أرّقته صبابةٌ / بين جنبيه تضطرمْ
يقطع الدهرَ وحدَهُ / ذاهلاً تائه القدمْ
يسأل الليلَ والكوا / كِبَ والسُّحْبَ والدِّيَمْ
ناح قيثارُهُ الشجي / يُ بما رقَّ وانسجمْ
وعلى خدِّه جَرَتْ / عبراتٌ من الندمْ
ذوَّبَ الحبُّ قلبه / وبرى جسمَه السِّقمْ
وجلا الغيبُ سرَّهُ / بين عينيه وارتسمْ
فجرى في نشيده / أروعُ الشعر والنغمْ
فانظروا أيَّ شاعرٍ / هو في الحفلِ بينكمْ
ذلك المبدعُ الروا / ئِعُ في صورة الكَلِمْ
ربَّةُ الحكمةِ اشتكتْ / هُ إلى ربَّةِ القلمْ
نازعَتْها غرامهُ / وهُو الخصمُ والحكَمْ
فاسمعوا الآن شعره / وَتَمَلَّوْهُ عن أممْ
ضامرُ الجسم واسمهُ / يَسع الكونَ بالعِظَمْ
وقصيرٌ ومجدهُ / باذخٌ كالضحى أشمْ
ذلك الشاعر الذي / فاز بالحب واتَّسَمْ
خالدٌ بالذي شدا / خالدٌ بالذي نظمْ
ذاك ناجي وحسبُهُ / أنهُ الشاعرُ العَلَمْ
إهدئي يا نوازع الشَّوقِ في قلْ
إهدئي يا نوازع الشَّوقِ في قلْ / بي فلن تملِكي لماضٍ رجُوعا
آهِ هيهات أن يعود ولو أفْ / نيتُ عمري تحرُّقاً وولوعا
آهِ هيهات أن يعود ولو ذَوْ / وَبتُ قلبي صبابةً ودموعا
فاهدئي الآن يا لثورتكِ الهَوْ / جاءِ جبَّارةً تدكُ الضلوعا
رحمةً يا نوازعَ الشوقِ لو نا / دَيتُ ماضيَّ ما وجدتُ سميعا
أسدَلَ القلبُ دونه ألفَ سِترٍ / عبراتٍ ومثلهنَّ نجيعا
رحمةً يا نوازعَ الشوقِ لو حا / وَلتُ بعثَ الهوى فلن أستطيعا
كيف يحيا زهرٌ ذوى في إناءٍ / باتَ في قبضة الحياة صديعا
رحمةً يا نوازعَ الشوقِ بالقَلْ / بِ فما يستطيع بَعْدُ نزوعا
إنْ تكوني أحبَبْتِه فدعيهِ / ناعماً بالكرى رضياً قنوعا
نسِيَ الأمس أو سلا فتعالي / نَجْثُ صمتاً من حوله وخشوعا
أو فكوني في حُلمهِ الزَّهرَ والأنْ / غامَ والخمرَ والعروس الشَّمُوعا
أيُّها الزائرُ المعاودُ ما ألْ / قاكَ أحسنتَ بالمزار صنيعا
ما أرى في سماتِ وجهك إلَّا / شبَحاً رائعاً وحُلماً وَجيعا
يتوقّاهُ ناظراي كأنِّي / فيه ألقى آلامَ عمري جميعا
طالَ ليلي فما طويتُ هزيعاً / منه إلا نشرتَ منه هزيعا
أيُّها الشوق خَلِّ عنكَ ودعني / لا خادعاً ولا مخدوعا
أين هذا الجمالُ أرعاهُ كالبرْ / قِ خلوباً وأجتليهِ لموعا
أينَ هذا الخيالُ أُسقاهُ كأساً / بيدٍ منه فجَّرتْ ينبوعا
أين لا أين ما غنائيَ بالذكْ / رى وقد أصبَحَ الوهوبُ منوعا
عُدتَ يا شوقُ لي وعادت ليالي / كَ ولكن وجدتَ قلباً صريعا
عُدْتَ من بعد لوعةٍ أحرقتْهُ / وجفتْهُ على الرَّماد ضجيعا
وليالٍ من الفراغ عواتٍ / هَرأتهُ ثلوجهنَّ صقيعا
عُدْتَ يا شوقُ فيم عُدتَ ربيعُ الْ / عُمر ولَّى فهل تُعيدُ الربيعا
نُهْزَةٌ أهدَتِ الخيالَ إلينا
نُهْزَةٌ أهدَتِ الخيالَ إلينا / ودَعتْنا لموعدٍ فالتقينا
ههنا تحت ظُلَّةِ الغابة الشجرا / ءِ سِرْنا والفجرُ يحنو علينا
وقطفنا من زهرها وانثنيْنا / فجنيْنا تُفاحَها بيدينا
وَمَرِحْنا بها سحابةَ يوم / وبأشجارها نقشْنا اسمينا
ههنا يا ابنةَ البحيراتِ والأوْ / دِيةِ الخُضْرِ والرُّبى والجبالِ
صدح الحبُّ بالنشيد فَلَبَّيْ / نا نداءَ الهوى وصوتَ الخيالِ
وتَبِعْنا على خُطى الفجر موسِي / قى من العُشب والندى والظلالِ
وسمعنا حفيفَ أجنحةٍ تَهْ / فو بها الريحُ من كهوف الليالي
قُلْتِ لي والحياءُ يَصْبُغُ خَدَّيْ / كِ أنارٌ تمشي بها أم دماءُ
ملءُ عينيكَ يا فتى الشرق أحلا / مٌ سكارى وصبوةٌ واشتهاءُ
وعلى ثغركِ المشوقِ ابتسامٌ / ضَرَّجَتهُ الأشواقُ والأهواءُ
أوَ حقاً دنياك زهرٌ وخمرٌ / وغوانٍ فواتنٌ وغِناءُ
قُلتُ يا فتنة الصِّبا حَفِلَتْ دُنْ / ياكِ بالحبِّ والمُنى والأغاني
ما أثارت حرارةَ الجسَدِ المُشْ / تاقِ إلَّا مرارةُ الحرمانِ
إنَّ أجسادنا معابرُ أروا / حٍ إلى كلِّ رائع فتَّانِ
أنا أهوى روحيَّةَ العالمِ المَنْ / ظورِ لكنْ بالجسم والوجدانِ
ما تكون الحياةُ لو أنكر الأحْ / ياءُ فيها طبائعَ الأشياءِ
أنا أهواكِ كالفراشةِ صاغتْ / ها زهورُ الثرى وكفُّ الضياءِ
أنا أهواكِ فِتنَةً صاغها المثْ / ثَالُ من طينةٍ ومن إِغراءِ
أنا أهواكِ بِدعةَ الخلدِ صِيغَتْ / من هَوى آدمٍ ومن حوَّاءِ
أنا أهواكِ من أثامٍ وطُهرٍ / حُلمَ إغفاءَتي وصَحْوَ غرامي
أنا أهواكِ تُبدعين يقيني / من نسيج الظنون والأوهامِ
أنا أهواكِ دفءَ قلبي ويَنبُو / عَ اشتهائي وشِرّتي وعُرامي
وحناناً مُجسَّداً إنْ طواني الْ / لَيلُ وَسَّدْتُ صدرَهُ آلامي
إنّني بالخيالِ أنتزع الرِقْ / قَةَ من قسوة الزمان المريرِ
عَجباً ما حقائقُ الكون إلَّا / لمحاتُ الخيال والتفكيرِ
قبْلَ أن تشرقَ النجومُ على الأرْ / ضِ أضاءَتْ بذهنِ ربٍّ قديرِ
وتجلَّتْ في حُلمِهِ بنظامٍ / من بديعِ التكوين والتصويرِ
أطلِقي نفسَك السجينةَ ملء الْ / غابِ ملء الفضاء ملء العُبابِ
واحلُمِي بالحياة من نغمِ الخلْ / دِ وخمْرِ الهوى وزهرِ الشبابِ
ههنا عُشُّنا على الشاطئِ المسْ / حورِ نبنِيهِ من غصونِ الغابِ
ونخطُّ البستانَ أحلامَ طِفلٍ / صَقلتهُ مواهبُ الأربابِ
خطرةٌ ثم أطرقتْ في حياءٍ / وأدارتْ في جانب الغاب عينا
وانثنتْ بابتسامةٍ فدعتني / ثم قامت تمشي هناك الهوينا
وتلاقت عيونُنا فتدانتْ لي / وجُنَّ الحنانُ في شفتينا
فاعتنقنا في قُبْلةٍ قد أذابتْ / جَسَديْنا ومازَجَتْ روحينا
إنْ أكُنْ قد شربتُ نخبَ كثيرا
إنْ أكُنْ قد شربتُ نخبَ كثيرا / تٍ وأترعتُ بالمدامة كأسي
وتولَّعتُ بالحسان لأنِّي / مُغرمٌ بالجمال من كلِّ جنسِ
وتوحَّدتُ في الهوى ثم أشركْ / تُ على حالتي رجاءٍ ويأسِ
وتبذَّلتُ في غرامي فلم أحْ / بِسْ على لذةٍ شياطينَ رِجْسي
فبرُوحي أعيشُ في عالم الفنْ / نِ طليقاً والطهرُ يملأ حِسِّي
تائهاً في بحاره لستُ أدري / لِمَ أُزجِي الشراعَ أو فِيمَ أُرسي
ليَ قلبٌ كزهرةِ الحقل بيضا / ءَ نَمَتْها السماءُ من كلِّ قبْسِ
هو قيثارتي عليها أُغنِّي / وعليها وحدِي أُغنِّي لنفسي
لي إِليها في خَلوتي همساتٌ / أنطقَتْها بكلِّ رائعِ جرْسِ
كم شفاهٍ بهنّ من قُبلاتي / وهَجُ النّارِ في عواصفَ خُرسِ
ووسادٍ جَرَتْ بهِ عبراتي / ضحْكُ يومي منه وإطراق أمسي
أيُّهذِي الخدورُ أنوارُكِ الحم / راءُ كم أشعَلتْ لياليَ أُنسي
أحرقتهنَّ آهِ لم يَبْقَ منهنْ / نَ سوى ذلك الرَّماد برأسي
إن يكُن قلبك الشجيّ المعنّى
إن يكُن قلبك الشجيّ المعنّى / أرهقتهُ حياتُنا أعباء
مثل نسرٍ دامي الجناحين مضنى / مستميتاً يصارعُ الإعياءَ
حاملا فوق مسترَقّ جناح / مثل قلبي من بؤسِ هذي الحياة
عالما قاتلاً سحيقَ النواحي / بارد الجوّ حالك الظلمات
رازحاً في عذابه يتلوّى / مثقَلاً في فوادحِ الأعباء
كلّما ضجّ تحتهنّ تنزّى / جرحُه الخالدُ السخين الدماء
أو يكُن بات لا يرى الحب هذا ال / كوكب الهادي الصدوقَ الوفيّا
من له وحده يضيء ويجلو ال / كون في ناظريه أفقا وضيّا
أو تكُن روحك السجينة عافت / ذلك الخبزَ في الحياة طلابا
هو زاد الأسير في القيدِ باتت / نفسه من موارد الحتف قابا
يتَلَقّاه مكرَهاً بيدَيه / ملقيا من يمينه المجدافا
وهو يحني للبحر شاحب وجهِ / بينما يندبُ الحياة اعتسافا
وهو بينا يقتافُ في الهدّارِ / منفذا بين موجه للفرارِ
إذ يرى فوقَ منكبٍ منه عاري / وصمةَ الذلّ صوّرَت بالنار
أو يكُن جسمُك الحيّ عرَتهُ / هزّةٌ من عواطفٍ كامنات
بعد ما ملّ عالما أرهقته / في حماه جوارح النظرات
باحثاً في قصيّ تلك الحزون / ليُداري جماله الفتّانا
عن مكانٍ من العيون مصونِ / فيه يحمي جلاله أن يهانا
أو تكُن منك عافتِ الشفتانِ / كاذبَ القول تستقيه سماما
أو يكن قد تورّدَ الخدّان / خَجَلاً من رؤىً ملئنَ أثاما
فاهجري المدن وارحلي لا يسمك / ذلّ عيش فيهنَ غيرُ طليقِ
إرحلي الآن لا ينل قدميكِ / دنَسٌ من غبارِ هذا الطريق
أشرقي من سماء فكركِ حينا / وانظريها في ذلّة وإسار
نصِبَت للخلائقِ المرهقينا / كصخورٍ قدّت من الأقدار
وانظري للحقول والغاباتِ / حرّةً طلقةً كهذا البحرِ
حولَ تلكَ الجزائرِ المعتماتِ / ولتَكُن في يديكِ طاقة زهرِ
تجدين الطبيعةَ الان منكِ / في انتظارٍ رهيبة الإصغاء
والثرى مرسلا على قدميك / من تعاشيبه سحاب الماء
وإذا الأرضُ من غروبِ الشمسِ / رتّحتها تنَهّدات الوداعِ
وإذا هذهِ الزنابقُ تمسي / وهي تهتزّ بالأريجِ المضاعِ
واختفى في فضائه الجبل النا / ئي ومدّت معابد الصفصاف
ناصلات الألوانِ في صفحةِ الما / ء غصونا نفيّة الأفوافِ
وتهادى هنالك الشفَقُ العا / ني ليلقى وساده في الوادي
فوقَ عشبٍ من الزمرّد فتّا / ن وعشبٍ مذهّبِ الأبرادِ
تحت هذه الجزوع مستحيياتِ / حيث هذا النبعُ الفريد النائي
بين هذي الخمائل الحالماتِ / وهي تهتزّ رغدةً في الفضاء
حيث يسري متخفياً في حجبهِ / لائذا بالكروم مثل الظل
ملقيا في الغدير شاهبَ ثوبِه / فاتحا في المساء سجنَ الليلِ
فوقَ طودي نَبتٌ كيف تحامى / خطواتِ الصياد عند الدبيب
عالياً عن جباهنا يتسامى / وهو مثوى الراعي ومأوى الغريبِ
فتعاليَ هنا نجدد ذماما / ونخبّىء خطيئة وغراما
قدّسَت من خطيئة لا أثاما / قد دفعنا لفعلها إلهاما
وإذا كان ذلك العشبُ خفضا / وهو يهتزّ هزّة المرتاع
فتعالي إني أدحرج أرضا / لك تحت الظلام بيت الراعي
هو بيتٌ يسري على عجلاتِ / سمتَ عينيك سقفهُ المزدان
عاطرُ البابِ معتمُ الرحباتِ / مثل خدّيكِ لونه المرجان
فيه ظلّ وفي زهرٌ نضيرُ / بينها خلوة لنا وتداني
مخدعٌ صامت الفراش وثيرُ / يلتقي فيه شعرنا في حنانِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025