المجموع : 40
قُل لمولاي يا بديع الزمانِ
قُل لمولاي يا بديع الزمانِ / يا هلال الدجى على غصن بانِ
يا مريض الجفون أمرضتَ جسمي / مرضاً من تمرُّض الأجفانِ
يا غزالَ الجنان لا تحرمنّي / جنّةَ الوصل يا غزالَ الجنانِ
جَمَعَ اللهُ فيك يا قرَّة العي / ن جميعَ الصفات والإحسَانِ
فكأني من حُسن وجهك أرعى / ناظري في حدائق البستانِ
وكأني من غُنج ألحاظ عَينَي / كَ أناغي لواحظَ الغزلانِ
وكأني من شَكل قدِّك في شك / ل تثنيّ نواعم الأغصانِ
وكأني من ظَرف لفظك في لَف / ظِ نفيسِ الياقوت والمرجانِ
وكأني عند انبساطك نحوي / زلتُ عن مالكٍ إلى رضوانِ
وكأني عند انتشاقي لأنفا / سِكَ أشتَمُّ نكهة الضيمرانِ
وكأني من طيب ريحك في طي / ب نسيم الأزهارِ والريحانِ
وكأني من وجنتيك أُحَيّا / بجَنَاةِ التُّفّاح من لبنانِ
وكأني من نبت خَدَّيك في نب / تِ رياضِ النسيم والزعفرانِ
مَلَكٌ أَنت لا يُشَكُّ فلن تُج / مَعَ هذي الصفاتُ في إنسانِ
سمرةٌ فوق رقّةٍ تحت طِيبٍ / خَلطُ مسكٍ بماءِ وردٍ وبانِ
خُتِمت هذه الصفات بخالٍ / يصرف العينَ عنك عند العيانِ
سيدي أنتَ معدن الحسن ما ضَر / رَكَ لو كنتَ معدنَ الإحسانِ
يا طبيبَ القلوب قلبي عليلٌ / فتلطّف وافطن لبعض المعاني
ومتى يرتجي العليلُ شفاءً / وهو يلقى الطبيبَ بالكتمانِ
ما تركتُ الشكوى لصبري ولكن / في فؤادي ما لا يؤدّي لساني
فتعطّف بخَلوةٍ تبسط الأُن / سَ ببَثِّ العتاب والأشجانِ
فعسى أن تنالني رحمةُ الوَص / لِ فأنجو من سَخطة الهجران
لي حبيب قد شفَّني وبراني
لي حبيب قد شفَّني وبراني / هو دانٍ ووصلُه غير دانِ
إنما حسرتي لقلَّة حظي / من حبيب أراه نصب عياني
أنا كالسبط مات وهو يرى الما / ءَ وشيكاً بغلة الظمآنِ
أنا راضٍ بأن أموت كريماً / وأصونَ الهوى عن الإعلانِ
لم أجد في الهوى مُعيناً أميناً / فلذاك استعنتُ بالكتمانِ
وإذا ما الحبيب كان مَصوناً / صنتُ ودي له وصنتُ لساني
بي حذارٌ إذا أردتُ أُسميِّ / ه كأني أفطرتُ في رمضان
قد تجافيتُ عن هواه لإبقا / ئي عليهِ ولو درى ما جفاني
فكأني على صراطٍ من الصَّب / رِ أُرَجّي به حلولَ الجنانِ
كان ظنّي به جميلاً فصَرَّف / تُ ظنوني إلى وجوهٍ حسانِ
سوف أُخلي له فؤادي وعَينَي / يَ فعَلّي أخلو به في مكانِ
أو عسى أن أنال ما أتمنّى / فألاقي مفتاح باب الأماني
قد كتمنا الهوى مكاتمة الخو / ف عسى أن نفوز فوز البيان
فهجرناكمُ وسبحان مَن يَع / لَمُ ما تحت ذلك الهجرانِ
نار شوقٍ بلا دخانٍ تَلَظّى / هل رأيتم ناراً بغير دخانِ
كيف لا أتَّقي الهوى بتوقٍ / والهوى من محفِّزات الهوان
بيَ سكرٌ وقد تغافلتُ عنه / وطريفٌ تغافُل السكرانِ
غالطت عينيَ الرقيبَ عياناً / ومليحٌ مخالطات العيانِ
ومتى يرتجي العليلُ شفاءً / وهو يلقى الطبيبَ بالكتمانِ
ما تركتُ الشكوى لصبري ولكن / في فؤادي ما لا يؤدّي لساني
فتعطّف بخَلوةٍ تبسط الأُن / سَ ببَثِّ العتاب والأشجانِ
فعسى أن تنالني رحمةُ الوَص / لِ فأنجو من سخطة الهجرانِ
سيدي لِم خدعتَني بالتمنّي
سيدي لِم خدعتَني بالتمنّي / لِمَ أعرضتَ إذ تمكَّنتَ منّي
تذنب الذنبَ ثم تغضب من ذن / بك عمداً يا ظالمي بتَجَنِّ
أنت روحي فمن يعيش بلا رو / حٍ أبِن لي إذا تغيَّبتَ عنّي
خنتَ عهدي وقد تبدَّلتَ بعدي / يا حبيبي ما كان ذلك ظنّي
إن يكن في البدور فنٌّ من الحُس
إن يكن في البدور فنٌّ من الحُس / نِ ففيمن أُحبُّه كلُّ فنِّ
يا مليح الدلال حلو التجنّي / غاب عنّي السرورُ مذ غبتَ عني
يا غزال الجنان أهداك رِضوا / نُ إلينا ففيك كلُّ التمنّي
أنت بانُ المِلاح من حور عدنٍ / جنس طيبٍ عليه من كلِّ حُسنِ
ليلُ شَعرٍ من تحته بدرُ وجهٍ / موج ردفٍ من فوقه قدُّ غصنِ
أين للبدر مثل هذا التَّلالي / أين للغصن مثل هذا التثنّي
شهدت خجلةٌ لخدَّيك عني / أنّ عينيك للعيون تُرَنّي
فإذا ما نظرتَ قَلَّبتَ هارو / تَ وماروتَ بين عينٍ وجفنِ
فلو اَنِّي اشتريتُ وصلك يوماً / بحياتي ما كانَ ذاك بغَبنِ
يا ظلاماً أحبّ من كلِّ نُورِ
يا ظلاماً أحبّ من كلِّ نُورِ / ليس فِعلُ الهتُوكِ فِعلَ السُّتُورِ
لا تُقَرِّب إلى المحبِّين سُرجاً / فالمحبُّونَ سُرجُهم في الصُّدورِ
إنَّما يُبصِر الهوى صورة الوص / لِ بحيث الرقيب غير بصيرِ
مُتَّ بالشعر يا غلام فأضحى
مُتَّ بالشعر يا غلام فأضحى / فوق خديك منكرٌ ونكيرُ
إن يكن موضعَ اللثام قليلاً / فهو في موضع المنال كثيرُ
وكذاك الكتاب عنوانه سط / رٌ وفي طَيِّه الخفِيِّ سطورُ
إنني ذاكرٌ لما أنت ناسِ
إنني ذاكرٌ لما أنت ناسِ / ومقاسٍ في الحبِّ ما لا تقاسي
فإذا أنت لم تُوَاسِ محبّاً / مخلصاً في الهوى فمن ذا يواسي
أيها اللابس الجمال أتستح / سنُ أن تجعل السقامَ لباسي
أنت في رقَّة الشمائل والنع / مة بِدعٌ فما لقلبك قاسي
فبحسن الدلال أسَّرت قلبي / وبسوء الفعال شيبت راسي
لم أزل أحرز اللسان على الكت / مان حتّى تكلَّمت أنفاسي
هام قلبي بمعدن الحسن حتى / صار فيه معادنُ الوسواس
أنا كاسٍ من الصبابة والوج / دِ لظبي من الملاحة كاسِ
بين أجفانه إذا مرض اللح / ظُ سيوفٌ لا تتقَى بتراس
مطمعٌ مخلفٌ قريب بعيدٌ / مازجٌ في الهوى رجاءً بياسِ
فجزى اللَه أهله كل خيرٍ / إنهم أحسنوا اشتقاقَ القياسِ
قد طوينا عهد الرجاء بياسِ
قد طوينا عهد الرجاء بياسِ / بعدما غرَّني بكم وسواسي
خدعتني أبوَّةٌ لك سارت / وظننتُ الفروعَ كالآساس
فرجونا بك القياسَ ولكن / فسد النسجُ من فساد القياسِ
ما توهمتُ أنَّ معدنَ تبرٍ / كائنٌ منه بُرَّة من نحاس
إن نسبنا إلى الكرام سجايا / ك رَقَعنا الحريرَ بالكِرباس
قد غرسنا لك المَلامة في الأن / فُس إذ حُلتَ عن كريم الغِراسِ
إن تناسيتَ أو نسيتَ فلا عُذ / ر فإنَّ المُهتمَّ ليس بناسِ
في هوى مثلِ ذا تطيب المعاصي
في هوى مثلِ ذا تطيب المعاصي / يوم وصلٍ بألف يوم قصاصِ
غصتُ في لجَّة الهوى حين أبصَر / تُ حبيبي كدُرَّة الغَوّاصِ
حُسنُ ذاك القوام قام بعذرٍ / لنفوسٍ على هواه حِرَاصِ
سبك الحسنُ فيه فضَّةَ لونٍ / فأذاب القلوبَ ذوبَ الرصاصِ
سيدي كم يكون هذا التَّعدي / إنَّ مِن دون ذا تشيب النَّواصي
فتحنَّن على محبٍّ قريبٍ / كم تَشَكّى له العُدَاةُ الأقاصي
طال بي ذا اللجاج لو قد تخلَّص / تُ وما كان من هواه خلاصي
غزالٌ عليه طُرَّةٌ وقُصاصُ
غزالٌ عليه طُرَّةٌ وقُصاصُ / يصيد فما للقلب منه مناصُ
تمكَّنتُ منه نظرةً فأذابني / كما ذاب بين الجمرتَينِ رصاصُ
وليس عليه حُجَّةٌ في قتيله / وليس عليه في الجروح قِصاصُ
أروم خلاصاً من تباريح حبِّه / وليس لمثلي من هواه خلاصُ
شفَّ قلبي مضاضةُ الإعراضِ
شفَّ قلبي مضاضةُ الإعراضِ / فتنغَّصتُ لذَّةَ الإغماضِ
كيف يُرجى شفاءُ مَن أمرَضَته / لحظاتٌ من الجفون المِرَاضِ
قد براني لهو الصدود وأضنا / ني عليلُ الصدود والإعراضِ
والذي أنبَتَ الرياضَ بخَدَّي / ك فأنبَتنَ حُمرةً في بياض
ما أُطيق السلوَّ عنك ولو جَر / رَعتني في هواك سمَّ مماض
أنا راضٍ بما صنعتَ فهل أن / تَ بقتلي يا أحسن الناس راض
إنَّ جسمي كمهجتي بك راضِ
إنَّ جسمي كمهجتي بك راضِ / فاحتكم فيهما فحكمك ماضِ
قد ملكتَ القيادَ فاحكم بما شِئ / تَ علينا وأنت خصمٌ وقاضِ
ليت شعري وليتني كنتُ أدري
ليت شعري وليتني كنتُ أدري / أيّ ذنب أتيتُ يوجب هجري
يا قليل الإنصاف قلَّة إنصا / فِك في الحبِّ مثل قلَّة صبري
لا تلمني إن ضاق عفوك عنّي / في الهوى أن يضيق بالشوق صدري
كلُّ عذري إليك عندك ذنبٌ / فأنا الدهرَ في اعتذارٍ لعذري
كنتُ أبكي من هجر يومٍ بيومٍ / كيف إذ صار هجر شهرٍ بشهرِ
شاقَني الأهلُ لم تشقني الدِّيارُ
شاقَني الأهلُ لم تشقني الدِّيارُ / والهوى صائرٌ إلى حيث صاروا
جيرةٌ فرَّقَتهمُ غربةُ البَي / نِ وبين القلوب ذاك الجوارُ
ليس تنسى تلك القلوبُ عهوداً / كذَّبَتها يوم النوى أبصارُ
أنت تدري أن الهوى ليس يحلو / طعمُه أو يكون فيه مرارُ
فأناس رعوا لنا حين غابوا / وأناس جفوا وهم حضّارُ
عرَّضوا ثم أعرضوا واستمالوا / ثم مالوا وجاوروا ثم جاروا
لا تلمهم على التجنّي فلو لم / يتجنّوا لم يحسن الاعتذارُ
وكذا لم تطب لنا البصرة الزه / راءُ لولا أميرها المختارُ
لم يكن للوصال عُرسٌ إذا ما / لم يكن للعتاب فيه نِثارُ
جار فيها جعل اللفيف على الآ / داب حتى أجارها المستَجارُ
مَن تكنّى من قَدرِه باشتقاقٍ / واسمه من ثباته مستعارُ
مَن نماه الخليل وهو خليلٌ / للمعالي والبِشرُ منه النُّضارُ
مَن تولّى فيما تولاه عدلاً / شفعته بصيرة واختبارُ
مَن تولّى التدبير منه برأيٍ / هو في ليلِ كلِّ خطبٍ نهارُ
مَن له في تبزُّع القول بَسطٌ / للَّيالي وللذكاء وقارُ
مَن به تلتظي الحروب وتخبو / فهو ماءٌ لدى الهِياج ونارُ
مَن يُذيل النفسَ الخطيرة في الرَّو / ع إذا كان بالنفوس احتكارُ
لو عددت اسمَ حدِّه مأثراتٍ / كان فيه على الأمير أمارُ
أيها السيد استجارت بك الأي / يامُ واستنصرت بك الأشعارُ
ضمنت لي علاك أن ليس يُثأى / لي ذمام ولا يُضاع ذِمارُ
ما تعدَّيتَ ما تولّيتَ لكن / لك ممّا أُتيتُ فيه اختيارُ
يا لقومٍ هاجوا هدير القوافي / وتضاغَوا إذ راعهم منه ثارُ
واستثاروا نار القصيد سَفاهاً / وتشكّوا لما ترامى الشرارُ
ولقد خيلوا سَراباً من القو / ل وبرهانُ ما ادَّعوه قَفَارُ
ورموني بأسهمٍ عن قسيٍّ / ما لها من حقيقةٍ أوتارُ
ألسُنٌ صادفت ميادينَ عيبٍ / فجرت وهي في الخِطام أسارُ
بهتوا غَيبتي ببهتان زُورٍ / عن قعودي فالزُّور فيه ازوِرارُ
أبداً أدرَأُ المكارهَ لكن / لك في ذا تعمُّدٌ واغتفارُ
جُدَريٌّ أضرَّ بالوجناتِ
جُدَريٌّ أضرَّ بالوجناتِ / زادَ حُسنَ الوجوه حُسنَ الصفاتِ
نمنم الوشيُ فوق ديباج وجهٍ / بنقوشٍ في شكله شكِلاتِ
سَلسَلَ الشَّعرَ فوق وجهٍ فحاكى
سَلسَلَ الشَّعرَ فوق وجهٍ فحاكى / ظلمةَ الليل فوق ضوء الصباحِ
أظهر الكبرياءَ من فرط زهوٍ
أظهر الكبرياءَ من فرط زهوٍ / فتلقَّيتُه بذلِّ الخضوعِ
وحباني ربيع خدَّيه بالور / د فأمطرتُه سحابَ الدموعِ
كم أقاسي لديك قالاً وقيلا
كم أقاسي لديك قالاً وقيلا / وعداتٍ تترى ومطلاً طويلا
جمعة تنقضي وشهر يولّي / وأمانيك بكرة وأصيلا
إن يَفُتني منك الجميل من الفع / ل تعاطيتُ عنك صبراً جميلا
والهوى يستزيد حالاً فحالاً / وكذا يَنسَلي قليلاً قليلا
ويك لا تأمنن صروف الليالي / إنها تترك العزيز ذليلا
فكأني بحسن وجهك قد صا / حت به اللحيةُ الرحيلَ الرحيلا
فتبدلت حين بدّلتَ بالنو / ر ظلاماً وساء ذاك بديلا
فكأن لم تكن قضيباً رطيباً / وكأن لم تكن كثيباً مهيلا
عندها يشمت الذي لم تصله / ويكون الذي وصلتَ خليلا
تتجنّى عَلَيَّ ذنباً وتعتل
تتجنّى عَلَيَّ ذنباً وتعتل / لُ بأن قد رأيتَ منّيَ ذِلَّهْ
لعن اللَهُ قربةً ليس فيها / لفتىً يطلب التعلَّةَ علَّهْ
من حديثي أن ابنَ بكرٍ دعاني
من حديثي أن ابنَ بكرٍ دعاني / لشقائي فليته ما دعاني
غرَّني منه منظرٌ ولباسٌ / وأثاث ومجلس وأَوَانِ
مجلس كالجنان حسناً ولكن / قبَّح الجوعُ حُسنَ تلك الجنانِ
فلعمري كان الخوانُ ولكن / لم يكن ما يكون فوق الخوانِ
وجفان مثل الجوابي ولكن / ليس فيهنَّ ما يُرى بالعيانِ
وَغضَار الألوان جاءت ولكن / ليس فيها روائح الألوانِ
فإذا ما أدرتُ فيها بناني / لم أجد ما أمسُّه ببناني
إنني ماضغٌ على غير شيءٍ / غير صكِّ الأسنان بالأسنانِ
ترجع الكفُّ وهي أفرغ منها / عند مدّي لها فدأبي وشاني
لو تراني والجوع يضحك منّي / عند غسلي يديَّ بالأشنانِ
زاد في السكر مسرفاً مثلما أس / رَفَ عند الطعام بالنقصانِ
والغضارات فارغات أتَتنا / وسقانا بالمترع الملآنِ
سكرةٌ فوق جوعةٍ تركتني / راحماً كلَّ جائعٍ سكرانِ