المجموع : 27
ما لقلبي يلجّ في الخفقان
ما لقلبي يلجّ في الخفقان / لا أنا عاشق و لا أنا جان
أبتغي أن أقول شيءا فيعصاني / لساني و السحر تحت لساني
أنا كالطائر الذي اندفق السحر / عليه فغصّ بالألحان
أو كفلك في البحر أوفى عليها / عارض بعد عارض هتّان
غلبتني عواطف الصّحب حتّى / صرت في حاجة إلى ترجمان
أين في موكب القريض لوائي / قد طواه بيانهم و طواني
أيّها المادحون خمري رويدا / منكم الخمرة التي في دناني
من أنا ؟ ما صنعت ؟ كي تعصبوا بالتاج / رأسي و أيّ شأن شأني ؟
لا افتخار لنحلة حقلا / فعادت من زهرة بالمجّاني
أنا من روضكم قطفت أزاهيري / و من بحركم غرفت جماني
إن أكن فرقدا فأنتم سمائي / أو هزارا فأنتم بستاني
أيّ بدع إن أخرج الحقل للناس / صنوف النبات في نيسان ؟
ليس لي من قصائدي غير أوزان / و ليست أصيلة أوزاني
أصدق الشعر في الحياة و فيكم / ليس غير الأظلال في ديواني
ما هو الشعر ؟ . إنّني ما رأيت / اثنين إلاّ وفيه يختصمان
قال قوم " وحيّ ينزّله الله / " و قوم " نفث من الشيطان "
ضلّ هذا وذا فما حفز الانسان / شيء للشعر كالإنسان
يعشق المرء ذاته في سواه / و يحبّ " الإنسان " في الأكوان
أنا من أجله بنيت قصوري / و فرشت الدروب بالرّيحان
أنا من أجله سكبت خموري / وشددت الأوتار في عيداني
أنا من أجله رجعت من الروضة / في راحتيّ بالألوان
و استعرت التهليل من جدول / الوادي و ضحك الرضى من الغدران
و من الشمس في الأئل / و الإصباح ذوب اللّجين و العقيان
و حملت الجلال من أرض ( سوريا ) / إليه و السحر من لبنان )
نحن أهل الخيال أسعد خلق / الله في حالة الحرمان
كم زهدنا بثروة من نضار / قنعنا بثروة من أماني
وانطوينا موكب من ضياء / و سطعنا في غمرة من دخان
نتراءى على الصعيد صعاليك / و لكن أرواحنا في العنان
إن ظمئنا وعزّ أن نرد الماء / روانا تصوّر الغدران
و إذا غابت النجوم اهتدينا / بالرؤى بالرجاء بالإيمان
لا يعدّ الورى علينا اللّيالي / نحن قوم نعيش في الأزمان
ردّ عنّي الكؤوس يا أيّها السّاقي / فروحي نشوى بخمر المعاني
بالقوافي ( جداولا ) من وفاء / و الأغاني ( خمائلا ) من حنان
زهد الناس حين دارت عليهم / بالتي في كؤوسهم و القناني
أيّها اللّيل أنت أبهى من الفجر / و إن كنت أسود الطيلسان
بالوجوه الزهراء بالأنفس السمحاء / من يعرب و من غسّان
بملوك البيان بالأدب الرائع / بالمنشدين بالألحان
بالغواني فديتهنّ فأسمي الشعر / و الفنّ في الحياة الغواني
هذه الشمس هل رأى الناس / وجها مثلما في البهاء و اللّمعان
تتجلّى لنا على اليسر و العسر / و نمشي في نورها الفتّان
قد نسينا شعاعها و سناها / عندما أشرقت وجوه الحسان
قسّم الدهر - أنت يا ليل شطر / من حياتي و العسر شطر ثان
أنت عصر مستجمع في سويعات / ودنيا رحيبة في مكان
قد تلاقت فيك القلوب على الحبّ / تلاقي الأجفان بالأجفان
لا تقولوا دقائق و ثوان / ذاهيات فالعمر هذي الثّواني
أنا ما عشت سوف أذكر بالشّكر / جميل الرّفاق و الأخوان
و إذا متّ في غد فسيأتيكم / ثنائي من ظلمة الأكفان
فتنته محاسن الحرّيّة
فتنته محاسن الحرّيّة / لا سليمى و لا جمال سميّه
هي أمنية الجميع و لكن / أرهقته الطبيعة البشريّة
و عجيب أن يخلق المرء حرّا / ثمّ يأبى لنفسه الحرّيّة
غادة ما عرفت قلبا خليّا / من هواها حتّى القلوب الخليّة
غرست في فؤاده الحبّ طفلا / فنما الحبّ و الفؤاد سويّه
ثمّ لمّا فشى الغرام و ذاعت / عنهما في الورى أمور خفيّة
حجبوها يسلو و لكن / كان قيسا و كانت العامريّة
بات يشكو النّوى الشّقيّ و تشكو / مانعيها من أن تراه الشّقيّة
مستهام قضى زمانا طويلا / في عناء من القيود القويّة
و عليه من الزمان رقيب / عاشق للسيادة الوهميّة
و لكلّ مطامع و أماني / يبذل النفس دونها للمنيّة
و يراها لديه أشرف شيء / و هي أدنى من الأكور الدنيّة
زعموا أنّه المليك المفدّى / بالرعايا من شرّ كلّ بليّة
إنّما تفتدي الرعيّة ملكا / باذلا نفسه فدى للرعيّة
ظلم القوم من توهّمه القوم / نصيرا للأمّة الروسيّة
و إذا أحرج الضّعاف قويّ / نسيت ضعفها النفوس الأبيّة
سألتني و قد رجعت إليها
سألتني و قد رجعت إليها / و على مفرقي غبار السنينا :
أيّ شيء وجدت في الأرض بعدي ؟ / قلت : إنّي وجدت ماء و طينا
جمع الحسن و الدمامة و الإق / دام و الخوف و النهى و الجنونا
و الرجاء الذي يصير به الفد / فد روضا و شوكه نسرينا
و القنوط الذي يعرّي من الأو / راق في نشوة الربيع الغصونا
ووجدت الهوى كما كان قدما / ثقة تارة و طورا ظنونا
و شبابا سكران من خمرة الوهم / يخال المحال أمرا يقينا
فإذا شاخت الرؤى و تلاشت / وصحا بات جزمه تخمينا
لا يزال الإيمان نوعا من / الرّهبة و الحسن للغرور خدينا
لا يزال الغنيّ يختال في الأر / ض و إن كان جاهلا مأفونا
كلّ من قد لقيت مثلك يا نف / سي في ما تبدين أو تخفينا
فانظري مرّة إليك مليّا / تبصري الأوّلين و الآخرينا
خبّروني ماذا رأيتم؟ أأطفا
خبّروني ماذا رأيتم؟ أأطفا / لاً يتامى أم موكبا علويّا ؟
كزهور الربيع عرفا زكيّا / و نجوم الربيع نورا سنيا
و الفراشات وثبة و سكونا / و العصافير بل ألذّ نجيّا
إنّني كلّما تأمّلت طفلا / خلت أنّي أرى ملاكا سويا
قل لمن يبصر الضّباب كثيفا / إن ّ تحت الضّباب فجرا نقيّا
أليتيم الذي يلوح زريّا / ليس شيئا لو تعلمون زريّا
إنّه غرسة ستطلع يوما / ثمرا طيّبا وزهرا جنيّا
ربّما كان أودع الله فيه / فيلسوف أو شاعرا أو نبيّا
لم يكن كلّ عبقريّ يتيما / إنّما كان اليتيم صبيّا
ليس يدري لكنّه سوف يدري / أنّ ربّ الأيتام ما زال حيّا
عندما يصبح الصغير فتيّا / عندما يلبس الشباب حليّا
كلّ نجم يكون من قبل أن / يبدو سديما عن العيون خفيّا
إن يك الموت قد مضى بأبيه / ما مضى بالشّعور فيم وفيّا
و شقاء يولّد الرفق فينا / لهو الخير بالشّقاء تريّا
لا تقولوا من أمّه ؟ من أبوه ؟ / فأبوه و أمّه سوريّا
فأعينوه كي يعيش و ينمو / ناعم البال في الحياة رضيّا
ربّ ذهن مثل النهار منير / صار بالبؤس كالظّلام دجيّا
كم أثيم في السجن لو أدركته / رحمة الله كان حرّا سريّا
حاربوا البؤس صغيرا / قبل أن يستبدّ فيهم قويّا
كلّهم الجريح الملّقى / فلنكن كلّنا الفتى " السّامريّا "
لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم
لا أحبّ الإنسان يرضخ للوهم / ويرضى بتافهات الأماني
إنّ حيّا يهاب أن يلمس النور / كميت في ظلمة الأكفان
وحياة أمدّ فيها التوقّي / لا توازي في المجد بضع ثوان
ألشجاع الشجاع عندي من أمسى / يغنّي والدمع في الأجفان
بات والكأس في الظلام
بات والكأس في الظلام / في حديث ولا كلام
هي في صمتها تضيء / وهو في صمته يضام
شاعر أنفق الصّبا / من غرام إلى غرام
ذاهل النفس بالرؤى / عن حطام وذي حطام
وعن الفقر والغنى / وعن الحرب والسلام
بالشفاه التي طفا / بين أهدابها الأوام
بالغواني تطيعه / والغواني لها احتكام
بالشّذى وهو فائح / والشذى وهو بالكمام
بالسحاب الذي يسحّ / وبالخادع الجهام
بالأغاريد والبلابل / والنور والخزام
حوله الكون في وغى / وهو والكون في وئام
ما له الآن وحده / ساكن العرق كالنيام
ساهر غير أنه / خادر الروح والعظام
صامت مثل كتبه / وكدنيا بلا أنام
أترى عضّه الطوى؟ / لا ففي بيته طعام
لم تزل كأسه لديه / وفي كأسه مدام
وله تضحك البروق / ويبكي الحبا السجام
وله ترتعي الكواكب / في مسرح الظّلام
وله تلبس الرّبى / برد النور والغمام
وله يعبق الشّذى / وله تعصر المدام
وله يلمع النّدى / وله يسجع الحمام
وله الغادة المليحة / والفارس الهمام
كلّها كلّها له / وعلى غيره حرام
وهو ساه كأنما / بسواها له مرام
وجهه غير وجهه / أم على وجهه لشام
كالتماثيل حوله / من نحاس ومن رخام
لا اكتئاب ولا رضّى / لا بكاء ولا ابتسام
ليله ما أمرّها / ليلة اليأس ألف عام
بقي الحسن إنما / مات في الشاعر الهيام
فإذا الكون عنده / جدث كلّه رمام
و ثقيل كأنّه برد كانو
و ثقيل كأنّه برد كانو / ن قليل الحياء جمّ الكلام
ليس يدري بأنّه ليس يدري / إنّ بعض الأنام كالأنعام
يتمنى يابعد ما يتمنّى / لو جرى ذكره على الأقدام
و الذي أطمع اللّئيم و أغراه / بسبّ الكرام حلم الكرام
و الذي صيّر الكريم حليما / كرهه أن يعدّ صنو الطّغام
منع البوم أن يصاد و يرمى / كونه غير صالح للطعام