المجموع : 32
يا ابنتي إنني لأشعر أني
يا ابنتي إنني لأشعر أني / ملأت مهجتي شموس منيره
أشرقت فرحتان عندي فهذي / لعماد وهذه لأميره
أنتما فرقدان وهو جدير / بالذي ناله وأنت جديره
اغنما كل ما يطيب وفوزا / بالمسرات والأماني الوفيره
وافرحا بالذي يطيب ويرجى / عيشةٌ نضرة وعين قريره
لمن الصمتُ والفؤاد المشرد
لمن الصمتُ والفؤاد المشرد / أين من أسكر الربى حين غَرّد
طائر أم رأت عيون الأماني / حُلُماً مثل غيره قد تبدد
أم قناع قد مزقته الليالي / عن هوى دون طائل فتجرد
وبدا شاحباً كيوم قتيل / لم يكد يلثم الصباح المورَّد
ليت شعري إلام إطراق رأسي / وانحنائي على جريح موسد
حبذا الريف والخلائق فيه
حبذا الريف والخلائق فيه / ضاحكات الوجوه تفترّ سحرا
من يراه وقد تبين فيه / زمراً في الزّحام تحشر حشرا
يحسب الضيق آخذاً في حماه / بخناق ويحسب القوم أسرى
وهم النور والمحبة والقل / ب طليقاً مع النسائم حُرا
منظر تلمح البساطة فيه / وترى طيبةً وبشراً وطهرا
منظرٌ تلمح السعادة فيه / لا تقل لي أرى شقاء وفقرا
انظر الجرّة التي خلفوها / وانظر النيل ضاحكاً مفترا
عبدوا النيل مذ قديم وألقوا / كل عام له عروساً بكرا
مصر سحر ورقة وصفاء / لِمَ لا يعبد المحبون مصرا
يوم أبحرتُ فوق متنك تهوي
يوم أبحرتُ فوق متنك تهوي / بيَ أمواجك الغضاب وتعلو
راعني حولُك الرهيب فخارت / عزماتي ولم يعد ليَ حول
وترنحتُ بين جنبيك تلهو / بي فتطغَى آناً وتهدأ آنا
كانت القطرة الضئيلة من لُج / جِك أمضى مني وأخطر شانا
وأنا اليوم أجتليك من الشاطئ / تُزجي الأمواج مثل الجبال
فإذا بي أثور مثلك يا بح / ر وتنزو الأمواج في أوصالي
هو روحي الذي يحاكيك في البأ / س ولكن يؤوده عبء جسمي
فإذا ما اجتلاك والجسم غفلا / نُ توخّاك في مضاء وعزم
هو روحي الذي يحاكيك يا بح / ر ويخشى قلبي الجزوع أذاكا
ضعضع الجسم عزم روحي المُعَنَّى / يا أخا الروح بُث فيه قواكا
إيه سونيا أنت الرضا والحنان
إيه سونيا أنت الرضا والحنان / كيف ضاءت بكِ الليالي الحسان
وغدا الدهر لحظة من سلام / وإذا كل ما عليه أمان
لا أرانا فيه خُدعنا إذا ما / بك عز الهوى وفات الهوان
كيف أنساك إذ نسيتُ شقائي / وعذابي وليس بي أشجان
وإذا بي أرى لعينيك دنيا / خير ما فكرت به عينان
قلتُ للبحرِ إذ وقفتُ مساء
قلتُ للبحرِ إذ وقفتُ مساء / كم أطلتُ الوقوفَ والإصغاءَ
وجعلتُ النسيمَ زاداً لروحي / وشربتُ الظلالَ والأضواءَ
وكأنَّ الأضواءَ مختلفاتٍ / جعلت منكَ روضةً غنَّاءَ
مرَّ بي عطرُهَا فأسكرَ نفسي / وسرى في جوانحي كيفَ شاءَ
فاطَّرحتُ الهمومَ والأعباءَ / ونسيتُ العذابَ والبرحاءَ
وكأني أرى بعين خيالي / ساهرَ المقلتين يغضي حياءَ
وكأن الوجودَ لم يحوِ إلا / حُسنَه والطبيعةَ الحسناءَ
نشوة لم تطل صحا القلبُ منها / مثلَ ما كانَ أو أشدّ عناءَ
إنما يفهم الشبيهُ شبيهاً / أيها البحر نحنُ لسنَا سواءَ
أنتَ باقٍ ونحن حَرب الليالي / مزقتنا وصيرتنا هَباءَ
أنت عاتٍ ونحنُ كالزَّبَدِ الذا / هبِ يعلو حينا ويمضي جفاءَ
وعجيبٌ إليكَ يمَّمتُ وجهي / إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
أبتغي عندك التأسي وما تملكُ / ردَّا ولا تجيبُ نداءَ
كل يوم تساؤلٌ ليت شعري / مَن ينبِّي فيحسنُ الأنباءَ
ما تقولُ الأمواجُ ما آلم الشم / سَ فولَّت حزينةً صفراءَ
تركتنا وخَلَّفَت ليلَ شكٍّ / أبَدِيٍّ والظلمةَ الخرساءَ
يا لهذا الجلالِ والأبدِ المجهولِ / يزدادُ حيرةً وخفاءَ
روعتني ضآلةُ الناسِ فيه / فبكيتُ الحياةَ والأحياءَ
وبكيتُ الغرورَ والأملَ الوا / سعَ والسخطَ والرضا والرياءَ
ما تُرجِّيه ريشةٌ في مهب الريحِ / تَلقى الإعصارَ والأنواءَ
ما يرجيه ذلك القبسُ الخا / بي وشيكاً كأنه ما أضاءَ
والخَيالُ الذي تراءى وولَّى / غيرَ وانٍ كأنه ما تراءى
نحن ألعوبةُ القضاءِ ومن / يملك أمراً ومن يردُّ القضاءَ
ولعلَّ القضاء يسخر مني / حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ
فليدعني القضاءُ أبكي لأشفى / لم تَدَع ذلةُ الهوى كبرياءَ
لاح خلفَ الدموعِ وجهُ حبيبٍ / لا أرى غيرَه لقلبي عزاءَ
قلتُ للقلبِ جاءَ ريك فانهل / كم ظمئنا فما وجدنَا الماءَ
لم تُثِبنَا الحياةُ إلا بهذا / حسبنا وجهُه الجميل جزاءَ
أين شطُّ الرجاء
أين شطُّ الرجاء / يا عبابَ الهموم
ليلتي أنواء / ونهاري غيوم
أعولي يا جراح / أَسمعي الديَّان
لا يهم الرياح / زورقٌ غضبان
البلَى والثقوب / في صميم الشراع
والضنَى والشحوب / وخيالُ الوداع
في احتدامِ النار / واصطخابِ الأنين
تضحكُ الأقدار / ترقصُ السكين
كل يومٍ يروح / في احمرارِ الجروح
كل صبحٍ يلوح / فجرُه مذبوح
اسخري يا حيَاة / قهقهي بالرعود
الصبا لن أراه / والهوَى لن يعود
الأمانِي غرور / في لَظَى البركان
والدجى مخمور / والردَى سكران
وخليعُ العباب / موجُه العربيد
دارَ بالأكواب / ويلَ هذا العيد
راحَتِ الأيام / بابتسامِ الثغور
وتقَضَّى الظلام / في عناق الصخور
كانَ رؤيا منام / كأسُكِ المسحور
يا ضفافَ السلام / تحتَ عرشِ النور
اطحني يا سنين / يا حراب
كلّ برقٍ يبين / كذاب
اسخري يا حياة / قهقهي يا غيوب
الصبَا لن أراه / والهوى لن يؤوب
هذه دَارُهَا فلا تَدَعَاني
هذه دَارُهَا فلا تَدَعَاني / آهِ يا صاحبيَّ ممَّا عراني
أتقولانِ قد تسليتُ عنها / ومسحتُ الدموعَ من أجفاني
فَلِمَ الرجفةُ التي في دمائي / ولم الرعدةُ التي في كياني
وانفاقُ الحياةِ واضحكُ الأيامِ / مني واكذبةُ السلوانِ
أسكبُ الدمعَ مرةً ثم أغدو / ذلكَ الساخرَ الخليَّ الهاني
أسكبُ الدمعَ مرةً ثم أمضي / أنا أحببتُ مرةً في زماني
أنا أحببتُ مرةً وبلوتُ / الموتَ ألفاً لو كنتما تعلمانِ
ضِحكتي ثورتي وقهقهةُ / السخرِ عندي تمرد البركانِ
أنتَ حي برغمِ عادِ الفناءِ
أنتَ حي برغمِ عادِ الفناءِ / لا يُصاغُ الرثاءُ للأحياءِ
هذه الهجرةُ التي عَزَّ معنا / ها على الآخرينَ والخلصاءِ
زورةٌ في معارجِ النور تلقى ال / وَحي فيها والشعرَ كالإسراءِ
مَن يقل ماتَ حافظٌ ضلَّ رأياً / البلى لا يكونُ للشعراءِ
لا تقولوا قَضَى ولا تندبوه / هذه رجعةُ الغريبِ النائي
إنما الشاعرُ العظيمُ غريبٌ / في ديارِ الأجدادِ والآباءِ
جَسَدٌ في الثرى وروحٌ شريدٌ / في الأعالي محلِّقٌ في السماءِ
ولقد رُدَّ ذا الغريب عن / الدنيا إلى أصلِه في الجوزاءِ
كيف يفنى من عَطَّرَ الخلدُ / برديه وفي شعرهِ نسيجُ البقاءِ
إيهِ يا خدنَ مصطفى كاملٍ / والعَهدُ عهدُ الخطوبِ والإيذاءِ
وصديقاً لا ينثني ووفياً في / الزمانِ الضنينِ بالأوفياءِ
وشقِيَّا ينسى تَفَاقُمَ بلواه / ويبلَى لغيره في الشقاءِ
وفقيراً يرى الغنَى والأماني / في اعتصامِ النفوس بالكبرياءِ
إذا العبقريُّ رامَ أمراً تَوَخَّى / سُبُلاً فوقَ قدرةِ الأقوياء
ورأى السقمَ علةَ الواهي الخا / ئف والبؤس حجة الضعفاءِ
أتراهم في ذروة الخلدِ فوا / لك عنا الجديدَ في الأنباءِ
حومةُ الموتِ استصرخت / مصطفى الثاني فأبلى بها أجلَّ البلاءِ
واللواءُ الخصيبُ كم زادَ حبَّا / فانثنَى ظافراً عزيزَ اللواءِ
طالعاً مطلعَ الهلالِ إذا ما / لاحَ في جنحِ ليلةٍ قمراءِ
انطوى ذلكَ البساطُ الذي / مُدَّ وفُضَّت مجالسُ الندماءِ
وليالي الصفاء تمضي عجالاً / والمنايا بالموتِ غيرُ بطاءِ
وحبيبٌ يمرُّ إثرَ حبيبٍ / ليتَ شعري ما بعدَ هذا الثناءِ
والنوى كالردَى عذابٌ ولكن / يمسكُ القلبُ حُلمَه باللقاءِ
الليالي يا مَا أَمرّ الليالي
الليالي يا مَا أَمرّ الليالي / غيبت وجهَكَ الجميلَ الحبيبَا
أنتَ قاسٍ معذِّبٌ ليتَ أني / أستطيعُ الهجرانَ والتعذيبَا
إن حبي إليكَ بالصفحِ سَبَّا / قٌ وقلبي إلَيكَ مهما أُصيبَا
يا حبيبي كانَ اللقاءُ غريباً / وافترقنَا فباتَ كلٌّ غريبَا
غير أني أستنجدُ الدمعَ لا / ألقَى مكانَ الدموعِ إلا لهيباً
آه لو ترجعُ الدموعُ لعيني / جفَّ دمعي فلستُ أبكي حبيبَا
أنتَ مَن بدَّلَ الوجودَ لعيني / أنت صيرتَهُ جمالاً وطيبا
أنتَ من بدَّلَ السماء لعيني / أنتَ صيرتها ابتساماً رحيبا
أنتَ يا رقةً تذيبُ القلوبَا / وتذيبُ الصخرَ الأصمَّ المذيبَا
غير أني إليكَ جئتُ من اللي / لِ وقد حانَ للدجى أن أؤوبَا
يا جزيلَ الهبات والإنعامِ
يا جزيلَ الهبات والإنعامِ / زدتَ لطفاً باللطفِ من أنعامِ
وجلوتَ الظلام حتى تقَضَّى / ما على الكون مسحةٌ من ظلامِ
وجلوتَ الجمالَ والسحرَ والفجرَ / على ضوءِ ثغرِهَا البسَّامِ
وجلوتَ الزهورَ تَندَى علينا / فكأني أرى الربيعَ أمامي
يا حفيفَ النسيمِ يا رقَّةَ الوردِ / تجلَّى في ناضر الأَكمامِ
أنا إن قلتُ للجمالِ سلاماً / فقليلٌ لذا الجمالِ سلامي
وسلامي على البراءةِ والطهرِ / ومعناهما الرفيعِ السامي
وسلامي على سنَى وسناءٍ / كجمالِ البدورِ عند التمامِ
وسلامي على عذوبَةِ نفسٍ / وصفاءٍ كمسعدِ الأحلامِ
وسلامي على العيونِ اللواتي / هنُّ للفنِّ مصدرُ الإِلهامِ
جلالُ الدهور إِمَّا تقضَّت / وجمالُ السنين والأَعوامِ
خالداتٌ بما يُخَلِّدنَ فينا / من فنونٍ تفردت بالدوامِ
إيه إِنعام والقصائد تَترى / أنتِ سرُّ الإِبداعِ في الأقلامِ
وَضَحَ الوحي مثلما وَضَحَ الحبّ / فما في القلوبِ من إبهامِ
إيه إنعامُ والمحاسنُ كُثرُ
إيه إنعامُ والمحاسنُ كُثرُ / ما لمن لم يقم بوصفِكِ عذرُ
خلق الله ذلك الحسنَ لكن / للذي يخلقُ المفاتنَ سرُّ
سرَّه أنَّ كلَّ حسن له الشعرُ / تبيع فالمجدُ حسنٌ وشعرُ
وأنا الشاعرُ الذي قد تصباه / فريدٌ من المباهجِ نَضرُ
أينما وَجَّهَ المشاهدُ عينيه / فسحرٌ يتلوه سحرٌ فسحرُ
فمن الخدِّ للجبينِ إلى العينينِ / للثغرِ من معانيكِ سِفرُ
يقرأ الناظرونَ فيه عجيباً / إِن تولَّى سطر تتابَعَ سطرُ
ما على الحسنِ إن تمرّ حياةٌ / في تجليه أو يضيع عمرُ
رُب حسنٍ من الوداعة يبدو / فيه عطفٌ وفي حناياه بِرُّ
ولقد تحسب الوداعة ضعفاً / ولها دولة ونهي وأمرُ
فَمُرِينَا إِنعام من غيرِ أمرٍ / نحن أسراكِ ما بأسراكِ حرُّ
ومُرِي الدهرَ يُصبح الدهرُ عبداً / واضحكي في فم المنى يفتَرُ
ومري الروضَ يصبح الروضُ في / نانَ وينمو وردٌ ويورقُ زهرُ
ومري الطيرَ يسجع الطيرُ جذلانَ / ويشدُو غصنٌ ويطربُ وَكرُ
ومري القلبَ يخفق القلبُ فرحانَ / وتحنو روحٌ ويطربُ صدرُ
ومري الجمرَ يصبحِ الجمرُ كالماء / وتعنو نارٌ ويخضعُ جمرُ
ومري البحرَ يهدأ البحر أمواجاً / ويعنو موجٌ ويهجعُ بحرُ
إيه إنعام هذه صولة الحسنِ / التي تَحطِمُ القويَّ وتذرو