القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : حافِظ إِبراهِيم الكل
المجموع : 41
أَي رِجالَ الدُنيا الجَديدَةِ مُدّوا
أَي رِجالَ الدُنيا الجَديدَةِ مُدّوا / لِرِجالِ الدُنيا القَديمَةِ باعا
وَأَفيضوا عَلَيهِمُ مِن أَيادي / كُم عُلوماً وَحِكمَةً وَاِختِراعا
كُلَّ يَومٍ لَكُم رَوائِعُ آثا / رٍ تُوالونَ بَينَهُنَّ تِباعا
كَم خَلَبتُم عُقولَنا بِعَجيبٍ / وَأَمَرتُم زَمانَكُم فَأَطاعا
وَبَذَرتُم في أَرضِنا وَزَرَعتُم / فَرَأَينا ما يُعجِبُ الزُرّاعا
وَلَمَحنا مِن نورِكُم في نَواصي / حَفلَةِ اليَومِ لَمعَةً وَشُعاعا
وَشَهِدنا مِن فَضلِكُم أَثَراً في / ها يَروقُ العُيونَ وَالأَسماعا
لَيتَنا نَقتَدي بِكُم أَو نُجاري / كُم عَسى نَستَرِدُّ ما كانَ ضاعا
إِنَّ فينا لَولا التَخاذُلُ أَبطا / لاً إِذا ما هُمُ اِستَقَلّوا اليَراعا
وَعُقولاً لَولا الخُمولُ تَوَلّا / ها لَفاضَت غَرابَةً وَاِبتِداعا
وَدُعاةً لِلخَيرِ لَو أَنصَفوهُم / مَلَأوا الشَرقَ عِزَّةً وَاِمتِناعا
كاشِفَ الكَهرَباءِ لَيتَكَ تُعنى / بِاِختِراعٍ يَروضُ مِنّا الطِباعا
آلَةٍ تَسحَقُ التَواكُلَ في الشَر / قِ وَتُلقي عَنِ الرِياءِ القِناعا
قَد مَلِلنا وُقوفَنا فيهِ نَبكي / حَسَباً زائِلاً وَمَجداً مُضاعا
وَسَئِمنا مَقالَهُم كانَ زَيدٌ / عَبقَرِيّاً وَكانَ عَمرٌ شُجاعا
لَيتَ شِعري مَتى تُنازِعُ مِصرٌ / غَيرَها المَجدَ في الحَياةِ نِزاعا
وَنَراها تُفاخِرُ الناسَ بِالأَح / ياءِ فَخراً في الخافِقينَ مُذاعا
أَرضُ كولُمبَ أَيُّ نَبتَيكِ أَغلى / قيمَةً في المَلا وَأَبقى مَتاعا
أَرِجالٌ بِهِم مَلَكتِ المَعالي / أَم نُضارٌ بِهِ مَلَكتِ البِقاعا
لا عَداكِ السَماءُ وَالخِصبُ وَالأَم / نُ وَلا زِلتِ لِلسَلامِ رِباعا
طالِعي الكَونَ وَاُنظُري ما دَهاهُ / إِنَّ رُكنَ السَلامِ فيهِ تَداعى
صَفحَةُ البَرقِ أَومَضَت في الغَمامِ
صَفحَةُ البَرقِ أَومَضَت في الغَمامِ / أَم شِهابٌ يَشُقُّ جَوفَ الظَلامِ
أَم سَليلُ البُخارِ طارَ إِلى القَص / دِ فَأَعيا سَوابِقَ الأَوهامِ
مَرَّ كَاللَمحِ لَم تَكَد تَقِفُ العَي / نُ عَلى ظِلِّ جِرمِهِ المُتَرامي
أَو كَشَرخِ الشَبابِ لَم يَدرِ كاسي / هِ تَوَلّى في يَقظَةٍ أَو مَنامِ
لا يُبالي السُرى إِذا اِعتَكَرَ اللَي / لُ وَخانَت مَواقِعُ الأَقدامِ
يَقطَعُ البيدَ وَالفَيافي وَحيداً / لَم تُضَعضِعهُ وَحشَةُ الإِظلامِ
لَيسَ يَثنيهِ ما يُذيبُ دِماغَ الضَب / بِ يَومَ الهَجيرِ بَينَ المَوامي
لا وَلا يَعتَريهِ ما يُخرِسُ النا / بِحَ في الزَمهَريرِ بَينَ الخِيامِ
هائِمٌ كَالظَليمِ أَزعَجَهُ الصَي / دُ وَراعَتهُ طائِشاتُ السِهامِ
فَهوَ يَشتَدُّ في النَجاءِ وَيَهوي / حَيثُ تُرمى بِجانِبَيهِ المَرامي
يا حَديداً يَنسابُ فَوقَ حَديدٍ / كَاِنسِيابِ الرَقطاءِ فَوقَ الرَغامِ
قَد مَسَحتَ البِلادَ شَرقاً وَغَرباً / بِذِراعَي مُشَمِّرٍ مِقدامِ
بَينَ جَنبَيكَ ما بِجَنبَيَّ لَكِن / ما بِجَنبَيَّ مُستَديمُ الضِرامِ
أَنتَ لا تَعرِفُ الغَرامَ وَإِن كُن / تَ تُرينا زَفيرَ أَهلِ الغَرامِ
أَنتَ لا تَعرِفُ الحَنينَ إِلى الإِل / فِ فَما هَذِهِ الدُموعُ الهَوامي
أَنتَ قاسي الفُؤادِ جَلدٌ عَلى الأَي / نِ شَديدُ القُوى شَديدُ العُرامِ
لا تُبالي أَرُعتَ بِالبَينِ أَحبا / باً وَأَسرَفتَ في أَذي المُستَهامِ
أَم جَمَعتَ الأَعداءَ فَوقَ صَعيدٍ / وَخَلَطتَ الأُسودَ بِالآرامِ
إِنَّني قَد شَهِدتُ فيكَ عَجيباً / ضاقَ عَن وَصفِهِ نِطاقُ الكَلامِ
جُزتَ يَوماً بِنا وَنَحنُ عَلى الجِس / رِ قِيامٌ وَاللَيلُ لَيلُ التَمامِ
وَإِذا راكِبٌ إِلى الجِسرِ يَهوي / بَينَ صَفَّينِ مِن مَماتٍ زُؤامِ
مَرَّ كَالسَهمِ بَينَ تِلكَ الحَنايا / قَد رَماهُ مِنَ المَقاديرِ رامي
فَتَرَدّى في الماءِ وَالماءُ غَمرٌ / يَتَّقيهِ القَضاءُ وَالنَهرُ طامي
وَإِذا سابِحٌ قَدِ اِنقَضَّ في الما / ءِ اِنقِضاضَ العُقابِ فَوقَ الحَمامِ
غاصَ في لُجَّةِ الحُتوفِ بِعَزمٍ / لَم يُعَوَّد مَواقِفَ الإِحجامِ
غابَ فيها وَعادَ يَحمِلُ جِسماً / سَلَّهُ مِن يَدِ الهَلاكِ اللِزامِ
كافَحَ المَوجَ صارَعَ الهَولَ أَبلى / كَبَلاءِ المُهَنَّدِ الصَمصامِ
وَاِنثَنى راجِعاً إِلى شاطِئِ النَه / رِ رُجوعَ الكَمِيِّ غِبَّ اِغتِنامِ
وَقَفَ الناسُ ذاهِلينَ وَصاحوا / تِلكَ إِحدى عَجائِبِ الأَيّامِ
أَنَجاةٌ مِنَ القِطارِ مِنَ الجِس / رِ مِنَ النَهرِ جَلَّ رَبُّ الأَنامِ
وَإِذا صَيحَةٌ عَلَت مِن فَتاةٍ / بَرَزَت مِن صُفوفِ ذاكَ الزِحامِ
وَقَفَت مَوقِفَ الخَطيبِ وَنادَت / تِلكَ عُقبى رِعايَةِ الأَيتامِ
بَسَطَت تَحتَهُ أَكُفّاً تَلَقَّت / هُ وَحاطَتهُ رَغمَ أَنفِ الحِمامِ
دَعوَةُ البائِسِ المُعَذَّبِ سورٌ / يَدفَعُ الشَرَّ عَن حِياضِ الكِرامِ
وَهيَ حَربٌ عَلى البَخيلِ وَذي البَغ / يِ وَسَيفٌ عَلى رِقابِ اللِئامِ
إِنَّ هَذا الكَريمَ قَد صانَ عِرضي / وَحَماني مِن عادِياتِ السَقامِ
عالَ طِفلي وَعالَني وَحَباني / بِكِساءٍ وَبِدرَةٍ وَطَعامِ
وَهوَ مِن مَعشَرٍ أَغاثوا ذَوي البُؤ / سِ وَقاموا في اللَهِ خَيرَ القِيامِ
وَأَقاموا لِلبِرِّ داراً فَكانَت / خَيرَ وِردٍ يَؤُمُّهُ كُلُّ ظامي
مُلِئَت رَحمَةً وَفاضَت حَناناً / فَهيَ لِلبائِساتِ دارُ السَلامِ
زُرتُها وَالشَقاءُ يَجري وَرائي / وَشُعاعُ الرَجاءِ يَسري أَمامي
لَم يَقولوا مَنِ الفَتاةُ وَلَكِن / سَأَلوني هُناكَ عَن آلامي
ثُمَّ أَهوَت إِلى الغَريقِ تُواسي / هِ بِأَحلى مِن مُنعِشاتِ المُدامِ
قَبَّلَت راحَتَيهِ شُكراً وَصاحَت / قَد نَجا صاحِبُ الأَيادي العِظامِ
قَد نَجا المُنعِمُ الجَوادُ مِنَ المَو / تِ بِفَضلِ الزَكاةِ وَالإِنعامِ
فَأَطَفنا بِها وَقَد مَلَأَ الأَن / فُسَ مِنّا جَلالُ ذاكَ المَقامِ
وَشَهِدنا ثَغرَ الوَفاءِ تَجَلّى / إِذ تَجَلّى في ثَغرِها البَسّامِ
وَرَأَينا شَخصَ المُروءَةِ وَالبِر / رِ تَبَدّى في شَخصِ ذاكَ الهُمامِ
وَعَلِمنا أَنَّ الزَكاةَ سَبيلُ اللَ / هِ قَبلَ الصَلاةِ قَبلَ الصِيامِ
خَصَّها اللَهُ في الكِتابِ بِذِكرٍ / فَهيَ رُكنُ الأَركانِ في الإِسلامِ
بَدَأَت مَبدَأَ اليَقينِ وَظَلَّت / لِحَياةِ الشُعوبِ خَيرَ قِوامِ
لَو وَفى بِالزَكاةِ مَن جَمَعَ الدُن / يا وَأَهوى عَلى اِقتِناءِ الحُطامِ
ما شَكا الجوعَ مُعدَمٌ أَو تَصَدّى / لِرُكوبِ الشُرورِ وَالآثامِ
راكِباً رَأسَهُ طَريداً شَريداً / لا يُبالي بِشِرعَةٍ أَو ذِمامِ
سائِلاً عَن وَصِيَّةَ اللَهِ فيهِ / آخِذاً قوتَهُ بِحَدِّ الحُسامِ
لَم أَقِف مَوقِفي لِأُنشِدَ شِعراً / صُبَّ في قالَبٍ بَديعِ النِظامِ
إِنَّما قُمتُ فيهِ وَالنَفسُ نَشوى / مِن كُؤوسِ الهُمومِ وَالقَلبُ دامي
ذُقتُ طَعمَ الأَسى وَكابَدتُ عَيشاً / دونَ شُربي قَذاهُ شُربُ الحِمامِ
فَتَقَلَّبتُ في الشَقاءِ زَماناً / وَتَنَقَّلتُ في الخُطوبِ الجِسامِ
وَمَشى الهَمُّ ثاقِباً في فُؤادي / وَمَشى الحُزنُ ناخِراً في عِظامي
فَلِهَذا وَقَفتُ أَستَعطِفُ النا / سَ عَلى البائِسينَ في كُلِّ عامِ
لا أُبالي أَذى العَدُوِّ فَحُطني
لا أُبالي أَذى العَدُوِّ فَحُطني / أَنتَ يا رَبِّ مِن وَلاءِ الصَديقِ
إِنَّ يَومَ اِحتِفالِكُم زادَ حُسناً
إِنَّ يَومَ اِحتِفالِكُم زادَ حُسناً / وَجَلالاً بِيَومِ عيدِ الجُلوسِ
فَاِقتِرانُ اليَومَينِ رَمزٌ إِلى اليُم / نِ وَبُشرى تَسُرُّ رَهنَ الحُبوسِ
فَكَأَنّي أَشيمُ عاطِفَةَ البِر / رِ عِياناً تَجولُ بَينَ الجُلوسِ
وَأَرى في الوُجوهِ سِيَما اِرتِياحٍ / وَاِبتِهاجٍ لِسَعيِ تِلكَ العَروسِ
إِنَّ حَقَّ الضَريرِ عِندَ ذَوي الأَب / صارِ حَقٌّ مُستَوجِبُ التَقديسِ
لَم يَضِرهُ فُقدانُهُ نورَ عَينَي / هِ إِذا اِعتاضَ عَنهُما بِأَنيسِ
آنِسوا نَفسَهُ إِذا أَظلَمَ العَي / شُ بِعِلمٍ فَالعِلمُ أُنسُ النُفوسِ
وَجِّهوهُ إِلى الفَلاحِ يُفِدكُم / فَوقَ ما يَستَفيدُهُ مِن دُروسِ
أَكمِلوا نَقصَهُ يَكُن عَبقَرِيّاً / مِثلَ طَهَ مُبَرَّزاً في الطُروسِ
كَم رَأَينا مِن أَكمَهٍ لا يُجارى / وَضَريرٍ يُرجى لِيَومٍ عَبوسِ
لَم تَقِف آفَةُ العُيونِ حِجازاً / بَينَ وَثباتِهِ وَبَينَ الشُموسِ
عَدِمَ الحِسَّ قائِداً فَحَداهُ / هُدى وِجدانِهِ إِلى المَحسوسِ
مِثلُ هَذا إِذا تَعَلَّمَ أَغنى / عَن كَثيرٍ وَجاءَنا بِالنَفيسِ
ذاكَ أَنَّ الذَكاءَ وَالحِفظَ حَلّا / في جِوارِ النُهى بِتِلكَ الرُؤوسِ
فَعَلى كُلِّ أَكمَهٍ وَبَصيرٍ / شُكرُ أَعضائِكُم وَشُكرُ الرَئيسِ
أَيُّها الطِفلُ لا تَخَف عَنَتَ الدَه
أَيُّها الطِفلُ لا تَخَف عَنَتَ الدَه / ر وَلا تَخشَ عادِياتِ اللَيالي
قَيَّضَ اللَهُ لِلضَعيفِ نُفوساً / تَعشَقُ البِرَّ مِن ذَواتِ الحِجالِ
أَي ذَواتِ الحِجالِ عِشتُنَّ لِلبِر / رِ وَدُمتُنَّ قُدوَةً لِلرِجالِ
لَم يَكونوا لِيُدرِكوا المَجدَ لَولا / كُنَّ أَو يَسلُكوا سَبيلَ المَعالي
بَسمَةٌ تَجعَلُ الجَبانَ شُجاعاً / وَتُعيدُ البَخيلَ أَكرَمَ نالِ
وَعِظامُ الرِجالِ مِن كُلِّ جِنسٍ / في رِضاكُنَّ أَرخَصوا كُلَّ غالي
راعَني مِن نُفوسِكُنَّ جَمالٌ / يَتَجَلّى في هالَةٍ مِن جَلالِ
وَجَمالُ النُفوسِ وَالشِعرِ وَالأَخ / لاقِ عِندي أَسمى مَجالي الجَمالِ
قُمنَ عَلِّمنَنا المُروءَةَ وَالعَط / فَ عَلى البائِسينَ وَالسُؤالِ
قُمنَ عَلِّمنَنا الحَنانَ عَلى الطِف / لِ شَريداً فَريسَةَ المُغتالِ
قَد أَجَبنا نِداءَكُنَّ وَجِئنا / نَسأَلُ القادِرينَ بَعضَ النَوالِ
لَو مَلَكنا غَيرَ المَقالِ لَجُدنا / إِنَّ جُهدَ المُقِلِّ حُسنُ المَقالِ
أَنقِذوا الطِفلَ إِنَّ في شَقوَةِ الطِف / لِ شَقاءً لَنا عَلى كُلِّ حالِ
إِن يَعِش بائِساً وَلَم يَطوِهِ البُؤ / سُ يَعِش نَكبَةً عَلى الأَجيالِ
رُبَّ بُؤسٍ يُخَبِّثُ النَفسَ حَتّى / يَطرَحُ المَرءَ في مَهاوي الضَلالِ
أَنقِذوهُ فَرُبَّما كانَ فيهِ / مُصلِحٌ أَو مُغامِرٌ لا يُبالي
رُبَّما كانَ تَحتَ طِمرَيهِ عَزمٌ / ذو مَضاءٍ يَدُكُّ شُمَّ الجِبالِ
رُبَّ سِرٍّ قَد حَلَّ جِسمَ صَغيرٍ / وَتَأَبّى عَلى شَديدِ المِحالِ
فَخِفافُ الأَفيالِ أَرفَقُ وَقعاً / لَو تَبَيَّنتَ مِن دَبيبِ النِمالِ
شاعَ بُؤسُ الأَطفالِ وَالبُؤسُ داءٌ / لَو أُتيحَ الطَبيبُ غَيرُ عُضالِ
أَيِّدوا كُلَّ مَجمَعٍ قامَ لِلبِر / رِ بِجاهٍ يُظِلُّهُ أَو بِمالِ
كَم يَتيمٍ كادَت بِهِ البَأ / ساءُ لَولا رِعايَةُ الأَطفالِ
وَرِجالُ الإِسعافِ أَنبَلُ لَولا / شَهوَةُ الحَربِ مِن رِجالِ القِتالِ
يَسهَرونَ الدُجى لِتَخفيفِ وَيلٍ / أَو بَلاءٍ مُصَوَّبٍ أَو نَكالِ
كَم جَريحٍ لَولاهُمُ ماتَ نَزفاً / في يَدِ الجَهلِ أَو يَدِ الإِهمالِ
كَم صَريعٍ مِن صَدمَةٍ أَو صَريعٍ / مِن سُمومٍ مُخَدَّرِ الأَوصالِ
كَم حَريقٍ قَد أَحجَمَ الناسُ فيهِ / عَن ضَحايا تَئِنُّ تَحتَ التِلالِ
يَتَرامَونَ في اللَهيبِ سِراعاً / كَتَرامي القَطا لِوِردِ الزُلالِ
لا لِشَيءٍ سِوى المُروءَةِ يَحلو / طَعمُها في فَمِ المَريءِ المُوالي
فَاِصنَعوا البِرَّ مُنعِمينَ وَجودوا / أَيُّها القادِرونَ قَبلَ السُؤالِ
لِاِنتِشارِ العُلومِ أَو لِاِنطِواءِ ال / بُؤسِ وَالشَرِّ أَو لِتَرفيهِ حالِ
أَي رِجالَ الدُنيا الجَديدَةِ مَهلاً
أَي رِجالَ الدُنيا الجَديدَةِ مَهلاً / قَد شَأَوتُم بِالمُعجِزاتِ الرِجالا
وَفَهِمتُم مَعنى الحَياةِ فَأَرصَد / تُم عَلَيها لِكُلِّ نَقصٍ كَمالا
وَحَرَصتُم عَلى العُقولِ فَحَزَّم / تُم عَصيراً يَراهُ قَومٌ حَلالا
وَقَدَرتُم دَقيقَةَ العُمرِ حِرصاً / وَسِواكُم لا يَقدُرُ الأَجيالا
كَم أَحالوا عَلى غَدٍ كُلَّ أَمرٍ / وَمُحيلُ الأُمورِ يَبغي المُحالا
قَد تَحَدَّيتُمُ المَنِيَّةَ حَتّى / هَمَّ أَن يَغلِبَ البَقاءُ الزَوالا
وَطَوَيتُم فَراسِخَ الأَرضِ طَيّاً / وَمَشَيتُم عَلى الهَواءِ اِختِيالا
ثُمَّ سَخَّرتُمُ الرِياحَ فَسُستُم / حَيثُ شِئتُم جَنوبَها وَالشَمالا
تُسرِجونَ الهَواءَ إِن رُمتُمُ السَي / رَ وَفي الأَرضِ مَن يَشُدُّ الرِحالا
وَتَخِذتُم مَوجَ الأَثيرِ بَريداً / حينَ خِلتُم أَنَّ البُروقَ كُسالى
ثُمَّ حاوَلتُمُ الكَلامَ مَعَ النَج / مِ فَحَمَّلتُمُ الشُعاعَ مَقالا
وَمَحا فوردُ آيَةَ المَشيِ حَتّى / شَرَعَ الناسُ يَنبِذونَ النِعالا
وَاِنتَزَعتُم مِن كُلِّ شِبرٍ بِظَهرِ ال / أَرضِ أَو بَطنِها المُحَجَّبِ مالا
وَأَقَمتُم في كُلِّ أَرضٍ صُروحاً / تَنطَحُ السُحبَ شامِخاتٍ طِوالا
وَغَرَستُم لِلعِلمِ رَوضاً أَنيقاً / فَوقَ دُنيا الوَرى يَمُدُّ الظِلالا
وَحَلَلتُم بِأَرضِنا فَعَرَفنا / كَيفَ تُنمونَ بَينَنا الأَطفالا
وَرَأَينا البَناتِ كَيفَ يُثَقَّف / نَ بِعِلمٍ يَزيدُهُنَّ جَمالا
لَيتَ شِعري مَتى أَرى أَرضَ مِصرٍ / في حِمى اللَهِ تُنبِتُ الأَبطالا
وَأَرى أَهلَها يُبارونَكُم عِل / ماً وَوَثباً إِلى العُلا وَنِضالا
قَد نَفَضنا عَنّا الكَرى وَاِبتَدَرنا / فُرَصَ العَيشِ وَاِنتَقَلنا اِنتِقالا
وَعَلِمنا بِأَنَّ غَفلَةَ يَومٍ / تَحرِمُ المَرءَ سَعيَهُ أَحوالا
فَشَقَقنا إِلى الحَياةِ طَريقاً / وَأَصَبنا عَلى الزِحامِ مَجالا
وَنَهَضنا في ظِلِّ عَرشِ فُؤادٍ / وَرَفَعنا لِعَهدِهِ تِمثالا
قَد أَبى اللَهُ أَن نَعيشَ عَلى النا / سِ وَإِن ضاقَتِ الوُجوهَ عِيالا
أَيُّها المُصلِحونَ ضاقَ بِنا العَي
أَيُّها المُصلِحونَ ضاقَ بِنا العَي / شُ وَلَم تُحسِنوا عَلَيهِ القِياما
عَزَّتِ السِلعَةُ الذَليلَةُ حَتّى / باتَ مَسحُ الحِذاءِ خَطباً جُساما
وَغَدا القوتُ في يَدِ الناسِ كَاليا / قوتِ حَتّى نَوى الفَقيرُ الصِياما
يَقطَعُ اليَومَ طاوِياً وَلَدَيهِ / دونَ ريحِ القُتارِ ريحُ الخُزامى
وَيَخالُ الرَغيفَ في البُعدِ بَدراً / وَيَظُنُّ اللُحومَ صَيداً حَراما
إِن أَصابَ الرَغيفَ مِن بَعدِ كَدٍّ / صاحَ مَن لي بِأَن أُصيبَ الإِداما
أَيُّها المُصلِحونَ أَصلَحتُمُ الأَر / ضَ وَبِتُّم عَنِ النُفوسِ نِياما
أَصلِحوا أَنفُساً أَضَرَّ بِها الفَق / رُ وَأَحيا بِمَوتِها الآثاما
لَيسَ في طَوقِها الرَحيلُ وَلا الجِد / دُ وَلا أَن تُواصِلَ الإِقداما
تُؤثِرُ المَوتَ في رُبا النيلِ جوعاً / وَتَرى العارَ أَن تَعافَ المَقاما
وَرِجالُ الشَآمِ في كُرَةِ الأَر / ضِ يُبارونَ في المَسيرِ الغَماما
رَكِبوا البَحرَ جاوَزوا القُطبَ فاتوا / مَوقِعَ النَيِّرَينِ خاضوا الظَلاما
يَمتَطونَ الخُطوبَ في طَلَبِ العَي / شِ وَيَبرونَ لِلنِضالِ السِهاما
وَبَنو مِصرَ في حِمى النيلِ صَرعى / يَرقُبونَ القَضاءَ عاماً فَعاما
أَيُّها النيلُ كَيفَ نُمسي عِطاشاً / في بِلادٍ رَوَّيتَ فيها الأَناما
يَرِدُ الواغِلُ الغَريبُ فَيَروى / وَبَنوكَ الكِرامُ تَشكو الأَواما
إِنَّ لينَ الطِباعِ أَورَثَنا الذُل / لَ وَأَغرى بِنا الجُناةَ الطِغاما
إِنَّ طيبَ المُناخِ جَرَّ عَلَينا / في سَبيلِ الحَياةِ ذاكَ الزِحاما
أَيُّها المُصلِحونَ رِفقاً بِقَومٍ / قَيَّدَ العَجزُ شَيخَهُم وَالغُلاما
وَأَغيثوا مِنَ الغَلاءِ نُفوساً / قَد تَمَنَّت مَعَ الغَلاءِ الحِماما
أَوشَكَت تَأكُلُ الهَبيدَ مِنَ الفَق / رِ وَكادَت تَذودُ عَنهُ النِعاما
فَأَعيدوا لَنا المُكوسَ فَإِنّا / قَد رَأَينا المُكوسَ أَرخى زِماما
ضاقَ في مِصرَ قِسمُنا فَاِعذُرونا / إِن حَسَدنا عَلى الجَلاءِ الشَآما
قَد شَقينا وَنَحنُ كَرَّمَنا اللَ / هُ بِعَصرٍ يُكَرِّمُ الأَنعاما
أَينَ يَومُ القَنالِ يا رَبَّةَ التا
أَينَ يَومُ القَنالِ يا رَبَّةَ التا / جِ وَيا شَمسَ ذَلِكَ المِهرَجانِ
أَينَ مُجري القَنالِ أَينَ مُميتُ ال / مالِ أَينَ العَزيزُ ذو السُلطانِ
أَينَ هارونُ مِصرَ أَينَ أَبو الأَش / بالِ رَبُّ القُصورِ رَبُّ القِيانِ
أَينَ لَيثُ الجَزيرَةِ اِبنُ عَلِيٍّ / واهِبُ الأَلفِ مُكرِمُ الضَيفانِ
أَينَ ذا القَصرُ بِالجَزيرَةِ تَجري / فيهِ أَرزاقُنا وَتَحبو الأَماني
فيهِ لِلنَحسِ كَوكَبٌ مُسرِعُ السَي / رِ وَلِلسَعدِ كَوكَبٌ مُتَواني
قَد جَرى النيلُ تَحتَهُ بِخُشوعٍ / وَاِنكِسارِ وَهابَهُ الفَتَيانِ
كُنتَ بِالأَمسِ جَنَّةَ الحورِ يا قَص / رُ فَأَصبَحتَ جَنَّةَ الحَيَوانِ
خَطَرَ اللَيثُ في فِنائِكَ يا قَص / رُ وَقَد كُنتَ مَسرَحاً لِلحِسانِ
وَعَوى الذِئبُ في نَواحيكَ يا قَص / رُ وَقَد كُنتَ مَعقِلاً لِلِّسانِ
وَحَباكَ الزُوّارُ بِالمالِ يا قَص / رُ وَقَد كُنتَ مَصدَرَ الإِحسانِ
كُنتَ تُعطي فَمالَكَ اليَومَ تُعطى / أَينَ بانيكَ أَينَ رَبُّ المَكانِ
إِن أَطافَت بِكَ الخُطوبُ فَهَذي / سُنَّةُ الكَونِ مِن قَديمِ الزَمانِ
رُبَّ بانٍ نَأى وَرُبَّ بِناءٍ / أَسلَمَتهُ إِلى غَيرِ باني
تِلكَ حالُ الإيوانِ يا رَبَّةَ التا / جِ فَما حالُ صاحِبِ الإيوانِ
قَد طَواهُ الرَدى وَلَو كانَ حَيّاً / لَمَشى في رِكابِكِ الثَقَلانِ
وَتَوَلَّت حِراسَةَ المَوكِبِ الأَس / نى نُجومُ السَماءِ وَالنَيِّرانِ
إِن يَكُن غابَ عَن جَبينِكِ تاجٌ / كانَ بِالغَربِ أَشرَفَ التيجانِ
فَلَقَد زانَكِ المَشيبُ بِتاجٍ / لا يُدانيهِ في الجَلالِ مُداني
ذاكَ مِن صَنعَةِ الأَنامِ وَهَذا / مِن صَنيعِ المُهَيمِنِ الدَيّانِ
كُنتِ بِالأَمسِ ضَيفَةً عِندَ مَلكٍ / فَاِنزِلي اليَومَ ضَيفَةً في خانِ
وَاِعذُرينا عَلى القُصورِ كِلانا / غَيَّرَتهُ طَوارِئُ الحِدثانِ
أَيُّها القائِمونَ بِالأَمرِ فينا
أَيُّها القائِمونَ بِالأَمرِ فينا / هَل نَسَيتُم وَلاءَنا وَالوِدادا
خَفِّضوا جَيشَكُم وَناموا هَنيئا / وَاِبتَغوا صَيدَكُم وَجوبوا البِلادا
وَإِذا أَعوَزَتكُمُ ذاتُ طَوقٍ / بَينَ تِلكَ الرُبا فَصيدوا العِبادا
إِنَّما نَحنُ وَالحَمامُ سَواءٌ / لَم تُغادِر أَطواقُنا الأَجيادا
لا تَظُنّوا بِنا العُقوقَ وَلَكِن / أَرشِدونا إِذا ضَلِلنا الرَشادا
لا تُقيدوا مِن أُمَّةٍ بِقَتيلٍ / صادَتِ الشَمسُ نَفسَهُ حينَ صادا
جاءَ جُهّالُنا بِأَمرٍ وَجِئتُم / ضِعفَ ضِعفَيهِ قَسوَةً وَاِشتِدادا
أَحسِنوا القَتلَ إِن ضَنِنتُم بِعَفوٍ / أَقِصاصاً أَرَدتُمُ أَم كِيادا
أَحسِنوا القَتلَ إِن ضَنَنتُم بِعَفوٍ / أَنُفوساً أَصَبتُمُ أَم جَمادا
لَيتَ شِعري أَتِلكَ مَحكَمَةُ التَف / تيشِ عادَت أَم عَهدُ نيرونَ عادا
كَيفَ يَحلو مِنَ القَوِيِّ التَشَفّي / مِن ضَعيفٍ أَلقى إِلَيهِ القِيادا
إِنَّها مُثلَةٌ تَشُفُّ عَن الغَي / ظِ وَلَسنا لِغَيظِكُم أَندادا
أَكرِمونا بِأَرضِنا حَيثُ كُنتُم / إِنَّما يُكرِمُ الجَوادُ الجَوادا
إِنَّ عِشرينَ حِجَّةً بَعدَ خَمسٍ / عَلَّمَتنا السُكونَ مَهما تَمادى
أُمَّةُ النيلِ أَكبَرَت أَن تُعادي / مَن رَماها وَأَشفَقَت أَن تُعادى
لَيسَ فيها إِلّا كَلامٌ وَإِلّا / حَسرَةٌ بَعدَ حَسرَةٍ تَتَهادى
أَيُّها المُدَّعي العُمومِيُّ مَهلاً / بَعضَ هَذا فَقَد بَلَغتَ المُرادا
قَد ضَمِنّا لَكَ القَضاءَ بِمِصرٍ / وَضَمِنّا لِنَجلِكَ الإِسعادا
فَإِذا ما جَلَستَ لِلحُكمِ فَاِذكُر / عَهدَ مِصرٍ فَقَد شَفَيتَ الفُؤادا
لا جَرى النيلُ في نَواحيكِ يا مِص / رُ وَلا جادَكِ الحَيا حَيثُ جادا
أَنتِ أَنبَتِّ ذَلِكَ النَبتَ يا مِص / رُ فَأَضحى عَلَيكِ شَوكاً قَتادا
أَنتِ أَنبَتِّ ناعِقاً قامَ بِالأَم / سِ فَأَدمى القُلوبَ وَالأَكبادا
إيهِ يا مِدرَةَ القَضاءِ وَيا مَن / سادَ في غَفلَةِ الزَمانِ وَشادا
أَنتَ جَلّادُنا فَلا تَنسَ أَنّا / قَد لَبِسنا عَلى يَدَيكَ الحِدادا
لا رَعى اللَهُ عَهدَها مِن جُدودِ
لا رَعى اللَهُ عَهدَها مِن جُدودِ / كَيفَ أَمسَيتَ يا اِبنَ عَبدِ المَجيدِ
مُشبِعَ الحوتِ مِن لُحومِ البَرايا / وَمُجيعَ الجُنودِ تَحتَ البُنودِ
كُنتُ أَبكي بِالأَمسِ مِنكَ فَمالي / بِتُّ أَبكي عَلَيكَ عَبدَ الحَميدِ
فَرِحَ المُسلِمونَ قَبلَ النَصارى / فيكَ قَبلَ الدُروزِ قَبلَ اليَهودِ
شَمِتوا كُلُّهُم وَلَيسَ مِنَ الهِم / مَةِ أَن يَشمَتَ الوَرى في طَريدِ
أَنتَ عَبدُ الحَميدِ وَالتاجُ مَعقو / دٌ وَعَبدُ الحَميدِ رَهنَ القُيودِ
خالِدٌ أَنتَ رَغمَ أَنفِ اللَيالي / في كِبارِ الرِجالِ أَهلِ الخُلودِ
لَكَ في الدَهرِ وَالكَمالُ مُحالٌ / صَفَحاتٌ ما بَينَ بيضٍ وَسودِ
حاوَلوا طَمسَ ما صَنَعتَ وَوَدّوا / لَو يُطيقونَ طَمسَ خَطِّ الحَديدِ
ذاكَ عَبدَ الحَميدِ ذُخرُكَ عِندَ اللَ / هِ باقٍ إِن ضاعَ عِندَ العَبيدِ
أَكرِموهُ وَراقِبوا اللَهَ في الشَي / خِ وَلا تُرهِقوهُ بِالتَهديدِ
لا تَخافوا أَذاهُ فَالشَيخُ هاوٍ / لَيسَ فيهِ بَقِيَّةٌ لِلصُعودِ
وَلِيَ الأَمرَ ثُلثَ قَرنٍ يُنادي / بِاِسمِهِ كُلُّ مُسلِمٍ في الوُجودِ
كُلَّما قامَتِ الصَلاةُ دَعى الدا / عي لِعَبدِ الحَميدِ بِالتَأييدِ
فَاِسمُ هَذا الأَسيرِ قَد كانَ مَقرو / ناً بِذِكرِ الرَسولِ وَالتَوحيدِ
بِتُّ أَخشى عَلَيكُمُ أَن يَقولوا / إِن أَثَرتُم مِن كامِناتِ الحُقودِ
كانَ عَبدُ الحَميدِ بِالأَمسِ فَرداً / فَغَدا اليَومَ أَلفُ عَبدِ الحَميدِ
يا أَسيراً في سَنتِ هيلينَ رَحِّب / بِأَسيرٍ في سالُنيكَ جَديدِ
قُل لَهُ كَيفَ زالَ مُلكُكَ لَم يَع / صِمكَ إِعدادُ عُدَّةٍ أَو عَديدِ
لَم تَصُنكَ الجُنودُ تَفديكَ بِالأَر / واحِ وَالمالِ يا غَرامَ الجُنودِ
قُل لَهُ كَيفَ كُنتَ كَيفَ اِمتَلَكتَ ال / أَرضَ كَيفَ اِنفَرَدتَ بِالتَمجيدِ
فَثَلَلتَ العُروشَ عَرشاً فَعَرشاً / وَصَبَغتَ الصَعيدَ بَعدَ الصَعيدِ
كُلَّما نِلتَ غايَةً لَم تَنَلها / هِمَّةُ الدَهرِ قُلتَ هَل مِن مَزيدِ
ضاقَتِ الأَرضُ عَن مَداكَ فَأَرسَل / تَ بِطَرفٍ إِلى السَماءِ عَتيدِ
قُل لَهُ جَلَّ مَن لَهُ المُلكُ لا مُل / كَ لِغَيرِ المُهَيمِنِ المَعبودِ
أَنتَ مَهما شَقيتَ أَرفَهُ حالاً / مِن أَسيرِ الجَزيرَةِ المَكمودِ
وَأَسيرُ الأَقفاصِ قَد كانَ أَشقى / لَو سَأَلتَ الأَسفارَ عَن بايَزيدِ
كانَ عَبدُ الحَميدِ في القَصرِ أَشقى / مِنهُ في الأَسرِ وَالبَلاءِ الشَديدِ
كانَ لا يَعرِفُ القَرارَ بِلَيلٍ / لا وَلا يَستَلِذُّ طَعمَ الهُجودِ
حَذِراً يَرهَبُ الظَلامَ وَيَخشى / خَطرَةَ الريحِ أَو بُكاءَ الوَليدِ
نَفَقٌ تَحتَ طابِقِ الأَرضِ أَخفى / في تَدَجّيهِ مِن ضَميرِ الكَنودِ
يُعجِزُ الوَهمَ عَن تَلَمُّسِ ذاكَ ال / بابِ بابِ الخَليفَةِ المَنكودِ
أَصَحيحٌ ما قيلَ عَنكَ وَحَقٌّ / ما سَمِعنا مِنَ الرُواةِ الشُهودِ
أَنَّ عَبدَ الحَميدِ قَد هَدَمَ الشَر / عَ وَأَربى عَلى فِعالِ الوَليدِ
إِن بَريئاً وَإِن أَثيماً سَتُجزى / يَومَ تُجزى أَمامَ رَبٍّ شَهيدِ
أَصَحيحٌ بَكَيتَ لَمّا أَتى الوَف / دُ وَنابَتكَ رِعشَةُ الرِعديدِ
وَنَسيتَ الآباءَ وَالمَجدَ وَالسُؤ / دُدَ وَالعِزَّ يا كَريمَ الجُدودِ
ما عَهِدنا المُلوكَ تَبكي وَلَكِن / عَلَّها نَزوَةُ الفُؤادِ الجَليدِ
عَلَّها دَمعَةُ الوَداعِ لِذاكَ ال / مُلكِ أَو ذِكرَةٌ لِتِلكَ العُهودِ
غَسَلَ الدَمعُ عَنكَ حَوبَةَ ماضي / كَ وَوَقّاكَ شَرَّ يَومِ الوَعيدِ
شَفَعَ الدَمعُ فيكَ عِندَ البَرايا / لَيسَ ذاكَ الشَفيعُ بِالمَردودِ
دَمعُكَ اليَومَ مِثلُ أَمرِكَ بِالأَم / سِ مُطاعٌ في سَيِّدٍ وَمَسودِ
كانَ عَبدُ العَزيزِ أَجمَلَ أَمراً / مِنكَ في يَومِ خَلعِهِ المَشهودِ
خافَ مَأثورَ قَولِهِ فَتَعالى / عَن صَغارٍ وَماتَ مَوتَ الأُسودِ
ضَمَّ مِقراضَهُ إِلَيهِ وَنادى / دونَ ذُلِّ الحَياةِ قَطعُ الوَريدِ
حَيِّ عَهدَ الرَشادِ يا شَرقُ وَاِبلُغ / ما تَمَنَّيتَ مِن زَمانٍ بَعيدِ
قَد تَوَلّى مُحَمَّدُ الخامِسُ المُل / كَ فَأَعظِم بِتاجِهِ المَعقودِ
وَتَجَلّى في مِهرَجانٍ تَجَلّى / سَيفُ عُثمانَ فيهِ بِالتَقليدِ
وَقَفَ الدَهرُ خاشِعاً إِذ رَأى السَي / فَينِ في قَبضَةِ العَزيزِ المَجيدِ
طَأطِئي لِلجَلالِ يا أُمَمَ الأَر / ضِ سُجوداً هَذا مَقامُ السُجودِ
عَلِمَ اللَهُ أَنَّ عَهدَ رَشادٍ / خَيرُ فَألٍ بِرَدِّ عَهدِ الرَشيدِ
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعاً / كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي
وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَه / رِ كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي
أَنا تاجُ العَلاءِ في مَفرِقِ الشَر / قِ وَدُرّاتُهُ فَرائِدُ عِقدي
أَيُّ شَيءٍ في الغَربِ قَد بَهَرَ النا / سَ جَمالاً وَلَم يَكُن مِنهُ عِندي
فَتُرابي تِبرٌ وَنَهري فُراتٌ / وَسَمائي مَصقولَةٌ كَالفِرِندِ
أَينَما سِرتَ جَدوَلٌ عِندَ كَرمٍ / عِندَ زَهرٍ مُدَنَّرٍ عِندَ رَندِ
وَرِجالي لَو أَنصَفوهُم لَسادوا / مِن كُهولٍ مِلءِ العُيونِ وَمُردِ
لَو أَصابوا لَهُم مَجالاً لَأَبدَوا / مُعجِزاتِ الذَكاءِ في كُلِّ قَصدِ
إِنَّهُم كَالظُبا أَلَحَّ عَلَيها / صَدَأُ الدَهرِ مِن ثَواءِ وَغِمدِ
فَإِذا صَيقَلُ القَضاءِ جَلاها / كُنَّ كَالمَوتِ ما لَهُ مِن مَرَدِّ
أَنا إِن قَدَّرَ الإِلَهُ مَماتي / لا تَرى الشَرقَ يَرفَعُ الرَأسَ بَعدي
ما رَماني رامٍ وَراحَ سَليماً / مِن قَديمٍ عِنايَةُ اللَهُ جُندي
كَم بَغَت دَولَةٌ عَلَيَّ وَجارَت / ثُمَّ زالَت وَتِلكَ عُقبى التَعَدّي
إِنَّني حُرَّةٌ كَسَرتُ قُيودي / رَغمَ رُقبى العِدا وَقَطَّعتُ قِدّي
وَتَماثَلتُ لِلشِفاءِ وَقَد دا / نَيتُ حَيني وَهَيَّأَ القَومُ لَحدي
قُل لِمَن أَنكَروا مَفاخِرَ قَومي / مِثلَ ما أَنكَروا مَآثِرَ وُلدي
هَل وَقَفتُم بِقِمَّةِ الهَرَمِ الأَك / بَرِ يَوماً فَرَيتُمُ بَعضَ جُهدي
هَل رَأَيتُم تِلكَ النُقوشَ اللَواتي / أَعَجَزَت طَوقَ صَنعَةِ المُتَحَدّي
حالَ لَونُ النَهارِ مِن قِدَمِ العَه / دِ وَما مَسَّ لَونَها طولُ عَهدِ
هَل فَهِمتُم أَسرارَ ما كانَ عِندي / مِن عُلومٍ مَخبوءَةٍ طَيَّ بَردي
ذاكَ فَنُّ التَحنيطِ قَد غَلَبَ الدَه / رَ وَأَبلى البِلى وَأَعجَزَ نِدّي
قَد عَقَدتُ العُهودَ مِن عَهدِ فِرعَو / نَ فَفي مِصرَ كانَ أَوَّلُ عَقدِ
إِنَّ مَجدي في الأولَياتِ عَريقٌ / مَن لَهُ مِثلَ أولَياتي وَمَجدي
أَنا أُمُّ التَشريعِ قَد أَخَذَ الرو / مانُ عَنّي الأُصولَ في كُلِّ حَدِّ
وَرَصَدتُ النُجومَ مُنذُ أَضاءَت / في سَماءِ الدُجى فَأَحكَمتُ رَصدي
وَشَدا بَنتَئورَ فَوقَ رُبوعي / قَبلَ عَهدِ اليونانِ أَو عَهدِ نَجدِ
وَقَديماً بَنى الأَساطيلَ قَومي / فَفَرَقنَ البِحارَ يَحمِلنَ بَندي
قَبلَ أُسطولِ نِلسُنٍ كانَ أُسطو / لي سَرِيّاً وَطالِعي غَيرَ نَكدِ
فَسَلوا البَحرَ عَن بَلاءِ سَفيني / وَسَلوا البَرَّ عَن مَواقِعِ جُردي
أَتُراني وَقَد طَوَيتُ حَياتي / في مِراسٍ لَم أَبلُغِ اليَومَ رُشدي
أَيُّ شَعبٍ أَحَقُّ مِنّي بِعَيشٍ / وارِفِ الظِلِّ أَخضَرِ اللَونِ رَغدِ
أَمِنَ العَدلِ أَنَّهُم يَرِدونَ ال / ماءَ صَفواً وَأَن يُكَدَّرَ وِردي
أَمِنَ الحَقِّ أَنَّهُم يُطلِقونَ ال / أُسدَ مِنهُم وَأَن تُقَيَّدَ أُسدي
نِصفُ قَرنٍ إِلّا قَليلاً أُعاني / ما يُعاني هَوانَهُ كُلُّ عَبدِ
نَظَرَ اللَهُ لي فَأَرشَدَ أَبنا / ئي فَشَدّوا إِلى العُلا أَيَّ شَدِّ
إِنَّما الحَقُّ قُوَّةٌ مِن قُوى الدَي / يانِ أَمضى مِن كُلِّ أَبيَضَ هِندي
قَد وَعَدتُ العُلا بِكُلِّ أَبِيٍّ / مِن رِجالي فَأَنجِزوا اليَومَ وَعدي
أَمهِروها بِالروحِ فَهيَ عَروسٌ / تَسنَأُ المَهرَ مِن عُروضٍ وَنَقدِ
وَرِدوا بي مَناهِلَ العِزِّ حَتّى / يَخطُبَ النَجمُ في المَجَرَّةِ وُدّي
وَاِرفَعوا دَولَتي عَلى العِلمِ وَالأَخ / لاقِ فَالعِلمُ وَحدَهُ لَيسَ يُجدي
وَتَواصَوا بِالصَبرِ فَالصَبرُ إِن فا / رَقَ قَوماً فَما لَهُ مِن مَسَدِّ
خُلُقُ الصَبرِ وَحدَهُ نَصَرَ القَو / مَ وَأَغنى عَنِ اِختِراعٍ وَعَدِّ
شَهِدوا حَومَةَ الوَغى بِنُفوسٍ / صابِراتٍ وَأَوجُهٍ غَيرِ رُبدِ
فَمَحا الصَبرُ آيَةَ العِلمِ في الحَر / بِ وَأَنحى عَلى القَوِيِّ الأَشَدِّ
إِنَّ في الغَربِ أَعيُناً راصِداتٍ / كَحَلَتها الأَطماعُ فيكُم بِسُهدِ
فَوقَها مِجهَرٌ يُريها خَفايا / كَم وَيَطوي شُعاعُهُ كُلَّ بُعدِ
فَاِتَّقوها بِجُنَّةٍ مِن وِئامٍ / غَيرِ رَثِّ العُرا وَسَعيٍ وَكَدِّ
وَاِصفَحوا عَن هَناتِ مَن كانَ مِنكُم / رُبَّ هافٍ هَفا عَلى غَيرِ عَمدِ
نَحنُ نَجتازُ مَوقِفاً تَعثُرُ الآ / راءُ فيهِ وَعَثرَةُ الرَأيِ تُردي
وَنُعيرُ الأَهواءَ حَرباً عَواناً / مِن خِلافٍ وَالخُلفُ كَالسِلِّ يُعدي
وَنُثيرُ الفَوضى عَلى جانِبَيهِ / فَيُعيدُ الجَهولُ فيها وَيُبدي
وَيَظُنُّ الغَوِيُّ أَن لا نِظامٌ / وَيَقولُ القَوِيُّ قَد جَدَّ جِدّي
فَقِفوا فيهِ وَقفَةَ الحَزمِ وَاِرموا / جانِبَيهِ بِعَزمَةِ المُستَعِدِّ
إِنَّنا عِندَ فَجرِ لَيلٍ طَويلٍ / قَد قَطَعناهُ بَينَ سُهدٍ وَوَجدِ
غَمَرَتنا سودُ الأَهاويلِ فيهِ / وَالأَمانِيُّ بَينَ جَزرٍ وَمَدِّ
وَتَجَلّى ضِياؤُهُ بَعدَ لَأيٍ / وَهوَ رَمزٌ لِعَهدِيَ المُستَرَدِّ
فَاِستَبينوا قَصدَ السَبيلِ وَجِدّوا / فَالمَعالي مَخطوبَةٌ لِلمُجِدِّ
حَوِّلوا النيلَ وَاِحجُبوا الضَوءَ عَنّا
حَوِّلوا النيلَ وَاِحجُبوا الضَوءَ عَنّا / وَاِطمِسوا النَجمَ وَاِحرِمونا النَسيما
وَاِملَئوا البَحرَ إِن أَرَدتُم سَفيناً / وَاِملَئوا الجَوَّ إِن أَرَدتُم رُجوما
وَأَقيموا لِلعَسفِ في كُلِّ شِبرٍ / كُنسُتَبلاً بِالسَوطِ يَفري الأَديما
إِنَّنا لَن نَحولَ عَن عَهدِ مِصرٍ / أَو تَرَونا في التُربِ عَظماً رَميما
عاصِفٌ صانَ مُلكَكُم وَحَماكُم / وَكَفاكُم بِالأَمسِ خَطباً جَسيما
غالَ أَرمادَةَ العَدُوَّ فَفُزتُم / وَبَلَغتُم في الشَرقِ شَأواً عَظيما
فَعَدَلتُم هُنَيهَةً وَبَغَيتُم / وَتَرَكتُم في النيلِ عَهداً ذَميما
فَشَهِدنا ظُلماً يُقالُ لَهُ العَد / لُ وَوُدّاً يَسقي الحَميمَ الحَميما
فَاِتَّقوا غَضبَةَ العَواصِفِ إِنّي / قَد رَأَيتُ المَصيرَ أَمسى وَخيما
أَيُّهَذا الثَرى إِلامَ التَمادي
أَيُّهَذا الثَرى إِلامَ التَمادي / بَعدَ هَذا أَأَنتَ غَرثانُ صادي
أَنتَ تَروى مِن مَدمَعٍ كُلَّ يَومٍ / وَتُغَذّى مِن هَذِهِ الأَجسادِ
قَد جَعَلتَ الأَنامَ زادَكَ في الدَه / رِ وَقَد آذَنَ الوَرى بِالنَفادِ
فَاِلتَمِس بَعدَهُ المَجَرَّةَ وِرداً / وَتَزَوَّد مِنَ النُجومِ بِزادِ
لَستُ أَدعوكَ بِالتُرابِ وَلَكِن / بُقُدودِ المِلاحِ وَالأَجيادِ
بِخُدودِ الحِسانِ بِالأَعيُنِ النُج / لِ بِتِلكَ القُلوبِ وَالأَكبادِ
لَم تَلِدنا حَوّاءُ إِلّا لِنَشقى / لَيتَها عاطِلٌ مِنَ الأَولادِ
أَسلَمَتنا إِلى صُروفِ زَمانٍ / ثُمَّ لَم توصِها بِحِفظِ الوِدادِ
أَيُّها اليَمُّ كَم بِقاعِكَ نَفسٍ / فيكَ أَودَت مِن عَهدِ ذي الأَوتادِ
قَد تَحالَفتَ وَالتُرابَ عَلَينا / وَتَقاسَمتُما فَناءَ العِبادِ
خَبِّرينا جُهَينَ لا تَكذِبينا / ما الَّذي يَفعَلُ البِلى بِالجَوادِ
كَيفَ أَمسى وَكَيفَ أَصبَحَ فيهِ / ذَلِكَ المُنعِمُ الكَثيرُ الرَمادِ
رَحِمَ اللَهُ مِنهُ لَفظاً شَهِيّاً / كانَ أَحلى مِن رَدِّ كَيدِ الأَعادي
رَحِمَ اللَهُ مِنهُ طَرفاً تَقِيّاً / وَيَميناً تَسيلُ سَيلَ الغَوادي
رَحِمَ اللَهُ مِنهُ شَهماً وَفِيّاً / كانَ مِلءَ العُيونِ في كُلِّ نادي
أَلهَمَ اللَهُ فيكَ صَبراً جَميلاً / كُلَّ مَن باتَ ناطِقاً بِالضادِ
بِتَّ في حُلَّةِ النَعيمِ وَبِتنا / في ثِيابٍ مِنَ الأَسى وَالسُهادِ
وَسَكَنتَ القُصورَ في بَيتِ خُلدٍ / وَسَكَنّا عَلَيكَ بَيتَ الحِدادِ
سَكَنَ الفَيلَسوفُ بَعدَ اِضطِرابِ
سَكَنَ الفَيلَسوفُ بَعدَ اِضطِرابِ / إِنَّ ذاكَ السُكونَ فَصلُ الخِطابِ
لَقِيَ اللَهَ رَبَّهُ فَاِترُكوا المَر / ءَ لِدَيّانِهِ فَسيحِ الرِحابِ
حَزِنَ العِلمُ يَومَ مِتَّ وَلَكِن / أَمِنَ الدينُ صَيحَةَ المُرتابِ
كُنتَ تَبغي بَردَ اليَقينِ عَلى الأَر / ضِ وَتَسعى وَراءَ لُبِّ اللُبابِ
فَاِستَرِح أَيُّها المُجاهِدُ وَاِهدَأ / قَد بَلَغتَ المُرادَ تَحتَ التُرابِ
وَعَرَفتَ اليَقينَ وَاِنبَلَجَ الحَق / قُ لِعَينَيكَ ساطِعاً كَالشِهابِ
لَيتَ شِعري وَقَد قَضَيتَ حَياةً / بَينَ شَكٍّ وَحَيرَةٍ وَاِرتِيابِ
هَل أَتاكَ اليَقينُ مِن طُرُقِ الشَك / كِ فَشَكُّ الحَكيمِ بَدءُ الصَوابِ
كَم سَمِعنا مُسائِلاً قَبلَ شِبلي / عاشَ في البَحثِ طارِقاً كُلَّ بابِ
أَطلَقَ الفِكرَ في العَوالِمِ حُرّاً / مُستَطيراً يُريغُ هَتكَ الحِجابِ
يَقرَعُ النَجمَ سائِلاً ثُمَّ يَرتَد / دُ إِلى الأَرضِ باحِثاً عَن جَوابِ
أَعجَزَتهُ مِن قُدرَةِ اللَهِ أَسبا / بٌ طَواها مُسَبِّبُ الأَسبابِ
وَقَفَت دونَها العُقولُ حَيارى / وَاِنثَنى هِبرِزِيُّها وَهوَ كابي
لَم يَكُن مُلحِداً وَلَكِن تَصَدّى / لِشُؤونِ المُهَيمِنِ الوَهّابِ
رامَ إِدراكَ كُنهِ ما أَعجَزَ النا / سَ قَديماً فَلَم يَفُز بِالطِلابِ
إيهِ شِبلي قَد أَكثَرَ الناسُ فيكَ ال / قَولَ حَتّى تَفَنَّنوا في عِتابي
قيلَ تَرثي ذاكَ الَّذي يُنكِرُ النو / رَ وَلا يَهتَدي بِهَديِ الكِتابِ
قُلتُ كُفّوا فَإِنَّما قُمتُ أَرثي / مِنهُ خِلّاً أَمسى طَويلَ الغِيابِ
أَنا وَاللَهِ لا أُحابيهِ في القَو / لِ فَقَد كانَ صاحِبي لا يُحابي
أَنا أَرثى شَمائِلاً مِنهُ عِندي / كُنَّ أَحلى مِنَ الشِهادِ المُذابِ
كانَ حُرَّ الآراءِ لا يَعرِفُ الخَت / لَ وَلا يَستَبيحُ غَيبَ الصِحابِ
مُفضِلاً مُحسِناً عَلى العُسرِ وَاليُس / رِ جَميعَ الفُؤادِ رَحبَ الجَنابِ
عاشَ ما عاشَ لا يُليقُ عَلى الأَي / يامِ لا وَلَم يَلِن لِلصِعابِ
كانَ في الوُدِّ مَوضِعَ الثِقَةِ الكُب / رى وَفي العِلمِ مَوضِعَ الإِعجابِ
نُكِبَ الطِبُّ فيهِ يَومَ تَوَلّى / وَأُصيبَت رَوائِعُ الآدابِ
وَخَلا ذَلِكَ النَدِيُّ مِنَ الأُن / سِ وَقَد كانَ مَرتَعَ الكُتّابِ
وَبَكَت فَقدَهُ الشَآمُ وَناءَت / فَوقَ ما نابَها بِهَذا المُصابِ
كُلَّ يَومٍ يُهَدُّ رُكنٌ مِنَ الشَأ / مِ لَقَد آذَنَت إِذاً بِالخَرابِ
فَهيَ بِاليازِجي وَجُرجي وَشِبلي / فُجِعَت بِالثَلاثَةِ الأَقطابِ
فَعَلى الراحِلِ الكَريمِ سَلامٌ / كُلَّما غَيَّبَ الثَرى لَيثَ غابِ
دُكَّ ما بَينَ ضَحوَةٍ وَعَشِيِّ
دُكَّ ما بَينَ ضَحوَةٍ وَعَشِيِّ / شامِخٌ مِن صُروحِ آلِ عَلِيِّ
وَهَوى عَن سَماوَةِ العَرشِ مَلكٌ / لَم نُمَتَّع بِعَهدِهِ الذَهَبِيِّ
قَد تَساءَلتُ يَومَ ماتَ حُسَينٌ / أَفَقَدنا بِفَقدِهِ كُلَّ شَيِّ
أَم تَرى يُسعِدُ الكِنانَةَ باري / ها وَيَقضي لَها بِلُطفٍ خَفِيِّ
لَم تَكَد تُدرِكُ النُفوسُ مُراداً / في زَمانِ المُتَوَّجِ العَلَوِيِّ
لَم تَكَد تَبلُغُ البِلادَ مُناها / تَحتَ أَفياءِ عَدلِهِ الكِسرَوِيِّ
لَم يَكَد يَنعَمُ الفَقيرُ بِعَيشٍ / مِن نَداهُ وَفَيضِهِ الحاتِمِيِّ
حَجَبَ المَوتُ مَطلَعَ الجودِ يا مِص / رُ فَجودي لَهُ بِدَمعٍ سَخِيِّ
وَمَضى واهِبُ الأُلوفِ فَوَلَّت / يَومَ وَلّى بَشاشَةُ الأَريَحِيِّ
وَقَضى كافِلُ اليَتامى فَوَيلٌ / لِليَتامى مِنَ الزَمانِ العَتِيِّ
كَم تَمَنّى لَو عاشَ حَتّى يَرانا / أُمَّةً ذاتَ مَنعَةٍ وَرُقِيِّ
غالَهُ الضَعفُ حينَ شَمَّرَ لِلإِص / لاحِ في مُلكِهِ بِعَزمٍ فَتِيِّ
حَبَسَ الخَطبُ فيكَ أَلسِنَةَ القَو / لِ وَأَعيا قَريحَةَ العَبقَرِيِّ
وَإِذا جَلَّتِ الخُطوبُ وَطَمَّت / أَعجَزَت في القَريضِ طَوقَ الرَوِيِّ
إِنَّ شَرَّ المُصابِ ما أَطلَقَ الدَم / عَ وَراعَ المُفَوَّهينَ بِعِيِّ
لَهفَ نَفسي عَلى اِنبِساطِكَ لِلضَي / فِ وَذَيّالِكَ الحَديثِ الشَهِيِّ
يَحسَبُ الدارَ دارَهُ وَهوَ يَمشي / فَوقَ زاهي بِساطِكَ الأَحمَدِيِّ
خُلُقٌ مِثلَما نَشَقتَ أَريجَ ال / زَهرِ جادَتهُ زَورَةُ الوَسمِيِّ
وَاِهتِزازٌ لِلعُرفِ مِثلُ اِهتِزازِ ال / سَيفِ في قَبضَةِ الشُجاعِ الكَمِيِّ
وَحَياءٌ عِندَ العَطِيَّةِ يَنفي / خَجَلَ السائِلِ الكَريمِ الأَبِيِّ
وَاِختِبارٌ يَثني عِنانَ العَوادي / وَوَقارٌ يَزينُ صَدرَ النَدِيِّ
رَحِمَ اللَهُ يا حُسَينُ خِلالاً / فيكَ لَم يَجتَمِعنَ في نَفسِ حَيِّ
يا كَريماً حَلَلتَ ساحَ كَريمٍ / وَضَعيفاً حَلَلتَ ساحَ القَوِيِّ
قَد كَفاكَ السُهادُ في العَيشِ فَاِهنَأ / يا أَليفَ الضَنى بِنَومٍ هَنِيِّ
وَيحَ مِصرٍ فَأَيُّ خَيطِ رَجاءٍ / قَطَعَتهُ رَنّاتُ صَوتِ النَعِيِّ
إيهِ يا لَيلُ هَل شَهِدتَ المُصابا
إيهِ يا لَيلُ هَل شَهِدتَ المُصابا / كَيفَ يَنصَبُّ في النُفوسِ اِنصِبابا
بَلِّغِ المَشرِقَينِ قَبلَ اِنبِلاجِ ال / صُبحِ أَنَّ الرَئيسَ وَلّى وَغابا
وَاِنعَ لِلنَيِّراتِ سَعداً فَسَعدٌ / كانَ أَمضى في الأَرضِ مِنها شِهابا
قُدَّ يا لَيلُ مِن سَوادِكَ ثَوباً / لِلدَراري وَلِلضُحى جِلبابا
اُنسُجِ الحالِكاتِ مِنكَ نِقاباً / وَاِحبُ شَمسَ النَهارِ ذاكَ النِقابا
قُل لَها غابَ كَوكَبُ الأَرضِ في الأَر / ضِ فَغيبي عَنِ السَماءِ اِحتِجابا
وَاِلبَسيني عَلَيهِ ثَوبَ حِدادٍ / وَاِجلِسي لِلعَزاءِ فَالحُزنُ طابا
أَينَ سَعدٌ فَذاكَ أَوَّلُ حَفلٍ / غابَ عَن صَدرِهِ وَعافَ الخِطابا
لَم يُعَوِّد جُنودَهُ يَومَ خَطبٍ / أَن يُنادى فَلا يَرُدُّ الجَوابا
عَلَّ أَمراً قَد عاقَهُ عَلَّ سُقماً / قَد عَراهُ لَقَد أَطالَ الغِيابا
أَي جُنودَ الرَئيسِ نادوا جِهاراً / فَإِذا لَم يُجِب فَشُقّوا الثِيابا
إِنَّها النَكبَةُ الَّتي كُنتُ أَخشى / إِنَّها الساعَةُ الَّتي كُنتُ آبى
إِنَّها اللَفظَةُ الَّتي تَنسِفُ الأَن / فُسَ نَسفاً وَتَفقُرُ الأَصلابا
ماتَ سَعدٌ لا كُنتِ يا ماتَ سَعدٌ / أَسِهاماً مَسمومَةً أَم حِرابا
كَيفَ أَقصَدتِ كُلَّ حَيٍّ عَلى الأَر / ضِ وَأَحدَثتِ في الوُجودِ اِنقِلابا
حَسرَةٌ عِندَ أَنَّةٍ عِندَ آهٍ / تَحتَها زَفرَةٌ تُذيبُ الصِلابا
قُل لِمَن باتَ في فِلِسطينَ يَبكي / إِنَّ زِلزالَنا أَجَلُّ مُصابا
قَد دُهيتُم في دورِكُم وَدُهينا / في نُفوسٍ أَبَينَ إِلّا اِحتِسابا
فَفَقَدتُم عَلى الحَوادِثِ جَفناً / وَفَقَدنا المُهَنَّدَ القِرضابا
سَلَّهُ رَبُّهُ زَماناً فَأَبلى / ثُمَّ ناداهُ رَبُّهُ فَأَجابا
قَدَرٌ شاءَ أَن يُزَلزِلَ مِصراً / فَتَغالى فَزَلزَلَ الأَلبابا
طاحَ بِالرَأسِ مِن رِجالاتِ مِصرٍ / وَتَخَطّى التُحوتَ وَالأَوشابا
وَالمَقاديرُ إِن رَمَت لا تُبالي / أَرُؤوساً تُصيبُ أَم أَذنابا
خَرَجَت أُمَّةٌ تُشَيِّعُ نَعشاً / قَد حَوى أُمَّةً وَبَحراً عُبابا
حَمَلوهُ عَلى المَدافِعِ لَمّا / أَعجَزَ الهامَ حَملُهُ وَالرِقابا
حالَ لَونُ الأَصيلِ وَالدَمعُ يَجري / شَفَقاً سائِلاً وَصُبحاً مُذابا
وَسَها النيلُ عَن سُراهُ ذُهولاً / حينَ أَلفى الجُموعَ تَبكي اِنتِحابا
ظَنَّ يا سَعدُ أَن يَرى مِهرَجاناً / فَرَأى مَأتَماً وَحَشداً عُجابا
لَم تَسُق مِثلَهُ فَراعينُ مِصرٍ / يَومَ كانوا لِأَهلِها أَربابا
خَضَبَ الشيبُ شَيبَهُم بِسَوادٍ / وَمَحا البيضُ يَومَ مِتَّ الخِضابا
وَاِستَهَلَّت سُحبُ البُكاءِ عَلى الوا / دي فَغَطَّت خَضراءَهُ وَاليَبابا
ساقَت التَيمِسُ العَزاءَ إِلَينا / وَتَوَخَّت في مَدحِكَ الإِسهابا
لَم يَنُح جازِعٌ عَلَيكَ كَما نا / حَت وَلا أَطنَبَ المُحِبُّ وَحابى
وَاِعتِرافُ التاميزِ يا سَعدُ مِقيا / سٌ لِما نالَ نيلَنا وَأَصابا
يا كَبيرَ الفُؤادِ وَالنَفسِ وَالآ / مالِ أَينَ اِعتَزَمتَ عَنّا الذَهابا
كَيفَ نَنسى مَواقِفاً لَكَ فينا / كُنتَ فيها المَهيبَ لا الهَيّابا
كُنتَ في مَيعَةِ الشَبابِ حُساماً / زادَ صَقلاً فِرِندُهُ حينَ شابا
لَم يُنازِلكَ قارِحُ القَومِ إِلّا / كُنتَ أَقوى يَداً وَأَعلى جَنابا
عِظَمٌ لَو حَواهُ كِسرى أَنوشَر / وانَ يَوماً لَضاقَ عَنهُ إِهابا
وَمَضاءٌ يُريكَ حَدَّ قَضاءِ اللَ / هِ يَفري مَتناً وَيَحطِمُ نابا
قَد تَحَدَّيتَ قُوَّةً تَملَأُ المَع / مورَ مِن هَولِ بَطشِها إِرهابا
تَملِكُ البَرَّ وَالبِحارَ وَتَمشي / فَوقَ هامِ الوَرى وَتَجبي السَحابا
لَم يُنَهنِه مِن عَزمِكَ السِجنُ وَالنَف / سُ وَساجَلتَها بِمِصرَ الضِرابا
سائِلوا سيشِلاً أَأَوجَسَ خَوفاً / وَسَلوا طارِقاً أَرامَ اِنسِحابا
عَزمَةٌ لا يَصُدُّها عَن مَداها / ما يَصُدُّ السُيولَ تَغشى الهِضابا
لَيتَ سَعداً أَقامَ حَتّى يَرانا / كَيفَ نُعلي عَلى الأَساسِ القِبابا
قَد كَشَفنا بِهَديِهِ كُلَّ خافٍ / وَحَسِبنا لِكُلِّ شَيءٍ حِسابا
حُجَجُ المُبطِلينَ تَمضي سِراعاً / مِثلَما تُطلِعُ الكُؤوسُ الحَبابا
حينَ قالَ اِنتَهَيتُ قُلنا بَدَأنا / نَحمِلُ العِبءَ وَحدَنا وَالصِعابا
فَاِحجُبوا الشَمسَ وَاِحبِسوا الرَوحَ عَنّا / وَاِمنَعونا طَعامَنا وَالشَرابا
وَاِستَشِفّوا يَقينَنا رَغمَ ما نَل / قى فَهَل تَلمَحونَ فيهِ اِرتِيابا
قَد مَلَكتُم فَمَ السَبيلِ عَلَينا / وَفَتَحتُم لِكُلِّ شَعواءَ بابا
وَأَتَيتُم بِالحائِماتِ تَرامى / تَحمِلُ المَوتَ جاثِماً وَالخَرابا
وَمَلَأتُم جَوانِبَ النيلِ وَعداً / وَوَعيداً وَرَحمَةً وَعَذابا
هَل ظَفِرتُم مِنّا بِقَلبٍ أَبِيٍّ / أَو رَأَيتُم مِنّا إِلَيكُم مَثابا
لا تَقولوا خَلا العَرينُ فَفيهِ / أَلفُ لَيثٍ إِذا العَرينُ أَهابا
فَاِجمَعوا كَيدَكُم وَروعوا حِماها / إِنَّ عِندَ العَرينِ أُسداً غِضابا
جَزِعَ الشَرقُ كُلُّهُ لِعَظيمٍ / مَلَأَ الشَرقَ كُلَّهُ إِعجابا
عَلَّمَ الشامَ وَالعِراقَ وَنَجداً / كَيفَ يُحمى الحِمى إِذا الخَطبُ نابا
جَمَعَ الحَقَّ كُلَّهُ في كِتابٍ / وَاِستَثارَ الأُسودَ غاباً فَغابا
وَمَشى يَحمِلُ اللِواءَ إِلى الحَق / قِ وَيَتلو في الناسِ ذاكَ الكِتابا
كُلَّما أَسدَلوا عَلَيهِ حِجاباً / مِن ظَلامٍ أَزالَ ذاكَ الحِجابا
واقِفٌ في سَبيلِهِم أَينَ ساروا / عالِمٌ بِاِحتِيالِهِم أَينَ جابا
أَيُّ مَكرٍ يَدِقُّ عَن ذِهنِ سَعدٍ / أَيُّ خَتلٍ يُريغُ مِنهُ اِضطِرابا
شاعَ في نَفسِهِ اليَقينُ فَوَقّا / هُ بِهِ اللَهُ عَثرَةً أَو تَبابا
عَجَزَت حيلَةُ الشِباكِ وَكانَ ال / شَرقُ لِلصَيدِ مَغنَماً مُستَطابا
كُلَّما أَحكَموا بِأَرضِكَ فَخّاً / مِن فِخاخِ الدَهاءِ خابوا وَخابا
أَو أَطاروا الحَمامَ يَوماً لِزَجلٍ / قابَلوا مِنكَ في السَماءِ عُقابا
تَقتُلُ الدَسَّ بِالصَراحَةِ قَتلاً / وَتُسَقّي مُنافِقَ القَومِ صابا
وَتَرى الصِدقَ وَالصَراحَةَ ديناً / لا يَراهُ المُخالِفونَ صَوابا
تَعشَقُ الجَوَّ صافي اللَونِ صَحواً / وَالمُضِلّونَ يَعشَقونَ الضَبابا
أَنتَ أَورَدتَنا مِنَ الماءِ عَذباً / وَأَراهُم قَد أَورَدونا السَرابا
قَد جَمَعتَ الأَحزابَ حَولَكَ صَفّاً / وَنَظَمتَ الشُيوخَ وَالنُوّابا
وَمَلَكتَ الزِمامَ وَاِحتَطتَ لِلغَي / بِ وَأَدرَكتَ بِالأَناةِ الطِلابا
ثُمَّ خَلَّفتَ بِالكِنانَةِ أَبطا / لاً كُهولاً أَعِزَّةً وَشَبابا
قَد مَشى جَمعُهُم إِلى المَقصِدِ الأَس / مى يُغِذّونَ لِلوُصولِ الرِكابا
يَبتَنونَ العُلا يَشيدونَ مَجداً / يُسعِدونَ البَنينَ وَالأَعقابا
قَد بَلَوناكَ قاضِياً وَوَزيراً / وَرَئيساً وَمِدرَهاً خَلّابا
فَوَجَدناكَ مِن جَميعِ نَواحي / كَ عَظيماً مُوَفَّقاً غَلّابا
لَم يَنَل حاسِدوكَ مِنكَ مُناهُم / لا وَلَم يُلصِقوا بِعَلياكَ عابا
نَم هَنيئاً فَقَد سَهِدتَ طَويلاً / وَسَئِمتَ السَقامَ وَالأَوصابا
كَم شَكَوتَ السُهادَ لي يَومَ كُنّا / بِالبَساتينِ نَستَعيدُ الشَبابا
نَنهَبُ اللَهوَ غافِلَينَ وَكُنّا / نَحسَبُ الدَهرَ قَد أَنابَ وَتابا
فَإِذا الرُزءُ كانَ مِنّا بِمَرمىً / وَإِذا حائِمُ الرَدى كانَ قابا
حَرَمَتنا المَنونُ ذَيّالِكَ الوَج / هَ وَذاكَ الحِمى وَتِلكَ الرِحابا
وَسَجايا لَهُنَّ في النَفسِ رَوحٌ / يَعدِلُ الفَوزَ وَالدُعاءَ المُجابا
كَم وَرَدنا مَوارِدَ الأُنسِ مِنها / وَرَشَفنا سُلافَها وَالرُضابا
وَمَرَحنا في ساحِها فَنَسينا ال / أَهلَ وَالأَصدِقاءَ وَالأَحبابا
ثُمَّ وَلَّت بَشاشَةُ العَيشِ عَنّا / حينَ ساروا فَوَسَّدوكَ التُرابا
خِفتَ فينا مَقامَ رَبِّكَ حَيّاً / فَتَنَظَّر بِجَنَّتَيهِ الثَوابا
دَمعَةٌ مِن دُموعِ عَهدِ الشَبابِ
دَمعَةٌ مِن دُموعِ عَهدِ الشَبابِ / كُنتُ خَبَّأتُها لِيَومِ المُصابِ
لَبَّتِ اليَومَ يا مُحَمَّدُ لَمّا / راعَني نَعيُ أَكتَبِ الكُتّابِ
هَدَّأَت لَوعَتي وَسَرَّت قَليلاً / عَن فُؤادي وَلَطَّفَت بَعضَ ما بي
مَوكِبُ الدَفنِ خَلفَ نَعشِكَ يَمشي / في اِحتِسابٍ وَحَسرَةٍ وَاِنتِحابِ
لَم يُجاوِز مَنازِلَ البَدرِ عَدّاً / مِن بَقايا الصَديقِ وَالأَحبابِ
لَم يَسِر فيهِ مَن يُحاوِلُ أَجراً / عِندَ حَيٍّ مُؤَمَّلٍ أَو يُحابي
مَوكِبٌ ماجَ جانِباهُ بِحَفلٍ / مِن وُفودِ الأَخلاقِ وَالأَحسابِ
شاعَ فيهِ الوَفاءُ وَالحُزنُ حَتّى / ضاقَ عَن حَشدِهِ فَسيحُ الرِحابِ
فَكَأَنَّ السَماءَ وَالأَرضَ تَمشي / فيهِ مِن هَيبَةٍ وَعِزِّ جَنابِ
تَتَمَنّى قَياصِرُ الأَرضِ لَو فا / زَت لَدى مَوتِها بِهَذا الرِكابِ
رُبَّ نَعشٍ قَد شَيَّعَتهُ أُلوفٌ / مِن سَوادٍ تَعلوهُ سودُ الثِيابِ
لَيسَ فيهِم مِن جازِعٍ أَو حَزينٍ / صادِقِ السَعيِ أَو أَليفٍ مُصابِ
كُنتَ لا تَرتَضي النُجومَ مَحَلّاً / فَلِماذا رَضيتَ سُكنى التُرابِ
كُنتَ راحَ النُفوسِ في مَجلِسِ الأُن / سِ وَراحَ العُقولِ عِندَ الخِطابِ
كُنتَ لا تُرهِقُ الصَديقَ بِلَومٍ / لا وَلا تَستَبيحُ غَيبَ الصِحابِ
وَلَئِن بِتَّ عاتِباً أَو غَضوباً / لِقَريبُ الرِضا كَريمُ العِتابِ
جُزتَ سَبعينَ حِجَّةً لا تُبالي / بِشِهادٍ تَعاقَبَت أَم بِصابِ
وَسَواءٌ لَدَيكَ وَالرَأيُ حُرٌّ / رَوحُ نَيسانَ أَو لَوافِحُ آبِ
يا شُجاعاً وَما الشَجاعَةُ إِلّا ال / صَبرُ لا الخَوضُ في صُدورِ الصِعابِ
كُنتَ نِعمَ الصَبورُ إِن حَزَبَ الأَم / رُ وَسُدَّت مَسارِحُ الأَسبابِ
كَم تَجَمَّلتَ وَالأَمانِيُّ صَرعى / وَتَماسَكتَ وَالحُظوظُ كَوابي
عِشتَ ما عِشتَ كَالجِبالِ الرَواسي / فَوقَ نارٍ تُذيبُ صُمَّ الصِلابِ
مُؤثِرَ البُؤسِ وَالشَقاءِ عَلى الشَك / وى وَإِن عَضَّكَ الزَمانُ بِنابِ
كُنتَ تَخلو بِالنَفسِ وَالنَفسُ تُشوى / مِن كُؤوسِ الهُمومِ وَالأَوصابِ
فَتُسَرّي بِالذِكرِ عَنها وَتَنفي / ما عَراها مِن غُضَّةٍ وَاِكتِئابِ
وَتَرى وَحشَةَ اِنفِرادِكَ أُنساً / بِحَديثِ النُفوسِ وَالأَلبابِ
بِنتَ عَنها وَما جَنَيتَ وَقَد كا / بَدتَ بَأساءَها عَلى الأَحقابِ
وَنَبَذتَ الثَراءَ تَبذُلُ فيهِ / مِن إِباءٍ في بَذلِهِ شَرُّ عابِ
لَو شَهِدتُم مُحَمَّداً وَهوَ يُملي / آيَ عيسى وَمُعجِزاتِ الكِتابِ
وَقَفَت حَولَهُ صُفوفُ المَعاني / وَصُفوفُ الأَلفاظِ مِن كُلِّ بابِ
لَعَلِمتُم بِأَنَّ عَهدَ اِبنِ بَحرٍ / عاوَدَ الشَرقَ بَعدَ طولِ اِحتِجابِ
أَدَبٌ مُستَوٍ وَقَلبٌ جَميعٌ / وَذَكاءٌ يُريكَ ضَوءَ الشِهابِ
عِندَ رَأيٍ مُوَفَّقٍ عِندَ حَزمٍ / عِندَ عِلمٍ يَفيضُ فَيضَ السَحابِ
جَلَّ أُسلوبُهُ النَقِيُّ المُصَفّى / عَن غُموضٍ وَنَفرَةٍ وَاِضطِرابِ
وَسَما نَقدُهُ النَزيهُ عَنِ الهُج / رِ فَما شيبَ مَرَّةً بِالسِبابِ
ذُقتَ في غُربَةِ الحَياةِ عَناءً / فَذُقِ اليَومَ راحَةً في الإِيابِ
بَلِّغِ البابِلِيَّ عَنّي سَلاماً / كَعَبيرِ الرِياضِ أَو كَالمَلابِ
كانَ تِربي وَكانَ مِن نِعَمِ المُب / دِعِ سُبحانَهُ عَلى الأَترابِ
فارِسٌ في النَدى إِذا قَصَّرَ الفُر / سانُ عَنهُ وَفارِسٌ في الجَوابِ
يُرسِلُ النُكتَةَ الطَريفَةَ تَمشي / في رَقيقِ الشُعورِ مَشيَ الشَرابِ
قَد أَثارَ المُحَمَّدانِ دَفيناً / في فُؤادي وَقَد أَطارا صَوابي
خَلَّفاني بَينَ الرِفاقِ وَحيداً / مُستَكيناً وَأَمعَنا في الغِيابِ
يا اِبنَ عَبدِ السَلامِ لا كانَ يَومٌ
يا اِبنَ عَبدِ السَلامِ لا كانَ يَومٌ / غِبتَ فيهِ عَن هالَةِ الأَحرارِ
كُنتَ فيهِم كَالرُمحِ بَأساً وَليناً / كُنتَ فيهِم كَالكَوكَبِ السَيّارِ
يا عَريقَ الأُصولِ وَالحَسَبِ الوَض / ضاحِ وَالنُبلِ يا كَريمَ الجِوارِ
كُنتَ فَرعاً بِدَوحَةِ العِزِّ تَأوي / تَحتَ أَفنانِهِ عُفاةُ الدِيارِ
قَصَفَتهُ المَنونُ وَهوَ نَضيرٌ / مورِقٌ عودُهُ جَنِيُّ الثِمارِ
كُنتَ تَأسو جِراحَهُم وَتَقيهِم / وَتُقيلُ العِثارَ عِندَ العِثارِ
خانَ نُطقي وَلَم تَخُنّي دُموعي / لَهفَ نَفسي فَقَصَّرَت أَشعاري
غَيرُ بِدعٍ إِذا نَظَمتُ رِثائي / في صَديقي مِنَ الدُموعِ الجَواري
فَمِنَ الحُزنِ ما يَدُكُّ الرَواسي / وَمِنَ الحُزنِ ما يَهُدُّ الضَواري
يا مَليكاً بِرَغمِهِ يُلبَسُ التا
يا مَليكاً بِرَغمِهِ يُلبَسُ التا / جَ وَيَرقى لِعَرشِهِ مَملوكا
إِن أَتَمَّت يَداكَ تَخريبَ مِصرٍ / فَلَقَد مَهَّدَ الخَرابَ أَبوكا
أَبقِ شَيئاً إِذا مَضَيتَ ذَميماً / عَن قَريبٍ يَأتي عَلَيهِ بَنوكا
ثَمَنُ المَجدِ وَالمَحامِدِ غالي
ثَمَنُ المَجدِ وَالمَحامِدِ غالي / آلُ زَغلولَ فَاِصبِروا لِلَيالي
قَد هَوى مِنكُمُ ثَلاثَةُ أَقما / رٍ خَلَت مِنهُمُ بُروجُ المَعالي
ماتَ فَتحي وَمَن لَنا بِحِجاهُ / وأَفانينَ فِكرِهِ الجَوّالِ
كانَ أُعجوبَةَ الزَمانِ ذَكاءً / وَمَضاءٍ في كُلِّ أَمرٍ عُضالِ
وَسَعيدٌ وَكانَ غُصناً نَدِيّاً / فُتِّحَت فيهِ زهرَةُ الآمالِ
وَقَضى عاطِفٌ وَكانَ عَظيماً / صادِقَ العَزمِ مُطمَأَنَّ الخِلالِ
يَهزِلُ الناسُ وَالزَمانُ وَيَأبى / غَيرَ جِدٍّ مُواصِلٍ وَنِضالِ
ساهِدُ الرَأيِ نائِمُ الحِقدِ لاهٍ / عَن مَلاهي الوَرى عَفيفُ المَقالِ
قَد جَلا سَيفَ عَزمِهِ صَقيلُ النَف / يِ فَأَربى عَلى السُيوفِ الصِقالِ
وَنَمَت رَأيَهُ التَجارِبُ حَتّى / باتَ أَمضى مِن نافِذاتِ النِبالِ
يا شَهيدَ الإِصلاحِ غادَرتَ مِصراً / وَهيَ تَجتازُ هَولَ دَورِ اِنتِقالِ
لَو تَرَيَّثتَ لَاِستَطالَ بِكَ الني / لُ عَلى هَذِهِ الخُطوبِ التَوالي
غَيرَ أَنَّ الرَدى وَإِن كَثُرَ النا / سُ حَريصٌ عَلى البَعيدِ المَنالِ
كُلَّما قامَ مُصلِحٌ أَعجَلَتهُ / عَن مُناهُ غَوائِلُ الآجالِ
يُخطَفُ النابِغُ النَبيهُ وَيَبقى / خامِلُ الذِكرِ في نَعيمٍ وَخالِ
أَيَعيشُ الرِئبالُ في الغابِ جيلاً / وَيَمُرُّ الغُرابُ بِالأَجيالِ
كُنتَ فَوقَ الفِراشِ وِالسَقمُ بادٍ / لَهفَ نَفسي عَلَيكَ وَالجِسمُ بالِ
لَم يُزَحزِحكَ عَن نُهوضِكَ بِالأَعبا / ءِ داءٌ يُهِدُّ أُسدَ الدِحالِ
شَغَلَتكَ الجُهودُ وَالداءُ يَمشي / فيكِ مَشيَ المُحاذِرِ المُغتالِ
لَم يَدَع مِنكَ غَيرَ قُوَّةِ نَفسٍ / تَتَجَلّى في هَيكَلٍ مِن خَيالِ
عَجِزَ السُقمُ عَن بُلوغِ مَداها / فَمَضَت في سَبيلِها لا تُبالي
لَم تَزَل في بِناءَةِ النَشءِ حَتّى / هَدَمَ المَوتُ عُمرَ باني الرِجالِ
عَجِبَ الناسُ أَن رَأَوا سَرَطانَ ال / بَحرِ قَد دَبَّ في رُؤوسِ الجِبالِ
مَن رَأى عاطِفاً وَقَد وَصَلَ الأَش / غالَ بَعدَ الهُدُوِّ بِالأَشغالِ
ظَنَّ أَو كادَ أَنَّ أَوَّلَ نَومٍ / نامَهُ كانَ تَحتَ تِلكَ الرِمالِ
أَو رَأى قُوَّةَ العَزيمَةِ فيهِ / وَهوَ فَوقَ الفِراشِ بادي الهُزالِ
ظَنَّ بَأسَ الحَديدِ فارَقَ مَثوا / هُ اِجتِواءً وَحَلَّ عودَ الخِلالِ
قَد تَبَيَّنتَ كُلَّ مَعنىً فَأَنكَر / تَ عَلى السالِفينَ مَعنى المُحالِ
رُمتَ في أَشهُرٍ صَلاحَ أُمورٍ / دَمَّرَتها يَدُ العُصورِ الخَوالي
رُمتُ إِصلاحَ ما جَنَت يَدُ دَنلو / بَ عَلى العِلمِ السِنينَ الطِوالِ
وَقَليلٌ عِندي لَها نِصفُ جيلٍ / لِمُجِدٍّ مُوَفَّقٍ فَعّالِ
لَم تَكُن مِصرُ بِالعَقيمِ وَلَكِن / قَد رَماها أَعداؤُها بِالحَيالِ
أَفسِحوا لِلجِيادِ فيها مَجالاً / قَد أَضَرَّ الجِيادَ ضيقُ المَجالِ
أَصبَحَت في القُيودِ تَمشي الهُوَينا / كَسَفينٍ يَعبُرنَ مَجرى القَنالِ
فَاِصدَعوا هَذِهِ القُيودَ وَخَلّو / ها تَبارى في السَبقِ ريحَ الشَمالِ
عَرَفَ الغَربُ كَيفَ يَستَثمِرُ الجِد / دَ فَيَبني بِفَضلِهِ كُلَّ غالِ
وَدَرى الشَرقُ كَيفَ يَستَمرِئُ اللَه / وَ فَيُفضي بِهِ إِلى شَرِّ حالِ
فَاِترُكوا اللَهوَ في الحَياةِ وَجِدّوا / إِنَّ في اِسمِ الرَئيسِ أَيمَنَ فالِ
فَاِصنَعوا صُنعَ عاطِفٍ وَاِذكُروهُ / آيَةَ المَجدِ ذِكرَةَ الأَبطالِ
يا مُحِبَّ الجِدالِ نَم مُستَريحاً / لَيسَ في المَوتِ مَنفَذٌ لِلجِدالِ
صامِتٌ يُسكِتُ المُفَوَّهَ فَاِعجَب / وَبَطيءٌ يَبِزُّ خَطوَ العِجالِ
كُلُّ شَيءٍ إِلّا التَحِيَّةَ يُرجى / فَهيَ لِلَّهِ وَالدُنا لِلزَوالِ
إِن بَكَت غَيرَكَ النِساءُ وَأَذرَف / نَ عَلَيهِ الدُموعَ مِثلَ اللَآلي
فَعَلى المُصلِحينَ مِثلِكَ تَبكي / ثُمَّ تَبكي جَلائِلُ الأَعمالِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025